خمس سنوات على احتلال العراق.. وسُنّة التدافع

 

لمجلة المنتدى

  في 23/4/1429هـ   29/4/2008م

 

 

المخطط الصليبي اليهودي لاحتلال العراق جاهزٌ منذ فترة كما هو معروف عند المتابعين ...وماكانت دعوى أسلحة الدمار الشامل إلا ذريعة مكشوفة شبيهةً بذريعة المِنشّة التي استخدمتها فرنسا لاحتلال الجزائر رغم أن المخطط كان سابقًا لذلك ..   و ذرائع الاحتلال تعيد نفسها .. و لم يلبث المحتلّـــون للعراق أن اعترفوا بزيف ذريعتهم!

   خلاصة ما فعَله المحتلّون :

ولما كانت أمريكا في عجَلةٍ من أمرها ، فقد بدأت العدوان على العراق دون إذْن ما يسمى بمنظمة الأمم المتحدة ، لأنها تعلم أنها لعبة بيدها تستصدر منها ماتريد حينما تريد ، ولمّا استكملت الاحتلال طلبت من تلك المنظمة ما تظن أنه يُضْفِي شرعيـةً على عملها و هو إصدار قرار بدخول قوات دولية تساندها في العراق.. ففعلتْ ، و دخلتْ قواتٌ من الدول الصليبية  المتحالفة مع أمريكا و من غيرها ..  و لم يكَد الاحتلال يتمتّع بنشوة الإطباق على الفريسة .. حتى فوجئ بفريضة الجهاد يتسابق أهل السنة والجماعة من العراق وخارجه لأدائها في العراق ، و إذا بالعدوّ يجد نفسه خلال فترة وجيزة وسط جحيم العمليات المضادّة الواسعة .. ممّا جعله يعمل على حجْز قوّاتـه في معسكرات معزولة ، ويعمل على عسْكَرة آبار النفط ، ويقوم بسحْب النفط بكميات هائلة استباقًا للأحداث .. ولا تتحرّك قوّاته إلا في حدود الضرورة ، ومع ذلك فهي تدْفع الضريبة يوميًّا على أيدي المجاهدين أثناء هذه التحرّكات أو في داخل المعسكرات.. و قد وكّل الاحتلال مخابراته ومخابرات اليهود ومخابرات حلفــائه الصليبيين ، وكذلك وكّل حلفاءه المحليين الذين تعاونوا معه في احتلال افغانستان أوّلًا ثم في احتلال العراق ، وكّلَهم جميعا في التصرّف في البلد والانتقام من أهل السنة الذين يحملون عبْء الجهاد.. فتَمّ عن طريق هؤلاء الوكلاء اغتيال الكفاءات من أهل السنة بالمئات !.. وتمّ تعذيب و تقتيل أهل السنة بالجملة بمُجرّد الهُـوِيـّة حتى تجاوز عدد القتلى المليون! .. وتمّ تشريد وتهجير السُّكّان من أهل السنة حتى تجاوز عدد اللاجئين خمسة ملايين !.. وتمّ تقسيم البلد واقعًا إلى ثلاثة أقاليم ..

  ما لقيه المحتلّون .. ومؤمرات الالتفاف :

