كيف تجمع المرأة بين عملها في البيت وبين الدعوة؟

 

  بحث لمجلة الشقائق في 27من ذي القعدة1430هـ الموافق 15 نوفمبر 2009م

  

   أمثلة للمسؤوليات المفروضة على الرجال و النساء جميعاً:

    على الرجال و النساء مسؤولياتٌ و تكاليف دينية  مشتركة  يستوي فيها الرجال و النساء كقضايا العقيدة وأركان الإسلام ، وكثير من قضايا التزكية والأخلاق ، والدعوة والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، والهجرة عند اللزوم والتضحية ، و لذلك قال عليه الصلاة و السلام (إنما النساء شقائق الرجال) رواه أحمد و أبو داود و الترمذي  وقال الألباني صحيح .

     الدعوة و الهجرة عند اللزوم و التضحية :

     و على سبيل المثال فإن ربنا جل و علا قال: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف . مبيناً بذلك أن سبيل الدعوة هو سبيل الرسول صلى الله عليه و سلم وهو أيضاً سبيل كل أتباعه من الجن والإنس رجالهم و نسائهم .. كلهم يدعون إلى الله .. كل واحد منهم بقدْر ما لديه من قدرةٍ وبصيرة ، أوبقدْر ما عنده من إمكانٍ وعِلْم .

     قال ابن القيم في (مدارج السالكين: منزلة الحكمة) : أي أنا وأتباعي على بصيرة . وقيل (ومن اتبعني) عطف على فاعل (أدعو) ، أي أدعو أنا إلى الله على بصيرة ، ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله على بصيرة .

    وعلى القولين فالآية تدل أن أتباعه هم أهل البصائر الداعين إلى الله على بصيرة ، فمن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة ، وإن كان من أتباعه على الانتساب والدعوَى.اهـ.

    و قال جل و علا في فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وهي فريضة على الرجال و النساء : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة .

     و قال سبحانه مبيِّناً عاقبة تَحَمُّل الهجرة عندما تَلزَم و التضحيات في سبيل الله التي يشترك فيها الرجال والنساء: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران .

      غض البصر ومنع الخلوة و السفر إلا بمحرَم :

     و من الفرائض المفروضة على الجنسين وجوب غض البصر ووجوب العفَّة قال تعالى : (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ  ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور.

     و من ذلك منْع الخلوة والسفر عن المرأة إلا مع محْرَم ، و المحرَم رجل ، و في ذلك تكليفٌ للجنسين ..  عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأة ولا تسافرنَّ امرأة وإلا معها مَحْرَم ) متفق عليه .

     النداء العام في النصوص للجنسين :

     وكل نداء عام في النصوص القرآنية أو النبوية موجَّه إلى المؤمنين و لم يدُلَّ الدليل على أن المراد به الخصوص ، فإنه من المسلَّمات عند العلماء أنه خطاب موجَّهٌ إلى عـموم الرجـال     والنساء .

     و كذلك الخطاب في النصوص  الموجَّه للناس فإنه يشمل النساء في اللغة والشرْع .. عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان يوماً من ذلك والجارية تمشطني فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيها الناس . فقلت للجارية: استأخري عني . قالت : إنما دعا الرجال ولم يدْعُ النساء . فقلت : إني من الناس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إني لكم فرَطٌ على الحوض ، فإيَّايَ لا يأتيَنَّ أحدُكم فيُذَبَّ عني كما يُذَبُّ البعير الضال ، فأقول فِيمَ هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سُحْقاً!) رواه مسلم .

