إخواننا في حماس والتساؤلات

 
                                       بتاريخ 1427/2/20 الموافق 2006/3/20  

 

 بغض النظر عن وجهة نظري في الانتخابات الديمقراطية التي خضتها مرات عديدة ولي تجربتي معها، والتي تجري عموماً في بلاد المسلمين بالضوابط الديمقراطية التي تسوي بين العالم والجاهل والصالح والطالح، وربما بين المسلم وغيره، وليس بالضوابط الشرعية.... بغض النظر عن ذلك، فإنه من الملفت حقاً أن هذه الانتخابات الديمقراطية كما يراها المتابعون تنتهي دوماً بعدم إحراز التوجهات الإسلامية أغلبية فيها، رغم سيطرة هذه التوجهات على الشارع وعلى أبرز المؤسسات والمنظمات والنقابات، ورغم الصحوة الإسلامية الكاسحة؛ بحيث يقول المتابعون إنه لو كان هناك التزام بالضوابط الديمقراطية المزعومة لفازت التوجهات الإسلامية بالأغلبية، ولكن التزوير والتدخلات والممارسات التي تزعم الديمقراطية ذاتها أنها منافية لها، تقذف دوماً بهذه التوجهات إلى الخلف، لتبقى الأحزاب الحاكمة في كل مرة هي صاحبة الأغلبية المريحة، وهذا ما يظهر بوضوح ـ رغم كل التفسيرات والتحليلات ـ التشخيص النبوي المعجز للواقع، والذي لا يمكن أن يتخلف، هو كما في الحديث الصحيح (الملْك الجبري)، وحتى إذا حصلت أغلبية للتوجهات فإن نتيجتها سلبية عكسية كما في الجزائر، فقد تمت معاقبة الناس هناك ليكونوا عبرة للآخرين، وتمت العودة إلى بيت الطاعة (الملك الجبري)، وكما في تركيا فإن الأغلبية تصب دوماً في خانة الحكم الجبري العلماني حتى لو حصل عليها توجه إسلامي؛ لأن الدستور والمحكمة العليا والجيش ثلاثي لحماية العلمانية.

