الموت (الولادة الثانية)

 

لصوت الإيمان

في 28/12/1428هـ  ـ  6/1/2008م

 

الموت هو الحقيقة التي لا يُمارِي فيها أحد ، ولذلك سمّاه الله اليقين ، قال تعالى :     ( واعبد ربَّك حتى يأتيَك اليقين) النحل .   والموت من أثر اسم الله المُمِيت ، كما أن الحياة من أثر اسم الله المُحْيِي ،  وكل مظاهر الحياة  ومظاهر الموت والفناء تَشهَدُ بأنّ الله هو المُحْيِي المُمِيت ، والإحْياء والإماتة عمليات ٌ متكرّرة في كل لحظة في الأعداد الهائلة من الكائنات التي تولد ، والأعداد الهائلة  من الكائنات التي تموت ، وكذلك في تصريف الأمطار التي تحْيي الأرض عند نزولها بالنبات ، وتموت الأرض عند انقطاعها بالجفاف ، وفي غير ذلك من العمليات  ... و هذه العمليات  المتكررة في كل لحظة تدل على مطْلَق قدْرة الله في الإحياء والإماتة والبعث ...    وكما ملأَ الله الوجود و عمَّمَهُ بالحياة ،  فسوف يُعَمِّمُهُ بالفناء ، (كلُّ مَن عليها فَانٍ) الرحمن . ثم يبْعثهم الله  (هو يُحْيِي و يُمِيت وإليه تُرْجَعون) يونس . (يُخْرِجُ الحيَّ من الميِّت و يُخرِجُ الميّت من الحيّ ويُحْيِي الأرضَ بعد موتها و كذلك تُخْرجون . و مِن آياتهِ أنْ خلقكم مِن ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون) الروم .  والفناء به يظهر أثر اسم الله المميت وتظهر حكمته العظيمة في ابتلاء الناس و  تظهر قدرته المطلقة في نفوذ مشيئته ، ثم يرجع الناس بالبعث إلى الخلود ، فينتهي بهم المطاف إلى الخلود  في الجنة أو الخلود  في النار .

والولادة في الدنيا دخول إلى عالم الحياة الدنيا ، والموت دخول إلى عالم الآخرة الذي هو عالم الخلود ، فالموت من هذه الحيثية شبيه بالولادة ، إنه ولادة لدخول عالم الخلود ، وكما يفرح الناس بالولادة الأولى ... فينبغي لهم الاستعداد دومًا بالصالحات للانتقال لعالم الآخرة  عالم الخلود ، فإذا فعلوا ذلك فسوف يفرحون بالولادة الثانية (الموت)  !  ... لأنها تنقلهم إلى عالم النعيم المقيم الذي لا يحول و لا يزول .. (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ، ولا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران .  (تتنزّلُ عليهم الملائكةُ ألّا تخافوا و لا تحْزنوا وأَبْشِروا بالجنة التي كنتم تُوعَدون ،نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدَّعُون ) حم السجدة   . وكما أن للولادة الأولى ضمّتها عند خروج المولود فإن  للولادة الثانية  ضمّتها  كذلك وهي ضمّة القبر !

  

   أَقِلُّوا البُكاءَ و لا تُكْثِرُوا                        فَعُقْبى الخَلِيقةِ أنْ يُقْبَرُوا

ودُنْيا الغُرورِ سبيلُ العُبورِ                    و مأْواكُمُ العالَمُ الآخِـــرُ

و ميلادُنا هاهُنا في سُرورٍ                 وبالمَوْتِ ميلادُنا الأكْبَرُ

ومَوْتُ الوُجودِ طريقُ الخُلودِ                    و بَدْءُ الخُلودِ هوالَمحْشَرُ

فياقَوْمِ كُفُّوا فلنْ تُوقِفُـــوا                 قضاءَ الإلهِ ولن تَقْدِرُوا

و إنَّا لَنَفْرَقُ عند الفِـراق                         وننْفي النفاقَ ونسْتنكِرُ

ولكنّنا بعد حينٍ نُســاق                   وننْسَى المَساقَ ولانَذْكُرُ

ولذلك قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : (ولَلْآخِرةُ خيرٌ لك من الأُولى) الضحى.  مع أنه عليه الصلاة والسلام كان في الدنيا في أعْلى مقام وهو مقام النبوّة  ... لكن الآخرة تزيد على ذلك بخلودها و نعيمها . ( فما أُوتيتم من شيءٍ فمتاع الحياة الدنيا و زينتُها .. وما عند الله خيرٌ وأبْقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) الشورى .

نسأل الله أن يرزقنا حسْن الاستعداد للرحيل والولادة الثانية  .

 

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©