    من أمثلة المسؤوليات الخاصة بالرجال القوامة والولاية :

    و أما في الجوانب الخاصة بالرجال على حِدَة و بالنساء على حِدَة ، فقد حدّد ربنا تبارك و تعالى في شَرْعه مسؤوليات كلٍّ من الرجل و المرأة  ، فالقِوامة مثلاً في الإنفاق وفي الإشراف على الأُسرة وتربية الأولاد بالاشتراك مع أمهم ، و في انتساب الأبناء إليه ، و في الإِذْن ، و في عقْد الزواج ، و في إيقاع الطلاق ، و في قرار الرجعة... و في عموم التعامل و الحَلّ و العقْد و الإشراف على  الترتيبات والكيانات في مجتمع المسلمين و في التعامل مع غير المسلمين .. و مايستَتْبع ذلك من ضروراتٍ و تكاليفَ للحماية و للرعاية و نشر الدين والجهاد .. ومن مؤهلاتٍ وإمكانات للقيام بذلك مِثْل النبُوّة وكمال الدين و كمال العقل وكمال الشهادة وكمال الميراث ...  كل ذلك من اختصاص الرجال قال تعالى: (الرجال قوّامون على النساء) النساء . و قال تعالى : (وللرجال عليهن درجة) البقرة . و قال تعالى على سبيل التقرير : (و ليس الذكَـر كالأنثى) آل عمران .

     و من ذلك الولاية على الرجال أو على رجالٍ ونساءٍفهي من اختصاص الرجال ، كما في الإمارة و القضاء و الغزْو والإمامة والخطابة و الأذان ... قال عليه الصلاة و السلام: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري . وحكى الله عن ملكة سبأ إدانة ماضيها في الكفر وتنْصِيصَها على اسم الرجل الذي التحقتْ به (قالت رب إني ظلمتُ نفسي وأسلمتُ مع سليمان لله رب العالمين) النمل .

    من أمثلة المسؤوليات الخاصة بالنساء: أعمال البيت ، الحجاب

     و أما رعاية البيت فهي من اختصاص المرأة ، قال عليه الصلاة و السلام : (والمرأة راعية في بيتها و مسؤولة عن رعيتها) متفق عليه . و من ذلك حفْظ البيت و أداء أعماله بما في ذلك رعاية الحيوانات التي في البيت فضلاً عن رعاية الزوج و تربية الأولاد بالاشتراك مع أبيهم .. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : تزوّجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضحٍ (الناضح الجمل الذي يَسْحَب الماء من البئر) وغير فرَسه ، فكنت أعلِف فرسه وأستقِي الماء وأخْرِز غَرْبهُ (الخرْز الخياطة ، والغرْب الدَّلْو الكبير) وأعجِن ، ولم أكن أُحسِن أخبِز وكان يَخبِز جارات لي من الأنصار وكنَّ نسوة صدْق ، وكنت أنقل النّوَى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهي مِنّي على ثُلُثَي فرْسخ (الفرسخ ثلاثة أميال) ... إلى أن قالت : حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرَس فكأنما أعتقني . متفق عليه . والصبر على هذه المشقات يدل على الوجوب .

    و من أعمال البيت ما كانت تعمله فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمثالها من ربّات البيوت .. فعن علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها شكَتْ ما تَلْقَى في يدها من الرَّحَى فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً ، فلم تجدْه فذكرتْ ذلك لعائشة فلما جاء أخبرتْه ، قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبتُ أقوم فقال: ( مكانَك ) ، فجلس بيننا حتى وجدتُ برْدَ قدميه على صدري فقال : ( ألا أدلُّكما على ما هو خيرٌ لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما،فكبرا ثلاثاً وثلاثين وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين فهذا خير لكما من خادم،وعن شعبة عن خالد عن ابن سيرين قال (التسبيح أربع وثلاثون) متفق عليه .

