الفاتحةُ
مَكِّيَّةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَقِيلَ
مَدَنِيَّةٌ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ
وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ
وَالزُّهْرِيُّ. وَيُقَالُ: نَزَلَتْ
مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِمَكَّةَ، وَمَرَّةً
بِالْمَدِينَةِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ .
أسْماؤُها :
يُقَالُ لَهَا: الْفَاتِحَةُ، أَيْ
فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ، وَبِهَا تُفْتَحُ
كِتابَةُ المُصحَف و تُفْتَحُ الْقِرَاءَةُ
فِي الصَّلَاةِ ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا:
أُمُّ الْكِتَابِ ، و يُقَالَ لَهَا أُمُّ
الْقُرْآنِ ، وَيُقَالُ لَهَا: الْحَمْدُ،
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ
التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ
الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي
وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ " .
وقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كتاب
التفسير: بَابُ مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ
الكِتَابِ : وسُمِّيتْ أُمَّ الكتاب، أَنه
يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ،
وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ .اهـ
. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ أُمًّا
لِرُجُوعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ إِلَى
مَا تَضَمَّنَتْهُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ جَامِعِ أَمْرٍ
... أُمًّا، فَتَقُولُ لِلْجِلْدَةِ الَّتِي
تَجْمَعُ الدِّمَاغَ : أُمُّ الرَّأْسِ،
وَيُسَمُّونَ لِوَاءَ الْجَيْشِ وَرَايَتَهُمُ
الَّتِي يَجْتَمِعُونَ تَحْتَهَا
أُمًّا...وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ : أُمَّ
الْقُرَى لِتَقَدُّمِهَا أَمَامَهَا
وَجَمْعِهَا مَا سِوَاهَا ... انظر تفسير
الطبري (سلامة) .
وفي حديث أبي سعيد المتفق عليه
تَسْمِيَتُها : الرُّقْيَةُ؛ فَقَد قالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ للرَّاقِي بِهَا : " وَمَا
يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ". وفي رواية
للبخاري أن الراقِيَ سمَّاها أُمَّ الكتاب ، و
في رواية أخرى سمَّاها أُمَّ القرآن .
وَيُقَالُ لَهَا: الصَّلَاةُ، لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَبِّهِ: " قَسَمْتُ
الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي
نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ
اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي " الْحَدِيثَ متفق
عليه. فَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ: صَلَاةً؛
لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصلاة .
وَصَحَّ تَسْمِيَتُهَا بِالسَّبْعِ
الْمَثَانِي، لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي
الصَّلَاةِ، وَلِلْمَثَانِي مَعْنًى آخَرُ ،
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وهي القرآنُ العظيم
لأَنها تَضَمَّنَتْ مَعانِي القُرْآنِ بصورةٍ
مُجْمَلَة .. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَهَاشِمُ
بْنُ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ الْقُرْآنِ: " هِيَ
أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ
الْمَثَانِي، وَهِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ .
ثُمَّ رَوَاهُ أحمد أيضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ،
وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَهِيَ
السَّبْعُ الْمَثَانِي " انظر تفسير الطبري
(سلامة) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ
بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدَوَيْهِ فِي
تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
غَالِبِ بْنِ حَارِثٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَوْصِلِيُّ، ثَنَا
الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ
الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ
أَبِي بِلَالٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَبْعُ
آيَاتٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ إِحْدَاهُنَّ، وَهِيَ السَّبْعُ
الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وهي
أُمُّ الكتاب وفاتحة الكتاب". قال (سلامة) :
ورواه الثعلبي في تفسيره من طريق محمد بن
حسان عن المعافَى بن ِعِمران عن عبد الحميد به،
ورواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق نوح بن
أبي بلال عن المقبري به . وَرَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ أَوْ مِثْلِهِ،
وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ . وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا
قَوْلَهُ تَعَالَى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}
الْحِجْرِ: 87 ، بِالْفَاتِحَةِ ، وَأَنَّ
الْبَسْمَلَةَ هِيَ الْآيَةُ السَّابِعَةُ
مِنْهَا، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الكلام على ذلك
عِنْدَ الكلام على الْبَسْمَلَةِ إن شاء الله
.
مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْفَاتِحَةِ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ
عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ
أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ
حَتَّى صلَّيت وَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: " مَا
مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ ". قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي.
قَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا
لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ}الْأَنْفَالِ:24 ، ثُمَّ قَالَ: "
لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي
الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ
الْمَسْجِدِ ". قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي،
فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ
الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّكَ قُلْتَ: " لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ
سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ". قَالَ: " نَعَمْ،
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ:
السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ
الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ ".وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَعَلِيِّ بْنِ
الْمَدِينِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، بِهِ . وَرَوَاهُ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ
مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ، بِهِ .
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ
لِلْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، مَا
يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ
رَوَاهُ مالك عن العلاء بن عبدالرَّحْمَنِ
بْنِ يَعْقُوبَ الحُرَقي: أَنَّ أَبَا
سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُريزٍ
أَخْبَرَهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ
بْنَ كَعْبٍ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي
الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ
لَحِقَهُ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى
يَدِي، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ
بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنِّي
لَأَرْجُو أَلَّا تَخْرُجَ مِنْ بَابِ
الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا
أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي
الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ
مِثْلُهَا ". قَالَ أُبَيٌّ: فَجَعَلْتُ
أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ، ثُمَّ
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا السُّورَةُ
الَّتِي وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: " كَيْفَ
تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟
قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حَتَّى أَتَيْتُ
عَلَى آخِرِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هِيَ
هَذِهِ السُّورَةُ، وَهِيَ السَّبْعُ
الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي
أُعْطِيتُ " .
فَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا لَيْسَ بِأَبِي
سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى، كَمَا اعْتَقَدَهُ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ
وَمَنْ تَبِعَهُ ، فَإِنَّ ابْنَ الْمُعَلَّى
صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، وَهَذَا تَابِعِيٌّ
مِنْ مَوَالِي خُزَاعَةَ، وَذَاكَ الْحَدِيثُ
مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ
مُنْقَطِعٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَبُو
سَعِيدٍ هَذَا مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،
فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَهُوَ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَمَا قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عفَّان، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ
يُصَلِّي، فَقَالَ: " يَا أُبَيُّ "،
فَالْتَفَتَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْهُ ... ثمَّ
ذَكَر عليه الصلاة والسلام لِأُبَيٍّ الآية
:{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الْأَنْفَالِ:
24 ". قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا
أَعُودُ ، قَالَ: " أَتُحِبُّ أَنْ
أُعَلِّمَكَ سُورَةً ... وسرَد الحديثَ نَحْوَ
ماسَبَق .. ثم قَالَ: " مَا تَقْرَأُ فِي
الصَّلَاةِ؟ ". قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ
أُمَّ الْقُرْآنِ، قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي
التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا
فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ
مِثْلَهَا؛ إِنَّهَا السَّبْعُ المثاني ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ
قُتَيْبَةَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِي، عَنِ
الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ بنحوه.
وَفِي الْبَابِ روايات أخرى ..
وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ
وَأَمْثَالِهِ عَلَى تَفَاضُلِ بَعْضِ
الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا
هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ
الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ: إِسْحَاقُ بْنُ
رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
الْعَرَبِيِّ، وَابْنُ الْحصارِ مِنَ
الْمَالِكِيَّةِ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى
أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا
يُوهِمَ التفضيل نقص الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فَاضِلًا نَقَلَهُ
القُرطُبي عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَأَبِي
بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَأَبِي حَاتِمِ
بْنِ حِبَّانِ الْبُسْتِيِّ، وَيَحْيَى بْن
يَحْيَى، وَرِوَايَة عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ
أَيْضًا .
ورَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ،
وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ
أَبِي الْأَحْوَصِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ،
عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيق، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ،
إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ، فَرَفَعَ
جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ،
فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ
السَّمَاءِ، مَا فُتِحَ قَطُّ. قَالَ:
فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
أَبْشِرْ بِنُورينِ قد أُوتِيتَهُما لم
يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ
الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ، وَلَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا
مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتَهُ. وَهَذَا لَفْظُ
النَّسَائِيِّ ، وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ .
الوُجُوهُ المُتَعَلِّقَةُ بِقِراءة
الْفَاتِحَةِ في الصلاة :
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، هُوَ ابْنُ
رَاهَوَيْهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، يَعْنِي ابْنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الحُرَقي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "
مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا
أُمَّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِداجٌ – ثَلَاثًا -
غَيْرُ تَمَامٍ ". فَقِيلَ لِأَبِي
هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ
الْإِمَامِ، قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي
نَفْسِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ
الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي
نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا
قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} الْفَاتِحَةِ: 2 ، قَالَ
اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قال:
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الْفَاتِحَةِ:3 ،
قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي،
فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
الْفَاتِحَةِ: 4، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي
" ، وَقَالَ مَرَّةً: " فَوَّضَ إِلَيَّ
عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الْفَاتِحَةِ: 5 ،
قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي،
وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}الْفَاتِحَةِ:
6، 7 ، قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي
مَا سَأَلَ ".
الوجْهُ الأول: أَطْلَقَ الحديثُ
لَفْظَ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ
بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} الْإِسْرَاءِ: 110 ،
أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا
بِهِ فِي البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " قَسَمْتُ
الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي
نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا
لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " ثُمَّ
بَيَّنَ تَفْصِيلَ هَذِهِ الْقِسْمَةِ فِي
قِرَاءَةِ الفاتحة فَدَلَّ عَلَى عِظَمِ
الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا مِنْ
أَكْبَرِ أَرْكَانِهَا، إِذْ أُطْلِقَتِ
الصلاةُ وَأُرِيدَ بِهَا جُزْءٌ وَاحِدٌ
مِنْهَا وَهُوَ الْقِرَاءَةُ؛ كَمَا أَطْلَقَ
لَفْظَ الْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ بِهِ
الصَّلَاةُ أي صلاةُ الفَجْر فِي قَوْلِهِ
تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ
الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} الْإِسْرَاءِ: 78
، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي
الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ أَنَّهُ يَشْهَدُ صلاةَ
الفجرِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ
النَّهَارِ، فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي
الصَّلَاةِ، وَهُوَ اتِّفَاقٌ مِنَ
الْعُلَمَاءِ.
الوجْهُ الثاني :
اخْتَلَفَ العلماءُ هَلْ يَتَعَيَّنُ
لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاتِحَةُ
الْكِتَابِ، أَمْ تُجْزِئُ هِيَ أَوْ
غَيْرُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ
: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ
وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ
وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ،
بَلْ مَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ
أَجْزَأَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتَجُّوا
بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا
مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
الْمُزَّمِّلِ: 20 ، وَبِمَا ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " إِذَا
قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ
اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ
" قَالُوا: فَأَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ مَا
تَيَسَّرَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ
الْفَاتِحَةَ وَلَا غَيْرَهَا، فَدَلَّ عَلَى
مَا قُلْنَاهُ.
|