الإجابة عن أسئلة صوت الإيمان

 

11/6/1426هـ    

18/7/2005م     

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

س1: لنبدأ من قضية الحوار بين الإسلاميين والإدارة الأمريكية التي يدور حولها جدل كبير هذه الأيام هل أنت مع هذا الحوار بالشروط التي وضعها الشيخ الزنداني؟

ج: لقد بينت وجهة نظري في هذه القضية في عدة خطب جمعة، وفي حوار نشرت بعضه (صحيفة البشائر) وكل ذلك مسجل في أشرطة منشورة، وما قلته يلتقي مع الشروط التي ذكرها الشيخ الزنداني، وإن كنت أرى في الظرف الراهن أن هذا الحوار يريده الأمريكان لصالحهم، ويبحثون من خلاله عن إسلاميين يستخدمونهم لتنفيذ مخططاتهم، وقد ذكر الأستاذ خالد مشعل رئيس حماس أن الحوار مع العدو المحارب لا يكون مجدياً إلا إذا جنح للسلم لقوله تعالى: (وإن جنحوا للمسلم فاجنح لها)، وهذا كلام صحيح من زعيم حركة مجاهدة مجربة فيما نظن.

ولقد حاور الأمريكان من قبل أردوغان وحزبه في تركيا، وحققوا من خلاله كل ما يريده الغرب من تركيا بخصوص التمكين للقوانين العلمانية تحت لافتة إسلامية، وبخصوص التعاون في الحرب ضد العراق، وبخصوص التعاون مع إسرائيل، وبخصوص المخطط العربي لقبرص وبخصوص ما يسمى بمكافحة الإرهاب، حتى قال المراقبون إن حزب أردوغان حقق للغرب ما لم تحققه الأحزاب العلمانية السابقة التي حكمت تركيا، وقد شهد بوش في اجتماع حلف الأطلسي الذي تم في مايو سنة 2004م في إسطنبول لهذا الحزب، وقال عن نظامه إنه النظام العلماني الإسلامي الذي نريد تعميمه على العالم الإسلامي، كما أن الأمريكان كذلك حاوروا النظام في السودان وهو منتسب إلى الحركة الإسلامية وتوصلوا معه إلى نتائج لم يتوصلوا إليها مع أي حكومة من الحكومات السابقة التي حكمت السودان، فاستطاعوا أن يحققوا لجنوب السودان حكماً ذاتياً، وأن تتقاسم حركة التمرد مع السلطة في الخرطوم الثروة والسلطة، وأن يتم تعديل الدستور السوداني، وأن يدخل زعيم التمرد النصراني ليكون نائباً أول لرئيس السودان، وأن يدخل جيشه إلى الخرطوم، وأن يتم في نهاية السنوات الست القادمة استفتاء لجنوب السودان هل يبقى متحداً مع السودان أو ينفصل، بمعنى أن المشروع النصراني العلماني إذا لم يحقق أهدافه في جميع السودان (وقد حققها بعلمنة الدستور والتقاسم) فإن انفصال الجنوب وتمكين المشروع المذكور فيه مضمون، فأمريكا تريد حواراً مع إسلاميين من طراز الإسلاميين في البلدين المذكورين لتحقق معهم مثل ما حققته في هذين البلدين. وسيجدون من المسارعين من يقبل، وقد ذكر الأمريكان في بعض المناسبات أن حوراهم إنما هو مع الإسلاميين المعتدلين المتفقين معهم في قضايا المرأة والديمقراطية ومكافحة الإرهاب والتعايش مع إسرائيل! فقد حددوا إذن مرادهم ومطلوبهم!

س2: الجماعات الإسلامية القائمة في الساحة اليوم على خير كثير، لكن التنسيق والتعاون بين هذه الجماعات أمر يستبعده كثير من شباب الصحوة الإسلامية، ما هيا لأسباب؟ هل لديك مبادرة أو محاولة قمت بها في هذا المجال؟

ج: الجماعات الإسلامية الملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة بشكل عام على خير كثير فعلاً، ولكن عندها السلبية المذكورة في السؤال، ولا شك أن الإسلام يجمع ولا يفرق، فإذا أخذت به هذه الجماعات كاملاً بعيداً عن الأهواء فإنه سوف يجمعها ويوحدها، ولذلك فنحن نتهمها بالقصور هي، ولا نتهم الإسلام طبعاً.