     قال الحافظ في (الفتح) : واستدل بهذه القصة ـ أي قصة أسماء مع الزبيرـ على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة واليه ذهب أبو ثور ... وقد تقدم أن فاطمة سيدة نساء العالمين شكَتْ ما تلقى يداها من الرحى وسألتْ أباها خادماً فدلها على خير من ذلك وهو ذكر الله تعالى ... قال المهلب: وفيه أن المرأة الشريفة إذا تطوعت بخدمة زوجها بشيء لا يلزمها لم ينكِر عليها ذلك أب ولا سلطان ، وتُعُقِّب بأنه بناه على ما أصَّلَه من أن ذلك كان تطوعاً ، ولخصمه أن يعكس فيقول لو لم يكن لازماً ما سكت أبوها مثلا على ذلك ، مع ما فيه من المشقة عليه وعليها ، ولا أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع عظَمَة الصديق عنده . اهـ . بتصرُّف .

     و الحجاب فرْضٌ خاص تتقيَّد به المرأة قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) الأحزاب . و قال تعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا  ، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ  أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء ، وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور .

النساء تابعات للرجال

     الصدارة للرجال :

     خلق الله المرأة للرجل ، وجعلها تابعة للرجل ونعمةً له للسكَن إليها بالدرجة الأولى ، لأن للرجل الصدارة، رغم أن ذلك لا ينفي أنه أيضاً نعمةٌ لها ، قال تعالى : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، و جعل منها زوجها ليَسْكُن إليها) الأعراف . واستمرتْ صدارة الرجال في أن النساء خُلِقْنَ سكَنٌ لهم ، قال تعالى : (ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) الروم . و أنهن لأجْل سَكَنهم ولِحِفْظ نسلهم حرثٌ لهم قال تعالى : (نساؤكم حرثٌ لكم) البقرة .

     ومما يدل على الصدارة أيضاً.. أن الله جعل آدم أصْلَ البشرية ، بمعنى أنه أصْل الرجال والنساء ، لأن حوَّاء إنما خُلِقتْ منه . ثم انتشر منهما الرجال والنساء ، قال تعالى : (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً) النساء .

     وبقيتْ صدارة الرجل في أنه باستمرار أصل جنس الذكر في الأولاد وكذلك أصل جنس الأنثى ، وذلك بوجود الأصل الذكري في جيناته (وَايْ) ووجود الأصل الأنثوي (إكْس) . وبتقدُّم أحد هذين الأصلين من الرجل في اللقاح يكون تحديد جنس الجنين .  

     و كان استخراج الذرية في عالم الذرّ من ظهر آدم ، وتسَلْسَل الإخراج من ظهور أبنائه دون بناته ، لأن الرجال أصل البشر قال تعالى : (وإذْ أخذ ربك مـن بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) الأعراف . ولذلك  كان انتسَاب الأولاد إلى آدم ، قال تعالى : ( واتل عليهم نبأ ابْنَيْ آدم بالحق) المائدة .واستمر انتساب الأبناء و البنات إلى الآباء دون الأمهات في بني آدم ، قال تعالى : (و مريم ابنة عمران) التحريم . واليتيم  هو مَن فقد الأب وليس من فَقَد الأم ، لأن الصدارة للرجل ، رغم أن عاطفة الأم أعظم ، قال تعالى : (وليخْشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذريَّةً ضعافا) النساء .

    كذلك فإن مما يدل على أن للرجل الصدارة .. أن الله اختص آدم بأنْ علَّمه الأسماء كلها ، واختصه بأنْ أسجد له الملائكة ، و اختصه بصدارة لخطاب من دون حوَّاء ، فلا تُخَاطَب إلا تبَعاً كما في قوله تعالى : (ويا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة) الأعراف . واختصه بالنُّبُوَّة و صارت النبوّة محصورةً في بنيه دون  بناته ،

     وظهر الضعْف من جهة حواء ، فهي التي زيّنت لآدم الأكل من الشجرة  ،  و هو ضعْف يسْري في بناتها ، قال صلى الله عليه وسلم : (و لولا حواء لم تَخُنْ أنثى زوجها) متفق عليه .

     ثم خوطب آدم بكلمات التوبة ، وتابعتْه حوّاء فتاب الاثنان ، قال تعالى : (فتلقَّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) البقرة . و قال تعالى: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين) الأعراف .

