سؤال عن الشيخ القرضاوي:

 30/10/2008م

السؤال:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : الشيخ الفاضل محمد الصادق المراني حفظه الله ، سررت جدا بمنهجكم الوسطي وأدعو لكم بالتوفيق ، وأعجبتني محاضرتكم عن الدعاة العصرانيين ، ولكن عندي استفسار حوله وهو : لماذا لا تعد الشيخ القرضاوي من العصرانيين على الرغم من فتاواه الكثيرة المشابهة لأفكار العصرانيين وعلى الرغم من ثنائه هو على جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا الذي يفتخر بأنه من مدرسته ، وكثير من المفكرين يقر بأنه من مدرسة محمد عبده ، وأنت حفظك الله تعلم أن محمد عبده من رؤوس العصرانيين العقلانيين ، وقد قلتم وفقكم الله أن القرضاوي ليس منهم فكيف ذلك إن كلامكم هذا أوقعني في حيرة !! وفقكم الله وأسكنكم فسيح جناته ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؟

الجواب:

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:

  لا شك أن العصرانيين يستفيدون كثيرا من  فتاوى الشيخ القرضاوي المتساهلة ، وقد ذكرتُ هذا الكلام في أثناء المحاضرة ،  والشيخ القرضاوي يحسن الظن بكثير من العصرانيين ،مثل الأفغاني و محمد عبده ، وأما الشيخ محمد رشيد رضا فإن حاله تحسَّنت آخرالأمر.. ولكن الشيخ القرضاوي رغم ذلك يفترق عن العصرانيين  في غزارة علمه الشرعي واعتماده في فتاواه غالبا على أقوال الفقهاء وإن كانت شاذة أحيانا ،ويقول إن هدفه التيسير ، وفي القبول العام له بين المسلمين ، و كذلك في كراهيته الواضحة للغرب  في الجملة ، وكراهيتهم له ،  وفتاواه العديدة ضدهم ، واحترامه للشريعة وحمَلتها العلماء ،  وجهوده التي لا تُنكَر في الدعوة إلى الله  وفي الفقه ، ومؤلفاته النافعة فيهما ، وإن وُجِد الدّخَن في ذلك ، وسبق له السجن في مصر بسبب دعوته ، وكذلك تديُّنه الشخصي الذي يلمسه من يخالطه ، وانتقاده للعصرانيين علنًا في بعض الأحيان كما فعل مع الترابي عندما أعلن الترابي ضلالاته بالجملة أخيرا، وكما فعل أيضا مع السويدان والجفري وعمرو خالد عندما شذوا في ذهابهم إلى الدانمارك ، كما أن لديه قابلية للرجوع إلى الحق كما حصل في موقفه الأخير من الشيعة الذي لامه عليه العصرانيون ومنهم قيادات في الاتحاد الذي أنشأه الشيخ القرضاوي لعلماء المسلمين ... أما هؤلاء العصرانيون فاعتمادهم على الجهالات والأهواء غالبا ، ويغلب عليهم حب الشهرة والمخالفة، والإعجاب بالغرب وانتقاص العلماء ،وما يبدو كالتشكك في الشريعة ، والتعاطف بدون تراجع أو توقف مع الفِرق الضالة ... فلذلك ليس من الإنصاف إلحاق الشيخ القرضاوي بهم ، وليس من الحكمة تكثير سوادهم بمثله ، قال تعالى: (كونواقوامين بالقسط)النساء . وقال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا) الأنعام .    

    وأهل السنة كما هو معلوم يحسنون الظن بمثل الإمام ابن حزم لإيجابياته الكثيرة رغم ماعنده من سلبيات في العقيدة ، ورغم شدته على الأئمة ، ورغم ظاهريته المفرطة أحيانا ، ومبالغته في إنكار القياس ،وشذوذاته كمافي إباحته للغناء وتولية المرأة ، ويحسنون الظن بمثل الإمام الهروي _ كما فعل الإمام ابن القيم  _ رغم كلام الهروي المُوهِم للاتحاد في (منازل السائرين) ويتأولون له ، ويستفيدون من مثل كلام الغزالي في (الإحياء) وغيره رغم مافي الإحياء   ، ومنهم من اختصره إلخ ...  وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك ما عدا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وهنالك من قد يسيء كثيرا ولكنه يحسن كثيرا ، فلا يجوز غمطه فيما أحسن فيه .

  وموقف الشيخ القرضاوي الأخير من الشيعة موقف تاريخي نظرًا لثقل الرجل في أوساط المسلمين ، وكان ينبغي لأهل السنة الاستفادة منه ، والعمل على نشره على أوسع نطاق ، والوقوف مع الرجل في مواجهة الشيعة له الذين أساءوا له ، لأنهم أدركوا خطورة موقفه عليهم وتأثيره في أهل السنة ، وبقي الرجل يواجههم وهو يشعر بالخذلان , ولا قوة إلابالله ...ومع ذلك فالواجب بيان الأخطاء و الزلات والشذوذات وتداعياتها ونتائجها الواقعة من مثل هؤلاء العلماء ــ القرضاوي وغيره ، بطريقة علمية موضوعية هادئة و بكل وضوح و دون مجاملة ــ من كل أهل العلم عند كل فرصة مناسبة يتأَتـَّى فيها ذلك ، من أجل تنبيه ونصْح من كان حيًّا منهم لكي يعيد النظر ويتراجع ، وكذلك تنبيه ونصح تلاميذه و المتأثرين به من بعده ، وحتى يبقى عامة الناس ــ ما أمكن ــ على علم ووعيٍ بالزلات والشذوذات .. نُصحًا للأمة و منعًا من التوسع والمزيد من الانفلات ، فالدين النصيحة ..

 وهذا الكلام بعد استخارة واستشارة والله أعلم .
 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©