وبدلاً من الخوض في أسباب متعددة، يمكن اختزال الأسباب في سبب رئيس ذكره القرآن في تفرق أهل الكتاب، ولا شك أن الأمة اتبعت سننهم كما دلت النصوص ، قال تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم)، فالسبب هو البغي، وهو نفس مرض الدول التي تحكم المسلمين، وهو الذي منعها من الاتحاد، وأول افتراق بين المسلمين كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان سببه البغي من معاوية كما دل الحديث الصحيح، ولم يتم تجاوز هذا الافتراق إلا بإبطال هذا البغي وأثره، ولما لم يقبل معاوية من جهته بذلك، تنازل الطرف الأفضل والمُحِق، وضحى في سبيل إعادة جمع الكلمة، تنازل الحسن رضي الله عنه، ومدح عليه الصلاة والسلام فعله كما في الحديث الصحيح، ونحن في هذا الزمان بحاجة إلى مثل هذه التضحية لجمع الكلمة، وما دامت لا توجد هذه التضحية عند زعامات الجماعات، فلن يتحقق نصر حاسم على الأعداء، ولن تعود الخلافة على يد هذه الجماعات، قال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وقال تعالى: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم).

وأما محاولتي في هذا المجال فتتمثل في النصح لأنه ليس بيدي شيء، وعلاقتي طيبة بعدد من الجماعات بجانب التواصي بالحق، وأظن أنني لو كنت زعيماً لجماعة ـ ولا أزكي نفسي ابتلاء بالزعامة ـ سوف أطبق مبدأ الحسن رضي الله عنه في التنازل، وأسأل الله الأجر على النية.

إن المتنازل في مثل هذه الحال هو الأفضل (وأفضلهما الذي يبدأ بالسلام) كما في الحديث، وإذا كان الحسن رضي الله عنه قد تنازل عن دولة بكامل إمكاناتها، ومنهجها ألا يكون التنازل عن قيادة جماعة لصالح الطرف الآخر أيسر وأسهل وأولى من أجل جمع الكلمة؟!

والحسن رضي الله عنه خليفة راشد، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

س3 : التجمع اليمني للإصلاح أقام جسور التعاون والتنسيق مع بقية أحزاب اللقاء المشترك، ما هي الموانع التي تقف أمام الإصلاح لتبني لقاء مشترك بين الإسلاميين؟

ج: يوجّه هذا السؤال إلى قيادة التجمع اليمني للإصلاح.

س4 : كنت عضواً في مجلس النواب لتخرج بعدها بقناعة بعدم جدوى الانتخابات، بينما أعضاء مجلس النواب من الصالحين يحبطون كثيراً من القرارات والقوانين المجحفة بمصالح البلاد والعباد. لماذا لا تعتبر دخول الإسلاميين مجلس النواب من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

