منهجية ثلاثة من كبار علماء العصر

(ابن باز ـ الألباني ـ الندوي)   

 

 

     

* مقدمة

 

* أبرز أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر

 

* منهجية العلماء الأجلاء: الألباني، ابن باز، الندوي

 

* منهج السلف الصالح قارب النجاة

 

* دور علمائنا الثلاثة في الصحوة الإسلامية

 

* مميزات كلٍ واحد من  هؤلاء العلماء

 

* موجة العصرنة.. وتقييمها

 

* من أولئك العصرانيين

 

* نظرات في فكر الترابي

 

* دعوته إلى الاجتماع على دين إبراهيم

 

* تجويزه زواج المسلمة بالكتابي

 

* تجويزه الاجتهاد للعامي

 

* إنكاره حد المرتد

 

* بعض مواقفه في السودان

 

* مساواته بين الرجل والمرأة

 

* قوله: أنا أعلم من رسول الله

 

* دعوته للتجديد في أصول العقيدة وأصول الفقه ومصطلح الحديث على طريقته

 

* مدحه للروافض

 

* الفاروقي وفكره

 

* راشد الغنوشي

 

* عبد الحميد أبو سليمان

 

* أنور إبراهيم

 

* لؤي صافي

 

* قطب سانو

 

* طه جابر العلواني

 

* محمد سليم العوا

 

* تعاظم سلبيات المدرسة المتعصرنة

 

* من أنشطتهم في اليمن

 

* الموقف من التساقط

 

* العلماء ورثة الأنبياء

 

* منهجية ثلاثة من كبار علماء العصر ــ القصيدة و التقريظ

 

 * الشرح

 

* العلماء ورثة الأنبياء

 

* بين رجال العلم و بعض الجاهلين

 

* المتعصرنون

 

* العلماء الثلاثة

 

 * ابن باز

 

 * الألبـاني

 

 * النــدوي

 

* طريقة السلف التي كانت السمة البارزة للعلماء الثلاثة

 

* التجربة العصرانية في السودان و تجديدهم المزعوم

 

* لقطات من عناية العلماء الثلاثة

 

* المعترك السياسي وموقف السلف منه

 

 * الندوي والإخوان والسياسة

 

* موقف الأئمة الثلاثة من التلفاز  

 

* الانهزامية والتنازلات

 

* السياسة المثلى

 

* الأسئلة

 

* قول الزنداني في الترابي

 

 * حكم الغناء

 

* الجماعة الأم

 

 * تحطيم الأصنام في أفغانستان

 

 * مصطلحا (الحداثيين) و(العصرانيين)

 

* حكم صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب بعد الأذان

 

                     
 

 

مقدمة:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل

 فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ^.

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا و أنتم مسلمون ) . آل عمران : 102 .

( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها و بثّ منهما رجالاً كثيرا و نساءً ، و اتقوا

 الله الذي تَسَاءلون به  و الأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا ) . النساء : 1 .

( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديدا * يُصلحْ لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد

 فاز فوزاً عظيما ) . الأحزاب : 70 ــ 71 .

أما بعد:

فأصل هذا الموضوع محاضرة ألقيت في مسجد المشهد بصنعاء شرحاً لقصيدة: «في رثاء العلماء الثلاثة» في خلال عام

 (1420هـ-2000م)، وهؤلاء العلماء الثلاثة من كبار علماء العصر، وهم:


   الشيخ ابن باز، والشيخ الألباني، والشيخ الندوي، رحمهم الله تعالى جميعاً، ورحم الله جميع علماء المسلمين وجميع المسلمين.

 


 

...........................................................                         
 

أبرز أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر:

هؤلاء العلماء الثلاثة إنما اخترناهم؛ لأنهم توفوا في عام واحد، ففقدت الأمة الإسلامية بهم أئمة موجهين في مجالات

 الدين.

هؤلاء الثلاثة لهم قبول في مختلف أنحاء العالم الإسلامي عند جميع المسلمين المنتهجين نهج أهل السنة والجماعة، فكل

 مسلم ــ غالباً ــ إذا ذُكر عنده أحد هؤلاء العلماء فإنه يرتاح إليه، ويقبل منه، ويذكره بكل خير، ولا يبغض أحداً من

 هؤلاء العلماء إلا مبتدع أو ضال أو منحرف.

كذلك فإن القصيدة التي نحن بصدد شرحها إن شاء الله ذكرت هؤلاء العلماء الثلاثة، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد

 علماء آخرون، فهنالك أيضاً علماء آخرون هم سائرون على منهج أهل السنة الجماعة، وقد نفع الله تبارك وتعالى بهم

 كثيراً في جوانب العلم وجوانب التربية، وإن لم نذكرهم هاهنا .      والاقتصار على ذكر هؤلاء الثلاثة لا يعني أننا لا

 نعترف لغيرهم بالعلم والفضل، وإنما لأن المقام لا يتسع لتعداد العلماء؛ فاكتفينا بذكر أئمتهم في هذا العصر، والذين

 أراد الله تبارك وتعالى أن يقبضهم في سنة واحدة .

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي رواه أبو حاتم والخطيب وغيرهما -صححه ابن عبد البر وابن

 تيمية وابن القيم، وصححه كذلك الألباني- (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ...) أي: في كل جيل يحمل علم

 الشريعة العدول من العلماء، فهنالك علماء قد يتبحرون في العلوم، ولكنهم يفتقدون صفة العدالة، والعالم الذي يفتقد

 صفة العدالة لا يمكن أن يكون إماماً، ولا يمكن أن يكون مرجعاً في الدين، ولا يمكن أن يجعله الله تبارك وتعالى من

 حفَظَة الإسلام.

(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين ...)، هنالك أناس يغالون ويتطرفون، ويُفضي بهم

 تطرّفهم وتفضي بهم مغالاتهم إلى التحريف في دين الله، فيأتي هؤلاء العلماء العدول لكي ينفوا هذا التحريف،كما حدث

 من الخوارج -مثلاً- الذين غلوا في دين الله حتى حرّفوا، وكان من ضمن تحريفهم: أن زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر

 وأنه يخلّد في النار.

( ...وانتحال المبطلين ...) يأتي مبطل فيتقمص ثوب الإسلام وينتحله، كما يحصل من الروافض الذين يزعمون أنهم حماة

 للدين والإسلام، وهم في الحقيقة حماة للباطل حمَلَةٌ له.

( ...وتأويل الجاهلين) كم من جاهل لا يريد أن يتعب في دراسة دين الله Q، فيختار الطرُق القصيرة ويقوم بالإفتاء من

 عند نفسه فيؤوّل كل شيء حسب ما يروق له، وحسب هواه، كما هو حاصل مِن بعض مَن تصدّروا للناس في هذا

 الزمان، وكذلك في كل زمان، يفتونهم بما يمليه العقل، لا بما قال الله وقال رسوله، أعْيَتْهم النصوص والسنن والآثار

 عن أن يتتبعوها ويحفظوها، فاكتفوا بما تمليه عقولهم.


 

...........................................................                         

منهجية العلماء الأجلاء : الألباني، ابن باز، الندوي :

سوف نمر مروراً سريعاً على منهجية هؤلاء العلماء الثلاثة، ولا نستطيع أن نستقصي؛ لأن كل عالم منهم لا تكفيه محاضرة

 واسعة لكي يتكلم المرء عن منهجيته، ولذلك سوف نمر على القواسم المشتركة عند هؤلاء العلماء الثلاثة بسرعة، ونمر

 كذلك على المنهجية المقابلة التي أخذتْ تُطِلّ برأسها في هذا العصر، وبدأت تفتن كثيراً من الناس وفيها انحراف واضح

 ؛ و هي منهجية (العصرانيين) ،  ثم نشرح القصيدة بعد ذلك، ونكون قد سلطنا الضوء عليها أو على المعاني التي وردت

 فيها من خلال كلامنا على المنهجيتين.

من أبرز ما يظهر في منهجية هؤلاء العلماء الثلاثة: أنهم يمثلون كبار أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر، وهم

 يلتزمون بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح؛ لأن المدّعين للالتزام بالكتاب والسنة كُثْر، ولكن أهل السنة

 والجماعة الحقيقيين يلتزمون بالكتاب والسنة على فهم خير القرون؛ وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم، بما في ذلك

 اعتماد الإجماع الثابت واعتماد القياس الصحيح ...    هؤلاء العلماء الثلاثة في أمور العقيدة والفقه والتربية، وغير ذلك

 من مجالات الشريعة؛ يدورون مع الدليل الشرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس ... يحترمون المذاهب

 الأربعة ومذهب أهل الظاهر في الجملة؛ باعتبارها أي: هذه المذاهب- مذاهب أهل السنة والجماعة.

وهؤلاء الأئمة الثلاثة مجتهدون، يعتمدون في الغالب -من كل مذهب من هذه المذاهب- ما هو الراجح من حيث

 الدليل، لا يتعصبون لأي مذهب منها، ولا يقبلون من الفكر المستورد -قديماً أو حديثاً- إلا ما يقبله معيار الشرع،

 فالواردات على الأمة الإسلامية كثيرة في القديم والحديث، وهؤلاء لا يقبلون إلا ما يتفق مع معيار الشرع، باعتبار أن

 الإسلام غنيٌّ جملة وتفصيلاً، ولا يحتاج إلى استيراد، يقول سبحانه: ( و نزّلنا عليك الكتابَ تبياناً لكلِّ شيءٍ و هدًى و

 رحمةً و بشرى للمسلمين  )  . النحل : 89 .


...........................................................                         

منهج السلف الصالح قارب النجاة (منهج أهل السنة والجماعة):

ويعتبرون أن النجاة هي في اتباع السلف واتباع خير القرون، وفي مقدمتهم الصحابة؛ لأن الله يقول : ( و السابقون

 الأوّلون من المهاجرين و الأنصارِ و الذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم و رضوا عنه ) . التوبة : 100 . فالذين

 رضي الله عنهم ورضوا عنه هم أولئك السابقون، ثم كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ومن خرج عن الاتّباع

 بإحسان فليس من الذين رضي الله عنهم و رضوا عنه : ( رضي الله عنهم و رضوا عنه ،  و أعدّ لهم جناتٍ تجري تحتها

 الأنهار خالدين فيها أبدا ، ذلك الفوز العظيم ) . التوبة : 100 .  وهم الذين قال الله عنهم:  ( و ممّن خلقنا أمةٌ يهْدون

 بالحقِّ و به يَعْدلون ) . الأعراف : 181 . وقال فيهم عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق

 ظاهرين) كما عند البخاري ومسلم وغيرهما.

كذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي ذكَر فيه افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ورواه أحمد

 والترمذي والحاكم وغيرهم ، ذكَر الفرقة الناجية وقال: (هي الجماعة)، ثم بيّن منهجها فقال -كما في الحديث الذي رواه

 الترمذي، وحسنه الألباني-: (ما أنا عليه وأصحابي) ... فالفرقة الناجية هي الجماعة وهي التي تتمسك بما كان عليه

 الرسول وصحبه  ... تتمسك بسنة الرسول ^ وسنة خلفائه الراشدين: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً،

 فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، وذكر الألباني أنه صحيح،

 فالفرقة الناجية ما دامت هي الجماعة وهي تتمسك بسنة الرسول وخلفائه فهي فرقة أهل السنة والجماعة، ومن هنا

 جاءت التسمية فقيل منهج أهل السنة والجماعة، وهم يشكلون معظم الأمة كما قال المقبلي، ونقل عنه ذلك الألباني في

 السلسلة الصحيحة وأقرّ ذلك، فأمة المليار والنصف وإن انقسمت إلى ثلاث وسبعين فرقة إلا أن الفرقة الناجية التي

 طليعتها الطائفة الظاهرة هي معظم الأمة وجُمْلتها، ولذلك قيل لها الجماعة، وهي معظم أهل الجنة ، فعند الترمذي وهو

 حديث صحيح أنه يدخل الجنة مائة وعشرون صفاً منهم ثمانون صفاً (الثلثان) من أمة محمد ^    .  وتبقى اثنتان

 وسبعون فرقة هي الفِرَق الضالة من أمة المليار والنصف ، و لا تكاد تزيد الفِرَق الضالة في عدد الأفراد على مائة مليون

 أو مائة وخمسين مليوناً، في حين إن أتْباع المذاهب الأربعة ومن أخذ بمنهجهم هم مئات الملايين وهم الأمة ! و غيرهم

 الشُّذوذ كفِرَق الروافض وفِرَق الخوارج وفِرَق العلمانيين وفِرَق الباطنيين.. إلخ. وأئمة المذاهب الأربعة عقيدتهم

 سلفية، فعقيدة أبي حنيفة سجّلها الإمام الطحاوي في الطحاوية ، ومالك عنوان عقيدته السلفية إثبات الصفات وقد

 اشتهر عنه ( الاستواء معلوم، والكيف مجهول... إلخ)، والشافعي اشتهر عنه: (حُكمي على أهل الكلام أن يُـضربوا

 بالجريد والنعال)، وأحمد سلفيته أوضح من أن تذكر  ... وعلماء الكلام في المذاهب الأربعة ليس لفلسفتهم رواج عام

 عند أتباع المذاهب الأربعة ، فهم أقلية محصورةٌ بترفها الفكري في برجٍ عاجِيٍّ .   و جُمْلة علماء المذاهب الأربعة الذين

 يدينون بعقيدة مؤسسي المذاهب ، بالإضافة إلى العوامّ  المقلّدين لهذه المذاهب هم معظم أمة الإسلام على مرّ القرون ... و

 هم الجماعة ... وهم أمة المليار والنصف اليوم ... و عقيدتهم فطرية بسيطة هي عقيدة الإسلام، البعيدة عن التعقيدات

 المستوردة لعلم الكلام ، وهي مثل عقيدة الجارية التي سألها الرسول ^: أين الله؟ فقالت: في السماء، بحيث لو سألت

 أيّ عامّي في أيّ مكان بهذا السؤال لأجابك بنفس الجواب .... وبعض علماء الكلام انتهى بهم الأمر في أواخر حياتهم

 إلى أن يتمنـّـوا إيمان العجـــــــــــائز و العوامّ .

والسنة هي الفيصل بين الجماعة وبين الفرق الضالة، فالباطنيون مثلاً والروافض والخوارج والعلمانيون لا يحترمون

 الأمهات الست ولا المسانيد ولا دواوين الحــــــــــــديث، ولا يحـــترمـــــــون الصـــحابــــة ولا آثارهم ولا فهْمهم.

 و هؤلاء العلماء الثلاثة -ومن على شاكلتهم- يعتبرون أن أهل السنة والجماعة امتدادٌ لجيل الصحابة.

 ولذلك فإن هؤلاء العلماء الثلاثة ومن على شاكلتهم يقاومون أيّ اعتقاد أو فكر مستورد، كالتشيع الغالي وهو الرفض 

 ... والتشيع المذموم فكرة مستوردة، بدأها عبد الله بن سبأ الذي زعم أن الرسول صلى الله عليه و سلم له وصيٌّ كما كان

 لموسى وصيّ، فبدأ التشيع وفكرته منذ ذلك اليوم.

كذلك يقاومون التصوف الغالي الذي هو بعيد عن الكتاب والسنة، وقد يفضي بأتباعه إلى اعتقاد وحدة الوجود، والعياذ

 بالله ... وهذا أيضاً فكر مستورد جاء من الهندوس وغيرهم، وكذلك الباطنية وهي فكرة مستوردة أيضاً ... وهؤلاء

 العلماء يقاومون ما انزلق فيه علماء الكلام من اعتزاليات وتعطيلات وتأويلات في الأسماء والصفات... ونحو ذلك.

ويقاومون المستورد حديثاً من الأفكار ومن العقائد: كالبهائية والقاديانية والعلمانية؛ لأن هذا كله من صنيع اليهود

 والنصارى ... والقومية كذلك هي فكرة مستوردة، والاشتراكية أيضاً والديمقراطية !  ويَدْعون ويعملون من أجل جمع

 صف المسلمين، ولَمِّ صف الدعاة والجماعات الإسلامية بقدر الإمكان في إطار منهج أهل السنة والجماعة، يسعون إلى

 ذلك سعياً حثيثاً، ملتزمين في ذلك بقول الله سبحانه:     ( و أطيعوا اللهَ و رسولَه و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهبَ ريحكم

 ) . الأنفال : 46 . إذْ إنه لا يمكن أن تكون للمسلمين قوة، وأن يتحقق لهم نصرٌ وهم شذر مذر .   ويسعى هؤلاء

 العلماء لتنقية المجتمع المسلم من كل ما علق به من خرافات وابتداعات وانحرافات وخلافات وشبهات، ولهم قبولٌ

 عند جميع التوجهات الإسلامية التي تنهج منهج أهل السنة والجماعة.

...........................................................                         

دور علمائنا الثلاثة في الصحوة الإسلامية:

لهم دور كبير في العالم الإسلامي وخارجه، سواء عن طريق التعليم أم التأليف والنشر أم الفتاوى أم المشاريع العلمية

 والدعوية والخيرية أم الرحلات أم غير ذلك، ولهم دور كبير في تبصير الأمة بأمراض العصر، وإبعادها عن الفتن

 الكثيرة؛ ومنها -مثلاً- فتن الاقتصاد؛ كالربا، والترف، والفقر، وفتن الإعلام، وفي مقدمتها: فتنة التلفاز، وفتنة

 القنوات الفضائية ،  وكذلك فتنة ابتذال المرأة وامتهانها، وكذلك يبصّرون الأمة بالفتن السياسية؛ كالتفرق والحزبية،

 والفتن الاجتماعية؛ كتمزق الأسر وعراقيل تكوينها، وصعوبة الزواج.. وغير ذلك، وانتشار الخمور والمخدرات،

 ويحذرون الأمة من الفتن الأخلاقية؛ كانتشار الكذب والغش والخيانة... إلخ.

ولهم دور كبير في التربية وإصلاح الأمة وتوجيهها نحو قوة الصلة بالله، وإتقان الطاعات والعبادات، والعناية بالنوافل

 بجانب الفرائض، وهم في ذلك قدوة، وهم في أنفسهم أهل ورع وصلاح، ولهم دور كبير في الصحوة الإسلامية

 ونشْرها في كل مكان، وفي ترشيدها والعمل على ربطها بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.

ولهم دور كبير في تبصير الأمة بأعدائها من اليهود والنصارى والوثنيين وعملائهم من المنافقين في ديار المسلمين، ولهم

 دور في تحذير الأمة من موالاتهم أو التلقي عنهم، أو التشبه بهم أو نشر أفكارهم.

ولهم جهود عظيمة في مواجهة موجة العصْرنة، ومنهجيتها التي أخذت تسري في صفوف المسلمين، والتي تحاول أن

 توجد فهماً جديداً للإسلام تقرّب به بين الإسلام وغيره من التيارات الضالة؛ كالرافضة والقومية والعلمانية، وهذا

 المنهج العصراني يريد أن يقرب بين هذه التيارات، وهو منهجٌ انحرافه واضح، فكان لهؤلاء العلماء دور في مواجهة هذا

 الانحراف.

...........................................................                         

مميزات كل واحد من هؤلاء العلماء:

 

وإن أبرز ما يتميز به العلّامة ابن باز: أنه إمام في عدد من العلوم الشرعية، وفي نشر أعمال الخير ، فآثاره منتشرة في  بقاع

 العالم الإسلامي، وكتبه وفتاواه و تلاميذه كذلك .

وأبرز ما يتميز به العلّامة الألباني: الإمامة في السنة النبوية، والاجتهاد في تقديمها للأمة صافية صحيحة.

وأبرز ما يتميز به العلامة الندوي: الوقوف في وجه التيارات المادية التغريبية المعاصرة، والإمامة في مواجهتها.

هذه بعض المعالم البارزة في منهجية العلماء الثلاثة.

 

...........................................................                         
 

موجة العصرنة.. وتقييمها:

وننتقل إلى المنهجية الأخرى التي ذكرنا أنها أطَلَّت برأسها في هذا العصر؛ وهي المنهجية العصرانية:

هذه المنهجية مقابلة لمنهجية أهل السنة والجماعة، وفيها إدخالٌ لشوائب من خارج الإسلام في الإسلام؛ بحجة التقريب

 كما ذكرنا..تقريب  مع القوميين، وتقريب مع الروافض، وتقريب مع العلمانيين.. وهكذا، كما فعل في الماضي علماء

 الكلام؛ حاولوا أن يستفيدوا من الفلسفة الإغريقية (اليونانية)، ومن علوم الأمم المجاورة في الدعوة إلى الإسلام وفي

 الاحتجاج له، فوقعوا فيما سمي فيما بعد بعلم الكلام، الذي صار مصيبة على المسلمين، حتى وُجد علماء يبذلون جهوداً

 لتنقية عقائد الأمة من الشوائب التي أدخلها علم الكلام فيها، ولذلك نجد العصرانيين يلتقون مع المعتزلة المعتمدين

 على علم الكلام في جوانب متعددة، حتى إنه لجدير بهم أن يسموا معتزلة العصر كما قال أحد الفضلاء، وقد صارت لهم

 مدرسة منتشرة في الجماعات الإسلامية، وليس كل أفراد الجماعات الإسلامية متأثرين بها، وإنما هنالك بعضٌ منهم تأثروا

 بهذه المنهجية وبهذه المدرسة.

ونحن مضطرون لأن نذكر الأسماء؛ لأن المبتدعة يشرع ذكر أسمائهم حتى يحذر الناس منهجياتهم، وما نشأ علم الجرح

 والتعديل إلا لأهمية وجوده، ومن ضمن ما يشكّل أهمية وجوده: أنه يَظهَر به الناس على حقيقتهم، حتى تعرف الأمة

 عمّن تأخذ وعمّن تترك، فلذلك سنذكر بعض الأسماء البارزة .


...........................................................                         

من أولئك العصرانيين:

الدكتور إسماعيل الفاروقي:  الذي أسس معهد الفكر الإسلامي في أمريكا.....

والدكتور حسن الترابي: وهو معروف....

وراشد الغنوشي......

ويأتي بعدهم أمثال محمد عمارة، ومحمد سليم العوا، وفهمي هويدي، وعبد الحميد أبو سليمان.. ولؤي صافي، وقطب

 سانو، وطه جابر العلواني وغيرهم.

ومن مؤسساتهم -كما قدمنا-: معهد الفكر الإسلامي في أمريكا، وأبرز فرعٍ له في ماليزيا، فهو فرع كبير هنالك و قد

 رأيته قبل سنوات ، وله منشورات كثيرة قد يوجد في بعضها خير، وبعضها الآخر يحمل هذه الأفكار التي سنذكر شيئاً

 عنها.

كذلك من مؤسساتهم: الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وقد زرتُها  .

إضافة إلى أن من ضمن مشاريعهم: إقامة دولة السودان.

