التغريد خارج السرب (2)

 

 

26/5/1428ــ11/6/2007

سبق في العدد الماضي الكلام على حواري مع الباحث الأمريكي اللبناني د / فوّاز جرجس حول الديمقراطية ، وفي هذا العدد أتكلم على حواري معه حول العمل السياسي للمرأة حيث زعم أنني ومن يحمل نفس عقيدتي نغرّد خارج السرب في نظرتنا للديمقراطية والعمل السياسي للمرأة ، وأن الناس في بلدنا وفي غيره من بلاد المسلمين قد حسموا أمرهم في الموافقة والقبول بذلك سواء على مستوى الحكام والعوام ، أم على مستوى العاملين في الدعوة للإسلام .

وقد ذكرتُ للباحث المذكور من خلال الأدلة المبدئية والواقع أننا في داخل السرب وأن السرب معنا وأن السواد الأعظم من المسلمين حكاماً ومحكومين في صفّنا بدليل فشل الديمقراطية مطلقاً في كل بلاد المسلمين بلا استثناء .

وكذلك الحال بالنسبة للعمل السياسي للمرأة الذي هو أحد مولودات الديمقراطية التي تقوم على أساس التسوية العشوائية بين الناس ، وتتجاهل الفروق الصارخة بينهم في العلم والجهل والتديُّن والانفلات والذكورة والأنوثة ... الخ .

وأنه رغم الضجيج السياسي الهادر والحملة الإعلامية المكثـفة ، والتكلفات اليائسة التي بلغت حدَّ نعْت المرأة بأنها رَجُلة ، فإن كل ذلك لم يغيّر من حقائق الشرع والواقع ، فالمرأة في ديار المسلمين لا زالت وظيفتها الأولى أنها ربّة بيت ، واهتماماتها الكبرى في ذلك ... حتى وإن تثـقـّفت وخرجت لتدريس بنات جنسها وتطبيبهن ودعوتهن ... وأن القسمة الفطرية هي الأصل بين الرجل والمرأة ، فالرجل عليه في الجملة المسئولية خارج البيت بما في ذلك السياسة ، والمرأة عليها المسئولية داخل البيت ، بما في ذلك التصنُّع للرجل ، وتهيئة الأجواء لأعظم إنتاج وأعظم تنشئة ! ألا وهو إنتاج وتنشئة الأطفال ... مما يجعل أيّ أمرٍ آخر سوى ذلك هامشياً عند المرأة ، ولو كانت السياسة بأضوائها ومغرياتها ! لأن الفطرة عند المرأة تقضي بذلك ، والفطرة غلاّبة ... والعبرة بالسواد الأعظم في بلدنا وسائر البلاد الإسلامية . وأما القلة القليلة التي انخرطت في السياسة من النساء فهن اللائي يصدق عليهن أنهن خارج السرب ، وبعضهن ليس لهن بيوت زوجية ، وبعضهن لهن بيوت زوجية ولكنهن يعانين من عدم الاستقرار في الغالـب  .  

وخروجهن في العمل السياسي كثير منه مصنوع ويحتاج إلى الكوتا ونحــوها لدعمه ، وعندما يترك الأمر على طبيعته بدون تدخل ، فإنه لا يكاد يكون لهن وجود يُذكَر ؛ لأن هذا الفكر طارئ وغريب على المجتمعات الإسلامية .

انظر مثلاً إلى مجلس النواب في بلدنا ! ... لا توجد إلاَّ امرأة واحدة من بين ثلاثمائة عضو وعضو .

وكذلك الحال تقريباً في مجلس الشورى التابع للدولة ، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات الخارجية والمنظمات المحلية من أجل الترويج للعمل السياسي للمرأة .

وانظر إلى القيادات الرئيسة في الدولة ... من هو الذي رضي لابنته أو لأخته أو لزوجته أنْ تقتحم مجال العمل السياسي ؟! لا يكاد يُذْكر مَثَـلٌ واحد في ذلك في بلدنا ، وكذلك في كثير من البلاد الإسلامية .

وكذلك الحال في القيادات الإسلامية الكثيرة في بلدنا وفي غيره ، إذا استعرضت أسماء القيادات البارزة فمن النادر جداً أن تجد شخصاً يدفع بقريبته أو يسمح لها بالعمل السياسي .

ومعنى ذلك أن الوجود النسوي السياسي في بعض المجالات والقطاعات ، إنما هو وجود استعراضي تكتيكي ، وليس وراءه تفاعل حقيقي واسع ... لا رسمي ولا شعبي .

وإنما يمكن القول بثقة بأن هنالك إعراضاً مبدئياً وواقعياً عن هذا الفكر سواء على مستوى القمة أم على مستوى القاعدة ، ويبقى الرجل رجلاً والمرأة امرأة ، وكل منهما على فطرته التي خلقه الله عليها ، وصدق الله العظيم فيما حكاه عن امرأة عمران : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ) .

وفيما ذكره سبحانه عن طبيعة المرأة في اهتمامها الأساس بالزينة الذي يُعدّ فوق اهتمامات كثيرة ، وعدم قدرتها على الخوض في الخصومات ، في حين إن السياسة ما هي إلا خصومات ، فقال تعالى : ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) ... فمن يا ترى بعد هذا هو الذي يغرّد خارج السرب ؟ ولعله أدرك الباحث الحقيقة حين قال : لقد قلبتَ عليّ الطاولة !   

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©