    أنجز المحتلون ما أنجزوه من مؤامرتهم في العراق ، ولكن أمريكا بالذات دفعتْ ثمنًا باهظًا! فبلغتْ كراهية الناس لها في العالم الإسلامي إلى المستوى القياسي .. بل وصلت الكراهية لها إلى بعض العالم الصليبي بسبب الغطرسة الأمريكية التي كلّفتْهم كثيرًا..  وأُصيب اقتصاد أمريكا إصابات غائرة ، ومضى في الانحدار ، وتصاعدت الدعَوات الجـادّة من داخل أمريكا بضرورة الانسحاب ، وبلَغ عدد القتلى عشرات الآلاف كما يُرجِّح بعض المراقبين ، وإن كانت الإحصاءات الرسمية لم تتجاوز بهم بضعة آلاف . والغالب أن وراء  تقليل الخسائر مستلزمات دعاية وإعلام الحرب الهادفة إلى محاولة صيانة هيبة الدولة الكبرى التي أصبحتْ تتــردّى في الحضـــيض ..       كما أنه كان من مستلزمات الدعاية التغطية على الحليف المحلّيّ الرئيس حتى لا يفقد هذا الحليف كلّ أقنِعتهِ في المنطقة ، وذلك عبْر الكلام الذي لاينتهي على الملف النووي ، و على الضرْبة المنتظرة! .. في حين تمضي خطوات التمكين لهذا الحليف في النطاق المتفق عليه ، عملًا بمقرّرات مؤسّسة (رانْد) للاستفادة من نَشَــازِه وانعزاله ومن شذوذاته الضارّة بالمسلمين .. في العراق ومنطقة الخليج واليمن وأواســـــط آسيا وحتى في أفريقيا..إلخ ، مع التزام الحليف بالعداء الإعلامي البالُونيّ لأمريـــكا ( الشيطان الأكبر) ولليهود ، ومع إعادة العنتريّات البالُونيّة القديمة  بمحْواليهود من الوجود ونحو ذلك ، وإجراء تمثيليات ضخمة في المنطقة ما بين وقت وآخر لاتتضرّر فيها مصالح الطرفين حتى لو سُفِكتْ فيها بعض الدماء !.. فلِكـــلّ شيء ثمن ، والتحالف الاستراتيجي العميق المغلَّف بالعداء التكتيكيّ .. له كذلك ثمنه! ( و إنْ كان مَكْرُهم لتزول منه الجبال) إبراهيم .... وسبقتْ في التاريخ القريب تمثيليات تآمرية مماثلة.. كتمثيلية الانتصار المحدود لأتاتورك على اليونان لكي يصنع الانتصار منه زعيمًا يُسقِط الخلافة العثمانية.. وسُفِكتْ الدماء لتحقيق هدف هذه التمثيلية !..     وكذا الانتصار المحدود لزعيم أكبر دولة عربية على اليهود في حرب رمضان .. وسُفكتْ أيضا لذلك الدماء من أجل تأهيل الزعيم ليكسر الحاجز و يقود مبادرة الاستسلام المسمّاة بِـ (السلام)...

      و من الأدلة على التمثيلية التكتيكيّة التي يمارسها الحليف الرئيس للأمريكان في العراق  .. عدم الجديّة في العمل على إخراج المحتل من العراق فضلًا عن أفغانستان ...  وعدم الوقوف مع الفلسطينيين وقوفًا حازمًا حاسمًا ، وعدم الجديّة في مواجهة حقيقية مع اليهود ـ تمامًا كشأن سائر الأنظمة ـ رغم كل ما يجري على الفلسطينيين من حرب الإبادة والحصار لاسيما في غــــزة ، والاكتفاء بالمعونة الإعلامية والمادية المحدودة ـ لغرض الدعاية والسياسة ـ والتي لاتتناسب مع الدعاوى الطويلة العريضة في التفاعل مع قضية فلسطين! .. وعدم وجود أيّ موقف من العدوان والاحتلال الصليبي للصومال رغم المخازي والمجازر الصليبية التي لم يسلم منها حتى المصلُّون وجماعة التبليغ هناك! .. وعدم وجود أيّ موقف من المخطّط الصليبي اليهودي الذي يستهدف السودان باسم قضية دارفور وغيرها ...