وأبرز ما تتميز به مدرستهم: محاولة إدخال أمور في الإسلام بحجة الاجتهاد، سواء في العقيدة أم في الفقه أم في أصوله

 ... بصورة لم يسبقهم إليها أحد، أو سبقهم إليها أحد من قبل ولكن قوله شاذٌّ لا يُلتفت إليه، أو سبقهم إلى ذلك أحد

 ولكن قوله مرجوح عند علماء الإسلام؛ فمن ذلك مثلاً:

 

  نظرات في فكر الترابي:

 

دعوته إلى الاجتماع على دين إبراهيم:

 

يدعو الترابي إلى أن يضع الناس ميثاقاً يجتمعون فيه على دين إبراهيم، يقول: ينبغي أن ندعو اليهود والنصارى والمسلمين

 أن يضعوا ميثاقاً ليلتقوا فيه على دين إبراهيم، وهذا الكلام نشرته مجلة محلية تتبنى هذا الفكر في أول عدد لها قبل عدة

 سنوات، وعندي نسخة من هذه المجلة.

نحن نعلم أن دين إبراهيم هو دين الإسلام، ولا نحتاج إلى أن ننقّب على دين إبراهيم كي نجمع اليهود والنصارى

 والمسلمين عليه، فدين إبراهيم هو دين الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، واليهود والنصارى الذين

 يريدون الحق، عليهم أن يتبعوا محمداً عليه الصلاة والسلام، وأن يدخلوا في دين الإسلام، يقول تعالى: ( ما كان إبراهيم

 يهوديًّا و لا نصْرانياً و لكنْ كان حنيفاً مسْلماً و ما كان من المشركين ) .  آل عمران : 67 . ( ثمّ أوحينا إليك أن اتّبعْ ملة

 إبراهيم حنيفاً و ما كان من المشركين ) . النحل . فلا نحتاج إلى ميثاق، وإنما نحتاج إلى أن ندعو هؤلاء إلى أن يدخلوا في

 الإسلام... وهذا هو المفروض باختصار. .. ( و من يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ) . آل عمران .  ( ياأهل

 الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيّن لكم على فتْرة من الرسل أنْ تقولوا ما جاءنا من بشير ٍو لا نذير فقد جاءكم بشيرٌ و نذير )

 . المائدة .  ( فآمنوا بالله و رسوله النبي الأُمّيِّ الذي يؤمنُ بالله و كلماته ، و اتّبعوه لعلكم تهتدون ) . الأعراف .

 

تجويزه زواج المسلمة بالكتابي:

 

كذلك مما يقوله الترابي: جواز تزويج المسلمة بالكتابي، مع أن الله يقول: (لا هُنَّ) أي: المسلمات، (حِلٌّ لَهـُـمْ) أي:

 للكافرين، (وَلا هُــمْ يَحِلُّونَ لَهـُنَّ)، والمسلمون مجمعون على عدم جواز اقتران المسلمة بالكتابي، وقد سمعت الترابي بأُذني

 وهو يقول هذا الكلام في أمريكا قبل أكثر من عشرين سنة، في سنة 1398هـ-1978م فقد حضرتُ في مؤتمر مع القاضي

  /يحيى الفسيل، وسمعنا الترابي يحاضر باللغة الإنجليزية، وكانت هناك ترجمة فورية، فذكر المترجم -فيما ذكر-  العبارة

 التي تدل على هذا القول، فانبرى القاضي الفسيل في نهاية المحاضرة وقال: نقل إلينا المترجم كذا وكذا، فلا أدري هل

 أخطأ المترجم أو هذا كلام المحاضر؟ فقال الترابي: بل هو كلامي، وأخذ يدافع عنه، وردّ عليه القاضي بهذه الآية التي

 ذكرتُها فلم يقبل، ثم بعد ذلك ذهبنا في مأدبة دعينا إليها جميعاً، فأخذا يتناقشان فلم يرجع الترابي عن رأيه.

 

                                                                                                                               

تجويزه الاجتهاد للعامي:

كذلك يجيز الترابي الاجتهاد لكل فرد حتى للأمي، وهذا موجود في المجلة الآنفة الذكر، التي تتبنّى أفكار الترابي، وتتبنى

 فكر المدرسة العصرية، وهذا موجود في أول عدد لها، والترابي بهذا يريد أن يتوافق مع الديمقراطية التي تساوي بين العالم

 والجاهل؛ فصوت العالم كصوت الجاهل، فالكل مجتهدون في الديمقراطية.

وكذلك يقول: الإجماع إجماع الناس جميعاً، وليس إجماع العلماء فقط، وهذا أيضاً يتفق مع الفكر الديمقراطي؛ الذي

 يعتبر أن الإجماع هو إجماع المجلس كله أيِّ مجلسٍ بما فيه من علماء وجهلة.

ويقول كذلك: لا يوجد عندنا في الإسلام كهنوتية ولا مرجعية، ويقول بأن علماء الإسلام يريدون أن يكونوا مقدَّسين

 لدى الناس! ... يحاول أن يضعِف مهابة العلماء في نفوس الناس.

 

إنكاره حدّ المرتد:

 

كذلك يرى أنه لا يُقتل المرتد، وهو بهذا يخالف ما عليه علماء المسلمين، المستندون إلى الأدلة الثابتة المتكاثرة في ذلك،

 وهذا أيضاً جزء من محاولة تقريبه بين الإسلام والديمقراطية؛ لأن الديمقراطية تتيح المجال لكل أحد أن يتكلم، وأن

 يقول رأيه، ولو كان رأيه ردّة، وهو حرّ فيما يقول ولا يعاقب . وهذا الكلام موجود أيضاً في تلك المجلة .

 

بعض مواقفه في السودان:

 

ومن أقواله كذلك: لا يُـشترط الإسلام فيمن يتولى المناصب ... وكان الترابي على رأس الذين وضعوا دستور دولة

 السودان، وعندي نسخة من هذا الدستور، وقد انتقده العلماء في السودان، وخارج السودان، فهو لا يشترط في رئيس

 الدولة الإسلام، مع أن هذا الشرط موجود في كثير من الدول الإسلامية التي يحكمها علمانيون، يضعون هذا الشرط -

من باب ذرّ الرماد في العيون- لكن في دستور دولة السودان لا يوجد هذا الشرط!  لا في رئاسة الدولة، ولا في رئاسة

 الوزراء، ولا في الوزراء، ولا في رئاسة و لا عضوية مجلس النواب، ولا في حُكّام الأقاليم، ولا في مجالس الأقاليم... إلخ.

 وأيضاً في هذا الدستور: حرية الفكر، وحرية الاعتقاد، وأن ينتقل الإنسان من اعتقاد إلى اعتقاد، بمعنى: حرية الردّة,

 وهو أسوأ من دستورنا الذي كان في اليمن قبل تعديل سنة (1414هـ-1994م) الذي قامت عليه الوحدة، والذي كنا

 نقول بأنه دستور علماني،    وقدانتقدتْه مجلة المجتمع في إحدى افتتاحياتها انتقاداً شديداً، وقد عرضتُ نسخة من الدستور

 على الشيخ الزنداني فقال: أعوذ بالله!        أعوذ بالله!

كذلك فإن الترابي اندفع إلى توقيع اتفاقية تفاهم مع "جون قرنق" الذي هو كافر حربي منذ أكثر من عشرين سنة؛ يحارب

 المسلمين لفصل جنوب السودان عن شماله، ويحارب حتى لا تقوم دولة إسلامية في السودان ... وقد أصبح التلفزيون

 السوداني يأتي بصورة الترابي من قبل، وهو يحث الناس على الجهاد ضد جون قرنق ، ويأتي بصورة له أخرى، وهو يوقع

 اتفاقية التفاهم مع هذا الرجل؛ لكي يدلّلوا على التناقض، وقد أُخِذ الترابي إلى السجن نتيجةً لهذا، واتُّهـِم بأنه خرج على

 الثوابت،  وقد سمعتُ مقابلة مع ولده؛ وهو صدّيق حسن الترابي من إذاعة لندن قال: إن ما عمله والدي هو عملٌ

 سياسي، وقد عمل البشير مثله؛ فقد وقع البشير اتفاقية مع الصادق المهدي قبل مدة، وهو ــ أي المهدي ــ على اتفاق مع

 جون قرنق، فالذي فعلَه والدي هو نفس الذي فعله البشير، وهذا الكلام قد يكون صحيحا، فالترابي والبشير هما في

 الأصل من مدرسة واحدة ،  بل كان  البشير تلميذا للترابي ثم اختلفا . وقد أخبرني الدكتور الديلمي أنه قرأ الاتفاق

 الذي جرى بين البشير وبين الصادق المهدي في جيبوتي، قال: فوجدته اتفاقاً علمانياً  .       و هنالك من يقول بأن البشير

 أصبح يختلف مع الترابي في أمور كثيرة ، ولكن مواجهته لضلالات مدرسة الترابي المتغلغلة في السودان في المجالات

 المتعددة من الصعوبة بمكان ، والله أعلم .

 

مساواته بين الرجل والمرأة:

 

ومن الانحرافات التي عند الترابي: أنه يساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء؛ في الولاية مثلاً، فيجوز بحكم الدستور

 السوداني الذي كان الترابي على رأس واضعيه أن تتولى المرأة أي منصب، ولذلك يوجد عندهم في السوادن في المحكمة

 العليا عدة قاضيات، وتوجد من النساء من تحكم في الولايات، ولا يمنع الدستور أن تتولى المرأة أيّ منصب بما في ذلك

 رئاسة الدولة !

ومن شذوذاته كذلك: أنه يجيز مصافحة المرأة الأجنبية، ويجيز الغناء بدون قيود، وانظروا إلى التلفزيون السوداني، ففيه

 المسرحيات والأغاني بدون قيود ! ويجيز تجند المرأة، وقد رأيت بعينيَّ استعراضاً عسكرياً للنساء في السودان في شريط

 فيديو، ولسْنَ ملتزمات بالحجاب الإسلامي ! وكل هذا في الدولة التي عمل الترابي على إقامتها وهي تطبِّق أفكاره.

 

                                                                                                                                   

قوله: أنا أعلم من رسول الله:

 

كذلك من ضمن ما يقوله: أنا أعلم من رسول الله. وهذه العبارة أرويها عن الشيخ عبد المجيد الزنداني، يقول بأنه سمعها

 من  ثقات في السودان . ويتأوّل ذلك بقوله: إن الرسول قال: (أنتم أعلم بشئون دنياكم) ... وإطلاق هذا الكلام هكذا

 فيه انتقاص من مقام النبوة، ولا يليق بأحد من أتباع رسول الله ^ أن يقول مثل هذا الكلام ! وما قيمة علوم شئون

 الدنيا الحقيرة بجانب علوم الغيب والآيات الكبرى التي علِمَها الرسول ^ ليلة الإسراء وغيرها، و كذلك علْمُه  ^

  بأخبار الماضي بما في ذلك بدْءُ الخليقة وأحوال الجن والأنس والملائكة والسماوات والأرض، و علْمُه بأخبار المستقبل

 بما في ذلك أشراط الساعة وأخبار البرزخ وأخبار البعث والحساب، وأخبار الجنة والنار، و  استيعابه  ^ لعلوم القرآن

 وعلوم السنة وعلوم الشريعة، ولعلوم علّمها الله له عليه الصلاة والسلام من اللوح المحفوظ... إلخ .. ما قيمة علوم

 شئون الدنيا المحدودة المحصورة الضيقة قليلة الأهمية، إلى هذه العلوم  العظيمة ... التي هي من العلوم التي علّمها الله

 نبيه، حتى يقول الترابي عن نفسه بأنه أعلم من رسول الله !!! إن مثَلَه كمثَل مندوب الملك الذي عنده تفاصيل كثيرة في

 شئون الدولة وأخبارها وإلى جواره بعض الخدَم في جزء من القصر عندهم معلومات عن فنون الطبخ لأنفسهم وتقديم

 العلَف للمواشي، فيقول أحدهم أنا أعلم من مندوب الملك في تجهيز المائدة وتقديم العلف!!!

 

دعوته للتجديد في أصول العقيدة وأصول الفقه ومصطلح الحديث على طريقته:

 

كذلك يدعو إلى تجديد علم الكلام في العقيدة، ويقول بأن علماء الإسلام السابقين استفادوا من علوم عصرهم فوضعوا

 علم الكلام، والآن تجددت علوم عصرنا؛ فعلينا أن نستفيد من علوم عصرنا لكي نجدد في علم الكلام ــ وكأنّ علْم

 الكلام المذموم له شرعية ــ  . ويقول: علينا أن نجدد أصول الفقه؛ لأن أجدادنا وضعوا أصول الفقه حسب المنطق

 الإغريقي هكذا يزعم-، والآن تجدَّد هذا المنطق فلابد أن نجدّد أصول الفقه في ضوئه ! ويقول أيضاً: علينا أن نجدد

 علوم الحديث، والمقصود بتجديد علوم الحديث - تجديد علم مصطلح الحديث- ويقول: علينا أن نستفيد من قواعد

 التاريخ الغربي ... يعني أنه منبهرٌ بقواعد التاريخ الغربي ، ويظن أنها أدقّ من علم مصطلح الحديث الذي عندنا ... مع

 أن المستشرقين من الغربيين أنفسهم يشهدون لعلم المصطلح عند المسلمين بأنه لا يوجد أدقّ منه، ويشهدون للمسلمين

 في علم الرجال، وأنه لا يوجد كذلك أدقّ منه .. على عكس الترابي !  فالرجل يريد التجديد في كل شيء في ضوء ما جاء

 من الغرب ... فهو مفتون بالغرب وثقافته ... متشكك في بدهيات الإسلام المعصوم وفي منهجه المعجز.

و هذا الكلام بالتفصيل موجود في مواضيع ومقابلات مع الترابي في المجلة المحلية السابقة الذكر ، وأنا محتفظ بالأعداد .

يقول الترابي متابعاً لكلامه بخصوص علم مصطلح الحديث : قد يقول قائل: إذا ما فعلنا هذا ستنهار السنة جملة ! (أي

 أنه يعرِّض بأن السنة لن تصمد أمام قواعد التاريخ الغربي كما يتوهَّم) ! قال: ولكن ينبغي ألّا نخاف؛ نحن المسلمين

 نخاف، وينبغي أن لا نخاف.. هكذا يقول ... مما يعني أن الرجل مفتون ،ومصاب بعقدة النقص، ورأسه مملوء

 بالشبهات ... فهو أحوج إلى العلاج منه إلى الاستعراض.

كذلك يرد الترابي أحاديث من أحاديث الرسول ^؛ كمثل حديث الذباب الصحيح وغيره ... مع أن العلم الحديث

 والتجارب تُثبِت في هذا الحديث معجزة للرسول ^.

أيضاً يقول: لا نقبل حديث الصحابي إذا كانت له مصلحة في الحديث ــ و هذه قلة أدب مع الصحابة ــ  وعلماء أهل

 السنة يقولون: الصحابة عدول بتعديل الكتاب والسنة لهم ، فلا يتهمون الصحابي بمثل هذا الاتهام.

 

مدحه للروافض:

 

 الترابي يمدح الروافض؛ ويمدح حكومة إيران مدحاً كثيراً، مع أنها قامت على عقائد الإمامية  ... وعقائد الإمامية

 الاثني عشرية معروفة ... يكفي أنهم يعتقدون أن القرآن ناقص، وأن الصحابة كفار إلا أربعة، مع أن الله يمدح

 الصحابة في كتابه في مواطن كثيرة منها:    ( لكنِ الرسول و الذين آمنوا معه حاهدوا بأموالهم و أنْفسهم وأولئك لهم

 الخيراتُ و أولئك هم المفلحون * أعدّ الله لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوزُ العظيم ) . التوبة :

 88 ــ 89  ... و منها شهادته لهم بأنهم في طليعة خير أمة أخرجت للناس ... أليسوا هم أول من خوطب بقوله تعالى:

 ( كنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجتْ للناس ) . آل عمران : 110 . لكن الروافض يقولون: هؤلاء كفروا وارتدوا !!! ومعنى

 كلامهم هذا أن الرسول فشل في دعوته وتربيته ، وأن ما ورد في القرآن غير صحيح، وذلك جريمةٌ في حق الرسول ^

 وتكذيبٌ للقرآن ... ومع ذلك فالترابي يمدحهم كثيراً  ... والخلاصة أن الترابي يصطدم مع قطعيات الإسلام بالجملة

 ولا يبالي.

كنا طحٍ صخرةً يومًا ليوهِنَها                     فلم يَضِـرْها، وأوهَى قرنَهُ الوَعِلُ

 

.................................................                                        

 

الفاروقي وفكره :

 

ومن أبرز واجهات العصرانيين: الدكتور الفاروقي الذي أسس
 

معهد الفكر الإسلامي في أمريكا، هذا المعهد الذي له منشورات كثيرة ومنتشرة،  بعضها لا بأس به، وكثير منها يحمل

 الفكر العصراني.

 

ومن أفكار الفاروقي قوله: يجب أن ندعو إلى إشاعة الحرية بشكل متساوٍ للإسلام وغيره ! ...  وهو في هذا منطلقٌ من

 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يساوي بين الأفكار، و منطلقٌ أيضاً من الفكر الديمقراطي الذي يساوي بين

 الإسلام وغيره !... فيقول: يجب أن تتاح الحرية للأفكار كلها في ديار الإسلام وفي الديار الأخرى ... وكما نطلب من

 غيرنا أن يفسح لنا المجال أن ندعو إلى الإسلام فلابد أن نفسح المجال في ديارنا للأفكار الأخرى غير الإسلامية.

يعني أن الفاروقي يمنح الحرية للحق والباطل على قدم المساواة... يساوي بين نشر الطِّيب ونشر السم !

يقول الفاروقي : قد يقول قائل: إذاً سوف تهتزّ عقائد الناس ولربما خرج بعض المسلمين عن دائرة الإسلام... لكن

 العلاج أن نحصِّن المسلمين! ...وهكذا يفتح الفاروقي المجال في بلاد المسلمين لِفتنة المسلمين ... مع أن من مقاصد

 الجهاد في الإسلام حماية الناس من الفتنة في الدين ، قال تعالى: ( و قاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ و يكون الدين لله ) .

 البقرة : 193 .

...........................................................                         

 

راشد الغنوشي :

ومن واجهاتهم كما ذكرنا: راشد الغنوشي، فقد عقدوا معه في المجلة - المتقدمة الذكرــ مقابلة نشرت في عدة أعداد ، جاء

 فيها كلام كثير وأسوق لكم نموذجاً واحداً من فكره العصراني:

قال: سقطت شرعية الفتح وحلّتْ محلها شرعية المواطنة... ما معنى ذلك؟

يفسر ذلك فيقول: بلدان العالم الإسلامي فتحها المسلمون الأوائل فكانت تُحكم بشرعية الفتح- يعني: كان يحكمها

 الإسلام بهذه الشرعية- ثم جاء الاستعمار فاحتل هذه البلدان الإسلامية، فسقطت شرعية الفتح، ثم قام الناس في هذه

 البلدان على الاستعمار وحاربوه حتى أخرجوه، والذين حاربوا الاستعمار فيهم المسلم، وفيهم القومي، وفيهم النصراني،

 وفيهم العلماني، هؤلاء جميعاً اشتركوا في إخراج المستعمر، فلابد أن يكون لهؤلاء جميعاً حقٌّ في حكم البلد وفي سياسته،

 فهم مواطنون قد شاركوا في إخراج المستعمر، فشرعية المواطنة لهم جميعاً بالتساوي، بمعنى أن يُعْرضَوا على الانتخابات،

 فمن نجح منهم حَكَم، فلو نجح القومي يَحكم، ولو نجح العلماني يحكم، ولو نجح المسلم يحكم، ثم إذا جاءت

 الانتخابات القادمة فَسَقَط المسلم؛ فعليه أن يذهب إلى المعارضة وأن يأتي غيره.

فهو يؤمن بالفكر الديمقراطي الذي يسوِّي بين المسلم وغير المسلم، وهذه شرعية المواطنة عنده والتي حلت محل شرعية

 الفتح... هذا الانهزام قاسم مشترك بين العصرانيين فهم يسوُّون بين غير المتساوِين، وقد قال تعالى : ( أفنجعل المسلمين

 كالمجرمين * مالكم كيف تحْكمون ) . القلم : 35 ــ 36 .

كذلك فإنه يمدح الروافض في إيران، ويعتبرهم مثلاً أعلى كما في المقابلة المذكورة .

 

                                                                               

.......................................................... 

عبد الحميد أبو سليمان :

 

ومن واجهة العصرانيين: الدكتور عبد الحميد أبو سليمان  .  و أصله من مكة، ولكنه أصبح رئيس الجامعة الإسلامية في

 ماليزيا، وقد حضرتُ عنده في مكتبه، وذهبنا إلى بيته وتناولنا لديه العشاء، وكان من ضمن ما يلهَجُ به لسانه وجماعته

 عن كتب الفقه، أنهم يقولون: هذه الكتب الصفراء يجب أن نتجاوزها ! ...  وبصورة ماكرة سمعْتُه يضع شبهة وهو

 يتكلم مع شخص من الكويت، عندما قال للشخص: الرسول عليه الصلاة والسلام حرّم الربا في الأصناف الستة؛ لأن

 المجتمع كان مجتمعاً بدائياً، وأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرتقي بهذا المجتمع من الناحية الاقتصادية، فأراد أن

 ينقل الناس من المقايضة؛ لأن الناس كانوا يتعاملون بالمقايضة، ولا توجد لديهم عُمْلة، فأراد أن ينقلهم إلى مجتمع

 اقتصادي أرقَى توجد فيه العُمْلة، فلذلك حرم عليهم الربا في هذه الأصناف الستة، فإذا أراد أحد أن يشتري مثلاً ذهباً

 بذهب فإنه يـُُشتَرط عليه التساوي والتقابض ، بحيث تظهر العملية عديمة الجدوى فيتركها الناس  ويتحررون من

 البدائية في التعامل، ويرتقون إلى مستوى أفضل يتعاملون فيه بالعُمْلة، وكأنه يريد أن يقول بأن هذا فقط هوالسبب

 لاعتبار العَمَلية رِبًا و هو سبب مؤقت ، و قد زال بوجود العُمْلة... ولا مانع الآن من التفاضل في الأصناف الستة ! أي

 أنه لا مانع الآن من التعامل بالربا!!...  بل صرّح بالسخرية من البنوك الإسلامية ! وأشار إلى أنه لا داعي لها في ظل

 نظريته هذه ! لأن الإقراض بالزيادة (الربا) الذي تمارسه البنوك التجارية التقليدية        لم يعُدْ محرّمًا بعد انقراض عصْر

 المقايضة ، و بعد سيادة العملة !... و هكذا غرَس الشبهة  !  وأطْلق القول بإلغاء حكم الربا من الأساس بكل بُرُودٍ و

 بساطة ! و لا حول و لا قوة إلاّ بالله  !...  مع أن النصوص أطلقتْ المنْع من التفاضل في الأصناف الستة ، و شدّدتْ في

 ذلك ، و لم تقيّد النصوص ذلك بزمان معيّن ، أو ظرْف معيّن ، و لم يقُلْ أحدٌ من العلماء بهذا القول الذي ابتدعه أبو

 سليمان في آخر الزمان ! ...     وتحريم الربا ثابت ثبوتا قطعيا مُسْتَدَاماً بالكتاب والسنة و الإجماع  . قال ابن المنذر في

 كتابه  ( الإجماع ) : كتاب البيوع :  [ و أجمعوا على أن الستة الأصناف متفاضلاً يداً بيد ، و نسيئةً  لا يجوز أحدهما و هو

 حرام ]  ... كما أن المذكور لا يستنكر كثيراً من المخالفات، مثل: الاختلاط بين الذكور والإناث.. وغير ذلك .