     وجاء الخطاب لآدم وحده بتحمل التبعات عند النزول إلى الأرض، قال تعالى : (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) طه . والشقاء هنا بمعنى التعب . فالرجل بسبب الصدارة و المسؤولية يلحقه أكثر التعب ، ثم يكون له النصيب الأكبر من الحِرمان عندما تكون المحتاجات شحيحة بعد النزول إلى الأرض ، لأنه لصدارته وقدرته على التحمُّل  يُؤْثِر أفراد أسرته بالموجود من المحتاجات ، فيجوع لكي يأكلوا ويظمأ لكي يشربوا .. قال سبحانه في بيان امتياز الجنة على الأرض و أنه لاحِرْمان في الجنة و الخطاب لآدم : (إن لك ألاَّ تجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لا تظمأ فيها و لا تضحى) طه .

     و في التشريعات يتم توجيه الخطاب أساساً للرجال لصدارتهم ، وهذا ظاهر في الكتاب والسنة بتصدير الآيات والأحاديث بخطاب المؤمنين ، وإنما تدْخُل المؤمنات تبَعاً .

     كما أن صدارة الرجال ظاهرة من خلال النصوص الكثيرة التي تعطي القِوامة للرجال للأفضلية و مسؤولية الإنفاق وتنظِّم الميراث وتُلزِم النساء بالقنوت والطاعة ، قال تعالى : (الرجال قوّامون على النساءبما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات...) النساء . وقال تعالى: (وللرجال عليهن درجة) البقرة .وقال تعالى مبيناً ضرورة التسليم لهذه الصدارة والأفضلية : (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ،لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ، وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) النساء .

     و تمتد القوامة إلى حد التأديب باليد إذا لزم الأمر ، حتى تستقيم الأمور و تحصل الطاعة ، كالخُرَّاج الذي إذا شذَّ في الجسم ونَشَز يحتاج إلى تدخُّل يدَوِيٍّ لإزالة نشوزه ! وكما لايخلو عَصْر الخُرَّاج عن رِضَا المصاب ، لا يخلو التأديب عن مثل ذلك عند مَن تحتاج إليه .. ولو ضِمْناً، لأن التأديب (المهذَّب) المشروط بأنه غير مبرِّح يعكس في النهاية  الحرص والشعور بالاهتمام ، قال تعالى:(و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) النساء .

     والتأديب عموماً واردٌ في الشرع على كل مَن هو في حاجةٍ إليه من الرجال و النساء .

     من مظاهر ضعف النساء:

     والنساء ضعيفات في الخِلْقة والنفس والجسم ، وهذا الضعْف جعله الله متناسباً مع وظيفة النساء الهادئة الرخِيَّة التي تُلَطِّفُ ما تواجهه مسؤوليات الرجال من صعوبات وتخفِّف من خشونة الحياة ، وتتلاءم مع معاملة ورعاية المخلوقات الضعيفة في نفوسها و أجسامها التي كُلِّفت المرأة برعايتها كالأطفال ، قال عليه الصلاة و السلام: (اللهم إني أُحرِّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة) رواه احمد والنسائي وابن ماجه و ابن حبان و الحاكم وصححه مع الذهبي و قال الألباني حسن قال الأرنؤوط إسناده قوي .

     و بالإضافة إلى هذا ففي حياة النساء مايزيدهن ضعفاً كل شهر وهو الحيض ، ومايزيدهن ضعفاً كل سنتين أو ثلاث وهو الحمل والولادة والإرضاع ، كما أن نسبة الحزم و الضبط عندهن أقل ـ وهي من وظائف العقل ـ لقلة وزن الدماغ لديهن في المتوسط وزيادة النسيان وطغيان العاطفة التي تتناسب مع وظيفتهن المتسامحة في رعاية الزوج والولد .

