كلام الشيخ الغزالي في المرتد:

بتاريخ 21/2/1414هـ الموفق 9/8/1993م

السؤال:

 ما رأيكم في كلام الشيخ محمد الغزالي على المرتد؟

الجواب:

 الذي أراه أن كلام الشيخ الغزالي سليم إلا في قوله إنه يجوز للحاكم أن يسجن المرتد مؤبداً، ولو فر مرتدا إلى خارج البلاد فليذهب إلى الجحيم، فهذا الكلام مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه) رواه البخاري وغيره. وعند البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى إلى اليمن ثم أرسل بعده معاذ بن جبل فلما قدم معاذ ألقى له أبو موسى وسادة، وقال له؛ انزل. وإذا رجل عند أبي موسى مُوثَّقٌ (أي مقيد). قال: ما هذا ؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهوَّد. قال: لا أجلس حتى يُقتل. قضاء الله ورسوله.

 وأما الولاية في تنفيذ الحدود، ومنها حد الردة، فإن الأصل أنها تكون لولي الأمر ومن يكلفه بذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم في حد الردة مثلاً (من بدل دينه فاقتلوه) خطاب للأمة ولكن الذي يقوم بتنفيذ ذلك نيابة عنهم ولاة الأمر حتى لا تقع الفوضى. وذلك ما ذكره العلماء، وما جرى عليه العمل منذ عهد السلف الصالح. إلا أنه وجدت بعض الاستثناءات في بعض الظروف فقام بعض الآحاد من السلف بتنفيذ بعض الحدود، مما يدل على أنه يجوز ذلك إذا حدثت ظروف مماثلة. فإذا وجد مثلاً عالم مجتهد عنده المعرفة بأمور الشرع، والمعرفة بأمور الواقع بحيث يعرف الملابسات، ويمكنه معالجة ردود الفعل واستيعابها بسبب تمكنه بنفسه أو بمن حوله، بحيث لا يؤدي فعله إلى شر أكبر. فلا بأس من أن يقيم هو الحد، أو يفتي أو يكلف من يقيمه. وفي ذلك معونة لولي الأمر في القيام بواجبه. ومن أدلة ذلك ما ورد عند البخاري ومسلم عن علقمة، قال: كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت. فقال عبدالله (أي ابن مسعود): والله لَقَرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت. فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر، فقال: أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب؟ فضربه الحد.

   وقد أقام ابن مسعود هذا الحد في وقت لم يكن فيه تقصير من الإمام في إقامة الحدود ولكنه فعل ذلك معاونة للإمام في تطبيق شرع الله، وفي ضوء ما كان يتمتع به من علم ومكانة. والعلماء من أولي الأمر قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

   أما في الأحوال التي يوجد فيها التقصير من ولي الأمر في إقامة الحدود. فإن الإثم يلحق كل أحد عند قدرة على تصحيح الوضع وتلافي هذا التقصير؛ لأن كل من عنده قدرة على تغيير هذا المنكر باليد يلزمه أن يقوم بهذا التغيير إذا كان ذلك لن يؤدي إلى ما هو أنكر. ومعنى هذا أنه لا بد أن يكون عنده قدر من العلم والاجتهاد ودراسة الواقع. وإذا تعرض هو أو من يفتيه لشيء من الإيذاء، وكانت توجد القدرة على تحمل الإيذاء فليمض في ذلك. ومما يدل على هذا ما روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة وكان والياً على الكوفة كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله يحيى الموتى. ورآه رجل من صالحي المهاجرين هو جندب الأزدي فلما كان من الغد جاء مشتملاً على سيفه. وذهب الساحر يلعب لعبه فاخترط الرجل سيفه فضرب الساحر على عنقه، وقال: إن كان صادقاً فليُحيِّ نفسه. فغضب الوليد وسجنه وكان صاحب السجن صالحاً، فقال له: انطلق, لا يسألني الله عنك أبداً. (تراجع طرق هذه الرواية في  الإصابة لابن حجر في ترجمة جندب هذا).

   أما من تصرف بجهل وقصور، وعجلة واندفاع بدون روية. وبدون رجوع إلى العلماء المجتهدين العارفين بالواقع؛ فإن لولي الأمر المسلم أن يعاقبه على تعجله وافتئاته بما يحكم به عليه القضاء الشرعي، والله أعلم.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©