         والجامعة الإسلامية في ماليزيا تحت إدارته تتبنَّى الفكر العصراني، وكان ذهابي إلى هناك مع الدكتور حيدر الصافح

     نائب رئيس جامعة الإيمان لتمثيل جامعة الإيمان في مؤتمر عن أصول الفقه في حدود سنة 1417هـ-1997م .

           وقد حالوا في هذا المؤتمرالطعْن في أصول الفقه والتشكيك في أُسُـسِه بشبهاتهم ، والسعي للتعديل فيه بحسب

 التشهِّي مثل محاولة إدراج مصادر جديدة فيه للتشريع ... كإدراج علم الاجتماع وغيره !    واستهدافهم لأصول الفقه

 مدْروس ...  تماماً كما يفعل الترابي حين يدعو بهواه إلى تجديده ،  لأن أصول الفقه هو دستور الاستدلال في الشريعة...

 والعبث به من أهل الأهواء إنما هو فتحٌ لِـباب العبث بالشريعة ... وقد حاولنا الدفاع في وسط جمْعهم الذي جاء من

 شتى البلدان دون جدوى  .             وكان هناك الفاضل الدكتور منير البياتي وهو من الإخوان المسلمين وقد بقي سنة في

 تلك الجامعة وضاق بهم ذرعاً وتركهم،  وكان يقول: هؤلاء امتداد لفكر (...)  !... و قدكانوا يحاربون أنشطة غيرهم

 من الجماعات داخل الجامعة دون هوادة ، مع دعاواهم العريضة بمناسبة و غير مناسبة عن حرية الرأي ، و تشجيع

 الرأي والرأي الآخر  .

 

     ..........................................................                                                                              

 

أنور إبراهيم :

 لأنور إبراهيم حزب كبير في ماليزيا، وهو وراء قيام الجامعة الإسلامية هنالك، وهو يتبنَّى الفكر العصراني، وقد شكا لي

 أناس في جماعات إسلامية أخرى ما يجدون من هذا الرجل، فقد كان يمارس ضدهم أنواعاً من القهر والاضطهاد

 مستقوياً بالدولة؛ لأنه كان نائباً لرئيس الوزراء، وكان يرسل إلى مساجدهم خطباً مكتوبة يُلزِمهم بها ، ثم حدَث ما

 حدَث فيما بعد، حين انقلب رئيس الوزراء على أنور إبراهيم وأدخله السجن .

                                                                           

..........................................................

 

لؤي صافي:

 يوجد فرع نشِطٌ لمعهد الفكر الإسلامي في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا ينشر منشورات معهد الفكر الإسلامي،

 ويرأس هذا الفرع لؤي صافي وهو سوري ،   وكان الدكتور البياتي يسيء به الظن كثيراً، ويقول هو حاقد على الملتزمين

 بالدين وحاقد على الالتزام .

                                                                         ..........................................................                                                                        

قطب سانو:

 

 من تلاميذ الترابي ولعله من نيجيريا وأكمل دراسته في الجامعة الإسلامية في ماليزيا وهو متحذلِق يحمل أفكار الترابي

 ورأسه مملوء بالشبهات ، وقد سمعته مراراً وهو يردّدها  في ماليزيا ثم بعد ذلك في بعض القنوات الفضائية .

                                                                          

 

طه جابر العلواني:

 

عراقي عنده علم بالفقه والأصول، وقد رأَسَ معهد الفكر الإسلامي في أمريكا ويشبه الترابي في بعض أفكاره، وقد ذُكِر

 عن الدكتور عبد الكريم زيدان قوله عنه إنه ممن أضله الله على علم . وسمعته مرّةً في إحدى القنوات الفضائية يسخر من

 دفاع الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حدَث نشْر الرسوم المسيئة إليه ، ويقول خيرٌ لهذه الأمة أنْ تنتبِه لأحوالها

 وتفرُّقها ...وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس بحاجة إلى دفاعها !      وقد ردّ عليه الشيخ الدّدو بأن الدفاع و

 معالجة الأحوال واجبان لا يتنافى أحدهما مع الآخر    .

                                                                                 

 

محمد سليم العوا :

 

وهو أحد الذين يحملون الفكر العصراني، وفي المجلة التي ذُكرتْ سلفاً توجد مقابلة مع هذا الرجل، وقد سألوه عن

 الخلافة الإسلامية، فقال: هي ولاية عامة، ومن دعا إليها في عصرنا فسوف نقاومه، لأنها حكم شمولي!!

أيضاً سألوه: هل يجوز أن يتولى غير المسلم منصباً في دولة الإسلام؟

قال: نعم. ما عدا المناصب الدينية! ويقصد بالمناصب الدينية: الأوقاف، والفتوى، وإمامة المساجد.

وقالوا له: هل يجوز أن يتولى رجل غير مسلم رئاسة الدولة المسلمة؟ -هكذا بصريح العبارة-.

قال: نعم، يجوز أن يتولى غير المسلم رئاسة الدولة الإسلامية.

قالوا له: كيف سيحكم؟

قال: هنالك دستور يضبطه.

                                                                                  

تعاظم سلبيات المدرسة المتعصْرنة :

الخلاصة: أن هذه المدرسة مواجِهة لمدرسة أهل السنة والجماعة في هذا العصر، وقد تخلّلت  صفوف المسلمين، خاصة

  بعض الحركات الإسلامية، وهذه المدرسة تمثل نوعاً من الانهزام ، مع الحرص على الزعامة وركوب موجة الصحوة

 الإسلامية بدون تديُّن منضبط ولا التزام كافٍ ، وتعمل على سرقة أضواء الجهود الحقيقة للدعاة إلى الله عن طريق

 السيطرة على أتباعهم بواسطة الفكر والإعلام، وتهدف إلى صياغة فقه جديد مريح ليس فيه صعوبات ولا أعباء ولا

 مشقات ... هذا الفقه المريح يتماشى مع القوميين ومع العلمانيين ومع الديمقراطيين ومع المبتدعين ، ولا يجعل الغرب ــ

 بزعْمهم ــ ينفر منا كثيراً ... هذا الفقه ظاهره التقريب، ولكن حقيقته التغريب ! وصدق رسول الله ^ حيث يقول فيما

 رواه البخاري ومسلم: (لتتبعُنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)

 فهذا من محاولة تقليد من كان قبلنا، ومحاولة السير على سننهم حتى لو دخلوا جحر الضب.

هذه المدرسة العصرانية -للأسف- صار لها وجود في اليمن، باسم الإسلام وباسم الدعوة وباسم الحركة سواء على

 مستوى بعض المجلات والصحف، أو بعض المؤسسات التعليمية، أو بعض المؤسسات والمراكز الفنية،  أو بعض

 القيادات ... والقائمون على ذلك يركّزون على السياسة والديمقراطية كثيراً، ويحاولون أن يصبغوا بها كثيراً من جوانب

 الحياة، وبعضهم يقضي معظم أوقاته في النهار في السياسة؛ في الحوارات.. واللقاءات.. والمتابعات .. على حساب

 الواجبات الأخرى؛ ومن ضمنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتربية والعبادة .. وفي المساء وراء التقارير

 والأخبار، ومتابعة القنوات الفضائية، ويبرُزون متصدّرين في ذلك، لا يلتفتون  إلى الجوانب العلمية الشرعية، ولا إلى

 الجوانب التربوية، ولا إلى القائمين عليها، حتى إن أحدهم عند إعلان موت الشيخ ابن باز: قال: هذا أحسن خبر!..

 وقد أخبرني بذلك من سمعه وأعرف أنه صادق ... يسخرون من العلماء ولا يكادون يقيمون لهم وزناً !! مع أن العلماء

 ورثة الأنبياء.

هذا الشخص نفسه أثنى في المجلة ــ التي ذكرتها آنفاً- على عمر الجاوي عند موته، ومدحه مدحاً كبيراً،  رغم أنه ذكر في

 مدحه له أنه رجل علماني!    وفي الموقف السابق عندما قال: هذا أحسن خبر، ردّ عليه آخر بجواره وهو من نفس المدرسة

 -مُظهِراً الإنصاف-:  ليس الخبر سارّاً ولا مُحْزِناً !

                                                                                   

                                                                            

من أنشطتهم في اليمن :

هؤلاء -كما قلنا- يهدفون إلى إيجاد فقه جديد، ولذلك يحرصون على الحوارات واللقاءات والتنسيقات مع الأحزاب -

ولو كانت تتبنّى العلمانية- ومع السفراء، ومع بعض المسئولين  ... ويتساهلون في اللقاءات والمقابلات مع النساء، وفي

 النظر إليهن، وفي مصافحتهن ... وكذلك يمدحون الروافض في إيران، في حين ينشرون العداء والذم لبعض الجماعات

 الإسلامية، وكان ينبغي أن تكون أقرب إليهم من هؤلاء الروافض أو من أولئك العلمانيين ... ويتكلمون على

 الديمقراطية والتعددية، وعلى المجتمع المدني ومنظماته باستفاضة ... وعلى الفنون؛ ومنها: الفنون التشكيلية -التي منها

 صناعة التماثيل- وعلى الأغاني، والمسرح، وعلى حرية المرأة وولايتها في مختلف المجالات ومساواتها بالرجل ...

 وينشرون صور المرأة في مجلاتهم، ويَسمحون في بعض الأحيان لنوعٍ من الاختلاط مع النساء، ووصل الأمر إلى حد

 توظيف سكرتيرات وموظفات في بعض مؤسساتهم يتعاملْن مع الرجال ... وتقوم بعض مؤسساتهم بجمع الفنانين

 وشراء أدوات موسيقية، وإجراء المسابقة للموشحات الغنائية، ويَكثرُ منهم تجهيز فرق للتمثيل والأناشيد بالأدوات

 الموسيقية، ويُكثرون الإعلانات عنها ...  وإعلامهم يعمل على كسر الحواجز بين الإسلاميين والقوميين والعلمانيين

 والاشتراكيين، ويعمل على الانفتاح كما يزعمون على المشروع الحضاري وهو قريب من المشروع الغربي، فيُجري هذا

 الإعلام مقابلات ولقاءات، ويَستكتِب كُتّاباً وشعراء من كل الاتجاهات !...  وكنموذج على ذلك نضرب مثلاً بالمجلة

 التي ذكرناها ، فمن  مقابلاتها :    مقابلة مع رئيسة مركز نسْوي، تتبنَّى الجندر، نشروا المقابلة معها في عدة صفحات مع

 صورتها ... ونشروا أكثر من مقابلة مع شخص  محكوم عليه من محكمة جنوب صنعاء بالردّة إلا أن يتوب، وكذلك

 يكتبون كتابات واسعة عن مثل نزار قباني المعروف بأنه شاعر الخنا والمجون...

كذلك لهم مقابلات مع الروافض من مثل محمد مهدي شمس الدين من لبنان، وينشرون أفكار الحداثيين، وينشرون فكر

 الترابي، والغنوشي، والدكتور عمارة، والدكتور هويدي، والعوا، وغيرهم على أوسع نطاق ... ويعتبرون الخميني مجدداً

 من مجددي القرن العشرين، ويتكلمون على إيران والسودان بأنهما المثل الأعلى، وقد تُذكَر بعض المنكرات أو المحرمات

 على صفحات هذه المجلة؛ كشرب الخمر أو اللعن ولا ينكرون على ذلك...

وقد بدأت بعض الصحف - التي كان الأصل فيها الالتزام- تنهج شيئاً من هذا النهج، وتنشر شيئاً من مثل هذه

 المقابلات والمقالات، وصوراً لبعض الإعلانات وفيها النساء المتبرجات  ... وتكثر من الإعلان عن بعض أشرطة

 الأناشيد التي فيها أدوات موسيقية، مع عدم الاهتمام بالمنكرات الكبيرة بشكل عام ، و إغْفال الكلام عليها بالشكل

 المطلوب بصورة تتناسب مع خطورتها؛ كالمدن السياحية، وتجنيد المرأة، ومنكرات التلفاز، وما يجري في الشاليهات

 وبعض الفنادق، وبعض القنوات الفضائية، وكقضية سبِّ الله - التي ضاعت في دهاليز المحاكم- وقضية التطبيع،

 وإهمال الكثيرين في الأمة جهاد الحربيين المعتدين المحتلين من اليهود والنصارى و من غيرهم من الكفار ... هذه القضايا

 أصبحتْ لا تنال الاهتمام  ،   وإذا حدَث ذِكْرٌ لبعضها فإن تناوُلها يكون بِلُغةٍ مُتَعصْرِنة  تخجل من اللغة الشرعية

 والمصطلحات الشرعية ، ولا تتعرض للاستدلال بالآيات والأحاديث وإنْ ذكرتْ شيئا من ذلك فإنها تقتصد فيه إلى

 أبعد حدّ  .. .

والديمقراطية لم تعدْ عند أمثال هؤلاء مجرد مناوَرة ! فقد كانوا يقولون من قبل: نحن فقط نستفيد منها، ونتكلم بها على

 أساس أنها مناوَرة ... لم تعدْ الآن كذلك، وإنما صارت استراتيجية، وهذا  واضح من خلال كلامهم ... لقد صارت

 الديمقراطية دعوة وفقهاً ولها تفريعات وثوابت، وصاروا ينتهجون نهجاً ساخراً مشنِّعاً على التكفير ـــ ونحن أيضاً لا

 ندعو إلى تكفير المسلم؛ لأنه لا يجوزــ ولكن ليس معنى هذا ألاّ نكفر مَن يستحق التكفير ومَن تُكفّره النصوص  ، لأنّ

 عدم تكفير مَن تُكَفّره النصوص القاطعة يُعْتبر في ذاته كُفْراً ، لأنه كفْرٌ بتلك النصوص ،  فالذي ارتكب أموراً تجعله

 مرتدّاً في ضوء كتاب الله، وسنة رسول الله ^ يجب تكفيره إذا تحقّقت الشروط و انتفت الموانع ، ولا يجوز أن يقال: لا

 يُكفَّر ...   و لكنْ تكون إقامة الحد عليه عن طريق القضاء ... أمّا هؤلاء المتعصْرنون فإنهم يقولون: لا يجوز التكفير

 مطلقا ... يطلقون الكلام بدون قيود !  وقد نشر أحدهم مقالاً في صحيفة من الصحف أشار فيه إلى رواية ( وليمة

أعشا ب  البحر) ، وإلى الصحيفة التي أعادتْ نشر سبّ الذات الإلهية  ، وقال: إن كلام الخطباء في هذا الموضوع وكلام

 العلماء هو إشاعة للفاحشة !!   مع أن العلماء إنما نهوا عن المنكر ... فيسبُّ العلماء ولا يسب المنحرفين !!       و الكاتب

 هذا نفسه تكلم على الدكتاتورية والعلمانية في معرِض ترْويجه للديمقراطية ، وقال: إن الدكتاتورية تناقض الديمقراطية،

 أما العلمانية فلا تناقض الديمقراطية !  ... يريد أن يقول: إن الدكتاتورية أخطر من العلمانية،  أيْ أنه يمْدَح الديمقراطية

 والعلمانية معاً .

وتجد هؤلاء يكتبون دائماً عن المصلحة ( المزعومة ! ) ، ويتبنّون تقديمها على النصوص،  و بعضهم لا يجد غضاضة -

وهو من كتّاب هذه المجلة أو تلك الصحيفة- أن يكتب مثلاً في الصحيفة  التي نشرت الرواية التي فيها سبّ لله...

 فيكتب هنا، ويكتب هنا ... لا يفرقون بين اتجاه واتجاه ... وإذا تكلموا على العلماء يقولون: لا نحتاج إلى مرجعيات !

  ليست عندنا قداسة و لا كهنوت... إلخ.

ويسوّون على سبيل المثال بين ابن عثيمين وبين محمد شمس الدين؛ والأول من علماء أهل السنة، وهذا من علماء

 الروافض ... ويسوّون بين حزب الله الذي في جنوب لبنان والذي من مبادئه التي لايتبرَّأ منها : التقية، وتكفير معظم

 الصحابة،  والتحالف مع النصيريين ، وعقيدته هي العقيدة  الاثنا عشرية ... يسوّون بينه وبين المجاهدين في الشيشان و

 فلسطين .. وهكذا.

هذه المنهجية  مدرسة  تتوسّع ولها منابرها، وليس عندها مخالفة واحدة حتى يمكن  احتمالها ، ولكنّ مخالفاتها  صارت

 متعدّدة و مشتهِرة و سلبيّاتها أصبحتْ تُشكِّل ظاهرة  . ..         وقد يقول قائل: لماذا لا يُنصحون على انفراد ؟... نقول:

 ما دامتْ هذه السلبيات والبدع  مسْتعْلِنة منتشرة مستفيضة ... فإنه يجب  التحذير منها عَلَناً،  لأنها ليست  في زوايا

 مغلقة، أو وراء الكواليس، وإنما تُنشر على الملأ في صحف وفي مجلات، وفي لقاءات وحوارات واحتفالات ومؤتمرات

... فلابد أن يُرَدّ عليها بالمثل وينتبه الناس إلى خطورتها ، و السر بالسر والعلانية بالعلانية ...    والنصائح الخاصة أيضاً

 جارية مع هذا ،  ولم نذكر بعض الأسماء هنا  من باب الستر على أصحابها ، لعل الله تبارك وتعالى أن يهديهم ، فيتوبوا إلى

 الله تبارك وتعالى، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوبة.

                                                                                      

الموقف من التساقط :

وأمام هذا قد يقول قائل: قد نصاب بالإحباط !  إذا كانت مثل هذه الانحرافات أصبحت تسْري بواسطة بعض من

 يعتبرهم بعض الناس دعاة.

نقول:  علينا أن نستمر في الطريق السويّ، فالطائفة الناجية مستمرة إلى يوم القيامة، وعلينا أن نحرص على أن نكون من

 أفرادها بقدر الإمكان، ولابد أن ننهى عن المنكرات، وأن نقاوم البدع ، وأن ندعو إلى الخير ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً،

 فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألاّ تقوم حتى يغرسها

 فلْيغرسها)  رواه أحمد  .     فلا يجوز أن نصاب بالإحباط أبداً ... وهذه الابتلاءات واردة، و مهما انتشر الظلام فلابد أن

 يظهر الفجر، ودين الله تبارك وتعالى محفوظ، والله تبارك وتعالى يختبرنا .. هل سنتشرف بالدفاع عن دينه ؟ فإذا لم نفعل

 فسوف يستبدل بنا قوماً غيرنا.. نسأل الله السلامة.  وليست توجد حصانة لأحد إلا أن يتفضل الله عليه بهدايته، ولذلك

 شرع لنا جل وعلا في كل ركعة أن نقول: ( اهدنا الصراطَ المستقيم ) . الفاتحة : 6 . ومن صدَقَ في إلْحاحِهِ على الله فسوف

 يرزقه الله الهداية والثبات   .     والابتلاء يُظْهِر حقائق الناس، فلا ينبغي أن نصاب بالإحباط والمفاجأة إذا وجدنا بعض

الدعاة أو العلماء قد انحرفوا، قال الله تعالى : ( ما كان الله لِـيذَرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يَمِيزَ الخبيثَ من الطيِّب ) .

آل عمران : 179 .  وقال تعالى : ( أحسِب الناس أنْ يُتْركوا  ؟ أنْ يقولوا آمنا و هم لا يُفتنون  * و لقد فتَنَّا الذين من

 قبلهم فلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صدَقوا و لَيَعْلَمَنَّ الكاذبين ) . العنكبوت : 2 ــ 3 .

                                                                                     
 

العلماء ورثة الأنبياء

(منهجية ثلاثة من كبار علماء العصر)

                                   (ذو القعدة 1420هـ/ فبراير 2000م)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. أما بعد:

فإن هذه القصيدة التي أنشأها الأخ الشيخ/ محمد الصادق ذكرتنا آلاماً تَدْمَى لها القلوب، وذلك بما عرضته من الحديث

 عن العلماء الأعلام الذين فقدتهم الأمة في عام واحد حتى كادت الساحة أن تخلو من أعلام الهدى، وفي القصيدة نصائح

 جديرة بالاستفادة منها والعضِّ عليها.

نسأل الله Q أن يقيض لهذه الأمة من يعيدها إلى رحاب الإسلام من جديد، وأن يوفق عامة المسلمين إلى العودة الصادقة

 إلى دينه، إنه حميد مجيد، والحمد لله رب العالمين.

 

الدكتور/ عبد الوهاب الديلمي وزير العدل السابق.

الشيخ/ محمد الغيلي مدير عام مدارس القرآن بالمعاهد.

الدكتور/ عبد اللطيف هائل الأستاذ بجامعة صنعاء.

الشيخ/ عبد الله القهالي رئيس دائرة إعلام الإصلاح بالعاصمة.

الشيخ/ عبد الله صعتر عضو الهيئة العليا للإصلاح.

الشيخ/ سعد حنتوس مدير دار القرآن بصنعاء.

الشيخ/ محمد الآنسي الداعية المعروف.

الدكتور/ صالح الوعيل الأستاذ بجامعة صنعاء.

الدكتور/ حيدر الصافح الأستاذ بالمعهد العالي للإرشاد.

الشيخ/ عبد العزيز الزبيري الداعية المعروف.

الشيخ/ حمود شمار مدير دار القرآن بأرحب.