ج: لست الوحيد الذي خرج بهذه القناعة، وإنما هناك آخرون مثلي من علماء البلد ووجهائه، وكان بعضهم أعضاء في مجلس النواب خرجوا بنفس النتيجة كالشيخ عبدالوهاب الديلمي، والشيخ صالح الظبياني، والشيخ عبداللطيف هائل، والشيخ حيدر الصافح، والشيخ محمد الآنسي، والشيخ محمد الغيلي، والشيخ صالح الوعيل، والأستاذ عبدالعزيز الزبيري والأستاذ محمد حمود الخميسي، والأستاذ عبدالعزيز الحشار، وهؤلاء وقعوا على قصيدتي التي هي بخصوص الانتخابات والديمقراطية مؤيدين لما ورد في القصيدة. وموقفهم في هذا التوقيع واضح، وإن كان بعضهم قد لا يتضح موقفه بنفس هذا الوضوح في مناسبات أخرى بسبب الإرهاب السياسي والفكري المنتشر. وأما القول بأن أعضاء مجلس النواب يحبطون كثيراً من القرارات والقوانين المجحفة، فليس هذا صحيحاً، لأن الحكم في ديار المسلمين بشكل عام من الناحية النظرية ليس شورياً يخضع لشورى أهل الحل والعقد، وإنما هو حكم جبري، كما دل على ذلك الحديث الصحيح، وكذلك من الناحية العملية الواقعية لا تتراجع الحكومات في بلاد المسلمين لبرلماناتها، إلا في أمور لها رغبة أصلاً في التراجع عنها وحتى تضفي على نفسها ديكوراً شورياً، وإلا أخبرْني لماذا لم يحبط مجلس النواب مسلسل الجرعات الاقتصادية على سبيل المثال مع أن جميع أعضائه في واقع الأمر يكرهونها وهم محرجون منها أمام دوائرهم؟ ولماذا لم يتمكن مجلس النواب من محاكمة أي مسئول من المسئولين رغم إقرار الجميع بوجود فساد غير عادي، وإظهار الجميع حرصهم على التخلص من هذا الفساد، وهل يتناقص الفساد مع استمرار دورات مجلس النواب أو يتزايد؟ والمظالم الكثيرة الواقعة على الموظفين والواقعة على الضعفاء والمساكين، والواقعة على المعتقلين والمسجونين، والواقعة على المهمشين والمبعدين.. إلخ، هل استطاع مجلس النواب أن يخفف شيئاً من ذلك أو أن دائرة المظالم تتوسع مساحتها يوماً بعد يوم؟! والاختلالات في المجالات التعليمية والمجالات الإعلامية والمجالات الاجتماعية والمجالات الصحية ونحوها... هل قلل منها مجلس النواب أو أنه في كثير من الأحيان يضفي شرعية على المزيد منها؟! والمنكرات عند الأفراد وعند المؤسسات والمنظمات، وفي المدن وفي السواحل وفي الأرياف... هل استطاع مجلس النواب أن يدفع بها نحو الانكماش أو أنها يوماً بعد يوم ماضية نحو الامتداد..؟

وبصورة عامة هل المؤشرات في المجتمع تدل من خلال جهود مجلس النواب على تطور نحو الأفضل، أو أن المؤشرات تنحو نحو العكس؟

قد يقول قائل: إن المجلس يبذل جهده في التخفيف ونقول إنه إنما يستجاب للمجلس في الإطار المسموح به فقط، وبما لا يلحق الضرر بالحكم الجبري، وهذا القدر الذي يستجاب فيه للمجلس وهو مسموح به يمكن أن يستجاب فيه عن غير طريق المجلس بحيث تحرص الطاقات الدعوية على منافسة المسئولين في غزو قلوبهم ماداموا مسلمين والسيطرة عليها، وليس في غزو دوائرهم وكراسيهم ومنافستهم عليها، أليس الأفضل أن يتخصص الدعاة الذين نافسوا ودخلوا مجلس النواب بعد صراعات في الانتخابات وجهود وأموال، وربما دماء، أليس كان الأفضل أن يدخروا كل ذلك، ويحافظوا على احترام الآخرين لهم، ثم يتخصص كل واحد من هؤلاء الدعاة الممتازين وأمثالهم في متابعة مجموعة من أعضاء مجلس النواب أو أعضاء مجلس الشورى أو أعضاء مجلس الوزراء أو عدد من المحافظين أو عدد من المدراء والمسئولين ..إلخ ، أو حتى يتخصص واحد من الدعاة لواحد فقط من المذكورين على مدى عام أو أكثر لزيارته وتقديم الهدية له، ودعوته إلى الطعام ، والعمل على غرس خوف الله في نفسه وتوعيته وإرشاده، وتذكيره باليوم الآخر، ومع مرور الأيام ربما يستجيب نصف هؤلاء أو ربعهم، ومع استمرار البرنامج في كل عام، أليس بالإمكان التخفيف من الشر بأيدي هؤلاء المسئولين أنفسهم بعد إصلاح كثير منهم مع بقاء المحبة والاحترام بيننا وبينهم، ونكون قد مارسنا مهمتنا الحقيقية فعلاً كدعاة؟ لا ننافس الناس على دنياهم وسلطانهم، تماماً كما كان يفعل الأنبياء، أليس هذا هو الأفضل؟ أم أن الأفضل أن ننسلخ من جلودنا كدعاة، ونتحول إلى مرشحين منافسين لأناس مسلمين، فيعتقد الناس فينا أننا طلاب سلطة ثم لا ننجح إلا في الحد المسموح به بعد تمزيق النسيج الاجتماعي؟!

