أولياء الله

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان 18 صفر 1433هـ الموافق 12 يناير 2012م

( الخطبة مختصرة تناولتْ ما هو ملون وتحته خط فقط ، و أوردنا ما سوى ذلك للفائدة )ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/awlia.mp3

    قال تعالى: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، لَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس:62، ٦٣، 64 .

      جاء في تفسير ابن كثير بتصرّف:

     من هم الأولياء؟ :

     يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم ، فكل من كان تقيا كان لله وليا (فلا خوف عليهم) أي فيما يستقبلونه من أهوال الاخرة ،(ولا هم يحزنون) على ما وراءهم في الدنيا . وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف أولياء الله الذين إذا رُؤُوا ذُكِر الله ، وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار حدثنا علي بن حرب الرازي حدثنا محمد بن سعيد بن سابق حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري وهو القُمِّي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رجل : يا رسول الله من أولياء الله ؟ قال : (الذين إذا رُؤُوا ذُكِر الله) ، ثم قال البزار وقد رُوي عن سعيد مرسلا اهـ . و أخرجه النسائي في الكبرى و الضياء في المختارة  .

     وقال ابن جرير حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا أبو فضيل حدثنا أبي عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير البجلي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء) قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم ؟ قال : (هم قوم تحابُّوا في الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور ، على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس) ثم قرأ (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، و رواه النسائي و ابن حبان و أبو يعلى و ذكر الألباني أنه صحيح ، والأرناؤوط وحسين أسد أن إسناده صحيح .. ثم رواه أيضا أبو داود من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، وهذا أيضا إسناد جيد إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب والله أعلم .

     وفي حديث الإمام أحمد عن أبي النضر عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة تحابُّوا في الله وتصافوا في الله ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيُجلسهم عليها ، يفزع الناس ولا يفزعون ، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والحديث مطوَّل .

     البشرى في الحياة الدنيا و الآخرة :

     وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان أبي صالح عن رجل عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) قال: (الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له) . وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب حدثنا معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء في قوله : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، قال سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية فقال : لقد سألت عن شيء ما سمعت أحدا سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له بشراه في الحياة الدنيا وبشراه في الآخرة الجنة) .

     ثم رواه ابن جرير عن سفيان عن ابن المنكدر عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الآية فذكر نحو ما تقدم . ثم قال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال : سمعت أبا الدرداء سئل عن هذه الآية (الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى) فذكر نحوه سواء .

     وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) فقال : (لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو قال أحد قبلك ..تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له) . وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن عمران القطان عن يحيى بن أبي كثير به ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير فذكره . ورواه علي بن المبارك عن يحيى عن أبي سلمة قال : نبئنا عن عبادة بن الصامت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فذكره .

     وقال ابن جرير حدثني أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي عن حميد بن عبد الله المزني قال : أتى رجل عبادة بن الصامت فقال : آية في كتاب الله أسألك عنها قول الله تعالى : (لهم البشرى في الحياة الدنيا) فقال عبادة ما سألني عنها أحد قبلك سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك: (ما سألني عنها أحد قبلك الرؤيا الصالحة يراها العبد المؤمن في المنام أو ترى له) . ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد بن صفوان عن عبادة بن الصامت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) فقد عرفنا بشرى الآخرة الجنة فما بشرى الدنيا ؟ قال : (الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وهي جزء من أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة) .

     وقال أحمد أيضا حدثنا حسن يعني الأشيب حدثنا بن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، قال : (الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة ، فمن رأى ذلك فليخبر بها ، ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه ، فلينفث عن يساره ثلاثا وليكبّر ولا يخبر بها أحدا) لم يخرجوه.    

      وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة).     

      وقال أيضا ابن جرير حدثني محمد بن أبي حاتم المؤدب حدثنا عمار بن محمد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : (في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وهي في الآخرة الجنة) ، ثم رواه عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال : الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي من المبشرات هكذا رواه من هذا الطريق موقوفا . وقال أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر حدثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم أو ترى له) .

     وقال ابن جرير حدثني أحمد بن حماد الدولابي حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) قال الألباني صحيح . و له أصل في البخاري .. وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير ويحيى بن أبي كثير وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة.