 

 

 

إلَهِي ما رضيتَ فقد رضينا

 

 

 

وإنْ دمْعُ العيون جرَى سَخِينا

 

وإنْ بَكَتِ القلوبُ على التّوَالي

 

 

هُدَاةً بالكِتابِ ومُهتدينا

 

رجالَ العلمِ أرْبَابَ المعَالي

 

 

وأعلاماً بِحَقٍّ عامِلينا

 

رجالاً للنُّبوَّ ةِ وَارِثينا

 

 

على سنَنِ الوِراثَةِ سائرينا

 

كأنَّ نبيَّنا قد عاشَ فِينا

 

 

ِبعُمْرِ الوَارِثينَ لهُ قُرونا

 

وإذْ رَحَلَتْ ِبهم رُسُلُ المَنَايَا

 

 

فَنَخْشَى الإِرْثَ يَتْبَعُهم دَفِينا

 

وإنّ اللهَ يَقْبِضُ أَيَّ عِلْمٍ

 

 

إذا يَقْضِي بِقَبْضِ العَالِمِينا

 

وليس العلْمُ فَلسفَةً مَقالاً

 

 

ولا لَقَبَ العليمِ ولا الظُّنونا

 

ولكنَّ العلومَ نُصوصُ وَحْيٍٍ

 

 

وما اجتهدَ العُدولُ الوارِثُونا

 

وهُم في الذكْرِ مَرْجِعُ كُلِّ فِكْرٍ

 

 

ِلصَوْنِ الدّينِ دِينِ الُمسلِمينا

 

تَصَوَّرْ في المَصيرِ فَتىً جَهُولاً

 

 

يَقُودُ بِنا القِطارَ أوِ السَّفِينا

 

وهَبْ في الطّبّ مَن يسعَى فُضُولاً

 

بِلا عِلْمٍ وقد ثَقَبَ العُيُونا
 

فكم يَفْشُو بذلكَ مِن فَسادٍ

 

 

وغَمْطٍ لِلتَّخَصُّصِ كَيْ يَهُونا

 

وما شَرْعُ الُهدَى كَلَأ ٌمُبَاحٌ

 

 

فَيَعْبَثَ في حِمَاهُ  العابِثُونا

 

مَعاذَ اللهِ بَلْ وِرْدٌ مُتَاحٌ

 

 

ِلَمنْ وَرَدَ الموَارِدَ والفُنُونا

 

وبِالتّقْوَى عَدَالَتُهُ لِزَاماً

 

 

وإلاَّ كانَ كالمُسْتَشْرِقِينا

 

وتَضْيِيْعُ العَدَالَةِ نَبْذُ هَدْيٍ

 

 

تَعَهَّدَهُ الرسولُ فَصَارَ دِينا

 

أَيعبَثُ بالُهدَى قومٌ تبَارَوا

 

 

وصارُوا لِلْعُدَاةِ مُقَلِّدِينا؟

 

ضلالاتُ التَّعَصْرُنِ ضَيَّعَتْهُم

 

 

فهُم في جهْلِهم مُتَعَالِمونا

 

بِسَمْتٍ مُنْكَرٍ لَم ْتَلْقَ فَرْقاً

 

 

إذا شاهدتَ سَمْتَ المُنْكرينا

 

أَرائِكُ في الأرائِكِ جالِسُونا

 

 

وكالأطفالِ دَوماً هَازِلُونا

 

ويُولُونَ السَّفَاسِفَ كُلَّ جُهْدٍ

 

 

وإِنْ ذُكِرَ الجِهادُ فَغَافِلُونا

 

ومَنْ هُمْ في الوَرَى أَشْبَاهُ قَوْمٍ

 

 

فَهُم مِنهُم وإِنْ حَلَفُوا يَمِيْنا

 

وقد نَطَقَ النبِيُّ بهِ صَريحاً

 

 

وأفْلَحَ مَن بهِ يَتَشَبَّهُونا

 

أَيَزْعُمُ مُنْخُلٌ ما اعْتَادَ صَوْناً

 

 

بِكَوْنِ الماءِ دَاخِلَهُ مَصُونا؟!

 

ويَفْخَرُ حَنْظَلٌ شَكْلاً ولَوْنًا

 

 

بِكَوْنِ الشَّهْدِ يَسْكُنُهُ مَكِيْنا؟!

 

وكَمْ مِنْ مَظْهَرٍ ظَرْفٌ لِفِكْرٍ

 

 

ولَوْ مَا رَى بِذَاكَ المُمْتَرُونا

 

وأَقْلاَمُ التَّعَصْرُنِ مَحْضُ بُوقٍ

 

 

لِتَشْوِيهِ الُهدَاةِ الوَارِثِينا

 

ولَيْسُوا عَارِفِيْنَ لَهم بِحَقٍّ

 

 

إذا مَرُّوا بهِم يَتَغَامَزَُونا

 

وأَقْمارُ الهداية ِفي وَقَارٍ

 

 

ولَوْ دَوَّى صرِيرُ المُعْصِرِينا

 

وفي عامٍ كَعَامِ الُحزْنِ وَلَّى

 

 

رِجَالَاتٌ ثِقَاتٌ شَامٍخُونا

 

سلامُ اللهِ يا ابْن َالبازِ حَيّاً

 

 

وفي المَثْوَى ويومَ المُنْشَرِينا

 

تُذَكِّرُنا دُمُوعُكَ حِينَ تَهْمِي

 

 

وقَلْبٌ حَاطَ كلّ المُؤْمِنِينا

 

ومِليُونٌ بِيَومِكَ يومَ صَلَّوا

 

 

وعِلْمٌ ضَاءَ دَرْبَ السّالِكِينا

 

بِقَامَاتٍ مِن السّادَاتِ وَلَّوْا

 

 

ونرجو سبْقَكُم فيهم وفينا

 

وعَرِّجْ في الحديثِ على إِمامٍ

 

 

فتَى الأَلْبَانِ ما شَهِدَ القَرِينا

 

وكمْ سُنَنٍ به الرحمنُ أَحْيَا

 

 

ولَوْ لمْ يُبْتَدَرْنَ لَمَـــَا حَيِيْنَا

 

وصارَ الناسُ حقّاً مُمْسِكِينا

 

 

بِقَائِمةِ الصحيحِ ومُكْتَفِينا

 

ومَن لِلناسِ خَلَّفَ نَفْعَ عِلْمٍ

 

 

فَقَدْ أَبْقَى لَهم عَيْناً مَعِينا

 

فَحَيَّا اللهُ رُوحَكَ مِن فَقِيدٍ

 

 

وَأَعْلَى ذِكْرَكُم في الغَابِرِينا

 

وأَبْكَى الهِنْدَ أَبْكَاهَا إِمَامٌ

 

 

وقَدْ صَلَّتْ وصَلَّى الُمسلِمُونا

 

مَضَى عَنَّا أبُو حَسَنٍ فَأَفْضَى

 

 

وكانَ الفَضْلَ والخُلُقَ المَتِينا

 

وكانَ الجُهْدَ في الذِّكْرَى وذِكْرٍ

 

 

ونِعْمَ السَّبْقُ سَبْقُ الذاكِرِِينا

 

وكانَ الزُّهْدَ ذلك مَا عَلِمْنا

 

 

وكانَ الفِكْرَ والقَلَمَ الرَّصِينا

 

لهُ السِّحْرُ الحَلَالُ ولَا يُبَارَى

 

 

بِأَقْطَابِ الُّلغَاتِ الأَلْسَنِيْنا

 

بِأَرْبَعِهَا أَفَاضَ ورُبَّ فَذٍّ

 

 

مِن الأَعْلَامِ فَاقَ الأَعْلَمِينا

 

ورَغْمَ الغَوصِ في الغَربِيِّ مِنها

 

 

فَلَم يَغْرَقْ كَشَأْنِ الأَكْثَرِينا

 

ولم تَمْسَخْ لدَى النَّدْوِيِّ أَصْلاً

 

 

ولَا شَكْلًا ولَا فَقَدَ الحَنِينا

 

يُذَكِّرُ بِالصَّحابَةِ كَيفَ خَاضُوا

 

 

بِلَا بَلَلٍ بِدُنْيَا الغَارِقِينا

 

ولمْ يَنْصَبْ أَئِمَّتُنا لِعَيشٍ

 

 

ولَا اكْتَسَبُوا المَرَافِقَ والشُّئُونا

 

أمَا عاشَ الرسولُ علَى كَفَافٍ

 

 

وكانَ بِمَسْكَنٍ إِذْ كانَ طِينا؟

 

وخَيَّرَ نِسْوَةً زَوْجَاتِ صِدْقٍ

 

 

فَآثَرْنَ البَسَاطَةَ مَا بَقِينا

 

ولَو شَاءَ الرسولُ لَعَاشَ فَرْداً

 

 

فَرِيداً في المُلُوكِ النَّاعِمِينا

 

ولَكِنْ سَنَّ لِلتَّغْيِيْرِ نَهْجاً

 

 

هُوَ الأَهْدَى وجَرَّبْنا قُرُونا

 

ولَيْسَ يُحَرِّمُ الزِّينَاتِ لَكِنْ

 

 

بِهذا العَزْمِ أَمَّ المُؤمِنينا

 

ومَن طَلَبَ الإِمَامَةَ دُونَ هَدْيٍ

 

 

كَهَذَا الَهدْيِ حَتْماً لَنْ تَكُونا

 

أَقِيمُوا دَولَةَ الإِسلامِ فِيكم

 

 

تَقُمْ في أَرْضِكِم حِصْناً حَصِينا

 

وفي السُّودانِ دَرْسٌ أَيُّ دَرْسٍ

 

 

بِهَذا العَصْرِ لِلمُسْتَعْصِرِينا

 

ومَا التَّجْدِيدُ فِيمَا يَنْشُدُونا

 

 

سِوَى تَرْوِيجِ مَا يَسْتَورِدُونا

 

ومَن يَكُ بِالهُدَى فِيهم غَرِيباً

 

 

فَطُوبَى هَا هُنَا لِلمُغْرِبِينا

 

وتَجْدِيدُ الهُدَى عَوْدٌ لِبَدْءٍ

 

 

ِلِمنْهَاجِ الصِّحَابِ السَّابِقِينا

 

بِه ِتُرْجَى النَّجَاةُ ولَا انْقِطَاعٌ

 

 

لِطائِفَةِ النَّجاةِ الظاهِرِينا

 

أَئِمَّتُنا ثَلاثَتُهم مِثَالٌ

 

 

ولا يَرضَونَ بِدْعًا أو مُجُونا

 

ورَبَّوا لِلخِلافةِ جِيلَ صِدْقٍ

 

 

بِأَقطارِ البَسيطةِ جاهِزِينا

 

وبِالمِنهاجِ صارَ لهم إِطارٌ

 

 

إذا استَرخَى إِطارُ المُعْصِرِينا

 

وهُم يَسعَونَ في فُسْطاطِ دِينٍ

 

 

إذا اسْتَسْعَى النِّفَاقُ الآخَرِينا

 

ومَنهجُهم شُمُولٌ واعتِدالٌ

 

 

ويَحْمُونَ العقيدةَ جَاهِدِينا

 

وسَبْقٌ لِلجماعةِ في صلاةٍ

 

 

وفي الأَسحارِ كانوا ساجِدِينا

 

وكالتصويرِ ما فيه اشْتِبَاهٌ

 

 

تَحَاشَوا فِعْلَهُ مُتَوَرِّعِينا

 

ولَيسوا عِصمةً مِن كُلِّ عَيْبٍ

 

 

وخَيرُ الهَدْيِ هَدْيُ المُرسَلِينا

 

وما ارتاضُوا مع السُّفَرَاءِ حِيناً

 

 

ولا ارتاضُوا مع الحُكّامِ حِينا

 

ولن يَعْيَا المُخَلِّطُ لو أرادُوا

 

 

بِأَنْ يَحيـَا بِتَخْلِيطٍ مَكِينا

 

ومِثل الغَيرِ يَزْعُمُ كُلَّ خَيـرٍ

 

 

ويَجْمَعُ مِثْلَهُ رَغَداً وطِينا

 

ولن تَرضَى اليهودُ ولا النصـــــــــــــــــــــــارى

 

 

ولا الأَذْيَالُ إلا المُفْسِدِينا

 

ومَن صَحِبَ الوُلَاةَ بِلَا اعتِزَازٍ

 

 

ولا لَاقَى مِن الذِّكْرَى مَعِينا

 

فَقَد أَلْقَى يَدَيْهِ بِلَا احْتِرَازٍ

 

 

وأَرْدَى نَفْسَهُ في الهَالِكِينا

 

وقد صدَقَ الرسولُ فَمَن أَتَاهُم

 

 

إِلَى أَبْوابِهم لَقِيَ الفُتُونا

 

وكم مِن قَادَةٍ في الدِّينِ فَرُّوا

 

 

بَعيداً عن بَلاطِ الحاكِمِينا

 

بِرَغْمِ الفِقهِ والتقْوَى وقَرْنٍ

 

 

أَنَاخَ بِبَعضِهم في التَّابِعِينا

 

فلَا البَصْرِيُّ والثِّورِيُّ أَخْذَى

 

 

ولا النُّعمان ُأَوشَكَ أَنْ يَلِينا

 

ويَزْهَدُ مَالِكٌ فِيهم ويُؤْذَى

 

 

ويَقْفُو الشافِعِيُّ الأَوَّلِينا

 

ويَصْمُدُ أَحْمَدٌ كالطَّودِ صَمْداً

 

 

ولو أَرْضَى الوُلَاةَ أَضَاعَ دِينا

 

أَصِحِّاءُ السِّياسَةِ كُلُّ حِصْنٍ

 

 

بَنَى بِالشَّرْعِ مَوْقِعَهُ الَحصِينا

 

فَأَرْسَى الشَّرْعَ لا يَخْشَى مَلَامًا

 

 

ولم يَلْحَقْ بِرََكْبِ الُمدْهِنِينا

 

إِذَنْ لَاخْتَارَ يُوسُفَ في التّأَسِّي

 

 

ودَفْعِ الَجوْرِ جَوْرِ القَاسِطِينا

 

وخَيرُ الناسِ أَفْضَلُهم جِهَاداً

 

 

بِنَصْرِ الَحقِّ عند الجائِرِينا

 

وبَيْنَ الِّلينِ والإِدْهَانِ فَرْقٌ

 

 

يُضَاهِي الخَيْزُرَانَةَ والدُّهُونا

 

رَوَى النَّدْوِيُّ ما نَقَلَ السِّبَاعِي

 

 

عن البَنَّاءِ بَعْدَ الأَرْبَعِينا

 

بِتَأْخِيرِالسياسةِ و التَّصَدِّي

 

 

ِلمـَـأْساةِ التَّناَفُسِ أَنْ تَكُونا

 

رَوَاهُ لِشَرْقِنا في ذِكْرِيَاتٍ

 

 

لهُ إِذْ سَاحَ لا كالسَّائِحِينا([1])

 

كَمَا أَهْدَى إلى( الإخوانِ) بحثاً

 

 

وسَمَّاهُ التَّحَدُّثَ لِلْأَخِينا([2])

 

وحَدَّ به السياسةَ عند حَدٍّ

 

 

ِلإِنصَافِ الفُروضِ الآخَرِينا

 

ونالَ بِمكْتبِ الإِرشادِ فَهْماً

 

 

وتَعْمِيماً وتَقْديماً رَصِينا

 

وما خَوضُ السياسةِ في فَرِيقٍ

 

 

غَرِيقٍ في الخَطَايَا كَاذِبِينا

 

سِوَى مُسْتَنْقَعٍ مَن خاضَ فيه

 

 

تَلَطَّخَ مِثْلَ باقي الخائِضِينا

 

وأَسْلَمَةُ السياسةِ وَفْقَ شَرْعٍ

 

 

بِتَربِيَةِ الفرِيقِ السائِسِينا

 

و تَنْقِيَةِ الطريقِ بِكُلِّ وُسْعٍ

 

 

وتَنْحِيَةِ الرفيقِ المُدْهِنِينا

 

هو الإسلامُ ساسَتُهُ نُجُومٌ

 

 

وكالبِلَّوْرِ ليسوا مُدْخِنِينا

 

وقد أَرْسَى أَئِمَّتَنا امْتِنَاعاً

 

 

عن التّلْفازِ عَمَّ المُخْبِتِينا

 

وكانَ لهم مع الصُّحُفِ اكْتِفَاءٌ

 

 

وأَقْرَبُ لِلتُّقَى مَن يَكْتَفُونا

 

وفي التلفازِ مُوسيقَى ونُكْرٌ

 

 

وأَخْبَارٌ وبِئْسَ المُخْبِرُونا

 

أَأَخْبارٌ وفي الأَطبَاقِ عُهْرٌ

 

 

وتَشْرِيْهَا فَتَشْرِي مِنكَ دِينا؟!

 

وتَفْتِنُكَ النِّسَاءُ أَضَرَّ فَتْنٍ

 

 

كَمَا في قَوْلِ خَيْرِ المُرسَلِينا

 

فَتـُدْمِنُ ما يُكَفِّنُ كُلَّ خَيرٍ

 

 

ويُمْكِنُ أَنْ تَكونَ لهُ دَفِينا

 

وتَبْهَرُكَ البَهَارِجُ زَائِفَاتٍ

 

 

وقد تُزْرِي حَيَاةَ المُؤمِنِينا

 

وكم مِن أَشْعَثٍ وَرِعٍ وَبَرٍّ

 

 

بِهِ يُسْقَى العِبادُ ويُنصَرُونا

 

وفي القرآنِ مَوعِظَةٌ وعَتْبٌ

 

 

عن الأَعمَى وحَقْرِ الأَرْذَلِينا

 

وكُلُّ تَنَازُلٍ خَطْبٌ جلِيلٌ

 

 

وإِنْ زَعَمُوا لِحِفْظِ الدِّينِ فِينا

 

وهلْ في نَقْصِهم للدِّينِ حِفْظٌ

 

 

وهلْ يَبْنِي الكَمالَ النَّاقِصُونا؟!

 

لَقدْ عاشَ الصحابةُ في ارتِقَاءٍ

 

 

وعاشَ الدِّينُ مُكْتَمِلاً مَصُونا

 

ولَوْ نَقَصُوا لَأَنْقَصَ مَن يَلِيهم

 

 

فَمَاذا اليومَ كُنَّا مُدْرِكِينا؟!

 

ومَن لِلناسِ يَجْهَد كَيْ يكُونوا

 

 

مَنَارَاتٍ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونا

 

وحِفْظُ الدِّينِ مِن رَبٍّ حَفِيظٍ

 

 

أَعَدَّ لهُ كِرَاماً حافِظِينا

 

وإِدْمَانُ الصغائرِ قد يُؤَدِّي

 

 

لِأَبوابِ الكبائرِ أَجمِعِينا

 

ومَن وَرَدَ الكبائرَ كان أَحْرَى

 

 

بِأَنْ يَسْتَدْبِرَ الفتْحَ المُبِينا

 

ويَخشَى فِتنَة ًشَعْوَاءَ تَغْشَى

 

 

جميعَ شُئونِهِ دُنْيَا ودِينا

 

وكلُّ تَساهُلٍ مَرَضٌ وَبِيلٌ

 

 

وإِنْ قالوا نَسُوسُ الآخَرِينا

 

فَيَمْرَضُ مَن يَسُوسُ بِمَا تَرَدَّى

 

 

ويَمْرَضُ بَعْدَهُ مَن يَتْبَعُونا

 

ويَذْبُلُ دِينُهم شيئاً فَشَيْئاً

 

 

ولا نامَتْ عيونُ الُمدْهِنِينا

 

وقَبْضُ الجَمْرِ فِعْلاً ليسَ سَهْلاً

 

 

وبِالإِدْهَانِ كُلٌّ قَابِضُونا

 

وليس النصرُ يُطْلَبُ بِانْهِزَامٍ

 

 

ولا الإِنْقَاذُ َمِـمَّنْ يَغْرَقُونا

 

وكم مِن طالِبٍ صَيْداً سَمِيناً

 

 

وقد يَغْدُو هو الصَّيدَ السَّمِينا

 

وليس بِعاجزٍ مَن عاشَ حُرّاً

 

 

ولَكِنْ مَن يَزُفُّ العاجِزِينا

 

ويَعْجَزُ أَنْ يَفُوزَ بِأَهْلِ سَبْقٍ

 

 

ويَحْسَبُ نَفْسَهُ فِيهم سَجِينا

 

وما الفَوزُ المُبارَكُ بِالتَّمَادِي

 

 

ولَكِنْ بِازْدِيَادِ الزَّاهِدِينا

 

ولا التِّكْتِيكُ في نَشْرِ التِّعَادِي

 

 

ولَكِنْ بِابْتِعَادِ الأَبْعَدِينا

 

وتقْوَى اللهِ تَفْتَحُ خَيرَ بَابٍ

 

 

ِلَخيرِ سِياسَةٍ دُنْيَا ودِينا

 

وما تُغْنِي عن الأَسْبابِ لَكِنْ

 

 

تُمَـثِّلُ قِمَّةَ الأَسْبابِ فِينا

 

يرَى النَّدْوِيُّ أَنَّ النُّصْحَ رُوحٌ

 

 

كَرُوحِ الحَيِّ يُحْيِى السائِرِينا([3])

 

يَكُونُ بِحِكْمَةٍ ولِكُلِّ صَفٍّ

 

 

وإلّا لَا تَثِقْ بِالصَّفِّ دِينا

 

وما وَصْفِي الأَئِمَّةَ كَيْ أُزَكِّي

 

 

ولَكِنْ ما نَظُنُّ و ما لَقِينا

 

بَنَيْتُ لهم مِن الأَبـْـيَا تِ بَيْتاً

 

 

لِيَسْكُنَ نَهْجُهم فِينا مَكِينا

 

لَعَلَّ اللهَ  يَـهْدِي الحائِرِينا

 

 

ويُدْخِلُنا غَداً في الصالِحِينا

 

ويَكْفِينا عَدَاوَة َ  كُلِّ عَادٍ

 

 

ويُؤْوِينا قُلُوبَ المُؤمِنينا

 

 

*             *             *


 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) انظر (مذكرات سائح في الشرق العربي) للندوي .                           

([2]) انظر (أريد أن أتحدث إلى الإخوان) للندوي بتقديم الهضيبي.

([3]) انظر المقابلة مع الندوي في مجلة (الأمة القطرية).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                            

    

الشرح

 (العلماء ورثة الأنبياء):

ننتقل إلى القصيدة بعد أن ألقينا الضوء على المنهجيتين   :  منهجية أهل السنة والجماعة ، والمنهجية العصرانية .

وعنوان القصيدة  : (العلماء ورثة الأنبياء.. منهجية ثلاثة من علماء العصر)، وقد قيلت في شهر ذي القعدة من سنة

 (1420هـ)، الموافق شهر فبراير (2000م):

بين رجال العلم و بعض الجاهلين :

إِلَهِي ما رضيتَ فقد رضِينا

 

 

وإِنْ دَمْعُ العيونِ جرَى سَخِينا

 

وإنْ بكَت القلوبُ على التوَالي

 

 

هُدَاةً بالكتابِ ومُهتَدِينا

 

رِجالَ العلْمِ أَربابَ المَعَالي

 

 

وأَعلَاماً بحقٍّ عامِلينا

 

رِجالاً لِلنُّبوَّةِ وَارِثينا

 

 

على سنَنِ الوِراثةِ سائرينا

 

كأنَّ نَبِيَّنا قد عاشَ فينا

 

 

بِعُمْرِ الوارِثينَ لهُ قُرونا

 

 كأنَّ النبي حاضر بيننا طوال القرون؛ بوجود العلماء؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء.

وإذْ رحلَتْ بهم رسُلُ المَنايا

 

 

فنَخشَى الإِرثَ يَتْبَعُهم دَفِينا

 

 

الإرث الذي هو العلم الشرعي، نخشى أن يُدفن معهم.

                                            

وإِنّ اللهَ يقبِضُ أيَّ علْمٍ

 

 

إذا يقْضي بقَبْضِ العالمِينا

 

   

 

كما ورد في الحديث المتفق عليه: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بموت العلماء).

                                             

وليس العلمُ فلسفةً مقالاً
 

 

ولا لقَبَ العليمِ ولا الظنونا

                           

                 

ليس العلم فلسفة؛ لأن من تفلسف اليوم وتعالَم  ظن الناس أنه عالم! ... وكذلك مَن كتَب المقالات في الصحافة ـــ إذا

 خاض في القضايا التي حكم فيها الشرع  ـــ دون علْم وتخصُّص في الشرع فليس معنى ذلك أنه عالم يَصْلُح أن يتلقّى

 عنه الناس .

وليس العِلم لقب العليم ... مثل أنْ يقول الناس عن شخص : الدكتور فلان، والمجتهد فلان  ... فليس العلم

 بالألقاب، ولا هو بالظنون والتوهُّمات.

                                            

ولكنّ العلومَ نصوصُ وحْيٍ

 

 

وما اجتهدَ العُدولُ الوارثونا

 

 

 

العلوم الشرعية هي ما جاء من الكتاب والسنة، واجتهادات العلماء المتخصصين.