ثم إن الحد المسموح به مما نظنه إحباطاً للقوانين والقرارات المجحفة يصل إليه كثيرون من أتباع القوى السياسية والتي تمثل في بعض الأحيان أقليات، وليس لها وجود في مجلس النواب كالباطنية والروافض ونحوهم. وكل قوة في المجتمع بمثابرتها ومصابرتها تصل إلى حقوقها، ومن خداع النفس القول بأن الحفاظ على الحقوق إنما يكون من خلال وضع البيض في سلة الانتخابات ، وكم قد فسد هذا البيض وتكسر، ولكننا لا نستفيد من التجارب.

ومما يؤكد عدم جدوى الانتخابات في الأنظمة الجبرية وكثرة سلبياتها أن علماءنا الجادين من أمثال الدكتور الديلمي والقاضي العمراني وإن اضطروا للسكوت عن شعار (الكنَبَات والانتخابات) أمام اندفاعنا الشديد، فإنهم بعد أن جربوا بأنفسهم عضوية مجلس النواب وعدم جدواها لا يقبلون أبداً لأنفسهم الترشيح لهذه العضوية مرة أخرى ، مع أن أمثالهم أولى الناس بعضوية هذا المجلس الذي معظم أعماله الاجتهاد والتقنين، أليس هذا العمل هو صميم اختصاص العلماء ؟! ولو كانوا يعتقدون الجدوى لاعتبروا دخول هذا المجلس من أوجب الواجبات ولكنهم لا يفعلون بل يتهربون ويمتنعون لما ذكرناه.

س5 : لو وجدت ديمقراطية حقيقة في العالم العربي لكان الإسلاميون أول المستفيدين منها. فلماذا يعارضها البعض مع أن جوهرها لا يتعارض مع التشريع الإسلامي؟

ج: لا يمكن أن توجد ديمقراطية حقيقية في العالم العربي للحديث الذي سبق ذكره، وهو أنه يتسلط على المسلمين الحكم الجبري، والواقع خير شاهد على ذلك، فحتى البلاد التي تحولت إلى رئاسية عاوَدَها الحنين إلى النظام الوراثي كما هو معلوم والشواهد عديدة، والديمقراطية لا توجد حتى في الغرب نفسه الذي صدرها إلينا فقد ارتد عنها في أكثر من مجال، فالغرب مثلاً يساعد الأنظمة الجبرية الديكتاتورية في بلاد المسلمين، وفي فرنسا منع البرلمان والحكومة الحجاب مع أنه أمر شخصي، والديمقراطية تزعم احترام الخصوصيات الشخصية، ومثل ذلك في تركيا، والغرب بأجمعه بدأ يعتمد قوانين الأدلة السرية، ويعتقل الناس بتهمة الإرهاب إلى أجل غير مسمى دون محاكمة كما في غوانتامو، كما يستدرجهم بواسطة التجسس لتلفيق أدلة ثم يحاكمهم في ضوئها كما حدث للمؤيد وزايد، وكل هذا مما يتناقض مع الديمقراطية، وحين جاءت الديمقراطية بإسلاميين غير مدّجنين في الجزائر فحازوا على الأغلبية تآمر الغرب فدعموا انقلاباً على الديمقراطية في الجزائر وأتوا بحكومات متتالية تحت إشراف العسكر، وفعلت بشعب الجزائر ما فعلت، فالديمقراطية رغم اعتقادنا بأنها لا تتفق مع ديننا غير موجودة حقيقة لا هنا ولا هناك. وأما تعارضها مع ديننا وشريعتنا فظاهر، بل إنها وافدة مستوردة على النصرانية ذاتها فهي من أصل وثني يوناني تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، ونحن في ديننا أن الحكم لله وليس للشعب ولا لغيره (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم).