   العناصر الفاعلة وسُــنّة التدافع :

     إن العناصر الفاعلة في مشْهد المنطقة ومنها العراق .. هي أمريكا وحلفاؤها من أتباع الصليب وغيرهم ، واليهود ، والحليف المحلّيّ الرئيس ، والحلفاء المحليّــّون الآخرون مِن جهة..فهذا طرَفٌ في المعادلة .. والطرف الآخر هم المجاهدون ، و هم آلافٌ في العراق وآلافٌ في أفغانستان وآلافٌ في فلسطين وآلافٌ في الصومال وغيرها ... ووراءهم مساعداتُ و دعاءُ الأفراد والقوَى المتديّنة في شعوب أمة المليار والنصف ، وكذلك مساعداتٌ محدودة جدّاً من بعض الأنظمة ، يتمّ تقديمها في الغالب لأغراض الدعاية والسياسة كما ذكرنا ، وكما في الحديث المتفق عليه فإن الله يؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر .. كما أن المجاهدين يستفيدون مما يثور داخل الدول المتحالفة من معارضات ودعوات مضادّة لسياسات تلك الدول مما يصبّ في صالح مسيرة الجهاد..

     وبذلك تتحقّق سُـنّة التدافع التي قدّرها الله جل وعلا لنُصرة دينه ( ولولا دفْع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمتْ صوامعُ وبِيَعٌ و صلواتٌ و مساجدُ يُذكَر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرَنّ الله من ينصره ، إن الله لقوِيٌّ عزيز) الحج. ( و لولا دفْع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) البقرة . و نتيجةً لهذه السُّنة فإن الباطل لا يستطيـع أن يقضي على الحق ، بل يبقى للحق وجودُه الظاهر الذي به تقوم الحجة الكافـية على الناس ، و في الحديث المتفق عليه ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهـرين لا يضرُّهم من خالفهم و لا من خذلهم) وفي رواية عند (مسلِم) و غيره بيان وسيلتهم وصفتهم الرئيسة في الظهور وهي ( يُقاتِلون ) ....

  وا لله غالب على أمره :

     إن ماحدث ويحدث في العراق لاينفكّ عمّا يجري في المنطقة الإسلامية بِكاملها ، ورغم الوَهن الذي يعاني منه المسلمون ، ورغم تداعِي أعدائهم المتحالفين للسيطرة عليهم إلّا أن ظاهرة استعصاء المسلمين على الذوبان وعلى غياب الذات والكيان حقيقةٌ ماثلة .. بل إن محاولة العدوّ ابتلاع أيّ جزء من الكيان الإسلامي شبيهٌ بمغامرة ابتلاع السمّ الذي يُفضي إلى الهلاك عاجلًا أو آجلًا .. و من الأمثلة القريبة على الهلاك محاولة الاتحاد السوفيتي ابتلاع أفغانستان ، حيث ظل يتلوّى من الألم سنوات ثم لَفَظَها ، ولَفَظَ أنفاسه بعد ذلك بوقت قصير !  وكذلك دولة اليهود ابتلعت فلسطين .. واضطرّت قبل فترة أنْ تلفظ قطاع غزة من شدّة المعاناة ، وأن تكلّف نفسها بناء الجدار العازل و أن تسجن نفسها فيه ، واضطر أكثر من مليون من اليهود أن يُغادروا فلسطين لعدم قدرتهم على التحمّل ،وغرَبتْ خرافة (إسرائيل من الفرات إلى النيل)، والسنوات القادمة كفيلةٌ بإذن الله بإظهار أن اليهود المجرمين قد جنَوا على أنفسهم باغتصاب فلسطين !.. والتحالف الصليبي في أفغانستان يترنّح ، ويضيق عليه الخناق يومًا بعد يوم ، وربما تخلّى عن كابول في هذا العام أو العام القادم! .. والمحتلّــون في العراق ربما ندموا على فعلتهم ، إضافة إلى أنهم تخَلّوا عن القائمـــة التي كانوا قد أعدّوها للدول التي كان سيأتي دورها بعد العراق.. وقد أصبحوا يتصرفون تصرّفًا هستيريًّا ، و من ذلك تدميرهم العراق الذي احتلّوه فدمّرهم، وتسليمــهم العراق للحليف المحلّي انتقامًا واضطرارًا ! رغم أنهم لا زالوا فيه، و لا زالوا يبحثون عن حلول تحفظ لهم ماء الوجه دون جدوى ، وهم بسبب الاحتلال(الابتلاع) في حالـــة من الدُُّوار والاضطراب العسكري والسياسي والاقتصادي الداخلي والخارجي الـذي لا بدّ أن يظهر أثره الهائل المدمّر عليهم فيما بعد كما حدث للاتحاد السوفيتي من قبل! .. وابتلاع إثيوبيا للصومال فعَل بها ما فعَل، حتى دفعها الحقد والارتباك إلى أن تذبح رجال التبليغ!.. وقد أصبحت المدن الصومالية تعود إلى أيدي الإسلاميين واحدةً بعد أخرى ..