وهم في الذِّكْرِ مَرْجِعُ كُلِّ فِكْرٍ

 

 



 

 

 

العلماء العدول هم المرجع للأمة... ليسوا كما يقول المستوردون الحاقدون و مرضى القلوب: كهنوتاً !   ...  العلم

 الشرعي اجتهاد  وبحث  وتخصُّص  وتنوير  ...   يقول تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر )  النحل: 43 .    فأيُّ فكر لابد أن

 نعرضه على هؤلاء العلماء كي يفيدونا هل هو مطابق لكتاب الله وسنة رسوله أوْ لا؟... وفي ذلك صيانة لدين الله من

 البدع و الشوائب و التخليط .

وهم في الذكرِْ مرْجِعُ كلِّ فكْرٍ

 

 

لِصَونِ الدينِ دِينِ الُمسلمينا

 

تَصَوَّرْ في المصيرِ فتىً جهُولاً

 

 

يَقودُ بنا القطارَ أو السفينا

 

 

 

 

هل نرضى نحن  شخصأ جاهلا بقيادة القطار أو السفينة أن يتولّى  القيادة؟.... لا نقبل إلا إنساناً متخصصاً بالقيادة ؛

 حتى لا يقودنا إلى الهلاك ... وكذلك  اتّباع رجل جاهل في الإفتاء معناه الهلاك في الدنيا والآخرة .

وهبْ في الطبِّ مَن يَسْعى فُضُولاً

 

 

بِلا علْمٍ وقد ثَقبََ العيونا

 

 

 

 

رجُل يدّعي الطب زوراً ويتعاطاه فُضولاً ويقوم بعمليات جراحية في العيون فيثقب العيون، هل سيقبل الناس منه هذا؟

 ... الناس لا يقبلون إلا التخصص بمهارة في العلوم الدنيوية ... فلماذا في الشريعة يتكلم كل أحد؟! ... كم ينتشر

 الفساد عندما لا يُحترم التخصُّص؟!

فكم يَفْشو بذلك مِن فَسادٍ

 

 

وغَمْطٍ للتخصصِ كَي يَهُونا

 

وما شرْع ُالهدَى كَلَأ ٌ  مُباحٌ

 

 

فيَعبَثَ في حِمَاهُ العابِثونا
 

 

 

 

ليست الشريعة كالكلأ المباح يرعى فيها من رعَى ... الشريعة لا يتكلم فيها إلا المختصون ، كالعلوم الأخرى.

 

مَعاذَ الله بلْ وِرْدٌ   مُتاحٌ

 

 

ِلَمن وَرَدَ الَموَارِدَ والفُنونا

 

 

 

الشريعة وِرْدٌ متاح بمواردها وفنونها لكلِّ أحد ... لا نقول بأن التخصُّص فيها خاصٌّ بأناس دون أناس  ...    بل هي

 متاحة لكل من يريد أن يتعلم  و يتخصّص ويكافح لنيل درجة العلم فيها ....  و هي بذلك تختلف عن الكهنوت  الذي

 في الأديان الأخرى المحصور  في فئة معيّنة ....  أما أن يأتي شخص فيفتي في الشريعة، وهو لم يبذل في سبيل العلم بها و

 التخصُّص فيها أيَّ جهدً ، فلا ... فالطب مثلاً لا يمكن أن يُفتي فيه   إلا من تعلّم ودرس ... و هكذا سائر العلوم .

وبالتقوَى عدالتُهُ لِزَاماً

 

 

وإلّا كان كالمُسْتَشْرِقينا

 

 

 

لابد من عدالة  !    قد تجد عالماً كبيراً، ولكن ليس عنده عدالة   ...  فهذا لا تُقبَل منه الفتوى  ...  المستشرقون علماء ! ...

 بعضهم علماء في الحديث وبعضهم علماء في الفقه، وبعضهم علماء في علوم القرآن، فهل نقبل منهم فتاوى؟ ... لا 

 نقبل ؛ لأنهم ليسوا بمسلمين ولا عدول.

وتضْيِيعُ العدالةِ نَبْذُ هَدْيٍ

 

 

تَعَهَّدَهُ الرسولُ فصارَ دِينا

 

 

 

بعضهم يتساهل في هدْي الرسول فلا يلتزم به في سلوكٍ  أو في تعاملٍ أو في سَمْت ، فهذا  تضييعٌ للعدالة .

 

  المتعصْرنون :

 

 

أَيعبثُ بالهدَى قومٌ تَبَارَوا

 

 

وصاروا لِلعُداةِ مُقَلِّدِينا؟

 

 

 

يُصوِّرون أنفسهم دعاةً للإسلام ، وهم يقلّدون أعداء الإسلام ...يتبارَون في تقليدهم و في استيراد أفكارهم ، و في

 التشبُّه بهم ... فهؤلاء لا عدالة لهم ولا يؤخذ منهم.

ضلالاتُ التعَصْرُنِ ضَيَّعَتْهم

 

 

فهم في جَهْلِهم مُتَعالمِونا

 

 

 

يَتَعَألَم المتعصْرنون  بضلالاتهم ... يظنون أنهم علماء وهم   جهلة !

لا علْمَ في العقل ولا نورَ في القلب ... ولا تشَبُّهَ بالعلماء والصالحين ... و لا بالرسول عليه الصلاة والسلام  في العديد

 من الأمور ...  لا جوهراً ولامظهراً.

                                           

بِسَمْتٍ مُنْكَرٍ لم تَلْقَ فَرْقاً

 

 

إذا شاهدتَ سَمْتَ الُمنكَرِينا

 

 

 

 

سَمْتُهم سمْتٌ منكَرٌ  ... على ما قال بعض الإخوة : ترى أحدهم و لا تُميِّز بينه و بين الخواجة في صورته !... لا فَرْق !

أَرائِك في الأرائِك جالِسونا

 

 

وكالأطفالِ دَوماً هازلونا

 

 

 

إنهم كراسي على الكراسي ! ...الجدُّ عندهم قليل ... تراهم في ضحِك وهزْل  كالأطفال ... والعاقل  مهمومٌ قليل

 الضحك لاسيما في هذا الزمان .

ويُولُون السفَاسِفَ كُلَّ جهْدٍ

 

 

وإنْ ذُكِرَ الجهادُ فَغَافِلونا

 

 

 

 يجتهدون في السخافات والسفاسف  ولا يلتفتون إلى الجهاد (وإنْ ذكَروه كان ذكْرهم له بالغمْز واللمْز) ، مع أن الجهاد

 فريضة في الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم: (من مات ولم يْغزُ ولم يحدِّثْ نفسه بغزْوٍ؛ مات على

 شعبة من نفاق) ... ولا يمكن أن يُخرِج الأمة الإسلامية من النفَق المظلم إلا الجهاد، يقول الله سبحانه :  ( ياأيها الذين

 آمنوا هل أدلُّكم على تجارةٍ تُنجيكم من عذابٍ أليم ) [ الصف : 10]. و لعل من العذاب المذكور في الآية ما يسومنا به

 الشرق والغرب! ...  إنّ من العذاب في الدنيا ما نحن فيه من الذل والمهانة والتشتت والتفرق ... من العذاب في الدنيا

 أنْ تتحوّل طاقاتنا  إلى تمزيق صفوفنا !     بدلاً من أن تتجه طاقاتنا نحو العدو؛ تتّجه إلى الداخل  ... والمخرج من هذا و

 غيره ما وَرَد في الآية التي بعد الآية السابقة  : ( تؤمنون بالله ورسوله و تجُاهدون ) . [ الصف: 11 ].    ويقول تعالى: (

 إلاّ تنفروا )   أي: إلى الجهاد  ( يعذبْكم عذاباً أليما ، و يستبدلْ قومًا غيرَكم ) [ التوبة :39 ] .   وها نحن نعيش في هذا

 العذاب الأليم جراء تقاعسنا عما وجب علينا  ... وعذاب الآخرة أشدّ إذا لم يتغمدنا الله برحمته .

ومَن هُم في الوَرَى أَشْبَاهُ قَومٍ

 

 

فهُم مِنهم وإنْ حلَفوا يَمينا

 

 

 

الذين يتشبهون بأناس هم منهم، وإن حلفوا الأيمان أنهم ليسوا منهم.

وقد نطَقَ النبيُّ بهِ صَريحاً

 

 

وأفْلَحَ مَن بهِ يَتَشَبَّهُونا

 

 

 

جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود -وصححه الألباني- أن الرسول ^ قال: (من تشبَّه بقومٍ فهو مِنهم).والمفْلح

 حقًّا هو من تشبّه به عليه الصلاة والسلام  .

أَيَزْعُمُ مُنْخُلٌ ما اعْتَادَ صَوناً

 

 

بِكَوْنِ الماءِ دَاخِلَهُ مَصُونا؟!

 

 

 

شخصٌ مثل المنخُل في تفريطه لا يلتزم بآداب ولا بضوابط  شرعية في العديد من الأمور، يزعم أنه داعية ...  يقول:

  الشريعة أنا متمسِّك بها.. . فهو كمن يقول: الماء مصونٌ داخل المنخل! ...  كلام  مجرد عن الواقعية .

ويَفْخَرُ حَنظَلٌ شَكْلاً ولَوْنًا

 

 

بِكَوْنِ الشَّهْدِ يَسْكُنُهُ مَكِينا؟!

 

 

 

 سلوكٌ كالحنظل ... يزعم صاحبه متفاخراً بأنه مَوْطِن ُ الشَّهد (أي العسل).

وكم مِن مَظْهَرٍ ظَرْفٌ لِفِكْرٍ

 

 

ولَو ما رَى بِذاكَ المُمْترَونا

 

 

 

 الظاهر عنوانٌ وظرفٌ للباطن ولو جادل المجادلون.

وأقْلامُ التَّعَصْرُنِ مَحْضُ بُوقٍ

 

 

لِتَشْوِيهِ الُهدَاةِ الوارِثِينا

 

ولَيسُوا عارِفينَ لهم بِحَقٍّ

 

 

إذا مَرُّوا بهم يَتَغامَزونا

 

 

 

 

 

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرنا و يرحمْ صغيرنا، ويعرفْ لعالمنا حقه) رواه أحمد

 والحاكم  و ذكر الألباني أنه حسن  .  وهؤلاء المتعصْرِنون لا يعرفون حقاً لعالم، بل هم أبواقٌ للغمز والتشويه للهُدى

 وحَمَلَتِه.

 

 

                                                                         

     العلماء الثلاثة :

 

وأَقْمارُ الهِدايةِ في وَقَارٍ

 

 

ولَو دَوَّى صَرِيرُ المُعْصِرينا

 

وفي عامٍ كَعامِ الُحزْنِ وَلَّى

 

 

رِجالاتٌ ثِقاتٌ شامِخونا

 

 

 

 

 

 العلماء أقمارٌ في قمة الوقار، ولو ارتفعت أصوات أبواق المعْصرين وصريرهم ... وقد كان العام الذي توفي فيه العلماء

 الثلاثة أشبه بعام الحزن، الذي فقد فيه رسولنا الكريم ^ناصره من ذويه عمه أبا طالب، وزوجته خديجة بنت خويلد

 رضي الله عنها وأرضاها، وكان ذلك قبل الهجرة فاشتد كفار قريش على رسول الله ^، وعظم حزنه حتى سمي ذلك

 العام عام الحزن، ولكن الله أكرمه وأعلى شأنه وجبر خاطره، وأراه آياته في الإسراء والمعراج.

 

  ابن باز  :

 

سلامُ اللهِ يا ابْنَ البازِ حيّاً

 

 

وفي المَثْوَى ويومَ المُنْشَرِينا

 

تُذَكِّرُنا دُموعُكَ حينَ تَهْمِي

 

 

وقَلْبٌ حَاطَ كُلَّ المؤمِنينا

 

 

 

 

 عليك السلام يا ابن باز في حياتك وفي مثواك في قبرك ويوم تُنشَر وتُبعث.

كانت  دموعه سيّالة، إذا قيل له: اتق الله. بكى !  وهؤلاء العصرانيون ... هل يوجد فيهم مَن يبكي من خشية الله؟!

رجل يحب كل المسلمين، ويبذل كل غالٍ ونفيس لأجل المسلمين، ويقدم الخدمات لكل المسلمين  ... المسلمون في قلبه ،

 يـحــرص     أنْ يحوطهم بعنايته و رعايته ...   فرحِمَهُ الله رحمة واسعة ... كان ينفق من مرتّبه ، وينفق ما يصل إليه من

 المحسنين لمواساة المحتاجين  ،        و كان لا يكفيه ذلك فيقترض ولا يتوانى عن سدّ حاجة محتاج   .

وكل المسلمين يحبونه إلا أولئك  الذين في قلوبهم مرض.

ومِليونٌ بِيَومِكَ يومَ صَلَّوا

 

 

وعِلْمٌ ضَاءَ درْبَ السالِكينا

 

 

 

صلى عليه مليون -أو مليونان؛ كما تقول بعض التقديرات- في الحرَم، وقد قال الإمام أحمد /: قولوا لأهل البدع: بيننا

 وبينكم الجنائز. يعني: قارنوا بين عدد من سوف يشيّعون جنائزنا وبين عدد من سوف يشيّعون جنائزكم ... لأنّ الله

 تبارك وتعالى إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض عند الصالحين، و قد كان لابن باز قبول فيما نظن ، و من الدلائل

 على ذلك عدد من شيّعوه ، وكذلك  قبوله كمرجع للفتوى في ديار المسلمين ، والانتشار الواسع لعلمه و مؤلّفاته فيهم  .

بِقاماتٍ مِن الساداتِ ولَّوا

 

 

ونرْجو سِبْقَكم فِيهم وفِينا

 

 

 

تذكِّرنا دموع ابن باز، وحياطته للمؤمنين، والأعداد الكبيرة التي صلّت عليه وعلمه الواسع .. تُذَكّرنا بسادات الأئمة

 الذين سلفوا، ونرجو لشيخنا ابن باز أن يكون عند الله من السابقين سواء في جملة الأئمة الذين سلَفوا أو المعاصرين.

                                                                              

  الألبـاني :

 

وعرِّجْ في الحديثِ على إِمامٍ

 

 

فتَى الأَلبانِ ما شَهِدَ القَرِينا

 

 

 

لا نعلم شخصا يُقَارِن الألباني /  في علم الحديث، علماً وشهرة ونفعاً للأمة في هذا العصر.

وكم سُنَنٍ به الرحمنُ أَحْيا

 

 

ولَو لم يُبْتَدَرْنَ لَمَـَا حَيِيْنا

 

 

 

و كم أحْيا الله  به من السنن ... لو لم يبادر الألباني لإحياء هذه السنن لمَــَا حَيِيْنَ ... لكن الله وفّقَهُ لأن يحيي هذه السنن

 ويَلفت أنظار الناس إليها.

وصارَ الناسُ حقّاً مـُـمْسِكينا

 

 

بِقائمةِ الصحيحِ ومُكْتَفِينا

 

 

 

تسمع كل مهتم يقول: قال الألباني.. .صحّح الألباني...  حسّن  الألباني ،  وهكذا  ... انتشرتْ كتبه في كل مكان، وأصبح

 متمسكين بالأحاديث الصحيحة بفضل الله ثم بتأثير جهود الألباني ا لناس.                                                                         

 

وَمن للناسِ خَلَّفَ نَفْعَ عِلْمٍ

 

 

فقد أَبْقَى لهم عَيناً مَعِينا

 

فَحَيَّا اللهُ رُوحَكَ مِن فقيدٍ

 

 

وأَعْلَى ذِكْرَكم في الغابِرينا

 

 

 

 

 

 

ومن خلّف علماً نافعاً للناس فقد ترك لهم بعد موته مَصْدَراً مستمراً للخير ، و ترك لنفسه مصدرا  للثواب لا ينضب،

 فحيّا الله روح الألباني الذي فقدناه، وأعلى ذكره في الأجيال القادمة.

 

  النــدوي :

 

وأبْكَى الهِندَ أَبْكاها إِمامٌ

 

 

وقد صلَّتْ وصلَّى الُمسلمونا

 

 

 

 الندوي الذي بكتْه الهند / صلى عليه المسلمون في الحرمين صلاة الغائب في ليلة سبع وعشرين من رمضان (1420هـ)،

 بالإضافة إلى المسلمين الذين صلوا عليه في الهند.

مضَى عنَّا أبو حَسنٍ فأفْضَى

 

 

وكانَ الفضْلَ والخُلُقَ المَتِينا

 

وكانَ الجُهدَ في الذِّكْرَى وذِكْرٍ

 

 

ونِعْمَ السَّبْقُ سَبْقُ الذاكِرِينا

 

 

 

 

 

مضى أبو الحسن الندوي إلى ربه وكان قمة في الفضل والخلق، وكان صاحب جهْد في تذكير الناس وفي ذكره لله وعبادته،

 ونِعْمَ سبق الذاكرين  ... يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (سبَق المُفَرِّدُون، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟! قال:

 الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) رواه مسلم.

وكان الزُّهْدَ ذلك ما عَلِمْنا

 

 

وكان الفِكْرَ والقَلَمَ الرَّصِينا

 

 

 

كان الندوي كما علِمنا رجلاً زاهداً في بيته وفي رحلاته وفي أسفاره، و كان لايرضى أن ينزل في فندق، وإنما ينزل عند

 إخوانه في بيوت متواضعة، وكان صاحب فكْرٍ سليم وقلَمٍ رصين.

 

له السِّحْرُ الَحلاَلُ ولا يُبَارَى

 

 

بِأَقْطابِ الُّلغاتِ الأَلْسَنِـينا

 

 

 

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن من البيان لَسِحْراً) ...  وكلام الندوي البليغ عندما تقرؤه كأنه السحْر في تأثيره

 على النفوس، ولكنه سحْر حلال، ولا يستطيع أقطاب اللغات المتخصصين ذوو الألسنة البليغة مُباراةَ الندوي في

 بلاغته.

ألّف الندوي بأربع لغات، فقد ألّف باللغة العربية وأبدع فيها، وألّف باللغة الأُردية وأبدع فيها، وألَّف باللغة الفارسية

 وأبدع فيها، وألَّف باللغة الإنجليزية وأبدع فيها.

بِأَرْبَعِها أَفاضَ ورُبَّ فَذٍّ

 

 

مِن الأَعلَامِ فاقَ الأَعْلَمينا

 

 

 

أفاض الندوي في التأليف باللغات الأربع، ورُبَّ شخص فذٍّ كالندوي العَلَـــــــــم فاق الأَعْلَمِين من الأعلام.

ورغْمَ الغَوصِ في الغَرْبِيِّ مِنها

 

 

فلم يَغْرَقْ كَشَأْنِ الأَكْثَرِينا

 

 

 

وغاص في اللغة الغربية (الإنجليزية) وتبحّر فيها، ولكنه لم يغرق كالكثيرين الذين غاصوا في اللغة الإنجليزية، ثم

 غرقوا في ثقافتها.

ولم تمْسَخْ لدَى الندْوِيِّ أصْلاً

 

 

ولا شكْلًا ولا فَقَدَ الحَنِينا

 

 

 

بقي على أصالته، وجوهره ومظهره وطبيعته وحنينه، بقي هو ذلك الرجل بلحيته الكثة وبشكله الشرقي الإسلامي،

 وبثيابه المحلية التي لم يغيـِّر منها شيئاًَ، ولم تمسخه ثقافة الغرب رغم غَوْصه فيها كما مسخت أولئك الآخرين

 السطحيين.

يُذَكِّرُ بالصحابةِ كيف خاضُوا

 

 

بِلا بَلَلٍ بِدُنيا الغارقينا

 

 

 

 خاض الصحابة  في الدنيا، ولكنهم لم يبتلُّوا بماء فتنتها ، ونظن أنه كان كذلك /، ولا نزكيه على الله.

وهذا البيت مأخوذ من كلام الندوي في كتبه /، فإنه قال: إن الصحابة لم يبتلّوا بدنيا الغارقين، رغم خوضهم في الدنيا

 لتحويلها إلى وسيلة لبلوغ سعادة الآخرة.

طريقة السلف التي كانت السمة البارزة للعلماء الثلاثة :

ولم يَنصَبْ أئِمَّتُنا لِعَيشٍ

 

 

ولا اكْتَسَبوا المَرافِقَ والشُّــئونا

 

 

 

لم يكتسبوا الأثاث والبيوت الفاخرة؛ لأنهم كانوا بسطاء، فقد كان ابن باز / -كما قال لي أحد الشباب عن أحد العلماء

 العارفين به- إنه لمدة ثلاثين سنة كان يأكل الطعام مع ضيوفه، ولم يكن يدخّر شيئاً، فقد كان الضيوف عنده كل يوم،

 وكان ينفق كل مرتبه وكل دخْله ويقترض فوق ذلك.

والشيخ الندوي كانت مائدته العدس والخبز، و قد  زاره بعض العلماء فبكَوا حين رأوا مائدته، وكان يعيش في غرفة

 متواضعة، وكان الألباني يعيش كذلك حياة البساطة معتمداً في أول الأمر على دخْله من إصلاح الساعات ثم بعد ذلك

 على دخْله المتواضع من بَيع كتبه.

أمَا عاش الرسولُ على كَفَافٍ

 

 

وكان بِمَسْكَنٍ إذْ كان طِينا؟

 

 

 

لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو القدوة، كان يمرُّ به الهلال والهلالان والثلاثة ولا يوقَد في بيته نار، كما في

 الحديث الصحيح الذي ذكَرته عائشة، لقد كان يعيش على البساطة والكفاف.

وكانت حجرات الرسول عليه الصلاة والسلام كلها من الطين.

وخيـَّر نِسْوَةً زَوْجاتِ صِدْقٍ

 

 

فآثَرْنَ البَساطةَ ما بَقِينا

 

 

 

قال تعالى مخاطبًا النبي عليه الصلاة و السلام في تخيير زوجاته :  (ياأيها النبي قل لأزواجِك إنْ كنتنَّ ترِدْنَ الحياة الدنيا و

 زينتها فتعالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ و أُسَرِّحْكُنَّ سراحاً جميلا* و إنْ كنتنَّ ترِدْنَ اللهَ و رسوله والدار الآخرة فإنّ الله أَعدَّ للمحْسِناتِ

 مِنكُنَّ أَجْراً عظيما ) [ الأحزاب : 28 ــ 29 ] فاخترْنَ الله ورسوله على الحياة الدنيا وزينتها، واخترْنَ حياة الزهد رضي

 الله عنهن.

ولَو شَاءَ الرسولُ لَعاشَ فَرْداً

 

 

فَرِيداً في المُلوكِ الناعِمِينا

 

 

 

وقد خيـَّّر الله نببه بين أن يكون عبداً رسولاً أو يكون ملكاً رسولاً؛ فاختار أن يكون عبداً رسولاً.

ولكن ْسَنَّ للتغييـرِ نـَهْجاً

 

 

هو الأَهْدَى وجَرَّبْنا قُرونا

 

 

 

 لقد جاء الرسول عليه الصلاة والسلام من أجل التغيير، وهذا هو نهجه في التغيير؛ البساطة والزهد.

وقد جرب المسلمون قروناً ولم يجدوا أنجع من هذه الوسيلة، وسيلة الرسول عليه الصلاة والسلام في التغيير.