     البشرى عند الموت و بعده :

     وقيل : المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كقوله تعالى : (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون ، نزلا من غفور رحيم) .

     وفي حديث البراء رضي الله عنه أن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب فقالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان .. فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء . وأما بُشراهم في الآخرة فكما قال تعالى : (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) . وقال تعالى : (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) وقوله : (لا تبديل لكلمات الله) أي هذا الوعد لا يبدل بل هو مقرر لا محالة ..

      و مما جاء في تفسير الشوكاني بتصرّف :

     المعنى الإجمالي :

     الولي في اللغة : القريب والمراد بأولياء الله : خلص المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته .

     وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله : (الذين آمنوا وكانوا يتقون) أي يؤمنون بما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه ، والمراد بنفي الخوف عنهم أنهم لا يخافون أبدا كما يخاف غيرهم ، لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم وانتهوا عن المعاصي التي نهاهم عنها ، فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم ، وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب ، لأنهم يعلمون أن ذلك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر ، ويريحون قلوبهم عن الهم والكدر ، فصدورهم منشرحة وجوارحهم نشِطة وقلوبهم مسرورة ..

     (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) تفسير لمعنى كونهم أولياء الله : أي لهم البشرى من الله ما داموا في الحياة بما يوحيه إلى أنبيائه وينزله في كتبه من كون حال المؤمنين عنده هو إدخالهم الجنة و رضوانه عنهم كما وقع كثير من البشارات للمؤمنين في القرآن الكريم ، وكذلك ما يحصل لهم من الرؤيا الصالحة وما يتفضل الله به عليهم من إجابة دعائهم وما يشاهدونه من التبشير لهم عند حضور آجالهم بتنـزل الملائكة عليهم قائلين لهم : لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة ، وأما البشرى في الآخرة فتلقي الملائكة لهم مبشرين بالفوز بالنعيم والسلامة من العذاب  .. ومعنى : (لا تبديل لكلمات الله) لا تغيير لأقواله على العموم فيدخل فيها ما وعد به عباده الصالحين دخولا أوليًّا ، والإشارة بقوله : (ذلك) كونهم مبشرين بالبشارتين في الدارين (هو الفوز العظيم) ..

     من هم الأولياء؟ :

     وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : (ألا إن أولياء الله) قيل : من هم يا رب ؟ قال : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون . وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : هم الذين إذا رؤوا ذكر الله وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا قال : (هم الذين إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم) . وأخرج عنه ابن المبارك والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه مرفوعا مثله . وأخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير مرفوعا وهو مرسل . 

     وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم : (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله وشرار عباده المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغُون البُرَآءَ العنت) ذكره الألباني في (الصحيحة) و قال الأرناؤوط حسن بشواهده .

     و عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  (يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا ،  واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله .. فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله!! انعتْهم لنا جَلِّهم لنا .. يعني صفهم لنا ،شكلهم لنا .. فسُرّ وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الأعرابي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل ، لم تصِلْ بينهم أرحام متقاربة ، تحابُّوا في الله وتصافَوا ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسون عليها فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال الألباني صحيح لغيره رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم وقال صحيح الإسناد.

     وأخرج أبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ، قال ابن كثير : وإسناده جيد .. وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري مرفوعا نحوه .   وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا مثله وقد ورد في فضل المتحابين في الله أحاديث ليس فيها أنهم المرادون بالآية  .

     البشرى في الحياة الدنيا و الآخرة :

     وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال : سألت أبا الدرداء عن معنى قوله : (لهم البشرى في الحياة الدنيا) فقال : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزل علي : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له فهي بشراه في الحياة الدنيا وبشراه في الآخرة الجنة) وفي إسناده هذا الرجل المجهول لكنه يتقوّى الحديث بما بعده .

     قال الترمذي وفي الباب عن عبادة بن الصامت و قال هذا حديث حسن و قال الألباني صحيح . وأخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : (لهم البشرى في الحياة الدنيا) قال : (هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أوتُرى له) الحديث .

      وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال : هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له وفي الآخرة الجنة) .