     كما أن نقص عبادتهن ، بسبب الحيض و النفاس تجعل التديُّن وأثره ناقصاً في التسديد والاتزان والأناة ونحو ذلك ، لتظل حاجتهن إلى إشراف الرجال و تذكيرهم قائمة ، حتى يتكامل الجنسان ، قال عليه الصلاة و السلام : (يا معشر النساء تصدَّقن وأكثرْنَ الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار ـ فقالت امرأة... : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ـ قال: تُكْثرنَ اللعن وتكْفُرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أغلبَ لذي لُبٍّ منكن  ـ قالت : يا رسول الله وما نقصان العقل والدين ؟ ـ قال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين) متفق عليه .

    و من صفات النساء الحرص على التزيُّن و على الحلية والمظهر الذي يأخذ الكثير من وقتهن واهتمامهن ، ويقدِّمْنَه على كثير من الأمور ، وهذا يتناسب مع فطرتهن في الجذب والأناقة و محاولة ترتيب واحةٍ في الحياة ، ولا يتناسب مع هذه الفطرة بقاء الهيبة  واستمرار صرامة ودقَّة الحجة ، قال تعالى: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف .

     والصفات الخاصة بالنساء التي هي في الجملة لمصلحة الرجال تزيد من حاجة النساء لصدارة الرجال ووجوب رعايتهم لهن ومراعاتهن و تسديدهن وتكميل ما لابد منه .

     وما جاء من تشريع و تشخيص بشأن الرجال والنساء فإنه يحتوي على تكاليف كثيرة للجنسين يلزمهما القيام بها، وكل واحد منهما يُعَدُّ قيامه بواجبه في ذلك عملاً له ، والمرأة في ذلك لها نصيبها الوافر من العمل الخاص بها في ذلك الوسط المتشابك . .  

    و ليس عمل المرأة للإسلام مجرد خروجها للدعوة وسط بنات جنسها أو التعلُّم أو التعليم أو التطبيب، بل إن عملها للإسلام بجانب ذلك ، معظمه في بيتها و بين أطفالها و مع زوجها ...

عمل المرأة للإسلام

      التشديد على الرجالِ الوُلاةِ على النساء في إعطاء حقوق النساء:

     لقد جاءت النصوص توصي الرجال ما داموا أصحاب الخلْق الأكمل و أصحاب الصدارة والولاية .. بالرفق بالنساء و الإنفاق والإحسان إليهن وعدم المضارَّة و عدم التضييق عليهن لعموم ولاية الرجال عليهن في سائر المجالات سواء أكانوا أزواجاً أم أقارب ..

     حتى إنهن بسبب هذا العموم أصبحن أسيراتٍ عند الرجال ، وقد تكاثرت النصوص لِكَثْرة المجالات ، قال صلى الله عليه و سلم : (ألا و استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عَوَانٍ ـ أسيراتٌ ـ عندكم) رواه النسائي و الترمذي و ابن ماجه وذكَر الألباني أنه حسَن . وهذه بعض النصوص القرآنية في ذلك :

     في المَهْر والعِشْرة :

    وقال تعالى : ( وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) النساء . و قال تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النساء . وقال تعالى : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) النساء . وقال تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) النساء .

     وقال تعالى:(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء . و قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة .و قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء .

     في الخُلْع والطلاق ومتعة الطلاق :

      قال تعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) البقرة .

     و قال تعالى:( الطلاق مرتان فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة . و قال تعالى: (فأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً) البقرة .

     و قال تعالى:(وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة .

     في العِدّة والنفقة :

     قال تعالى: (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَوَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)الطلاق . وقال تعالى : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) الأحزاب .  

     و قال تعالى:( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ) الطلاق . و قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً )الطلاق . و قال تعالى:(وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة .

     في عودة الزواج وفي الميراث :

     وقال تعالى: (فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) البقرة . و و قال تعالى : (وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً) النساء .