ولَيسَ يُحَرِّمُ الزِّيناتِ لكنْ

 

 

بِهذا العزْمِ أَمَّ المؤمِنينا

 

 

 

والرسول عليه الصلاة والسلام لا يُحرِّم الزينة لأن الله يقول : ( قلْ مَن حَرَّم زينةَ اللهِ التي أخرج لعباده والطيِّبات من

 الرزقِ ؟ قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ، خالصةً يوم القيامة ) [ الأعراف : 32]   . ولكن الرسول ^ إمامٌ، ولابد

 للإمام أن يأخذ نفسه بالعزائم ومنها الزهد والتياسر.

فمن يريد الإمامة لابد أن يكون زاهداً متياسراً متبِّعاً لرسول الله ^.

ومَن طَلَبَ الإِمَامةَ دُونَ هَدْيٍ

 

 

كَهَذا الَهدْيِ حَتْماً لنْ تَكُونا

 

 

 

ومن طلب الإمامة بدون اتباع لهدْي الرسول عليه الصلاة و السلام فقد طلب السراب.

 

أَقيموا دَولةَ الإسلامَ فِيكم

 

 

تَقُمْ في أَرْضِكم حِصْناً حَصِينا

 

 

 

أقيموا دولة الإسلام  أولاً في سلوكياتكم وفي أخلاقكم وبِزُهْدكم، تقُم لكم في أرضكم؛ كرامةً من الله لمن أطاعهُ والتزم

 منهج الحق . والدعاة والعلماء هم أول المخاطبين بهذا.

 

التجربة العصرانية في السودان وتجديدهم المزعوم  :

 

وفي السُّودانِ دَرْسٌ أيُّ دَرْسٍ

 

 

بِهذا العصْرِ لِلمُسْتَعْصِرِينا

 

 

 

أقام العصرانيون دولة في السودان ، وكان الترابي على رأس المخطِّطين لذلك ، وقد تبنَّوا دستورًا علمانياً ــ و عندي نسخة

 منه ــ   و طبّقوا  الممارسات العلمانية ، ومكّنوا للنصارى و النساء في المسؤوليات و الولايات ، وازداد انهيار الاقتصاد في

 عهدهم ، وتكاثرت مشاكل البلد ، و شرَّعوا لانفصال الجنوب في الدستور نفسه  ... فذكروا في الدستور أنه يكون

تقريرمصير الجنوب للانفصال عن السودان أوللبقاء في الاتحاد معه باستفتاءً يجري في الجنوب  بعد ستّ سنوات ... و

 معْلوم أنه مع خضوع الجنوب للمؤمرات فإن نتيجة الاستفتاء معلومة   ،   و ما جرى في تيمور الشرقية في اندونيسيا 

 فالمتوقّع أنه سوف يتكرّر في جنوب السودان .   ومعلوم شرعاً أنّ الثوابت ليست قابلة لاجتهاد العلماء ، فضلاً عن

 تصويت الغوغاء ، فضلاً عن استفتاء النصارى !   و لو حصل الانفصال بعد حرب  كانتْ فيها الغلَبة للأعداء لكان في

 ذلك العذر ...  و في عهود الحكومات السابقة لا نقلاب الترابي ما كان أحدٌ يَتَصوَّر  مثل هذه التنازلات والانحرافات

  ... فقد استمرّت الحروب عشرين سنة من أجل منع انفصال الجنوب !...      و قد حدَث الصراع فيما بعد بين الترابي و

 بين الآخَرين من رجال الانقلاب  ،  وكان لذلك الأثر الكبير في ازدياد المخاطر على البلد ، و ازدياد التدخلات الأجنبية

 ، واختلاق مشكلة كبيرة هي مشكلة دارفور  التي تمّ تدويلها  ... ويعتبر الترابي و من معه سبباً مباشراً في كثير من ذلك

 !  ... و هكذا أظهر الله حقيقة العصرانيين  و منهجيتهم ...  والناس جميعاً يرون هذه الدولة وكيف انتهتْ بها الحال  ..

 و مع  ذلك  هنالك محاولات من الصالحين في الدولة و خارجها للتدارك ، و إصلاح الأوضاع ، و التصدي للمؤامرات

 قدْر الإمكان ، ونسأل الله لهم الإعانة و السداد .

 

وما التّجْديدُ فيما يَنْشُدونا

 

 

سِوَى تَرْوِيجِ ما يَسْتَورِدونا

 

 

 

هذا هو التجديد عند الترابي وأمثاله كما مرّ في المقدمة ، و حقيقته أنهم يروّجون للأفكار والمبادئ الغربية المستوردة بغطاء

 إسلامي خادع.

ومَن يَكُ بالهُدَى فيهم غَريباً

 

 

فَطُوبَى ها هُنا لِلمُغْرِبينا

 

 

 

 المتمسك بالهُدى الحريص على تطبيق الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح هو غريب بين هؤلاء ... فطوبى له ! ...

 يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي في مسلم: (فطوبى للغرباء).

وتَجديدُ الهدَى عَوْدٌ لِـبـَدْءٍ

 

 

لِمِنهاجِ الصِّحابِ السابِقِينا

 

 

 

ليس التجديد المجيءَ بالشيء الجديد ، وأن نستورد من اليهود والنصارى أفكارهم من قريب أو بعيد، فهذا ليس

 بالتجديد وإنما هو التوريد .... التجديد أنْ نُجَدِّد الأصل ، أنْ نُجَدِّد الإسلام نفسه بإزالة ما عَلِقَ به من البدع ، وبالتزام

 ما تركه الناس من أحكامه ، وبِتَنْقِيَتِه من الشوائب المستوردة ،ٍٍ بمعنى أن نعيده كما كان جديداً أصيلا... أن نعود به إلى

 البداية ... أنْ نعود إلى جوهر الإسلام... إلى المنهاج الذي كان عليه النبي عليه الصلاة و السلام و الصحابة الكرام

 رضوان الله عليهم ... فنقوم بتجديد الدين بهذا المعيار في النفوس وفي الواقع . قال صلى الله عليه و سلم : ( إن الله يبعثُ

 لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)    .    رواه أبـــو داود و الحــــاكم وذكر الألبــاني أنه صحيح .

 

به تُرْجَى النَّجَاةُ ولا انْقِطَاعٌ

 

 

لِطَائِفةِ النَّجاة الظاهِرِينا

 

 

 

بهذا التجديد ترجى النجاة، ولا انقطاع لطائفة النجاة ... الطائفة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام كما في

 الحديث الذي عند الشيخين و غيرهما و بيّن أنها ظاهرةٌ لا تنقطع وأنها تبقى إلى قيام الساعة، حفظاً لدين الله Q ، وحجةً

 على الناس ، لا يضرها من خالفها و لا من خَذَلَها  .

                                                                                

لقطاتٌ من عناية العلماء الثلاثة :

 

أَئِمَّتُنا ثَلاثَتُهم مِثَالٌ

 

 

ولا يَرضَونَ بِدْعًا أوْ مجُونا

 

 

 

الأئمة الثلاثة - الذين ذكرناهم  .. كلٌّ منهم مثالٌ في أنواعٍ من الخير كما نحسبهم ولا نزكيهم على الله  ، و هم لا يرضون

 بالبدع ولا بالانحلال ولا بالأفكار المارقة.

ورَبَّوا لِلخلافةِ جِيلَ صِدْقٍ

 

 

بِأَقْطَارِ البَسِيطةِ جاهزينا

 

 

 

ولهم تلاميذ صادقون في أقطار البسيطة ( الأرض)، وهم جاهزون إن شاء الله لإعادة الخلافة الراشدة.  و المقصود بذلك

 الخلافة التي تعود في آخر الزمان وتعمُّ المسلمين في الأرض ، وتكون راشدة على منهاج النبوّة ، و قبْل ذلك يتألَّم العلماء

 والدعاة وطلابهم على فُرقة المسلمين و كثرة دُوَلهم ، ولكن منهج أهل السنة والجماعة هو إعْطاء كلِّ حاكمِ دولة حقوق

 وليّ الأمر في الطاعة و المناصحة و عدم الخروج عليه ما دام مسلماً ، و السعْي بقدْر الإمكان لجمع  ما يمكن جمعه و

 توحيده من  دُول المسلمين بالحكمة في ضوء ضوابط الشرع  .

وبِالمِنهاجِ صارَ لهم إِطارٌ

 

 

إذا اسْتَرْخَى إِطارُ المُعْصِرِينا

 

 

 

و هم جميعا ماضون على منهاج أصيل هو منهاج أهل السنة والجماعة الذي هو إطارٌ لهم.

أما إطار المُعْصرين -وهم العصرانيون- فقد استرخى و صار مُهْتَرِئًا مُسْتَبَاحاً حين داخَلَـتْهُ الأفكار المنحرفة من جهات

 المغضوب عليهم والضالين و المبتدعة ، وبقي إطار أهل السنة والجماعة إطاراً أصيلاً متيناً ثابتاً.

وهم يَسعَونَ في فُسْطَاطِ دِينٍ

 

 

إذا اسْتَسْعَى النِّفَاقُ الآخَرِينا

 

 

 

هؤلاء الأتباع والتلاميذ يسعون في إقامة معسكر الدين -فسطاط الدين-، أما الآخرون فيسعون في فسطاط النفاق

 شعروا   أم لم يشعروا.

ومَنهجُهم شُمُولٌ واعْتِدَالٌ

 

 

ويَـحْمُونَ العقيدةَ جَاهِدينا

 

 

 

و منهجهم أنهم يأخذون الإسلام بشموليته  ، وباعتدال دون غلُوّ ، ويحمون العقيدة جاهدين؛ لأن العقيدة هي

 الأساس.

وسَبْقٌ لِلجماعةِ في صلاةٍ

 

 

وفي الأَسحارِ كانوا ساجِدينا

 

 

 

 و يسابقون من أجل صلاة الجماعة في المسجد، و يتهجّدون في الأسحار ، تقرُّباً إلى الله  ... وشَرَفُ المؤمن قيام الليل كما في

 الحديث، وقد أمَرَ الله نبيّه  أوّلَ ما أمَرَهُ بقيام الليل فقال له : ( قُم الليلَ إلاّ قليلًا ) [ المزمل : 2 ]  لماذا هذا الأمر؟! ...

 قال : ( إنّا سنُلْقي عليك قَوْلاً ثقيلاً)  [المزمل : 5 ]  .       إن الدعوة إلى الله لا يحملها إلا مَن عنده الزاد  ... ومن أعظم

 الزاد الاهتمام بصلاة الجماعة و الاهتمام  بقيام الليل، وما أبعد العصرانيين عن  الاهتمام بصلاة الجماعة و قيام الليل !

    ومعلوم من النصوص أنه لايتخلّف عن  صلاة الجماعة عموما ، وعن جماعة الفجر والعشاء بالذات إلاّ منافق معلوم

 النفاق  .

وكالتّصْويرِ ما فيه اشْتِبَاهٌ

 

 

تَحَاشَوْا فِعْلَهُ مُتَوَرِّعِينا

 

 

 

يتجنبون الشبهات فضلاً عن المحرمات، حتى الصورة الفوتوغرافية تجنّبوها من باب اتقاء الشبهة ... ابن باز كان يتجنب

 الصور، والندوي يتجنب الصور، والألباني يتجنب الصور؛ إلّا إذا تم التقاط صورةٍ  لأحدهم بغير اختيار منه ، ومع هذا

 يجوّزونها عند الحاجـــة،    و من باب اتقاء الشبهة يبتعدون، وهكذا في سائر الشبهات  ... هذا هو شأن الأئمة والدعاة

 إلى الله امتثالاً لقوله ^ كما في الحديث المتفق عليه: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في

 الشبهات وقع في الحرام) .. والمتهاون يتساهل في هذه، وفي هذه وفي هذه؛ وأين النهاية؟ ...  النهاية والعياذ بالله الوقوع

 في الحرام.

وليسُوا عِصْمةً مِن كُلِّ عَيْبٍ

 

 

وخَيرُ الَهدْيِ هَدْيُ المُرسَلينا

 

 

 

نحن لا نقول بأنهم معصومون فهم بشر، والعصمة لأصحاب خير الهدْي وحدهم وهم المرسلون.

وما ارْتاضُوا مع السُّفَرَاءِ حِيناً

 

 

ولا ارْتاضُوا مع الحُكَّامِ حِينا

 

 

 

لم تروِّضْهم السياسةُ  ... فهم لا يخطُبون وُدَّ الدول الكبرى ولا سفاراتها ولا وُدَّ المسئولين والحكام.

ولن يَعْيَا المُخَلِّطُ لَو أَرادوا

 

 

بِأَنْ يَحْيَا بِتَخْلِيْطٍ مَكِينا

 

 

 

 لو شاء أحدهم أن يكون مخلِّطاً عصرانياً.. فلن يعجز بأن يتكلف فلسفة يُبَـرِّر بها تخليطه ، ويحيا بتخليطه مكيناً عند

 الحكام أو عند السفارات !

ومثل الغَيرِ يَزعُمُ كلَّ خَيْرٍ

 

 

ويَـجْمَعُ مِثْلَهُ رغَداً وطِينا

 

 

 

 ثم يمكنه  أ ن يقول: الدنيا بخير، مثل ما يزعم  ويُردِّدُ غيره من علماء ودعاة السلاطين  .  ويجمع لنفسه المناصب و

 الأموال والممتلكات ... هذه الأموال والممتلكات التي ما هي في حقيقتها وفي نهايتها إلا رفاهية الطين والتراب؛ فكل

 الذي فوق التراب تراب.

ولن تَرضَى اليهودُ ولا النصــــــــــــــــــــــــــارى

 

 

ولا الأَذْيالُ إلا المُفْسدِينا

 

 

 

 

لا يمكن أن يرتاح اليهود و النصارى و سفاراتهم و منظماتهم وأ ذيالهم من المتنفِّذين  إلا للمفسدين في بلاد المسلمين ، أما

 الصالحون   فلا يمكن أن يقبل بهم اليهود و النصارى أبداً. قال تعالى : ( و لن ترضى عنك اليهودُ و لا النصارى حتى

 تتَّبِعَ مِلَّتَهم ) [ البقرة : 120]

 

                                                                                  

 

المعترك السياسي وموقف السلف منه :

 

ومَن صَحِبَ الوُلَاةَ بِلَا اعْتِزَازٍ

 

 

ولَا لَاقَى مِن الذِّكْرَى مُعِينا

 

 

 

الذي يصاحب الولاة والحكام بدون اعتزاز بدينه وليس عنده ذكرَى تساعده.

فقد أَلْقَى يَدَيْهِ بِلَا احْتِرازٍ

 

 

وأَرْدَى نَفْسَهُ في الهَالِكِينا

 

 

 

فقد ألقى بيديه إلى التهلكة بدون وقاية ولا احتراز.

وقد صدَقَ الرسولُ فَمَن أَتاهم

 

 

إلى أَبوابِهم لَقِيَ الفُتُونا

 

 

 

مصاحبة السلاطين خطيرة جداً، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي رواه الطبراني، وذكر الألباني أنه

 صحيح: (مَن أتَى أبوابَ السلطانِ افْتَتَن) ... والخطورة واردة على دِين المصاحِب لهم ..  بسبب الفتن والضغوط التي

 يتعرّض لها  ،  ولا ينجو إلا القلة من الأفذاذ الأقوياء بإيمانهم و دينهم ،  وأما الغالبية فإن بهْرج السلطان و أجواء

 الترغيب والترهيب تجْرفهم ...  والسلامة من الوباء في الابتعاد عنه ، والسلامة لا يَعدِلها شيء ... و لا يقتحم مَوَاطن

 الوباء إلاّ الأطباءالحُذّاق المهَرة ، لضرورة العلاج ، مستعينين بطاقة عظيمة  من الاعتماد على الله والتوكل عليه

 والاستهداء بهدايته ، مع النظر إلى المرضى وإنْ كانوا ذوي مكانة دنْيوية رفيعة نظْرة إشفاق و رثاء و حرْص على دعوتهم

 وإنقاذهم   و ليس نظَر طمع و إعجاب .

وكم مِن قادَةٍ في الدِّين ِفَرُّوا

 

 

بَعِيداً عن بلاطِ الحاكِمينا

 

 

 

كم من قادة من العلماء القدامى نأوا بأنفسهم عن قصور الحكام وفِتَن السياسة.

بِرَغْمِ الفِقْهِ والتَّقْوَى وقَرْنٍ

 

 

أَنَاخَ بِبَعضِهم في التابِعينا

 

 

 

و بعضهم كانوا من عصر التابعين  ...في عصرٍ لا زال فيه التمسُّك بالإسلام متيناً ... ولدى هؤلاء العلماء التقوى

 والفقه، و مع هذا هربوا من الحكام خوفاً على أنفسهم.

فَلا البَصْرِيُّ والثَّوْرِيُّ أَخْذَى

 

 

ولا النُّعمانُ أَوْشَكَ أَنْ يَلِينا

 

 

 

لم يتزلَّف أحد منهم لحاكمٍ، ولا رغِب في جواره ،  ولا ذلَّ ولا استخْذَى ، و لا طلَب الحكْم و الولاية ، بل بعضهم

 طلبوه لها  و مع ذلك هرب منها ،  ومن هؤلاء القادة الأئمة: الحسن البصري وسفيان الثوري ، وكذلك النعمان وهو أبو

 حنيفة ، لم يَكُنْ لَـيّـِناً  رغم أنهم أرادوا منه أن يكون قاضياً وضربوه على ذلك فلم يقبل.

ويَزْهَدُ مالِكٌ فيهم ويُؤْذَى

 

 

ويَقْفُو الشافعيُّ الأَوَّلِينا

 

 

 

و قد زهِدالإمام مالك في عُروض الحكام فلقِي الإيذاء ، وجاء الإمام الشافعي فلحق بالأوّلين من الأئمة ، فلم يقترب

 من الحكام ولا من السياسة المتنازلة عن الالتزام.

ويَصْمُدُ أَحْمَدٌ كالطَّوْدِ صَمْداً

 

 

ولَو أَرْضَى الوُلَاةَ أَضاعَ دِينا

 

 

 

كما صمَد الإمام أحمد بن حنبل كالجبل في فتنة القول بخلق القرآن ... وهي فتنة مستوردة من الفلسفات والأفكار

 الأجنبية  شبيهة بمُستورَدات اليوم من الفلسفات و الأفكار الأجنبية كالديمقراطية و الاشتراكية والرأسمالية

 والعولَمـــََــة  والتعايُش والليبرالية والعلمانية و الحرية الزئبقية وأخواتهن   .

وكان يمكنه أن يداهن الولاة من باب السياسة ولكنه لم يقبل، لأن في ذلك إضاعةً للدين ،  فعُذّب في الله وأوذِي وصبر

 حتى نصَره الله وأظْهره و أعْلى شأْنه و إمامته في المسلمين .        كذلك فإنه لم يسارع في تكفير المعيَّن لا من الحكام ، ولا

 من غيرهم ، و احتمل لهم التأويل أو الجهل أو نحو ذلك ، رغم الاضطهاد الذي لقيه منهم مع إخوانه العلماء ، حتى

 بلغ الأمر إلى حد قتْل بعض هؤلاء العلماء ، وذلك لأَن التكفير يحتاج إلى ظهور الكُفْرِ البَوَاح  الذي يكون عند الناس فيه

 من الله برهان لا لَبْس فيه و لا احتمال ،  و الخطأ في عدم التكفير أهون بكثير من الخطأ في التكفير ،  قال عليه الصلاة

 والسلام : (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإنْ كان كما قال وإلاّ رجعتْ عليه ) رواه مالك و

 البخاري و مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما .     إن كلمة التكفير لايمكن أنْ تذْهب سدى ... لابد أنْ تصيب في كل

 الأحوال ... لا بد أن تصيب المقُول له أو القائل... و لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم اعتذار حِبِّه و ابن حبه أسامة بن

 زيد رضي الله عنهما عندما قال له أحد المشركين وهو تحت السيف : (لا إله إلا الله) ، فقَتَلَه أسامة ، واعتذر للنبي صلى

 الله عليه و سلم بأن الرجل لا زال كافرا ، وأنه إنما قال ما قال خوفاً من السيف ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : (

 هلاّ شقَقْتَ عن قلبه حتى تعلم هل قالها أمْ لا؟! ) .  وعندما سأله  المقداد رضي الله عنه كما في الحديث المتفق عليه :

 أرأيت إنْ قطع في القتال رجُلٌ من الكفار يدِي ثم لاذَ مِنِّي بشجرة فقال أسلمتُ لله .. أفأقتله بعد ما قالها ؟! .  فنهاه

 الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكرّر السؤال فكرّر النهي و غلّظ  .   و هذا يدلّ على خطورة التكفير المُتَسَرِّع للشخص

 المُعَيَّن حتى لو كان المسلم في أشدّ الابتلاء!! .

أَصِحَّاءُ السياسةِ كُلُّ حِصْنٍ

 

 

بَنَى بِالشَّرْعِ مَوْقِعَهُ الَحصِينا

 

 

 

هؤلاء هم أصحاء السياسة وحصونها، الذين يعتمدون الشرع وضوابط الشرع ولا يتنازلون ولا يخلطون... ونحن لا

 نقول بأن على جميع الناس أنْ يبتعدوا عن السياسة وعن الحكام ابتعاداً مطلقاً، بل نقول يتعاملون معها ومعهم بضوابط

 الشرع ... والذين لا يستطيعون أن يتحملوا الضوابط و ينضبطوا بها  ــ و هؤلاء هم الأكثرية الساحقة من المُتَسيِّسِين ،

 حتَّى مِن أولئك الذين يقال عنهم إنّهم سياسيّون إسلاميون ــ عليهم أن يبتعدوا عن السياسة وعن الحكام.

فَأَرْسَى الشرْعَ لا يَخشَى مَلَامًا

 

 

ولم يَلْحَقْ بِرَكْبِ الُمدْهِنِينا

 

 

 

 السياسيُّ المنضبط هو الذي يُرْسِي أحكام الشرع ولا يخاف في الله لومة لائم، ولا يمضي مع جموع المُدْهنين  ...فالأجانب

 والحكام يُحبُّون المُدْهنين  ، كما قال جل وعلا: ( وَدُّوا لو تًدْهِنُ فيُدْهِنُون ) . [ القلم : 9]

بِذَا يَخْتارُ يوسفَ في التأَسِّي

 

 

ودفْعِ الجَوْرِ جَوْرِ القاسِطِينا

 

 

 

من التزم الانضباط فإنه يختار أن يتأسى بيوسف ^ الذي جالس الحكام، وكان قوياً في إقامة الحق، ودفْع جَور الظلمة.

 

    انظروا إلى موقف واحد من مواقف يوسف ^ ... لم يرضَ أن يخرج من السجن لما جاءه الرسول؛ حتى يظهَر الحق ...

 قال كما حكى القرآن: ( ارجِعْ إلى ربِّك فاسْأَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) ، [ يوسف : 50] . وقال الرسول

 عليه الصلاة والسلام -مُكْبِراً في يوسف هذا الموقف-: (لو لبثتُ في السجن طول ما لبِثَ يوسف لأجبتُ الداعي)  ، كما

 في الحديث المتفق عليه . .. وقف يوسف ^ أمام الفِرْيَة الظالمة ولم يجب الداعي حتى ظهرت براءة ساحته ، ولم يضعف

 أمام إغراء الملِك، كما لو يضعف من قبل أما إغراء المرأة.