     و قد وردت أحاديث صحيحة بأن الرؤيا الصالحة من المبشرات وأنها جزء من أجزاء النبوة ولكنها لم تُقيَّد لتفسير هذه الآية ، وقد روي أن المراد بالبشرى في الآية هي قوله : (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) الأحزاب ، أخرج ذلك ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر عنه من طريق مقسم أنها قوله : (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) حم السجدة .

     ما نقله القاسمي في تفسيره عن ابن تيمية في الأولياء و فيه تصرُّف :

    هذه الآية الكريمة أصل في بيان أولياء الله ، وقد بين تعالى في كتابه ، ورسوله في سنته ، أن لله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء ، وللإمام ابن تيمية عليه الرحمة كتاب في ذلك سماه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " نقتبس منه جملة يهم الوقوف عليها ، لكثرة ما يدور على الألسنة من ذكر الولي والأولياء . قال رحمه الله :

      إذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون ، كما في هذه الآية ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقول الله : من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب . . .) الحديث ، وهذا أصح حديث يروى في الأولياء ، دل على أن من عادى ولياً لله ، فقد بارز الله بالمحاربة .

     وفي حديث آخر : (وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب) أي : آخذ ثأرهم ممن عاداهم ، كما يأخذ الليث الحرب ثأره ، وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه ، فأحبوا ما يحب ، وأبغضوا ما يبغض ، ورضوا بما يرضى ، وسخطوا بما يسخط ، وأمروا بما يأمر ، ونهوا عما نهى ، وأعطوا لمن يحب أن يعطى ، ومنعوا من يحب أن يمنع .

     والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد .

     وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وإمام المتقين ، الذي بعثه الله بأفضل كتبه ، وشرع له أفضل شرائع دينه ، وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه ، فلا يكون ولياً لله إلا من آمن به ، وبما جاء به ، واتبعه ظاهراً وباطناً . ومن ادعى محبة الله وولايته ، وهو لم يتبعه ؛ فليس من أولياء الله ، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان .

     ادّعاء الولاية :

     وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو في غيرهم أنهم من أولياء الله ، ولا يكونون من أوليائه ، فاليهود والنصارى يدّعون أنهم أولياء الله وأحباؤه ، قال تعالى : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَق) المائدة الآية ، وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله ، لسكناهم مكة ، ومجاورتهم البيت ، فأنزل تعالى : (وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ)  الأنفال .

      وكما أن من الكفار من يدعي أنه ولي الله ، وليس ولياً لله ، بل عدو له ، فكذلك من المنافقين الذين يظهرون الإسلام ، يقرون في الظاهر بالشهادتين ، ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك ، مثل ألا يقروا باطناً برسالته عليه السلام ، وإنما كان ملكاً مطاعاً ، ساس الناس برأيه ، من جنس غيره من الملوك . أو يقولون : إنه رسول الله إلى الأميين خاصة . أو يقولون : إنه مرسل إلى عامة الخلق ، وأن لله أولياء خاصة لم يرسل إليهم ، ولا يحتاجون إليه ، بل لهم طريق إلى الله من غير جهته ، كما كان الخضر مع موسى ، أو أنهم يأخذون عن الله كل ما يحتاجون إليه ، وينتفعون به من غير واسطة ، أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها . وأما الحقائق الباطنة ، فلم يرسل بها ، أو لم يكن يعرفها ، أو هم أعرف بها منه ، أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته ، فهؤلاء كلهم كفار ، مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله . وإنما أولياء الله : الذي وصفهم تعالى بولايته بقوله : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس .

     ولا بد في الإيمان من أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، مرسل إلى جميع الثقلين الإنس والجن . فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن ، فضلاً عن أن يكون من أولياء الله المتقين ومن آمن ببعض ما جاء به ، وكفر ببعض ، فهو كافر ليس بمؤمن .

     ومن الإيمان به ، الإيمان بأنه الواسطة بين الله وبين خلقه ، في تبليغ أمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، وحلاله وحرامه . فالحلال : ما أحله الله ورسوله ، والحرام : ما حرمه الله ورسوله ، والدين : ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقاً إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر من أولياء الشيطان .