     إن الإسلام دين الله الذي أنزله للبشرية لكي يبقى ، ومهما حصل للمسلمين من ابتلاءات وتأديبات ، فلن يصل ذلك إلى الزوال والاستئصال ، والكيان الإسلامي كما قال القائل : يمْرض ولا يموت .. ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون) يوسف .

الدولة الجادّة لأهل السنة قادمة في أحد أقاليم الجهاد :

      و الإسلام الذي جعله الله حجّة على الناس ، و مكّـــن له في الأرض طَوَال القرون الماضية ، و جعله يقيم الحضارة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وكانت على يد أتباعه الفتوحات وانتشار الدين في أنحاء الأرض، وقيام الجهاد الشرعي المتواصــل للأعداء وإلى اليوم ، و سوف يُبْقِيه الله إلى أن يظهر على الدين كله في آخر الزمان .. هو الإسلام الذي عليه أهل السنة والجماعة ، فهم يشكّلون الأغلبيّة الساحقة في الأمة (أتباع المذاهب الأربعة والمذهب الظاهري ومن دار في فلَكهم) ، وما سواهم نسبة يسيرة في الأمة ، ولم يحدث لأيّ فِرقة منهم مثل ذلك التمكين الواسع الممْتدّ في شعاب الزمان والمكان ، قال تعالى : ( وعَد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم) النور . فنصّت الآية الكريمة على أن التمكين لأهل السنة عمومًا في الأرض بما لا مثيل له في التاريخ كله، دليلٌ على أن دينهم هو الذي ارتضــاه الله... و الجهاد القائم في هذه الأيام بصدْق ودون هوادة في مواجهة أعداء الأمة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان و كشمير والفليبين ... إلخ ، إنما يتولّاه أهل السنة وحدهم ! و يوشك أهل السنة على الانتصار بإذن الله ، كما انتصروا في التاريــخ الماضي على الصلـــيبيين وعلى التتار ، و كذا على الاستعــمار في القرن الســابق والذي قبله .. والمقدّمات الميدانيـة تدلّ على قرب قيام دولة مجاهدة متمرّسة قويّة لهم في إقليم من تلك الأقاليم أو أكثر ، تتبنّى تطبيق الكتاب والسنة بقوّة ، وسوف تقف سدًّا في وجه الأعداء ، وفي وجه حلفائهم الذين لم يقتصدوا ولم يتورّعوا في عداوتهم لأهل السـنة واضطهــادهم وتقتيلهم ، و لا يمكن أن تنحطّ هذه الدولة في المظالم كما انحطّوا ، فكلّ إناء بالذي فيه ينضح !

      و لو كان أهل السنة مع طول تاريخهم طُغاةً ظلَمةً على النحْو الذي عليه هؤلاء، ما كان بَقِي في ديار المسلمين الواسعة أحدٌ من أهل الكتاب والمشركين ( أهل الذمّة) و لا من أتباع الفِرَق ، لأنهم أقلياتٌ كان يمكن القضاء عليها على مدار القرون! ولكنه عدْل الإسلام الذي يقيمه أهل السنة والجماعة.. ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف . وبالله التوفيق .

      

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©