وخيرُ الناسِ أَفضلُهم جِهاداً

 

 

بِنَصْرِ الحقِّ عِندَ الجائِرِينا

 

 

 

 (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره وهو صحيح .  وبهذا المعيار يصاحب

 الملتزمون الحكام.

وبَينَ الِّلينِ والإِدْهَانِ فَرْقٌ

 

 

يُضاهِـي الخَيـْـزُرَانَة َوالدُّهُونا

 

 

 

بعض الناس يقول: لا بد من اللين ، نقول له: هذا صحيح ، ولكن هنالك فرْق بين اللين المشروع وبين الإدْهان المُنْـتَسِب

 للنفاق ، كالفرق بين الخيزران والدُّهن ... فالخيزرانة لَيـِّـنـة  مع صلابة ، أما الدهن فيذوب بأدنى حرارة و لا يثبت ...

 لا نريد أن يختلط الأمر بين اللين والإدْهان ... نريد لِـيناً في السياسة مع صلابة أمام التنازلات... أمّا الذوبان أمام

 وارِدات الأجانب والحكام فهو إِدْهانٌ  يَنْتُج عنه إدخال الشوائب  في الإسلام  كإدخال الديمقراطية أو الحقوق العلمانية

 للمرأة أو للإنسان ... وقد يَجـُــرُّ الإدْهان  إلى نقْض العقيدة نسأل الله العافية.

 

                                                                           

الندوي والإخوان والسياسة :

 

رَوَى الندْوِيُّ ما نَقَلَ السِّبَاعي

 

 

عن البَنَّاءِ بَعْدَ الأَرْبَعِينا

 

بِتَأْخيرِالسياسةِ  والتَّصَدِّي

 

 

لِمــَـأْساةِ  التّـنافُسِ أنْ تَـكُونا

 

 

 

 

روى الندوي / عن مصطفى السباعي / أنه قال بأن الشيخ حسناً البنا / بعد ما بلغ سن الأربعين، وبعد الأربعينيات في

 القرن  العشرين الميلادي ... بعد أن جرّب السياسة  المعاصرة وذاق منها المرارة  ... روَى عنه أنه قال: عرفنا أنه لا يثبت

 معنا إلا الصادقون، والسياسة لا يصلُح لها إلا الخُلَّص ، فلذلك يجب أن نبتعد عنها ونتفرغ للتربية ... ولعل غرضه أن

 يربي رجالاً أقوياء ، ثم إذا عَرَضتْ السياسة أو فُرِضتْ خاضوا فيها على قدْر الحاجة بلا توَسُّع؛ لأن السياسة مُغْرِية

 والدنيا مغرية ، والخائضون بلا حصانة يتساقطون.

روَاهُ لِشَرْقِنا في ذِكْرَيَاتٍ

 

 

لهُ إِذْ ساحَ لا كالسائِحينا

 

 

 

روى الندوي ذلك في كتابه: (مذكرات سائح في الشرق العربي) ولم تكن سياحته للنزهة كما يفعل السائحون وإنما

 للإرشاد والاعتبار.

كما أَهْدَى إِلى الإِخوانِ بَحْثاً

 

 

و سَمَّاهُ  التّحَدُّثَ لِلْأَخِينا

 

 

 

أهدى  الندوي إلى الإخوان بحثاً سمّاه: (أريد أن أتحدث إلى الإخوان) وهو نصيحة ذكر فيها  أن السياسة لها ضوابط،

 وأنها لا يجوز أن تطغى على الفروض الأخرى، وهذا الكتاب ارتاح له الإخوان، وقد قرأه على قيادتهم  وهم مجتمعون في

 مكتب الإرشاد، وبثّ فيه شجونه وعواطفه تجاه الإخوان، ثم بعد ذلك أصدَرَه الإخوان في طبعة قدّم لها المرشد العام

 حسن الهضيبي، ثم في طبعة أخرى قدم لها الشيخ محمد الغزالي عضو مكتب الإرشاد، وعمّموه على سائر الإخوان    .  و

 قد انتقد الندوي بأسلوبه الهادئ الانغماس في السياسة ، و أوضح أن ذلك يكون على حساب الواجبات والمسئوليات

 والطاعات ، وأنه سببٌ لضعف السلوكيات وطغيان السلبيات ، و بيئةٌ للتأثر بالمنحرفين والانحرافات ...إلخ .

وحَدَّ به السياسةَ عند حَدٍّ

 

 

لِإِنْصافِ الفُروضِ الآخَرِينا

 

ونالَ بِمكْتبِ الإِرشادِ فهْماً

 

 

وتَعمِيماً وتقْديماً رَصِينا

 

وما خَوْضُ السياسةِ في فَرِيقٍ

 

 

غَرِيق ٍفي الخَطايا كاذِبِينا

 

سِوَى مُستَنْقَعٍ مَن خاضَ فيهِ

 

 

تَلَطَّخَ مِثلَ باقي الخَائِضِينا

 

 

 

 

 

 

 

الذي يخوض السياسة مع أناس غير ملتزمين هو في الحقيقة يخوض في المستنقع الذي هم فيه فيتَلَطّخ كما يتلطخون.

وأَسْلَمَةُ السياسةِ وَفْقَ شَرْعٍ

 

 

بِتـَـرْبيـةِ الفَرِيقِ السائِسينا

 

 

 

إذا أردنا أن نُؤَسْلِم السياسة ومواقف السياسيين  ،   فإن المفترض أن نرتفع بهم بالتربية إلى مستوى أخلاقيات الإسلام ،

 لا أن ننزل معهم إلى المستنقع.

 

وتَنْقِيَةِ الطريقِ  بِكُلِّ وُسْعٍ

 

 

وتَنْحِيَةِ الرفِيـقِ المُدْهِنِينا

 

 

 

 الأصل في السياسة؛ أن الدخول فيها لمنع المنكرات وتنقية الطريق قدْر الطاقة أمام محاسن الإسلام ، والعمل  بالحكمةعلى

 إزاحة رُفَقَاء السوء وبطانة النفاق والإدْهان والتملُّق عند الوُلاة و الحكام   .    وقاعدة الإسلام الذهبية في السياسة التي

 يعتنقها أهل السنة والجماعة هي مناصحة الحكام  ما داموا في دائرة الإسلام دون التأثّر بانحرافاتهم أو تبريرها  .. وليس

 منافسة الحكام على الكراسي أو الخروج عليهم كما هو المنهج الديمقراطي المستورد ومنهج أهل البدع كالخوارج والمعتزلة

 ( انظر : كتاب فتنة الدهيماء للمؤلف ) ،   وفي حال ظهور الكفر البواح من الحاكم يكون الخروج عليه إنْ وُجِدتْ

 الاستطاعة ،   أو الإعداد لحصول الاستطاعة إنْ لم توجد .

هو الإسلامُ ساسَتُهُ نُجُومٌ

 

 

وكالبِلَّوْرِ ليسُوا مُدْخِنِينا

 

 

 

ساسَة المسلمين الأصحاء نجومٌ لا تتلوّث أبداً ، كالزجاج البلوري البراق من شدة الصفاء... لا يصابون بالدَّخَن

 بمجالستهم للسلاطين، وإنما يَبقَون على صفائهم  يؤثِّرون ولا يتأثرون ... يقول الرسول عليه الصلاة والسلام عمّن

 يجالس الأمراء أو بعض الأمراء كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره و ذكر الألباني أنه صحيح: (فمن صدّقهم بكذبهم

 وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولستُ منه، ولن يَرِد عليَّ الحوض، ومن لم يُصدّقْهم بكذبهم ولم يُعِنْهم على ظلمهم؛

 فهو مني وأنا منه، وسَيَـرِد عليَّ الحوض).

 

                                                                                 

 

موقف العلماء الثلاثة من التلفاز  :

 

وقد أَرْسَى أَئِمَّتَنا امْتِناعاً

 

 

عن التلْفازِ عَمَّ المُخْبِتِينا

 

 

 

هؤلاء العلماء الثلاثة وكثير من العلماء والدعاة قاطعوا التلفاز، لأن التلفاز باختصار هو المرأة والموسيقى ! .. ولا توجد

 قناة واحدة ليس فيها امرأة ولا موسيقى، فالمرأة وحدها عاملُ جذْب في كل القنوات التي نعرفها اليوم، والرسول عليه

 الصلاة والسلام يقول: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) وهو حديث متفق عليه. (كان هذا في وقت

 المحاضرة قبل تأسيس قنوات المجد و أمثالها من القنوات الإسلامية) .

وكان لهم مع الصُّحُفِ اكْتِفَاءٌ

 

 

وأَقْرَبُ لِلتُّقَى مَن يَكْتَفُونا

 

 

 

بعضهم يقول: أنا أريد الأخبار... الأخبار يمكن أن تطَّلع عليها من الصحف أو من الراديو، ليس بالضرورة أن تَطّلِع

 عليها من خلال التلفاز الذي فيه النساء.

وفي التلفازِ موسيقى ونُكْرٌ

 

 

وأَخْبارٌ وبِئْسَ المُخْبِرونا

 

 

 

من هو المخبِر في التلفاز في كثير من الأحيان؟ ... امرأة متبرجة حاسرة الرأس مكشوفة الصدر، وتتزين كما تتزين في ليلة

 عرسها وأكثر !! ...

أأخبارٌ وفي الأطباقِ عُهْرٌ

 

 

وتَشْرِيها فَتَشْرِي مِنك دِينا؟!

 

 

 

الأطباق التي يسمونها دشوشاً وصحون استقبال، تنقل من بعض القنوات العُهر المفتوح ... نسأل الله العافية يشتريها

 الشخص فتشتري دينه والعياذ بالله ! .

وتَفْتِنُكَ النساءُ أَضَرَّ فَتْنٍ

 

 

كَمَا في قَولِ خَيرِ المُرْسَلِينا

 

 

 

تصيب الفتنة المتابعين للتلفاز إصابة بالغة بسبب النساء ، لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الحديث السابق: (ما تركت

 بعدي فتنة أضر عليّ الرجال من النساء).

فَتُدْمِنُ ما يُكَفِّنُ كُلَّ خَيـرٍ

 

 

ويُمْكِنُ أَنْ تكونَ له دَفِينا

 

 

 

تصبح  المتابعةإدماناً ... فبعض الذين اعتادوا  متابعة الفضائيات يدْمنون سهَر الليالي لأجل متابعتها فتَرْتَبِك برامجهم و

 يهملون واجباتهم وعباداتهم ؛ ولا يرتاح أحدهم بدون ذلك فيصبح بعيداً عن كل خير.

ويمكن إذا أُصبتَ بذلك أن تدفنك هذه المنكرات، ويمكن أن تموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله.

بعض العلماء يقول: إن التلفاز هو الفتنة التي في آخر الزمان والتي أخبر عنها الصادق المصدوق في أكثر من حديث

 صحيح أنها ستدخل كل بيت. والله أعلم.

وتَبْهَرُك البَهَارِجُ زائَفَاتٍ

 

 

وقد تُزْرِي حَياةَ المُؤمِنينا

 

 

 

عندما تنبهر بتلك البهارج الزائفة في التلفاز، وما يزعمونه: المظاهر الحضارية وفيها مظاهر إباحية وإغراءات شيطانية،

 قد تُعاقَب فتنظر إلى حياة المؤمنين بازدراء ... والحقيقة أن حياة المؤمنين البسيطة الخالية من الزخارف هي الخيرُ كل الخير،

 يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (رب أشعثَ أغبرَ ذي طمرين لو أقسم على الله لأبـرَّه).

وكم مِن أَشْعَثٍ وَرِعٍ وَبَرٍّ

 

 

به يُسْقَى العِبادُ ويُنْصَرُونا

 

 

 

قد تزدري حياة الأشعث والشخص البسيط ...  ولو دعا الله بأن ينزل المطر أو النصر ، فلربما سقى الله بدعائه العباد

 والبلاد وأنزل النصر.

وفي القرآنِ مَوعظةٌ وعَتْبٌ

 

 

عن الأَعْمَى وحَقْرِ الأَرْذَلِينا

 

 

 

لا يجوز احتقار البسطاء من الناس ... وقد عاتب الله نبيه عندما عبَس في وجه الأعمى، وأمره بأن يصبِر نفسه مع الذين

 يريدون وجه الله ولو كانوا من المغمورين الضعفاء.

 

                                                                                

الانهزامية والتنازلات :

 

وكلُّ تَنازُلٍ خَطْبٌ جَلِيلٌ

 

 

وإِنْ زَعَموا لِحِفْظِ الدينِ فِينا

 

 

 

تنازلات في السكوت عن المنكرات ... تنازلات لممارسات ديمقراطية مستوردة  ... تنازلات في العلاقات مع الروافض،

 تنازلات       في العلاقات مع الأحزاب رغم ما  تمارسه من مخالفات و من تمزيق للأمة... تنازلات عن المصطلحات

 الشرعية... تنازلات    ... تنازلات ...

إن الالتزام بضوابط الإسلام يجعل الحياة شاقة مملوءةٌ بالمَكَارِه في نظر المُنْفَلِتِين  في هذا الزمان ... والغُرْبة ظاهرة،

 (والقابض على دينه كالقابض على الجمر) كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره، وهو بشواهده صحيح كما قال الألباني.

 فيندفع بعض الناس إلى تقديم التنازلات، يقولون: نحن نتنازل من أجل أنْ يكون التمسُّك بالدين سهلاً حتى يَبْقَى

 الدين في الواقع و لا يموت !... فهل هذا صحيح ؟ ! وهل التنازلات تحفظ الدين؟

ذكّرني أحد الشباب بموقف سيد قطب /؛ حين جاءته أختٌ له وهو في السجن تحمل له بشرى في نظرها، قالت له: إن

 البسيوني يقول-وهو مدير السجن-: لو كتبت اعتذاراًَ لعبد الناصر لأطلقوا سراحك وجعلوك وزيراً، وحتى لو لم

 تكتب الاعتذار سنكتبه نحن وأنت توقِّع، فقال:(إن السبابة التي ترتفع لتشهد لله بالوحدانية في الصلاة لا يمكن أن

 تكتب اعتذاراً لظالم أو طاغية) فانظروا! ... لم يتنازل في هذا الموقف الصعب، وهو معروض على المشنقة ... ثم شُنِق

 في النهاية ولم يتنازل، فكيف بهؤلاء الذين يقدمون التنازلات وهم على الكنَبــَات؟!!

وهلْ في نَقْصِهم للدِّينِ حِفْظٌ

 

 

وهلْ يَبْنِـي الكَمالَ النّاقِصونا؟!

 

 

 

هل سيخدم أحدٌ من هؤلاء الدين ويحفظه؟ وقد نقَص هو في دينه..؟!! وقد تنازل عن أجزاء منه؟ ... هل سوف يحفظ

 الدين بالتنازل... وبالإعجاب بالأفكار المستوردة؟ وهل يحصل كمالٌ نسبيٌّ من ناقصين متنازلين ...مُنْبـَهِرين بالمغضوب

 عليهم والضالين؟... وهل يصلح اعتبار النزول والانهزام صعودًا و انتصارًا؟!

لقد عاشَ الصحابةُ في ارْتِقَاءٍ

 

 

وعاشَ الدينُ مُكْتَمِلاً مَصُونا

 

 

 

كيف كان موقف ربعي بن عامر أمام رستم ؟!      لقد كان الداعية الأستاذ  الثابت المعتز بدينه و دعوته  و لم  يكن

  المندهش المنبهر المتأثر القابل للتلقي  و الانهزام و الذوبان... بمثل ذلك الموقف يكون حفظ الدين ... نريد مواقف من

 ذلك الطراز.

ولَـوْ نَقَصُوا لَأَنـْـقَصَ مَن يَلِيهم

 

 

فَمَاذا اليومَ كُنَّا مُدْرِكِينا؟!

 

 

 

لو كان الصحابة تنازلوا عن بعض الدين  ،  والتابعون تنازلوا عن بعضه  ،  والذين بعدهم تنازلوا  ،  وكل جيل تنازل

 عن جزءٍ من الدين ،  فماذا كان سيصل إلينا اليوم من الدين ؟

ماذا كان سيبقى لنا اليوم من الإسلام لو أن كلٍ جيل تنازل عن شيءٍ من الدين ؟!

ومَن لِلناسِ يَـجْهَد كَيْ يَكُونوا

 

 

مَنَارَاتٍ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونا

 

 

 

الذي يجتهد من أجل أنْ يدعو الناس إلى الإسلام  ،  ويريد منهم أن يكونوا قمماً في الالتزام  ،  فلابد أنْ يجتهد أنْ يكون هو

 قمة، وأن يكون هو منارة ولا يتنازل ،  وأنْ يأخذ الإسلام بقوة ...  والإسلام يقوم بالتضحيات وليس بالتنازلات.

وحِفْظُ الدينِ مِن رَبٍّ حَفِيظٍ

 

 

أَعَدَّ لَهُ كِراماً حافِظِينا

 

 

 

الله حافظٌ لدينه ، و لم يُوكِل حفظه للمتخاذلين المتنازلين ... و إنما أعدّ له رجالاً حافظين ، كرامًا صامدين ، يحفظونه علماً

 وعملاً، جهاداً  و تضحية ، قال تعالى : ( ومِمَّن خلقنا أُمَّةٌ يَهْدُون بالحقِّ و به يَعْدِلون ) الأعراف : 181

وإِدْمَانُ الصغائِرِ قد يُؤَدِّي

 

 

لِأَبـْوابِ الكبائِرِ أَجمَعينا

 

 

 

التنازلات ... لو افترضناها صغائر ... من هنا صغيرة ... ومن هنا صغيرة ... فإنها في النهاية تقودنا إلى الكبائر... لأن

 الإصرار ولو كان على صغيرة واحدة فإنه يجعل منها كبيرة كما قال العلماء.

ومَن وَرَدَ الكبائرَ كانَ أَحْرَى

 

 

بِأَنْ يَسْتَدْبِر الفَتْحَ المُبِينا

 

 

 

لا يمكن أن يأتي الفتح وا لتوفيق لمن وقع في الكبائر، وإنما يصير الواقع في الكبائر مُسْتَدْبِراً للفتح والنصر.

ويخْشَى فِتْنَةً شَعْوَاءَ تَغْشَى

 

 

جَميعَ شُئُونِهِ دُنْيَا ودِينا

 

 

 

وعليه أن يخاف من أن يعاقبه الله إذا لم يتُب بأن يصيبه بفتنة تُلحِق به الضرر في دينه ودنياه.      

قال تعالى : ( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرِهِ أنْ تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم  عذابٌ أليم ) . النور : 63

وكُلُّ تَسَاهُلٍ مَرَضٌ وَبِيْلٌ

 

 

وإِنْ قالوا نَسُوسُ الآخَرِينا

 

 

 

كل تساهل في الدين هو مرض وبيل يُصيب المتساهل، وإن زعم أنه بهذا التساهل والتنازل إنما يمارس السياسة مع

 الآخرين.

فَيَمْرَضُ مَن يَسوسُ بِما تَرَدَّى

 

 

ويَمْرَضُ بَعْدَهُ مَن يَتْبَعونا

 

 

 

هذا المتساهل المتنازل يتردَّى بتساهله وتنازله ويصبح مرضه مزمنا، ثم تنتقل عدوى مرضه  إلى من يقودهم من الأَتْباع،

 فيصيرون جميعاً مرضى: القيادة والقاعدة إلا من رحم الله.

ويًذْبُلُ دِينُهم شيئاً فَشيئاً

 

 

ولا نامتْ عُيون الُمدْهِنينا

 

 

 

ويذبُل دين الأَعداد من أفراد الجماعات بعد قياداتها إذا لم يكن المرجع علماء الشرع ... ولا نامت عيون المتساهلين

 المدْهنين!

وقَبْضُ الجَمْرِ فِعْلاً ليس سهْلاً

 

 

وبِالإِدْهانِ كُلٌّ قابِضونا

 

 

 

التمسك بالدين في آخر الزمان صعب كالقبض على الجمر، وكم من الجماعات بدأتْ قوية في الغَيرة على الدين ونصرته،

 ثم وقعتْ في فَخِّ التنازلات والمداهنات، وغرقت في شِبَاك السياسات، فصارت تُقَدِّمُ  المصالح العاجلة، وهي تظن أنها لا

 زالت في تمسُّكها  الأول بدينها، وأنها لا زالت على غَيرتها السابقة.

ومع حصول المداهنة فإن كل أحد يدّعي أنه متمسك بالدين  ... والمداهن يشهد للمداهن ... وإذا كان الدين نفسه يَبْلَى

 في نفوس الناس فيحتاج إلى تجديد على رأس كل قرن فبالأولى أن تحتاج غَيْرَةُ الجماعات ومناهجها إلى تجديد بما يطابق

 الشرع ، لأنها تَبْلَى كذلك لاسيما في أجواء السياسة.

وليس النصرُ يُطلَبُ بِانْهِزَامٍ

 

 

ولا الإنْقاذُ مِـمَّن يَغرَقونا

 

 

 

لا يمكن أن ينتصر المتنازلون المنهزمون، ولا يمكن أن ينقذ الأمة من هو غارق في نفسه ولم ينجح في إنقاذ نفسه من

 التنازلات .

وكم مِن طالبٍ صَيداً سَميناً

 

 

وقد يَغْدو هو الصيدَ السَّمينا

 

 

 

كم من المتعصْرنين من يزعم أنه بالتنازل سيكسب إلى الصف وَجاهاتٍٍ وزعامات  ... ولا يشعر أنه بتنازله قد خسر

 نفسه ، وصار هو الصيد لتلك الوجاهات و الزعامات.

وليس بِعاجِزٍ مَن عاش حُراً

 

 

ولكنْ مَن يَزُفُّ العاجِزينا

 

 

 

في بعض الأحيان يقولون عن المتمسك بدينه: هذا إنسان متزمّتٌ عاجزٌ عن التعايُش و المسايَرة ... والحقيقة أن الذي

 يحافظ على دينه ليس بعاجز، ( خُذوا ما آتيناكم بقوّة) الأعراف .. وإنما العاجز الذي لا يملك قوة الثبات ، ويختلط

 بالعاجزين عن الالتزام بالإسلام ، فيتأثّر بهم ويسير في ركْبِ (زفَّتِهم)  ...يخوض مع الخائضين ،ويمضي مع المنهزمين

 ... و قد يبالغ لإثبات أنه غير متزمِّت فيكون هو الذي يتقدم فيزفُّهم في طريق الانحدار !...

ويَعْجَزُ أَنْ يَفوزَ بِأَهْلِ سَبْقٍ

 

 

ويَحْسَبُ نَفْسَهُ فيهم سَجِينا

 

 

 

يعجز أن يكون مع السابقين من الصالحين. ..ويحسب نفسه فيهم سجيناًَ، فلا يطيق أن يعيش معهم و يكون في مستواهم

 

وما الفوزُ المُبارَكُ بالتّمادِي

 

 

ولكن بِازْدِيادِ الزاهِدِينا

 

 

 

ليس الفوز بالتمادي في التنازلات والانحرافات. ..ولكنه في ازدياد الزاهدين في الدنيا؛ لأن التنازلات ما هي إلا دُنْيا وإن

 تقمَّصتْ ثوب الدين  ... والزاهد في الدنيا لا يتنازل بهذا المعيار المُنْفلت .