     وأما خلق الله تعالى للخلق ، ورزقه إياهم ، وإجابته لدعائهم ، وهدايته لقلوبهم ، ونصرهم على أعدائهم ، وغير ذلك من جلب المنافع ، ودفع المضار ، فهذا لله وحده ، يفعله بما يشاء من الأسباب ، لا يدخل في مثل هذا وساطة الرسل .

      ثم لو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فليس بمؤمن ، ولا ولي لله تعالى ، كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبَّادهم ، وكذلك المنتسبون إلى العلم والعبادة من مشركي العرب والترك والهند وغيرهم ، ممن كان من حكماء الهند والترك ، وله علم أو زهد وعبادة في دينه ، وليس مؤمناً بجميع ما جاء به ، فهو كافر ، عدو لله ، وإن ظن طائفة أنه ولي لله .

     كما كان حكماء الفرس من المجوس كفاراً مجوساً ، وكذلك حكماء اليونان مثل : أرسطو وأمثاله ، كانوا مشركين ، يعبدون الأصنام والكواكب . وفي أصناف المشركين من هذه الطوائف من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة ، ولكن ليس بمؤمن بالرسل ، ولا يصدقهم فيما أخبروا به ولا يطيعهم فيما أمروا ، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين ، ولا أولياء لله ، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم ، فيكاشفون الناس ببعض الأمور ، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر ، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين . قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء .    

     وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات ، وخوارق العادات ، إذا لم يكونوا متبعين للرسل ، فلا بد أن يكْذِبوا وتكْذِبهم شياطينهم ، لا بد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور ، مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة ، ولهذا تنزلت عليهم الشياطين ، واقترنت بهم ، فصاروا من أولياء الشيطان ، لا من أولياء الرحمن .

     ومن الناس من يكون فيه إيمان ، وفيه شعبة من نفاق ، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان) . وفي صحيح مسلم : (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) .

وإذا كان أولياء الله هم ( المؤمنون المتقون ) فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى ، فمن كان أكمل إيماناً وتقوى كان أكمل ولاية لله . فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل ، بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى ، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق .

      أولياء الله على طبقتين :

      سابقون ومقربون وأصحاب يمين مقتصدون ، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز . فالأبرار أصحاب اليمين ، هم المتقربون إلى الله بالفرائض ، يفعلون ما أوجب الله عليهم ، ويتركون ما حرم الله عليهم ، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات ، ولا الكف عن فضول المباحات . وأما السابقون المقربون ، فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ، ففعلوا الواجبات والمستحبات ، وتركوا المحرمات والمكروهات ، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حباً تاماً ، كما قال تعالى : (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) يعني الحب المطلق .

     ثم إذا كان العبد لا يكون ولياً لله إلا إذا كان مؤمناً تقياً ، لهذه الآية ؛ فمعلوم أن أحداً من الكفار والمنافقين لا يكون ولياً لله . وكذلك من لا يصح إيمانه وعباداته ، وإن قدر أنه لا إثم عليه ، مثل أطفال الكفار ، ومن لم تبلغه الدعوة ، وإن قيل : إنهم لا يعذبون حتى يُرسل إليهم رسولاً فلا يكونون من أولياء الله ، إلا إذا كانوا من المؤمنين المتقين . فمن يتقرب إلى الله لا بفعل الحسنات ولا بفعل السيئات ، لم يكن من أولياء الله .

     المجنون ليس وليّا لله :

     وكذلك المجانين والأطفال ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (رُفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن النائم حتى يستيقظ) . وهذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها ، واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول .

     ولكن الصبي المميز تصح عباداته ، ويثاب عليها عند جمهور العلماء ، وأما المجنون الذي رفع عنه القلم ، فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء ، ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات ، بل لا يصلح هو ، عند عامة العقلاء لأمور الدنيا ، كالتجارة والصناعة ، فلا يصح أن يكون بزازاً ولا عطاراً ولا حداداً ولا نجاراً ، ولا تصح عقوده باتفاق العلماء . فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته ، ولا غير ذلك من أقواله ، بل أقواله كلها لغو لا يتعلق بها حكم شرعي ، ولا ثواب ولا عقاب ، بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالاً معتبرة في مواضع ، بالنص والإجماع ، وفي مواضع فيها نزاع .

       وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل ، وامتنع أن يكون ولياً لله ، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله ، لا سيما أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه ، أو نوعاً من تصرف ، مثل أن يراه قد أشار إلى واحد فمات أو صرع ، فإنه قد علم أن الكفار والمنافقين من المشركين وأهل الكتاب لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية ، كالكهان والسحرة وعبَّاد المشركين وأهل الكتاب ، فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص ولياً لله ، إن لم يعلم ما يناقض ولاية الله ، فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله ؟ مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر ، دون الحقيقة الباطنة ، أو يعتقد أن لأولياء الله طريقاً إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو يقول : إن الأنبياء ضيقوا الطريق ، أو هم قدوة العامة دون الخاصة ، ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدعي الولاية ، فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان ، فضلاً عن ولاية الله عز وجل .

     فمن احتج بما يصدر عن أحدهم ، من خرق عادة على ولايتهم ، كان أضل من اليهود والنصارى ، وكذلك المجنون ، فإن كونه مجنوناً يناقض أن يصح منه الإيمان والعبادات ، التي هي شرط في ولاية الله . ومن كان يجن أحياناً ، ويفيق أحياناً ، إذا كان في حال إفاقته مؤمناً بالله ورسوله ، ويؤدي الفرائض ، ويجتنب المحارم ، فهذا إذا جن ، لم يكن جنونه مانعاً من أن يثيبه الله على إيمانه وتقواه الذي أتى به في حال إفاقته ، ويكون له من ولاية الله بحسب ذلك ، وكذلك من طرأ عليه الجنون بعد إيمانه وتقواه ، فإن الله يثيبه ويأجره على ما تقدم من إيمانه وتقواه ، ولا يحبطه بالجنون الذي ابتلي به من غير ذنب فعله ، ولا قلم مرفوع عنه في حال جنونه .

      فعلى هذا ، فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، بل قد يأتي بما يناقض ذلك ، لم يكن لأحد أن يقول : هذا ولي لله ، فإن هذا إن لم يكن مجنوناً ، بل كان متولهاً من غير جنون ، أو كان يغيب عقله بالجنون تارة ، ويفيق أخرى ، وهو لا يقوم بالفرائض بل يعتقد أنه لا يجب عليه إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر ؛ وإن كان مجنونا باطناً وظاهراً قد ارتفع عنه القلم ، فهذا وإن لم يكن معاقباً عقوبة الكافرين ، فليس هو مستحقاً لما يستحقه أهل الإيمان والتقوى من كرامة الله عز وجل ، فلا يجوز على التقديرين أن يعتقد فيه أحد أنه ولي لله ، لكن إن كان له حالة في إفاقته كان فيها مؤمناً بالله متقياً ، كان له من ولاية الله بحسب ذلك ، وإن كان له في حال فيه كفر أو نفاق ، أو كان كافراً أو منافقاً ثم طرأ عليه الجنون ، فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه ، وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق .

      أولياء الله لا يتميزون عن الناس :

      وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ضفره ، إذا كان كلاهما مباحاً ، كما قيل : كم من صدِّيقٍ في قَبَاء ، وكم من زنديقٍ في عَبَاء . بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور . فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، ويوجدون في أهل الجهاد والسيف ، ويوجدون في التجار والصناع والزراع . وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم ( القراء ) فيدخل فيهم العلماء والنساك . ثم حدث بعد ذلك اسم الصوفية والفقراء واسم ( الصوفية ) : نسبة إلى لباس الصوف . هذا هو الصحيح ، وقد قيل : إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء ، وقيل إلى ( صوفة بن أد ) قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك ، وقيل إلى أهل الصفا ، وقيل إلى الصفوة ، وقيل إلى الصفة ، وقيل إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى . وهذه أقوال ضعيفة ، فإنه لو كان كذلك لقيل : صفي ، أو صفائي ، أو صُفي ، ولم يقل صوفي ، وصار أيضاً اسم الفقراء يعني به أهل السلوك ، وهذا عرف حادث ، وقد تنازع الناس ، أيما أفضل : مسمى الصوفي أو مسمى الفقير ؟ ويتنازعون أيضاً أيهما أفضل ؟ الغني الشاكر ، أو الفقير الصابر؟    

     والصواب في هذا كله ما قاله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات . وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي : الناس أفضل ؟ قال : (أتقاهم) ، فدل الكتاب والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم . وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أبيض ، ولا لأبيض على أسود ، إلا بالتقوى) . وعنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن الله تعالى أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء . الناس رجلان : مؤمن تقي وفاجر شقي) .