ونأتي إلى الأغلبية الأخيرة في فلسطين حيث سمح النظام العالمي الجديد الذي تُعدُّ دولة اليهود جزءاً منه لحركة حماس بالأغلبية، ويقول إخواننا في حماس ـ كما سمعنا منهم مباشرة ـ إنهم فوجئوا بذلك...! فهل يا ترى فوجئ النظام العالمي أيضاً بذلك؟ وفوجئت أيضاً دولة اليهود؟ مع أنه لا تحصل لهم مثل هذه المفاجأة في طول العالم الإسلامي وعرضه، رغم أن سيطرتهم كما هو ظاهر على فلسطين أكثر من غيرها، فقد فعلوا بالقيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني ما فعلوه، ولم يسلم من ذلك ياسر عرفات الذي وقع معهم الاتفاقات! ورغم استياء الناس بشكل واسع في فلسطين مما حدث لياسر عرفات فقد حصلت الأغلبية لمن حرص النظام العالمي أن يأتي بعده، وهناك من يقول: لقد تم صُنْع الأغلبية... فلماذا لم يطَّرد ذلك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ وجاءت المفاجأة؟ وتُرِك للناخبين صنع الأغلبية بدلاً من صناعتها كالعادة خلف الكواليس؟! إذا كانت هذه الأغلبية الأخيرة مفيدة فعلاً ـ وذلك ما تتمناه كل قوة من القوى ـ لكي تحكم بارتياح.. فلماذا فوجئت بها حماس؟ ولماذا لم تعمل لاستثمارها على انفراد؟ لماذا حرصتْ إلى آخر لحظة على إشراك كافة الفصائل الفلسطينية وكان بعضها يوافق ثم يعود فيرفض؟ وأخيراً بقيت حماس وحيدة في الساحة... هل هي عملية اغتيال لحماس وتخشى كل الفصائل إن هي اشتركت من دفع الثمن؟ لقد أثخنت حماس ومعها بقية المجاهدين (والدور الأكبر لها)، في كيان اليهود ودولتهم ولم يستطع هذا الكيان ولا النظام العالمي المواجهة، لأن فن الاستشهاد لا يحسنه إلا المجاهدون، فانكمش اليهود داخل الجدار العازل، وهاجر أكثر من مليون منهم هجرة عكسية، وأصيب اقتصاد اليهود بالشلل.. فهل تم السماح بالأغلبية لتكون عوضاً عن المواجهة حتى يتم نقل حماس من مربع الجهاد الذي تحسنه وحدها مع المجاهدين إلى مربع الديمقراطية التي هي اللعبة المفضلة للنظام العالمي والتي تشبه صنم التمر في الجاهلية العربية الذي كان يعبد تارة ويؤكل أخرى؟! هل تم السماح بالأغلبية مع إظهار التمنُّع من راعية النظام العالمي وربيبتها دولة اليهود إمعاناً في الخداع مع إظهار القبول بالأمر الواقع حتى تبدو المسرحية مقبولة في حين يكون دور الاتحاد الأوروبي والأنظمة في المنطقة هو إظهار التعاون والقبول بنتيجة الديمقراطية، حتى تعتبر حماس وكل محبيها في العالم الإسلامي أنها قد حققت نصراً كاسحاً بانتقالها لمربع الديمقراطية؟ وهل ذلك نصر فعلاً؟ وهل للسلطة التي هي ثمرة النصر والتي زهدت فيها الفصائل، هل لها قيمة أو سيادة؟ ودولة اليهود هي المهيمنة على كل شيء ابتداء من التحويلات التي تمر للسلطة الفلسطينية عبر بنوكها، ومروراً بدباباتها وطائراتها وجنودها الذين ينتهكون سيادة السلطة في أي وقت فيعتقلون من شاءوا ويقتلون من شاءوا، وليس آخر ذلك اختطاف أحمد سعدات من سجن السلطة في أريحا مع تعرية أجسام أفراد شرطة السجن إمعاناً في الإهانة... وانتهاء بالاستئذان الذي لابد أن يطلبه أي مسئول في السلطة للسفر للخارج أو المرور عبر المعابر، ولا زال حصار عرفات ماثلاً في الأذهان! ومثل ذلك مرور المواد الغذائية الذي تمنعه سلطات اليهود عندما تحب، كما فعلت أخيراً في غزة ... وهل تستطيع حماس فعلاً أن تتراجع عن الخط الإجباري الذي يراد لها السير فيه لكي تعود إلى الجهاد من جديد؟ هل تستطيع ذلك وقادتها المكشوفون في السلطة والبرلمان وعناصرها أهداف مشروعة للقتل كما يقول اليهود؟ هل آن الأوان للسلم مع اليهود وهم لم يجنحوا له؟ هل الانتخابات في ظل العصا الغليظة للاحتلال مجدية؟ لقد كانت فتوى هيئة علماء الإسلام في العراق بعدم الجدوى... فهل ما لم يكن مجدياً في العراق يكون مجدياً في فلسطين؟

لقد جربت فتح وعلى رأسها ياسر عرفات وكانوا متفاهمين مع النظام العالمي، ومع دولة اليهود ووقعوا اتفاقات فلم ينجحوا، فهل تنجح حماس فيما فشلت فيه فتح؟!

ولقد أراد ياسر عرفات التراجع عن الخط الإجباري، ولعله أراد العودة إلى مربع الجهاد فقتلوه... لقد نشأت فتح من قبل كحركة جهادية وكان للشيوخ من الإخوان دور في تأسيسها ثم انتهى بها الأمر بعد طول جهاد إلى تجربة السلطة وكانت النتيجة ما كانت، فلماذا يجرب المجرب؟!

نسأل الله أني جعل لإخواننا في حماس وفي فلسطين وكذا لسائر المسلمين فرجاً ومخرجاً، إنه سميع مجيب.

 


 

 

 .................................................                                        

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©