مَغْزَى تَكرار المسيئين إساءتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم

مقال لمجلة المنتدى

في 3/3/1429هـ    10/3/2008م

 

يتساءل الكثيرون : لماذا كرّر الدنماركيون الإساءة إلى نبي  الإسلام عليه الصلاة والسلام؟ وقبل محاولة الجواب تجدُر الإشارة ابتداءً إلى أن ذلك ليس مستغربا   من أيّ كافر .. وطبيعة الكفر تجعل  الأوصاف في قوله تعالى: (لا يألونكم خَبَالًا ، ودُّوا ما عنتُّم ، قد بدَت البغضاء من أفواههم وما تُخْفي صدورهم أكبر) آل عمران ، قابلةً للظهور لدى الكافرين في أيّ وقت . ويرى بعض المُهْتمّين والمتابعين أن تكرار الإساءة يرجع في الغالب إلى أُمور ، منها :

     1 ــ  محاولة غرْس عامل الحياد والتنكُّرللإسلام لدى المسلمين :

      أساءتْ بعض الصحـــف الدنماركية في المرّة السابقة إلى رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ، وكان ردّ الفعل عند عامة المسلمين  تيارٌ من الغضب الواسع والاحتــــــــجاجات والفعّاليات المتنوّعة ومقاطعة البضائع .. إلّا أن ردّ الفعل الرسمي من الدول التي في بلاد المسلمين كان ضعيفًا إن لم يكن شبْهَ مُنْعدِم  ،  باستثناء ماحصل أخيرًا من دولة السودان التي قطعتْ العلاقات مع الدنمارك . وهذا ماجعل الفعاليات والاحتجاجات في الغالب مؤقتــــــة ، وجعل المقاطعة تخضع لاجتهاد الأفرا د ، وجعل الدنماركيين يتحايلون لإفشالها باساليب متعدّدة وبقيت البضائع في الأسواق لم تمنعها الدول  ، وبعض الناس يغفل وينسى ، وبعضهم يُلبَّس عليه ، وبعضهم لا يجد البدل ...إلخ . ورغم ذلك تكبّدت الدنمارك خسائر كبيرة ، ولكنها كانت تَلقى دعْمًا من الاتحاد الأوروبي ، وصارتْ أخيرًا كثير من البضائع الدنماركية تُصدَّر إلى بلاد المسلمين باسم الاتحاد الأوروبي !.. . هذه الظروف مع السلبية الرسمية من الدول أغْرَتْ الصليبيين بمعاودة الكرّة في الإساءة في عدد أكبر من الصحف  ، إمعـــــــانًا في اللامبالاة واستغلالًا لحال المسلمين وحال دولهم، وطمَعًا في أنْ  تُصبح الإساءة أمرًا معتادًا يتغاضَى عنه المسلمون ويتطبَّعون على السكوت عنه ، و حرَص الصليبيون أنْ يتمادَوا في ذلك حتى ينتُج عن تماديهم مزيدٌ من  تساهل المسلمين في دينهم والتهاوُن فيه بالتدريج وموت الغَيرة عليه وفقدان مكانته في نفوسهم إلى حدٍّ قد يصل إلى القبول بالتراجع عنه من بعضهم أو الخروج منه .. يريدون أن يصبح المسلمون على حدّ قول الشاعر  :

                مَن يَهُنْ يَسهلِ الهوانُ عليهِ            ما لِجُرْحٍ بِمَيّتٍ إيلامُ

ويكون مغزى الصليبيين في هذه الحالة من تكرار الإساءة هو محاولة التمهيد  لتحييد  المسلمين وتطبيعهم على ذلك  ثم محاولة غرْس عامل التنكُّر للإسلام وإمكان الانقلاب عليه في نفوس المسلمين .