      الولي ليس معصومًا :

      وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين ، حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به مما نهى الله عنه ، ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى ، وتكون من الشيطان لبَّسها عليه ، لنقص درجته ، ولا يعرف أنها من الشيطان ، وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى . فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، ولم يؤثِّم النبي صلى الله عليه وسلم المجتهد المخطئ بل جعل له أجراً على اجتهاده ، وجعل خطأه مغفوراً له ، ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط ، لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولي الله ، إلا أن يكون نبياً ، بل ولا يجوز لولي الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه ، إلا أن يكون موافقاً ، وعلى ما يقع له مما يراه إلهاماً ومحادثة وخطاباً من الحق ، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله ، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقف فيه .

       والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف : طرفان ووسط :    

       فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولي الله وافقه في كل ما يظن أنه حدثه به قلبه عن ربه ، وسلم إليه جميع ما يفعله . ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع ، أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهداً مخطئاً ، وخيار الأمور أوساطها ، وهو ألا يجعل معصوماً ولا مأثوماً ، إذا كان مجتهداً مخطئاً ، فلا يتبع في كل ما يقوله ، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده .    

     والواجب على الناس إتباع ما بعث الله به رسوله . وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء ، ووافق قول آخرين ، لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف ، ويقول : هذا خالف الشرع .

     وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قد كان في الأمم قبلكم محدِّثون ، فإن كان في أمتي أحد فعمر منهم) . وكان عمر يقول : اقتربوا من أفواه المطيعين ، واسمعوا منهم ما يقولون ، فإنه يتجلى لهم أمور صادقة . والمحدَّث الذي يأخذ عن قلبه أشياء ليس بمعصوم ، فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يشاور الصحابة ويناظرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور ، وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم ، ويحتجون عليه بالكتاب والسنة ، ويقررهم على منازعته ، ولا يقول لهم : أنا محدَّث ملهم مخاطب ، فينبغي لكم أن تقبلوا مني ولا تعارضوني . فأيُّ مَن ادعى له أصحابه أنه ولي الله ، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه ويسلموا له حاله من غيره اعتبار بالكتاب والسنة ، فهو وهُم مخطئون . ومثل هذا من أضل الناس . فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل منه ، وهو أمير المؤمنين ، وكان المسلمون ينازعونه ويعرضون ما يقول هو وهم على الكتاب والسنة . وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم . ولذا قال الجنيد : علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة . وقال أبو عثمان النيسابوري : من أمَّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة ، لقوله تعالى : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) النور . وقال أبو عَمْرو بن نجيد : كل وجْد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل .

     المُتَلَوِّث ليس وليّا لله :

     فأولياء الله تعتبر بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن ، وبحقائق الإيمان الباطنة ، وشرائع الإسلام . فإذا كان الشخص مباشراً للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان ، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين ، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق ، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان ، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ، ويتوجه إليها ، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين ، أو يلابس الكلاب أو النيران ، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة ، أو يأوي إلى المقابر ، لا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين ، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار ، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن ؛ فهذه علامات أولياء الشيطان ، لا علامات أولياء الرحمن .. انتهى كلام ابن تيمية ملخصاً بتصرف  .

     المؤمنون الذاكرون العاملون المتقون الذين أكبر همّهم الدين هم الأولياء الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله :

     قال تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام . و العلاقة بالله لا تقبل الشراكة ، و المؤمن كلُّه لله في الدرجة الأولى . و قال تعالى : ( و بشر المخبتين ، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الحج . و قال تعالى : ( و الذاكرين الله كثيراً و الذاكرات ) الأحزاب . و عند مسلم عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر الله على كل أحيانه . فهذا السلوك يجعل المسلم سلوكًا و حالاً و مقالاً و عملاً وسَمْتًا بحيث إذا رآه أحدٌ ذكَر الله .