وقد شاع في الغرب وفي ديار المسلمين التي تتبنى الديمقراطية أن الحكم للقاعة أي لقاعة البرلمان، بمعنى أنهم يشرعون بحسب الأغلبية، وهذا يتناقض مع الإسلام. وفي ظل هذه الديمقراطيات ثم تشريع قوانين الربا، وقوانين السياحة وقوانين الإعلام في بلاد المسلمين، وغيرها من القوانين التي تتناقض مع الشريعة، فكيف يقال بأنها لا تتعارض مع التشريع الإسلامي، وحتى وجود مادة دستورية تنص على أن الشريعة مصدر وحيد للتشريع لا ينفع لأن الدستور نفسه في ظل الديمقراطية قابل للتعديل بما في ذلك هذه المادة، وطريقة التعديل منصوص عليها في الدستور نفسه، فهل يجوز أن يكون الحكم بالشرع قابلاً للتصويت والتعديل؟ أو تبعاً للأغلبية؟!

س6 : بعض الدعاة الذين يحرمون الحزبية والانتخابات يشنعون على من يرى جوازها من إخوانهم الدعاة والصالحين مع أن المسألة تحتمل الخلاف. ما تعليقك؟

ج: الحزبية في حقيقتها تعني تقسيم مجتمع المسلمين إلى أحزاب، والانتخابات تعني التصارع والتنافس بين المسلمين من أجل الوصول إلى السلطة، وكلا الأمرين لا يجوز في الإسلام حسب علمي، فالحزبية تمزيق للجسد الإسلامي وإضعاف له، ونحن مأمورون بعدم التفرق والنصوص في ذلك كثيرة، وربنا واحد وقرآننا واحد ورسولنا واحد وقبلتنا واحدة والعبادات واحدة والحلال واحد والحرام واحد، فكل هذا يجعلنا كالجسد الواحد كما في الحديث الصحيح، والله ينهانا عن أن نتشبه بالمشركين الذين لهم آلهة متعددة وأنظمة متعددة وأهواء متعددة وتشريعات متعددة، ولذلك صاروا أحزاباً متعددة قال تعالى: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون) وقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء).

وبعض الناس يخلط بين جواز اختلاف الاجتهادات في الكيان الإسلامي، ومسألة الحزبية، ويجعل جواز اختلاف الاجتهاد مبرراً وتأصيلاً للحزبية وليس ذلك صحيحاً، فاختلاف الاجتهادات مسألة فكرية، ولا يجوز أن تتحول في الجسد الإسلامي إلى جيوب وأحزاب منظمة برئاسة وأمانة عامة ودوائر وأعضاء وبرامج، وقد حكم الإسلام المسلمين، وكثيراً من أجزاء العالم أربعة عشر قرناً، ولم توجد أحزاب في الجسد الإسلامي ذات تنظيم على النحو المذكور بحيث حصل لها قبول عند الدولة والعلماء والمجتمع، والحزبية بالمفهوم العصري إنما هي مستوردة وافدة من بنات الديمقراطية، وفدتْ إلينا مع وفودها، وبها تمزق المسلمون أكثر وأكثر، وبها تم حصر الدعاة في زاوية من المجتمع هو الحزب بعد أن كانوا طليعة للمجتمع كله، وكذلك الانتخابات هي من بنات الديمقراطية، وبها تتصارع قيادات المجتمع وأحزابه للوصول إلى السلطة وقد تسفك فيها الدماء، وكما ذكرنا في الإجابة عن سؤال سابق لا يجوز ذلك، ولا سيما من الدعاة فهم ينافسون الناس لكسب قلوبهم وإصلاحهم وليس لكسب كراسيهم ما داموا مسلمين، وفي الانتخابات الديمقراطية يتساوى صوت العالم الكبير كالقاضي العمراني مع الشخص الذي لا يحسن إلا كتابة اسمه، ويتساوى الرجل الصالح المسلم في صوته مع صوت اليهودي ما دام مواطناً، إلى غير ذلك مما يخالف أموراً قطعية في الإسلام، فكيف يقال بعد ذلك إن هذه مسائل تحتمل الخلاف.