     العمل للإسلام والدعوة :

     وإن تكيُّف الرجال والنساء على تقديم الرجل و التسليم بصدارته الفطرية والشرعية ، والرضا بتبعية المرأة الفطْرية والشرعية للرجل ، و جَرَيان التعامل في ضوء ذلك هو جزء من التكليف على الجنسين ، وجزء من عملهما اليومي الأساس للإسلام الذي نظّم هذا و شرَعَه ورتَّب له ، وقبول المرأة بالذات لذلك واستجابتها لمُقْتضَاهُ في سائر جوانب الحياة هو التعبير الواقعي في التسليم لحكْم الله..

     ولا يقتصِر عمل المرأة للإسلام  كما سبق ، أن تحضُر المرأة المساجد والمُصلَّيَات وحلقات العِلْم وتهتم بالدعوة والعمل المسجِدي ، و تنهض بالنشاط التأهيلي والتربوي الإسلامي في أوساط أخواتها من خلال البيوت والمؤسسات والمدارس المعاهد والجامعات ودور العلم و محاضن التربية النسوية .. و أن تُلْقِيَ دروساً على بنات جنسها ، أو تُنشِئ حلَقات لهن ، أو تُقدِّم المحاضرات والندوات و النصائح ، أو تنخرط في الكتابة والتأليف ومجالات النشرالمأمون ، أو تعمل في المجالات الصحية النسوية المتعددة ، أو ترتبط بعضوية المنظمات النسائية لخدمة الإسلام ...إلخ .

     بل إن العمل للإسلام والمشروع الدعوي كما يستوعب ذلك كله فإنه يستوعب ما هو أرحب وأوسع .. ويَهْدِف في النهاية إلى إيجاد نموذجٍ كلِّيٍّ شموليٍّ في التطبيق والقدوة في الأسرة و المجتمع ، من خلال الالتزام الشرعي يالوضع الصحيح للرجل والمرأة والعلاقة بينهما ، بعيداً عن الفلسفات والبِدَع والمستوردات وبعيداً عن التقديم بين يدي الله ورسوله.. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً)الأحزاب .

     وذلك النموذج في الحقيقة يقوم قبل العمل والدعوة ، على الاستسلام المُطلق والعبودية التامة لله ، لأن تلك هي حقيقة الإسلام ، و هذا بالضرورة هو المنهج والمنطَلق ، وهو الواقع والتطبيق  ،وهو الفلاح والنجاة ، وهو السعادة في الدارين .. وهو الذي مضَى عليه المجتمع المسلم ألفاً وأربعمائة سنة ،وإن تخلَّلتْ فترات يسيرة باهتة ، لكن العبرة بالغالب الأعمِّ الذي انتهجتْه خير أمة أخرجتْ للناس . 

      ولسنا فقراء أو متسوِّلين في المنهج والتطبيق حتى نُعَرِّج على المُخَلَّفات والفُتات والمعروضات والمستهلكات عند الآخرين  .

    وإذا سلَّمت المرأة بذلك استسلاماً لله ورضاً بحكْمه ، فإنها سوف ترتِّب الأولويات مع وليّها الرجل الذي جاءتْ ولايته وأوَّليَّته كما ذكرنا من الخِلْقة والفِطْرة و من نظام الشرع ، وسوف تستأذنه وتطيعه  في غير معصية ، سواء أكان الرجل أباً أم أخاً أم زوجاً أم قريباً مسؤولاً .. تماماً كما فعل الأسلاف طوال القرون ، وكما يفعل الصالحون في أيِّ زمان ومكان .. وكما يفعل التابع مع المتبوع والأمير مع المأمور والجندي مع القائد في عالم الرجال دون غضاضة من التابع أو تمرُّد أو استنكاف ، ودون طغيان من المتبوع أو جبروت أو واستعلاء ،  وتكون العلاقة علاقة محبة و تعاون وتضامن وانسجام ، لا علاقة تنافُرٍ و غرور وأنانية وانفصام . (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران . وبالله التوفيق .

 

 .................................................                                        

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©