في ذمة الله

(المتهاونون في جماعة الفجر لا يستحقون النصر)

 
                                       بتاريخ 1427/6/23 الموافق 2006/7/19  

 

لفت نظري الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني: (من صلى الصبح جماعة فهو في ذمة الله.. الحديث) وذمة الله كما قال شراح الحديث: هي أمان الله وضمانه وحمايته، والحديث يتحدث عن حقيقة هامة، ومكسب عظيم للمسلم في هذه الحياة المملوءة بالابتلاءات والمكابدات والمفاجآت؛ لأن المسلم يصلي الفجر جماعة، وقيد الجماعة مذكور في بعض روايات الحديث، وعليها تحمل الروايات المطلقة؛ والذي يصلي الفجر جماعة محفوظ بحفظ الله، وعناية الله ترافقه، وذلك أمر ملحوظ منه، وممن حوله؛ بحيث لا يقع له مكروه يخرجه عن دائرة الاتزان، وقد يحصل له حادث قتل؛ إذا كان مكتوباً عليه، ولكن الله يهيئه بحفظه له، لأنه في ذمته، بحيث يقع له في الزمان والمكان المناسبين بعد استعداد منه، وطلب ورغبة في الشهادة، وبحيث يعتبر ذلك منحة لا محنة ونعمة لا نقمة، ويكون ذلك مظهراً من مظاهر حفظ الله له وكونه في ذمته، والأفراد الذين يصلون الفجر جماعة في الأمة الإسلامية قليل بالنسبة لمجموع الأمة، يحفظون الله تعالى في هذه الصلاة التي فيها شيء من المشقة، وحفظ الله لهم أعظم، لأن الجزاء من جنس العمل، والله سبحانه أكرم.

ولكن بالنسبة لمجموع الأمة هناك حفظ عام لهم بسبب الإسلام فلا يسلط الله عليهم عدواً أو عذاباً يستأصلهم جميعاً، ولكنه لا يحفظهم من بعضهم بعضاً بل إنه يذيق بعضهم بأس بعض كما ورد ذلك في الحديث الصحيح الآخر؛ يبتليهم بذلك، ولو حافظ النصاب المطلوب من الأمة على صلاة الفجر لدخلوا في ذمة الله، وكانوا أهلاً لأن يمكنهم الله في الأرض ويعيد لهم خلافتهم كما كانت من قبل؛ لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وحتى يوجد هذا النصاب يبقى حفظ الله ولطفه لتلك الأعداد المحدودة التي تصلي الفجر جماعة...

وأمام هذه الحقيقة لماذا لا يجتهد الدعاة والعلماء والحركات الإسلامية في إيقاظ أكبر عدد من الأمة لصلاة الفجر جماعة؟ لأنه سيترتب على ذلك قوة الصلة بالله وصلاح النفوس، والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، واندحار الفساد وشمول معية الله والدخول في ذمة الله، والتهيئة لقيام الخلافة والوصول للتغيير الحقيقي.

إن بعض السياسيين قد يسخر من هذا الطرح بقلبه إن لم يمكن بلسانه؛ لأنه يتصور أن التغيير لابد له من كفاح سياسي بعد كفاح ونضال بعد نضال، ويقول بأنه قد مر مع النضال والكفاح عشرات السنين دون جدوى، فكيف تكون فكرة أصحاب الدعوة والتبليغ أنجح؟!

وقد صارحني أحدهم بأنه يعتقد أن الإسلام إنما هو باق بنضال السياسيين من الدعاة، فذكرت له أن النصوص تدل على فعالية أفعال المهتمين بالنفوس والعبادات؛ لأن التغيير الحقيقي مفتاحه هناك، وما سوى ذلك من الأسباب ثانوي، قال الله تعالى: (وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة... الآية) وقال (استعينوا بالصبر والصلاة) وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم) رواه أبو داود بإسناد جيد كما قال النووي، وذكر في رواية النسائي أن ذلك بدعوتهم وإخلاصهم. اهـ.

فالدعاء والصلاة أثرهما هائل، ومعظم الصلاة دعاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا دعوة إبراهيم).

ولا يستهين بأثر الصلاة والدعاء في حفظ الأمة وتغييرها إلى الأفضل إلا مخذول، والملك بيد الله فهو الذي يهبه وهو الذي ينزعه نزعاً (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) وهو الذي يعاقب الذين ظلموا أنفسهم بمعصيته أو بالتهاون في الركوع له بأن يركعوا للظالمين (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) ولا خلاص لهم من الظالمين إلا بالركوع الكامل لله وحده.

 

 .................................................                                          

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©