س7 : تتعرض المؤسسات الإسلامية لمؤامرات خارجية تستهدف تجفيف منابع الإسلام، وللأسف يشارك بعض المحسوبين على الصحوة الإسلامية في حملات إعلامية تصب في هذا الإطار كالذي ألف كتاباً عن جامعة الإيمان يحتوي افتراءات وأكاذيب قد يترفع عنها أعداء الإسلام، فما قولك؟ وهذا الذي ينشر هذه الأكاذيب والافتراءات الباطلة، هل يجوز أن يروي الأحاديث؟ وهل تسقط عدالته بعمل كهذا؟ ما قول الشرع؟

ج: الافتراءات المذكورة إنما تحدث بسبب البعد بين العاملين للإسلام وعدم السعي لجمع الكلمة؟ وهذا نسيان لواجب فرضه الإسلام، وهو الأخوة، والنسيان لبعض أحكام الله يكون عقابه من الله إنزال العداوة والبغضاء، قال الله تعالى في النصارى: (.. أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به، فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة). وقد بيّن عليه الصلاة والسلام في الحديث أن فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين، أي تجعل المختلفين لا يلتزمون ضوابط الدين في الكلام على بعضهم بعضاً، وإنما يقعون في الفجور، وإذا كان الافتراق يوصل إلى حد الاقتتال كما حدث بين الصحابة وهم خير جيل فلا يستغرب أن يحصل ما هو دون الاقتتال وهو الحرب الكلامية.

والعلاج هو التواصي والمبادرة إلى إزالة الهجر والجفوة (وأفضلهما الذي يبدأ بالسلام). والرد بالتي هي أحسن (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).

وإذا كان الناس في اللقاءات المشتركة مع الأحزاب القومية يصبرون كثيراً في الحوارات، ويتبادلون الزيارات باستمرار، ويضعون البرامج للتفاهم ويتنازلون، وقد يحدث مثل ذلك في لقاءات مع غير مسلمين كالسفراء ونحوهم من الأجانب، أليس الأولى أن يمارسوا مثل ذلك وأكثر منه مع المسلمين، والله يقول: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين).

وكما ذكرنا في الإجابة عن سؤال سابق، لماذا لا نقدم التنازلات لإخواننا ولا سيما العقلاء منهم والأكثر ليناً بعد أن نصابر ونثابر في التفاهم ونشركهم في التدريس ونحوه؟

وقد ذكرنا أن الحسن رضي الله عنه تنازل عن دولة بأكملها من أجل جمع الشمل، وقد ذكر عليه الصلاة والسلام للذي له قرابة يصلهم ويقطعونه أنه كأنما يسفّهم الملّ وأنه لا يزال معه من الله ظهير. ومع صدق النية والعمل الحقيقي سوف نجتاز العقبات إن شاء الله.

س8: قرأت قبل سنوات في صحيفة (الشرق الأوسط) اعترافات لشباب من دولة عربية سقطوا في الموساد، وأصبحوا عملاء مهمتهم التقرب من قادة الجماعات الإسلامية بلباس طلبة العلم، ثم ينقلون المعلومات والأقوال الكاذبة لبعضهم بعضاً، بالإضافة إلى طباعة كتب وأشرطة قدح وجرح وتفسيق للدعاة والعلماء، ما نصيحتك للعلماء وطلبة العلم؟

ج: ليس مستبعداً أن يبذل الأعداء جهوداً في اختراق صفوف المسلمين، ولكن ليس معنى هذا أن نتشكك في بعضنا بعضاً، وإنما نتعامل بضوابط الشرع، وبحسب الظاهر، فلا نسقط التهمة على من اختلف معنا وندمغه بالعمالة لأنه اختلف معنا، ما دام ظاهره يغلب عليه الالتزام بالدين، ولا نتهم أحداً إلا بدليل كاف والمنافقون يفضحهم الله، وسوف يكفينا الله سبحانه المؤامرات التي خلف الكواليس، ما دمنا ملتزمين بضوابط شرعه، قال تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)، والأصل حسن الظن بالمسلمين قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم).

وإذا اتقينا الله في إخواننا فسوف يجعل الله لنا مخرجاً من المخترقين إن وجدوا، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)، وقال تعالى: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) وبالله التوفيق.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©