     2 ــ محاولة تكْوين عامل وقاية لأوروبا من الإسلام بزعمهم :

     رغم ظروف المسلمين الصعبة فإن للإسلام قوَّته الذاتية ، ولذلك فإنه ينتشر ببراهينه وأدلته الفطرية والعلمية الكثيرة في أوساط غير المسلمين في أوروبا وغيرها ، وتفيد التقارير أن المسلمين ربما صاروا بعد حينٍ أغلبية في أوروبا ، لاسيما والمسلمون يتناسلون بنسبة عالية ، والهجرات تُغَذّي عددهم ،  وهذا ما يُزعج أعداء الإسلام كثيرًا .. لذلك فإنهم يتآمرون بشتى الأساليب خوفًا من النتيجة المذكورة ... ومن هذه الأساليب محاولة تَسْميم الرأي العام في أوروبا بانتقاص الإسلام ورسول الإسلام عليه الصلاة والسلام بالإساءة إليه ونحو ذلك ، حتى يفقد الإسلام جاذبيّته ــ في ظنهم ــ عند الأوروبيين فيُحجِمون عن الدخول فيه .        ويكون المغزى في هذه الحالة من الإساءة بمنطقهم  هو محاولة تكوين عامل وقاية لأوروبا من الإسلام .

     3 ــ محاولة الحفاظ على الحماس الصليبي في الذروة :

      لقي التحالف الغربي الصليبي الذي قوامه عشرات الدول هزائم كبيرة في اعتداءاته واحتلالاته الغاشمة المدمّرة التي أزهقت أرواح الملايين  في أفغانستان وفي العراق وفي الصومال و غيرها رغم قلة المجاهدين وقلة عتادهم، و رغم تعاون معظم الدول في بلاد المسلمين مع ذلك التحالف ..! فكيف سيكون الحال بعد مرور سنوات ؟.. مع تنامي الكراهية الشديدة لدول التحالف في المنطقة ومع تزايد المجاهدين والتحام الشعوب بهم ، ومع توقُّع وقوع بعض البلاد في قبضة المجاهدين بصورة تامّة ، إضافة إلى حصول شيء من التخاذل و التفكّك في التحالف الصليبي ، وسحْب بعض دول التحالف قوّاتها والنجاة بجِلْدها .. كل ذلك وغيره دفع بعض عُتاة الصليبيين إلى التأجيج لإحياء العصبية الصليبية وتقويتها بالإساءات المتتالية: الإساءة السابقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتوابعها ، ُثم الإساءة الثانية الحالية ومن توابعها تأييد وزير الداخلية الألماني للإساءة ــ ثم الفيلم المعدّ الآن في هولندا للنشر قريبا للإساءة إلى القرآن ــ كذلك إساءة بابا الفاتيكان قبل فترة قريبة إلى الإسلام ــ و إساءة أحد الوزراء الإيطاليين إلى الإسلام ــ والإساءة إلى القرآن في معسكر جوانتانامو وفي غيره من قِبَل الأمريكان .... كل هذه الإساءات المتتابعة وغيرها لا يمكن أن تكون عارضة وإنما هي مقصودة مخطَّط لها من أجل تغذيةوإحياء النزعة الصليبية وتعبئة شعوب الغرب من جديد لتجديد وتمتين وتمكين التحالف الصليبي الذي حصل له ضَعْف ... والتذرُّع  بمواجهة الغضب العظيم والخطر الجسيم الوارد من الشعوب الإسلامية ( الذي صنعتْه أصلًا الاعتداءات والاحتلالات و الإساءات المُنَفَّذة ) ... والتعبئة بأن مواجهة  الشعوب الإسلامية  والتحالف المتين من أجل المواجهة  ضرورةٌ مُلِحَّةٌ من أجل الحفاظ على الوجود الغربي  وعلى مصالحه الحيوية ...وهذا التأجيج وهذه التعبئة تقطع الطريق على أيّ تعامل مع الواقع أو اعتراف بالمجاهدين المسيطرين على بعض المناطق و على أيّ تفاهم مؤقت معهم من قبل بعض الجهات المتفهِّمة التي كانت قد بدأتْ تفكّر بذلك في الغرب . ويكون المغزى من الإساءة في هذه الحالة هو محاولة الحفاظ على عامل الحماس في الذروة للوجود وللمجد الصليبي بزعمهم  .

