الموت
هو الحقيقة التي لا يُمارِي فيها أحد ، ولذلك
سمّاه الله اليقين ، قال تعالى : ( واعبد
ربَّك حتى يأتيَك اليقين) النحل . والموت من
أثر اسم الله المُمِيت ، كما أن الحياة من أثر
اسم الله المُحْيِي ، وكل مظاهر الحياة
ومظاهر الموت والفناء تَشهَدُ بأنّ الله هو
المُحْيِي المُمِيت ، والإحْياء والإماتة
عمليات ٌ متكرّرة في كل لحظة في الأعداد
الهائلة من الكائنات التي تولد ، والأعداد
الهائلة من الكائنات التي تموت ، وكذلك في
تصريف الأمطار التي تحْيي الأرض عند نزولها
بالنبات ، وتموت الأرض عند انقطاعها بالجفاف ،
وفي غير ذلك من العمليات ... و هذه العمليات
المتكررة في كل لحظة تدل على مطْلَق قدْرة
الله في الإحياء والإماتة والبعث ... وكما
ملأَ الله الوجود و عمَّمَهُ بالحياة ، فسوف
يُعَمِّمُهُ بالفناء ، (كلُّ مَن عليها فَانٍ)
الرحمن . ثم يبْعثهم الله (هو يُحْيِي و
يُمِيت وإليه تُرْجَعون) يونس . (يُخْرِجُ
الحيَّ من الميِّت و يُخرِجُ الميّت من الحيّ
ويُحْيِي الأرضَ بعد موتها و كذلك تُخْرجون .
و مِن آياتهِ أنْ خلقكم مِن ترابٍ ثمّ إذا
أنتم بشرٌ تنتشرون) الروم . والفناء به يظهر
أثر اسم الله المميت وتظهر حكمته
العظيمة في ابتلاء الناس و تظهر قدرته
المطلقة في نفوذ مشيئته ، ثم يرجع الناس
بالبعث إلى الخلود ، فينتهي بهم المطاف إلى
الخلود في الجنة أو الخلود في النار .
والولادة في الدنيا دخول إلى
عالم الحياة الدنيا ، والموت دخول إلى عالم
الآخرة الذي هو عالم الخلود ، فالموت من هذه
الحيثية شبيه بالولادة ، إنه ولادة لدخول عالم
الخلود ، وكما يفرح الناس بالولادة الأولى ...
فينبغي لهم الاستعداد دومًا بالصالحات
للانتقال لعالم الآخرة عالم الخلود ، فإذا
فعلوا ذلك فسوف يفرحون بالولادة الثانية
(الموت) ! ... لأنها تنقلهم إلى عالم النعيم
المقيم الذي لا يحول و لا يزول
.. (ياأيها
الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ، ولا
تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران .
(تتنزّلُ عليهم الملائكةُ ألّا تخافوا و لا
تحْزنوا وأَبْشِروا بالجنة التي كنتم تُوعَدون
،نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و
لكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما
تدَّعُون ) حم السجدة .
وكما أن للولادة الأولى ضمّتها عند خروج المولود فإن
للولادة الثانية ضمّتها كذلك وهي ضمّة
القبر !
أَقِلُّوا البُكاءَ و لا
تُكْثِرُوا فَعُقْبى
الخَلِيقةِ أنْ يُقْبَرُوا
ودُنْيا الغُرورِ سبيلُ
العُبورِ و مأْواكُمُ
العالَمُ الآخِـــرُ
و ميلادُنا هاهُنا في سُرورٍ
وبالمَوْتِ
ميلادُنا الأكْبَرُ
ومَوْتُ الوُجودِ
طريقُ الخُلودِ
و بَدْءُ الخُلودِ هوالَمحْشَرُ
فياقَوْمِ كُفُّوا فلنْ
تُوقِفُـــوا
قضاءَ
الإلهِ ولن تَقْدِرُوا
و إنَّا لَنَفْرَقُ عند
الفِـراق وننْفي
النفاقَ ونسْتنكِرُ
ولكنّنا بعد حينٍ نُســاق
وننْسَى
المَساقَ ولانَذْكُرُ
ولذلك قال الله لنبيه عليه
الصلاة والسلام : (ولَلْآخِرةُ خيرٌ لك من
الأُولى) الضحى. مع أنه عليه الصلاة والسلام
كان في الدنيا في أعْلى مقام وهو مقام
النبوّة ... لكن الآخرة تزيد على ذلك بخلودها
و نعيمها . ( فما أُوتيتم من شيءٍ فمتاع
الحياة الدنيا و زينتُها .. وما عند الله خيرٌ
وأبْقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) الشورى
.
نسأل الله أن يرزقنا حسْن
الاستعداد للرحيل والولادة الثانية .
|