     قرب مرحلة عودة الخلافة إن شاء الله :

     سوف يقيم الخلافة على منهاج النبوة الأولياء الذين يؤيدهم الله بنصره و الذين إذا رؤوا ذُكِر الله ، و سوف يُؤذِن الله من عاداهم بالحرب (من عادى لي وليا فقد آذَنْتُه بالحرب) رواه البخاري . و لعلنا الآن في المرحلة الانتقالية في الانتقال من الملك الجبري إلى الخلافة التي سوف يوجد من يعمل على تقريب الناس إليها ممن عسى أن يكون بعضهم ممن إذا رؤوا ذُكِر الله .

     و من النماذج في ظرفنا الراهن ممن نظن أنهم يمهّدون لعودة الخلافة  و الذين يذكرون الله في السياسة و الأمور العامة و لا نزكيهم على الله فقد توجد عندهم سلبيات : مصطفى عبد الجليل الرئيس الليبي الذي خرّ ساجداً في حفل النصر و مدَح التكبير و السجود ، و أعلن تعطيل كل ما يخالف الإسلام من القوانين ، و أُعجب به ساركوزي رغم عداوته لإسلام في محافظته على الصلاة ، وله مع صلاة الفجر جماعةً قصةٌ في تركيا ، و استغرب منه صحفي صيني في نسبته الأمور كلها إلى الله . و كذلك رئيس وزراء غزة إسماعيل هنية الذي سجد شْكْرًا لله عندما استقبلوه في زيارته لتونس ، و هو في غزة يخطب الجمعة كثيراً و يصلي مع الناس التراويح في رمضان  . و الرئيس السوداني معروف بتواضعه ويقال عنه إنه يصلي مع العامة في المساجد و يصوم الاثنين و الخميس .

      و عندنا في اليمن أعلن رئيس الوزراء التزامه بالشريعة ، و أنه مستعد للتضحية بنفسه من أجل إزالة الفساد . و قد لفت النظر خبر سعي الحكومة لاتخاذ يوم السبت يوم راحة ، و تكلم الناس فوعد العقلاء من المسؤولين بأن ذلك لن يكون ، وفعلاً لن يكون ذلك إن شاء الله في يمن الإيمان ، لأن راحة السبت شعار اليهود ، و ذلك متعلّقٌ بدينهم قال تعالى : (إذْ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرّعًا و يوم لا يَسْبِتون لا تأتيهم) الأعراف . و قال تعالى : (إنما جُعِل السبت على الذين اختلفوا فيه) النحل .و لا يجوز لنا التشبُه بهم ، و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرص على مخالفتهم في كل ما له علاقة بدينهم ، و إنما روّج للسبت مَن روّج في بلاد المسلمين عندما انتشرتْ حُمَّى التطبيع مع اليهود ، و القول بأن موافقتنا للغرب في الدوام والعُطَل معناه التوافق النافع للأعمال و الاقتصاد مع العالم ، فهذا تبرير غير صحيح ، لأن فارق التوقيت بيننا و بين كثير من دول العالم كالأمريكتين و شرق آسيا و منها الصين و الصين الوطنية واليابان و الكوريتين و قارة أستراليا و كثير من دول العالم يجعلنا لا نستفيد من التوافق لأن نهارنا لا يتوافق مع نهارهم ، ولا علاج لذلك إلا المناوبة ، فلا معنى إذن لتوافُق أيام الدوام و العُطَل .

     و هاهم إخواننا في بلاد الحرمين لم ينساقوا و استمروا على الخميس و الجمعة ، و هما مناسبتان للعبادة و من ذلك استحباب الصوم و السفر يوم الخميس ، و لم يحصل لأعمالهم و اقتصادهم أي خلَل بل هم في أوْج النجاح في ذلك ..

     ثم إن القضية عندنا دينٌ و ولاءٌ و براء ، و هي أعلى و أغلى من كل شيء ، والحرّة تجوع و لا تأكل بثدييها ، إضافةً إلى أن الرسول صلى الله عليه و سلّم قد حكَم في الموضوع فلا كلام لأحد بعده .. فعند مسلم عن أبي هريرة و حذيفة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :     ( أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد) .  وفي الحديث المتفق عليه : عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أُوتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله (يعني الجمعة) ، فغدًا لليهود وبعد غدٍ للنصارى ) .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©