      5ــ  محاولة تجذير المصير المشترك بين أهل الكتابين :

      عداوة الصليبيين للإسلام ظاهرة ، ولكن عداوة اليهود أشدّ (لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) البقرة .   ويذكر المراقبون أن لليهود من الخلْف(مع عتاة الصليبيين) دورًا في الحث على هذه الإساءات ، لأن لليهود مصلـــحة كبرى في زيادة إيقــــــاد جذوة الحـــــرب بين المسلمين والغرب ( الحليف الاستراتيجي لليهود) وقطْع الطريق على أيّ تفاهم مؤقت  بين الطرفين  ولاسيما بخصوص فلسطين بعد ظهور المجاهدين فيها بقوّة ولاسيما في غزّة وفرْضهم الأمر الواقع واستعصائهم ، بالرغم من وحشيّة اليهود وحلفائهم في محاولة القضاء عليهم ، وانكماش اليهود داخل الجدار العازل  ... لأن أيّ تفاهم مؤقّت  بين الغرب والمسلمين ليس في مصلحة اليهود ، ومن مصلحتهم أن تبقى الحرب على أشُدّها ,وأنْ يبقى تحالفهم مع الصليبيين ضد المسلمين على أشُـــــــدِّه ( بعضهم أولياء بعض) المائدة  ... يوقِدون الحـــــروب ولكن ّالله لهم بالمرصاد (كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعَــــون في الأرض فسادًا والله لا يُحب المفســـــدين) المائدة .  و يكون المغزى في هذه الحالة من الإساءة هو محاولة تجذير عامل المصير المشترك  بين أهل الكتابين .

    5  ــ حكْمة الله :

     يسوق الله عُتاة هؤلاء الكافرين المتحالفين من المغضوب عليهم والضالين إلى أن يكشفوا مافي صدورهم بإثارة المسلمين بهذه الإساءات واستفزازهم ...ويظنون أن ذلك في مصلحة تمتين وتمكين تحالفهم .. ولكن هذه الأفعال الاستفزازية  تؤدي دون شعور منهم إلى صحوة ويقظة عند المسلمين ، وتنشر فيهم الوعي بالأخطار والمؤامرات الكبرى التي تحيط بهم وتؤجّج الغيرة في نفوسهم وتبعث فيهم التماسك والترابط .. ورُبَّ ضارّةٍ نافعة !... وكم فعَـــــــــل بوش وشارون وأولمرت وأمثالهم في المسلمين من أفاعيل تقشعرّ لها الأبدان .. ولكــــــن تلك الأفاعيل كانت سببًا في نفْخ روح التصدّي والجهاد في طول العالم الإســــــلامي وعرْضه ، ودفعتْ كثيرًا من المسلمين المتفلّتين إلى العودة إلى التمسُّك بدينهم بقوّة .. بل إن هذه الأفعال وتلك الإساءات جعلت القضايا الإسلامية في صدارة القضايا في العالم كله ، ممّا لفَتَ نظر الناس جميعا إلى الإسلام و إلى التفكير فيه ،  وإلى قيام بعضهم بدراسته ثم الدخول فيه واعتناقه بصورة  واسعة لم يسْبِق لها مثيل في العصور الأخيرة .. والإحصائيات الموثَّقة خير دليل على ذلك (وعسى أنْ تكرهوا شيئا وهو خير لكم) البقرة.( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرًّا لكم ، بل هو خير لكم) النور .

        وإذا أراد الله نَشْرَفضيلةٍ طُوِ يَــ            ـــــــــــتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ

       لولا اشتعالُ النارِ فيما جاوَرَتْ          ما كان يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ

 وهذا المَغْزَى طبْعًا ليس مرادًا للمغضوب عليهم والضالين ولا في حُسبانهم ، بل مرادهم العكس وحساباتهم في الاتجاه الآخر.. ولكنها إرادة الله وحكْمة الله الذي يؤيّد دينه بالرجل الفاجر كما في الحديث النبويّ الصحيح، وقد يكون هذا التأييد بصورة غير مباشرة ... ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون) يوسف .   

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©