أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم على أرضكم

بتاريخ 19/11/1426هـ الموفق 20/12/2005م

 

كم هي الانتقادات للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، وكم هي مشاريع الإصلاح السياسي، ومع أن الأنظمة أقل ما يقال فيها -كقاسم مشترك-: إنها ملك جبري في الغالب -كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم- إلا أن الانحراف واستبداد الأنظمة لا يعني دائماً صلاح والتزام كل المنتقدين والداعين إلى الإصلاح السياسي، فهم بشر أيضاً.

 وأن بقاء التسلط وتوغله وتغوله، وتغلغله وتوسع فساده، واستمراره لذلك، معناه: وجود ركائز وحوافز وقواعد ومساحات في نفوس المجتمع تدعم وتغذي ذلك الفساد الفوقي، بما في ذلك مساحات قد تكون في نفوس وممارسات أولئك المنتقدين الداعين للإصلاح، كالشجرة الباسقة لا يمكن أن تتوسع في الفضاء إلا بقدر ما لها من أصول وجذور تحت التراب؛ وذلك لأن سنة الله اقتضت العدل والحكمة، ولا يمكن أن يتفق مع عدل الله وحكمه أن يطول التسلط والاستبداد والفساد على أناس في غالبهم صالحين لا يستحقون ذلك.

 بل إن الظلم الفوقي غالباً يدل على ظلم تحتي، والنفوس المستعلنة بالشر توحي بوجود نفوس قد تكون أكثر منها عدداً، تستخفي بمثل ذلك الشر أو أكثر، والملك الجبري الحاكم قد يوج خلفه جيش من النزعات الجبرية التي تنتظر دورها في الظلم.

 وهذه السنة الآلهة -في أن الناس محكومون بما في أنفوسهم- مذكورة في مثل قوله تعالى: (( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))[الأنعام:129]، وفي مثل قوله تعالـــى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11]؛ بحيث أنه لو حصل أن انتقل الملك من أيدي المتنفذين إلى أيدي المنتقدين؛ لربما وجدته أيضاً جبرياً، ولوجدت الممارسات الظالمة المعتادة.

 بل إنك قد تجد بعض المنتقدين الذين ليس لهم تمكين من الطغيان والجبروت والعبث، وتقديم الموالين والإسراف عليهم بالألقاب والمناصب، وتهميش وتسريح الكفاءات، وكبت ومطاردة العناصر الأخرى، والتعتيم على أفكارها وأنشطتهم المشروعة؛ بحيث يستكثر عليها مجرد ظهور أو إعلان أو كلمة أو قصيدة؛ أو مقال أو منبر أو محفل أو مدخل...

تجد أن بعض هؤلاء المنتقدين قد يمارس مثل ذلك الطغيان والتقديم، والتهميش والتسريح والتعتيم على من يقدر عليهم في نطاقه المحدود: كمدرسة أو جامعة أو مؤسسة أو صحيفة أو قبيلة أو تشكيل، وحتى في نطاق أسرته، وقد يظلم بعض أقاربه في منعهم من الميراث، أو بعض أصدقائه في عدم قضاء الديون التي لهم، وقد لا يحترم كبار السن وأساتذته أو أهل الفضل والسابقة أو زملاءه، وقد يعتمد سوء الظن والعبارات الطائرة، والتقارير غير الظاهرة.

 وفي الوقت نفسه قد يرفع عقيرته بضرورة احترام الحقوق والحريات، ومراعاة الشورى والآراء، وعدم الالتفاف والتسييس، وتحييد وسائل الإعلام، والحفاظ على المال العام.

 إن مثل هذا التناقض في واقع كثير من المجتمعات أصبح له ظهور وحضور لا يخفى عن الناس، فضلاً عن أن يخفى على خالق الناس، وقد مل الناس ما هم فيه، ولم يعد من حل أو علاج إلا الصدق مع الله ومع الناس، والتوبة العامة، وليبدأ كل فرد بنفسه، ولا يبرئها من صور الظلم.

 وإذا صلحت نفوس الناس؛ فسوف يؤول الأمر إلى أن يصلح نفوس من يحكمهم، وهو أحكم الحاكمين، وكما تكونوا يكن ولاتكم، أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم على أرضكم، وصدق الله: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))[يونس:44].


 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©