ولا التكْتِيكُ في نَشْرِ التَّعادِي

 

 

ولكنْ في ابْتِعادِ الأَبْعَدِينا

 

 

 

ليس التكتيك الناجح في نشر التعادي والتعصب بين المسلمين ... أن نعادي هذه الجماعة، وأن نتخذ موقفاً من تلك

 الجماعة....

ولكن التكتيك المشروع أن  نسعى في ابتعاد الأبْعَدِين عنا ؛ كالروافض والعلمانيين والمنافقين وألاّ نتنازل لهم ،  وأن

 نسوّي أوضاعنا مع إخواننا المسلمين في سائر الجماعات المعتبرة من أهل السنة و الجماعة في الجملة .

السياسة المثلى :

وتَقْوَى اللهِ تَفْتَحُ خَيْرَ بابٍ

 

 

لِـخَيْر ِسِياسَةٍ دُنيا ودِينا

 

 

 

خير سياسة هي تقوى الله فهي تفتح باب الخير في الدارين.

وما تُغْنِي عن الأَسبابِ لكنْ

 

 

تُـمِثِّـلُ قِمَّة َالأَسبابِ فينا

 

         

 

التقوى لا تغني عن الأسباب الأخرى المادية، بل  التقوى تدعو إلى الأخذ بالأسباب ... التقوى سبَب الأسباب وتمثِّل

 قمة الأسباب؛ لأن الله يقول: ( و مَن يَتَّقِ اللهَ يَجعلْ له مَخْرَجاً ) الطلاق :2   ، ويقول: ( إنْ تتّقوا الله يجعل لكم فرقانا ) .

 الأنفال : 29 .

يَرَى النّدْوِيُّ أنَّ النُّصْحَ رُوحٌ

 

 

كَرُوحِ الحَيِّ يُحْيِى السائرينا([1])

 

 

 

ذكر الندْويُّ في مقابلةٍ له في مجلة الأمة القطرية -التي كانت تصدر فيما مضى- أن النصح لابد منه ، وأنه روحٌ يحيا به

 الصف الإسلامي كما يحيا الحيّ بروحه.

يَكُونُ بِحِكْمَةٍ وَلِكُلِّ صَفٍّ

 

 

وإلَّا لاَ تَثِقْ بِالصَّفِّ دِينا

 

 

 

والنصح أو النقد يكون بحكمة ولكل صفّ  أو مجموعة ،  ولا يستغني أحد عن النصح أو النقد أبداً... ( و تواصوا

 بالحق و تواصوا بالصبر ) العصر : 3  .

و الصف الذي لا يقبل النقد صف غير جدير بالثقة  ...!  هكذا يقول الندوي في المقابلة المذكورة   .    فلابد أن تتسع

 الصدور للنصح وللنقد، ولابد أن يُسمح للناس بالكلام، وألَّا تكمَّم الأفواه ... وقد كان الناس في عهد الخلفاء

 الراشدين يتكلمون بملء أفواههم والعدل يملأ الدولة  ، فما بالكم في الأحوال الأخرى؟ ... فما بالكم بالجماعات التي

 هي مجرد جماعات لا سلطان لها ... هل يجوز أن يكمِّموا الأفواه ويسود التملُّق والمجاملات ؟ ... ثم يفضي الأمر إلى

 التناجِيَات ، والاستفحال في الخفاء للانتقادات  ، ثم اتساع الشكوك و الاختلالات ، ثم تكون النتيجة  التجنُّحات

 والانشقاقات؟

وما وصْفِي الأَئِمةَ كَيْ أُزَكِّي

 

 

ولَكنْ ما نَظُنُّ و ما لَقِينا

 

 

 

أنا لا أريد أن أزكيِّ هؤلاء العلماء الثلاثة؛ إلا بالطريقة المشروعة ... لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهانا عن إطلاق

 التزكية بدون احتياط ،  كما أن القرآن حذّر من ذلك ، قال تعالى: ( ألم ترَ إلى الذين يُزَكُّون أنفسهم ؟ بل الله يزكِّي من

 يشاء ) . النساء : 49 .

فأقول: نحن نظنّ فيهم ما ذكرناه ، ونحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله.

بَنَيْتُ لَـهُم من  الأَبْـيَاتِ بَيتاً

 

 

لِـيَسْكُنَ نَهْجُهم فِينا مَكينا

 

 

 

هذه الأبيات (القصيدة) تعدُّ بيتاً ومسكناً لطريقة هؤلاء العلماء يُرجع إليه لبيان منهجهم .

لَعَلَّ اللهَ يـَهْـدي الحائِرينا

 

 

ويُدْخِلُنا غداً في الصالحينا

 

ويَكْفينا عَداوَةَ كُلِّ عادٍ

 

 

ويُؤْوِينا قُلوبَ المُؤْمنينا

 

 

 

 

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله و سلّم على نبينا وعلى آله و صحبه .

وقد وقّع على مضمون القصيدة أحد عشر من العلماء مع تقريظ  ،   وقد سبق ذكْر ذلك مع القصيدة كاملة في صدْر هذا

 الشرْح و بالله التوفيق .

 

*     *     *


 

 

الأسئلة

- قول الزنداني في الترابي :

يقول السائل: الشيخ الزنداني يشيد بتجربة السودان في الحكم الإسلامي، فهل تغيرت نظرته الآن؟

الجواب: نحن تكلمنا في الحج في هذا العام (1420هـ) مع الشيخ الزنداني ، على ما حصل من الترابي، فقال: أنا في ذمتي

 بيان للشعب السوداني . يقصد أنه لابد أن يبيّن للشعب السوداني عن الترابي، قلنا له: ولابد أيضاً وأن تتكلم في اليمن

 لأنك تكلمت كثيراً بالإشادة .

و الشيخ الزنداني هو الذي روى لي أن الترابي قال: أنا أعلم من رسول الله -كما ذكرنا من قبل- فالشيخ الزنداني متألّم من

 ذلك ... والذي يريد أن يسأل الشيخ الزنداني في ذلك فليسأله.

يقول السائل: ما رأيكم فيمن يقول: أما وجدتم غير الترابي تهاجمونه، وهو يحارب النصارى! وأنتم ماذا فعلتم للإسلام؟

 علينا أن نبيّن ! فالابتداع في الدين خطير ... وأنا ذكرتُ لكم أمثلة من بِدع الترابي، فما رأيكم في هذه الأمثلة التي

 ضربناها ... هل هي خطيرة أوْ لا؟... لابد أن نبين ذلك ولا يجوز التلبيس على الناس ... وكما ذكرنا في مطلع المحاضرة

 فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدُولُه) . و لا يجوز أن ينخدع الناس فيتلقَّون

 عن غير العدول ،  ولست وحدي من أتكلم في الترابي ، بل علماء كبار قد تكلموا فيه، وما أنا إلا طالب من طلابهم.

ومن ضمن مهمات العلماء العدول: أن يذودوا عن الدين ... هذه الابتداعات الملصقة بالإسلام لابد أن تزول ... قد لا

 يهمنا الترابي كشخص، نسأل الله أن يهدينا وإياه ... ولكن تهمنا هذه الأفكار الخطيرة التي بدأت تنتشر بين شبابنا،

 وأصبحتْ بمثابة فقْهٍ ابتداعي جديد ! ــ إنْ صحّ التعبير ــ لا يجوز السكوت عليه .

وأما القول إنه يحارب النصارى ... فالنصارى يحاربون حتى بعضهم بعضاً ... ألم تحارب أمريكا الصِّرب؟... لماذا

 قصفتهم أمريكا ذلك القصف الشديد؟... الخلافات تحصل، وأمريكا وإيران أيضاً على خلاف وهكذا  !  فاختلافه مع

 أمريكا أو مع النصارى ليس بحجة ...        و مع ذلك فقد صار على وفاقٍ معهم أخيرا ...  نحن نعْرِض كلامه على

 كتاب الله وسنة رسوله ^، ولو عادَى من عادَى !   وما جدوى أن يحارب الترابي النصارى لو حصل ذلك ، وهو ينشر

 بين المسلمين فكرهم وثقافتهم ؟ !

 

- حكم الغناء :

يقول السائل: سمعنا مؤخراً أن هناك من العلماء من يبيح الأغاني بشروط وضوابط، وحقيقةً فإن هذا أدى إلى قيام كثير

 من الشباب الصالح بسماعها، بل إن كثيراً منهم صاروا هواة الأغاني، فهل من توجيه للشباب في هذه المسألة؟

الجواب: الغناء  أقل ما يقال فيه إنه شبهة، وإنْ كانت المذاهب الأربعة تقول: إنه حرام، ولم يشذّ إلا قلة من العلماء

 القدامى، مثل ابن حزم، وإلا فجمهور العلماء وأئمة المذاهب الأربعة يقولون: إنه حرام.

والذي يقول: بأنه سيضع له ضوابط .. فهذا كلام غير واقعي وغير عملي، ما دام هو الغناء والإمام الشوكاني / تكلم في

 (نيل الأوطار)  على أنه لا يوجد إجماع على حرمة الغناء، وكلامه صحيح؛ لأن ابن حزم مثلاً لا يقول بحرمة الغناء،

 فلذلك لا يوجد إجماع، لكن قال الشوكاني: هو على الأقل شبهة ، وقال: الإنسان الحريص على دينه يبتعد عنه.

فنحن حتى وإن ابتعدنا عن الأدلة -مع أن الأدلة واضحة- وارجعوا إلى الندوة التي كانت قبل سنتين في هذا الموضوع،

 وإلى الكتيب الذي صدرتْ فيه : ( الغناء وآلات الطرب بين حكم الشرع و تزيين الهوى ) ...  فهو شبهة على الأقل  ...

 وعليه فالابتعاد أسلم.. (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه  . لو رأيتم شخصاً بلحيته وهو

 يسمع الغناء ماذا ستقولون فيه؟ هل يستطيع شخص محترم أن يسمع الأغاني بين الناس، أو أن يُنقَل عنه أنه يسمع

 الأغاني؟ الشخص الذي يخشى على سمعته و عِرْضه لا يقبل هذا، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (والإثم ما

 حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) ، ويقول: (استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك) ، حتى هذا العالم

 الذي يقول: أنا أسمع الأغاني، نقول له: سنأتي بك إلى ميدان عام ونجعلك تسمع، هل سيقبل هذا أو أنه سيخجل من

 نفسه؟

كل هذا إذا كان الغناء على الطريقة القديمة، أما غناء هذا الزمان بالألفاظ الإباحية والموسيقى الخليعة والنساء المتبرجات

 بالمظاهر المخجلة، أو الرجال الساقطين فحُرْمته محل إجماع، ولا يقول بإباحته إلا شخص مشكوك في دينه.

- الجماعة الأم :

يقول السائل:أريد أن أنضم إلى جماعة، فما هي الجماعة التي تنصحني أن أنضم إليها؟

الجواب: هذه المسألة قد بينها الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: (ما أنا عليه وأصحابي) ... فأيُّ جماعة ترى أنها تلتزم

 الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، فهذه هي الجماعة التي ينبغي أن تنضم إليها بدون تسميات ولا داعي

 للتسميات، والجماعات التي تلتزم بالكتاب والسنة ينبغي أن تكون مندمجة، هذا هو الأصل، يقول تعالى: ( و اعتصموا

 بحبل الله جميعاً و لا تَفَرَّقوا ) . آل عمران : 103 .  ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: (مثل

 المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)  .  فالمفروض أن

 الإسلاميين الذين على منهج السنة والجماعة يشكلون جسداً واحداً  ، والمذهبيات التي بينهم من المفترض أنها لا تفسد

 للود قضية، وأنّه لا يُفضي هذا التّنوّع في الاجتهادات إلى الفرقة وإلى التعصب والتحزب ... المفترض مع وجود هذه

 الاجتهادات أن يكونوا شيئاً واحداً، الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين

 العصر إلا في بني قريظة)، بعض الصحابة فهِم فهماً، وبعضهم فهِم فهماً آخر، والرسول لم يعنّف هؤلاء ولم يعنّف

 هؤلاء، ولم يفترق الصحابة، وهكذا في كثير من الأمور الفرعية، فالمفترض فينا ألا تجعلنا هذه الأمور الفرعية مختلفين.

إنّ الاختلاف في الحقيقة هو بسبب الأهواء والبغْي عند بعض القيادات، وهو الإشكال، وإلا لو زالت هذه الأهواء لما

 وُجِد هذا الاختلاف ، لأن دين الإسلام يجمع و لا يفرّق ... ( و ما تفرّقوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغْياً بينهم ) .

 الشورى :14 .   و يمكن للشخص  أنْ ينضم إلى إحدى الجماعات التي على منهج أهل السنة و الجماعة ، و كل بلد له

 خصوصيته ، و تختلف الجماعة المؤهّلة للانضمام إليها من بلد إلى آخر ، ولكن المفترض فيمن ينضم إلى جماعة أنْ يستشعر

 فرضيّة أُخوّة الإسلام ، بمعنى فرضية الولاء أيضا للجماعات الأخرى التي هي على منهج أهل السنة و الجماعة سواء في

 بلده أم في البلدان الأخرى ، و أنْ يسعى ما استطاع في إزالة الفجوات و الالتباسات وسوء الفهم مع هذه الجماعات ، و

 أنْ يحرص على أنْ يسود التعاون معها بصدْق في كل مجالات الخير ، و أنْ يزول التعصُّب ، لأن هذا هو مقتضى التديُّن و

 مقتضى سلامة الاعتقاد ، و لا شك أنه سوف يتعب كثيرا ، ولكن لا مفَرَّ من ذلك إذا أراد النجاة و الفوز برحمة الله .

 قال تعالى : ( والمؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة

 ويؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولئك سيرحمهم الله) . التوبة .     و بعض الناس قد يكون المناسب لظروفه أنْ

 لايلتحق بجماعة ، بل يتعاون معها جمبعا ، بحكْم أنه مسئولٌ عام مثلاً ، أو داعية ٌجامعٌ ، أو عالـمٌ مرجِع ... كما كان

 حال العلماء الثلاثة الذين تكلمنا عليهم ، و في بعض البلاد أو الأوضاع قد لا يكون هنالك حاجة لقيام جماعة أصلاً ،

 لأن القدر الضروري من التعليم الإسلامي و الدعوة و الرعاية موجود من قِبَل الدولة مثلاً ، أو من قِبَل مؤسسة ، أو

 جامعة ربانية ،    و في مثل هذه الحالة قد يُفهَم  مشروع إيجاد جماعة بأنه مشروع ضِرار  ... لأَجل ذلك  يُكْتَفى  في مثل

 هذه الحالة بالتعاون مع الموجود ،  و هكذا ...  قال تعالى : ( ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكْمة و الموعظة الحسنة ) النحل  .  و

 عند قيام جماعة في إطار دولة لا زالتْ في إطار الإسلام ، فلا بد من مراعاة حقوق وليّ الأمر ، و الالتزام بالنظام العام

 الذي لا يخالف الإسلام ، وطمْأنة الدولة بعدم الخروج عليها ، والشفافية التامة ، والوضوح في العمل ، لأن المقصود

  من قيام الجماعة هو العمل المشروع الذي ترْعاه وترضاه وتأمر به  الشريعة ، والتعاون ما أمكن في ذلك  مع الدولة و

 النُّصْح لها  والحفاظ على بيضة الأمة، و تقديم الخدمات بصدق و صبرٍ ابتغاء وجه الله بغير استعْلانٍ ولا استعلاء  ... و

 ليس المقصود الصراع ولا الصدام و لا تفتيت الطاقات  .      وإن منهجية  الإسلام تقْضِي أنّ بقاء الناس مجتمعين  ــ ولو

 تحت دولة تنتشر فيها المعاصي مع النهي عنها  ــ خير و أفْضل من افتراقهم وتصارعهم  و اقتتالهم لأجل فرْض الصلاح

 من جهةِ  جماعةٍ ترى أنها صالحة ... لأن إيجابيات الاجتماع على الحد الأدْنى من الإسلام  أولى شرعًا وعقلًا  من الافتراق

 والتمزُّق  الذي يثمر في النهاية تكتّلات  مُنْهَكَة لا تصمد أمام زوابع الحياة !  ... وإذا نجح أحدها في استعادة السيطرة

 بشِقِّ الأنفس ، فلن يتم له ذلك إلا بثمن باهظٍ من الأرواح والممتلكات  و الجراح الغائرة في أعماق المجتمع التي كثيراً ما

 تستعصي على الاندمال  ... و أين الصلاح في الجماعة التي لم تلتفت إلى فريضة الإسلام الكبرى في الحفاظ على وحدة

 الصف؟!  ... ألا تكفي العقلاء هذه الآية ؟! ... قال تعالى ( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذْهب ريحكم) الأنفال  .

- تحطيم الأصنام في أفغانستان :

يقول السائل: ما قول الشرع فيما قام به إخواننا في أفغانستان من هدْم الأصنام، خصوصاً وأني لم أسمع عالماً فصّل الكلام

 حول هذا الموضوع؟

الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام هدَم الأصنام بعد أن تمكن وصارت له دولة، وهؤلاء الذين يحكمون في

 أفغانستان صارت لهم دولة، وهم أخبر وأعلم من سائر الناس بوضعهم، والمفتي حين يفتي يكون على علم بالشرع

 وعلى علم بالواقع، فمن أدرى الناس بالواقع في أفغانستان؟ لا شك أن الذين يحكمون أدرَى؛ لأن كل الأخبار ترِد إليهم

 من الداخل ومن الخارج بالنسبة لوضعهم وحالهم، فهم أخبر، فلا يحتاجون إلى غيرهم لكي يفتيهم وفيهم العلماء، فهم

 يفتون أنفسهم، وهم قد حكموا وأفتوا ودمّروا الأصنام.

والذي يقول: الدنيا ستجتمع عليهم، يقال له: الدنيا قد اجتمعت عليهم من قبل أن يهدموا الأصنام، فأفغانستان محاصرة

 ومضايقة    من قبل، والإعلام موجَّهٌ ضدهم بشدة، ولم يطرأ جديد، فقد استنفد الكفر قوته في مواجهتهم  .

-  مصطلحا (الحداثيين) و(العصرانيين) :

يقول السائل: ما معنى مصطلحَي (الحداثيين) و(العصرانيين)؟

الجواب: الحداثيون: هم الذين يهتمون بالأدب والشعر، ولهم طريقة مستوردة من الغرب، يقلدون فيها الشعر الغربي،

 ويتكلمون عليه كثيراً، وكثير منهم يحاول أن يتمرد في شعره عن القيم، وعن الأخلاق وعن الالتزام  ، و حتى عن

 ضوابط الشعْر و اللغة في كثير من الأحيان .

والعصـــــــــرانيــــون: هـــم الذيــــن كـــما ذكــــــــرنا مــن قـــــبل- يحاولـــون أن يقرّبـــــوا بين الإسلام وبين

 الروافض   والعلمانيين ونحوهم ، وبعضهم ربما كانت له نيـــة حسنة، لكنّ النية الحسنة لا تبرر العمل الخاطئ؛ لأن الله

 يقول:

 
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديدا* يُصْلحْ لكم أعمالكم و يَغفرْ لكم ذنوبَكم ) الأحزاب : 70 ــ 71 .

العصرانيون يريدون أن يكونوا على مستوى العصر، وأن يتكلموا بِلُغة العصر، وأن ينهضوا في نظَرهم بالأمة، لكنْ بهذه

 الطريقة ، طريقة التلفيق والتنازل عن الأصالة، و الجمْع بين المتناقضات، وفي هذا صعوبة بالغة، بل استحالة ... فإذا

 أردت أن تبني بناء فلابد أن يكون البناء متجانساً ... أليس كذلك؟... الأمة الإسلامية جدار متماسك وكيان متكامل،

 قال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ... عندما آتي بِطُوبة، وحجَر، ولَبِنة، وقطعة

 خشب، وقطعة كرتون وأبني جداراً، هل يصلح هذا البناء؟! لا يصلح ! لابد أن يكون البناء متجانساً ... لابد أن يجتمع

 الصالحون، وأن يشكّلوا بمجموعهم كيانا ً، أو على الأقل إذا اقتضت الظروف       أن توجد فيهم أخلاط من غيرهم  ــ

 دون أن تكون لهم يدٌ في ذلك ــ  أنْ يكونوا هم الذين يوجِّهون مجموع الكيان  ، وتكون الأستاذيّة والصدارة للحق النقيّ

 لا للشوائب ،  ولا يتنازلون عن عقائدهم وأحكام شرعهم ... يقتدون في التميُّز و الخلوص و الاكتفاء والصفاء

 بالرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، والله سبحانه يقول: ( هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين ) . الأنفال:29 . أما

 اللفْلفَة فلا تنفع ... صحيح أنه يجوز الاستعانة أو التحالف مع غير المسلمين بدون تنازل، ولكن متى؟ ... عندما تكون

 هنالك حصانة و ثبات... فالرسول صلى الله عليه و سلم تحالف مع اليهود، وتحالف مع مشركي خزاعة ... لكنه كان

 مع أصحابه في قمة التمسُّك والاعتزاز ... يُؤثِّرون و لا يتأثَّرون ...  كانت الآيات و الأحاديث تَتَابَع في فَضْح اليهود و

 المشركين ... كان المسلمون لا يقدّمون أيّ تنازل في العقيدة أو في الأحكام  ... وكانوا بذلك هم الجانب الأقوى بحيث

 يستفيدون من هذا التحالف ... أما عندما أكون ضعيفاً في تمسُّكي مصابًا بالتنازلات وأتحالف مع شخص مُعْتَدّ بما لديه ،

 وهو ليس على طريقتي، فمن الذي سيستفيد؟! القويّ بلا شك .    فعندما نتحالف مع الروافض وهم عقَدِيُّون ولهم

 دولة عَقَدِيّة من المستفيد؟... لا شك أنهم المستفيدون، وهذا لا يصلح  ... أو كما يتحالف بعض الإسلاميين المتعصْرنين

 مع بعض النصارى مثلاً ... النصارى لهم دهاء و مكْر  ،  وخطط بعيدة المدى وصليبية صُلْبة ، ولهم إمكانات ولهم

 منظمات، و هم دول كبرى ... فهم أقوى  من العصرانية الهلامية التي لا تقوم و لا تدوم !! ... ولذلك  فإن التحالفات

 لها شروط وضوابط يفصّل فيها الفقهاء ... و يجب أن تتوافر ، و لا بد من مراعاتها .

- حكم صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب بعد الأذان :

يقول السائل: ما حكم سنة المغرب القبلية؟

الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (بين كل أذانين صلاة)، وقال في الثالثة: (لمن شاء)  ...  فما بين الأذانين:

 أذان المغرب وإقامته،  إذا أراد أحد أن يصلي فلا بأس إذا شاء ...  ولا يجوز أن ينكر أحد على المصلي، و الذي  يصلي لا

 ينكر على الذي لا  يصلي ، والمسألة فيها سَعَة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .


 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


([1]) انظر المقابلة مع الندوي في مجلة (الأمة القطرية).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©