البيعة لا الانتخابات (معركة المصطلحات)

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 2 ربيع الآخر 1433هـ الموافق 24 فبراير 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/biah.mp3

    المُلْك الجبري واستفادة المغضوب عليهم والضالين منه بالغطاء الديمقراطي:

     منَّ الله على المسلمين في السنة الماضية بزوال المُلْك الجبْري من عَدَدٍ من الأقطار ، و منها اليمن و دخول مرحلة جديدة مُبَشِّرة بالخير إن شاء الله .. و كان الملك الجبري قبضةً حديدية على المسلمين في هذه الأقطار ، و بردًا و سلامًا على الغربيين و مطيّةً لهم لكي ينفّذ الغربيون ما شاءوا في بلاد المسلمين من اعتقالات عشوائية لسنوات ،  و تبادلات للمعتقلين كالمنقولات  و إرهاب و اتهامات و إصدارِ أحكامٍ بالقتل بدون محاكمات ، و حظْرٍ على الدعوة و الدعاة  ..

     و يتمُّ تنفيذ ذلك تحت الغطاء الديمقراطي بِالفِرق المُسَمَّاة بِفِرَق مكافحة الإرهاب ، أو بالقصف بالطائرات بدون طيّار ، أو بالأجهزة الأمنية ، أو بالاختطاف ..  و كم قد اعتقلوا و قتلوا من البشر بدون وازع  و لم يَسلَم منهم الصحفيون كاعتقالهم عبد الإله حيدر شائع ، و لا المسؤولون كقتْلهم الشبواني رئيس المجلس المحلي نائب المحافظ في مأرب ، و لم تَسْلَم منهم النساء و لا الأطفال كما حدَث في قصْفهم قرية المَعْجَلة في أبْيَن بدمٍ بارد ، و قتْلهم العشرات ..

     يكون المطلوب لهم فردٌ أو أفراد ، فيقتلونه بمجرّد الاتهام بدون تحقيق أو محاكمة، مع قتْل كثيرين ممن لا علاقة لهم بموضوع الاتهام و لا يبالُون .. تمامًا كالاصطياد العبَثي من أجل الاحتفاظ بنوع و احد من السمك ، و في سبيل ذلك تصطاد السفينة بواسطة التفجير الممنوع أصلاً كل أنواع السمك بالكميات ثم ترميها في البحر !!..   و إذا كان هذا عبثًا ممنوعًا في عالَم الصيد فكيف في عالَم البشر ؟! ثم لا يعتذرون مجرّد اعتذار .  

     و أما الاختطاف فلم يَسْلم منه المرضى و المَكْدُودون و المُسِنُّون كما حدث مع المؤيّد الذي لم يرحموا سِنّه و لا ضعفه ، و لا راعَوْا مَرَضه ، ثم حكموا عليه بعشرات السنين و لم يخرج  من قبضتهم إلا بأعجوبة ..

     لا إنسانيةٌ و لا حقوقٌ و لا قِيَمٌ و لا أخلاق .. بل استكبارٌ و استهتار و إرهاب و إرعاب بحيث يسكت الناس كالأغنام في ساحة الإعدام  و لا يدرون على مَن يكون الدَّور .

أخلاقُهم في ذُرَى الأفغانِ مُنْتِنَةٌ        ودِيْنُهُم في ثَرَى بَغدادَ مُنْحَطِمُ

     الحمد لله على زوال الظالمين أو ضعفهم و ضعف أتباعهم :

     والحمد لله على زوال الملوك الجبريين الظالمين، أو ضعفهم و ضعف أتباعهم قال تعالى : (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ،فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام .

     و إذا كنا فرِحين بزوال بعض الملوك  الجبريين، فإننا حريصون على نُصح أمتنا بالحفاظ على هذا المكسب ، و على نُصح الظالمين و من دار في فلكهم بالتوبة فبابها لا يغلق إلا بالموت ، و إلا بطلوع الشمس من مغربها ..

ستَعْلَمُ أُمَّتُنا أنّنَا        نَصَحْنا صرَخْنا ..حنانًا بها

      و لا تكتمل الفرحة إلا بزوال منهج الملوك الجبريين و فِكْرِهم المستورد من المغضوب عليهم و الضالين ، وزوال تغطيتهم الديمقراطية ، فقد حكمونا بذلك المنهج و روّجوا له ، و كان أسيادهم من المغضوب عليهم و الضالين حاضرين صانعين مُشَجّعين مُبْتَهِجِين في كل مناسبات أحزاننا التي أوردنا أمثلةً لها ، فهل يجوز أن نحتفظ بهذا المنهج و بمُصَدّري المنهج بحيث يَشْهدون أفراحنا على سبيل الدجْل و الخداع ، كما شهِدوا أحزاننا من قبل على سبيل الفِعْل و الولوغ و الاصطناع ؟!

     أوليس التغيير و الزلازل تتناول الأنظمة كما تتناول مناهجها؟! و لو كانت مناهجها صالحة لكان فيها العلاج ولَمَا اضطر الناس للصبر على البلاء و الزلازل و المخاض و التضحيات؟

     لا تتخذوا بطانة من دونكم :

     إن مُصَدِّري المناهج إلينا من أهل الكتاب هم كالذباب .. فكما يكونون موجودين في صُنْع الأوبئة و الأمراض و الجراح و توسيعها !! فإنهم بالمقابل يحرصون كذلك على حضور الحفلات و المأدبُات لِتخريبها و تَقْذِيرها !! على طريقة : و داوِني بالتي كانت هي الداءُ , و إلا لماذا كانتْ الزلازل و التغييرات إذا كنا عائدين من جديد إلى الأسطوانة المستوردة القديمة نفسها من الديمقراطية و الانتخابات التي تمت ممارستها منذ عشرات السنين دون جدوى . قال تعالى :      (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ، هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آل عمران.

     وقد ذكر ابن كثير أن المقصود المنافقون ، و أهل الأديان الأخرى و مما أورده : قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو أيوب محمد بن الوَزَّان حدثنا عيسى بن يونس عن أبي حَيّان التيمي عن أبي الزِّنْباع عن ابن أبي الدِّهْقانة قال: قيل لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إن هاهنا غُلامًا من أهل الحِيرة، حافظٌ كاتب، فلو اتخذته كاتبا؟ فقال: قد اتخذت إذًا بطانة من دون المؤمنين . و رواه أيضًا ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد .

     وقال ابن كثير : ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذِّمَّة لا يجوز استعمالهم في الكتابة، التي فيها استطالة على المسلمين واطِّلاع على دَوَاخل أمُورهم التي يُخْشَى أن يُفْشوها إلى الأعداء من أهل الحرب؛ ولهذا قال تعالى: (لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) .

    ورجّح الطبري أن المقصود أن البطانة من أهل الكتاب و كذلك سيد قطب ، و أما السعدي فقال إن المقصود منافقو أهل الكتاب . و يبدو أن الآيات الكريمة تشمل الجميع ..

     إن الانتخابات كما ذكَرنا هي من هذه الشعارات المنهجية المستوردة التي أوحى بها و يحضُرها اعداؤنا في صورة زُوّار أو لجان أو منظمات أو ممثلين مُقِيمين أو مراقبين ..!!

     وكنا في غِنًى عن ذلك ، ففي شرْعنا ما يستوعب كل المستجّدات .. لقد كان في مصطلح البيعة العامة ما يكفي .

     فالسلطة في الحقيقة انتقلتْ في بلدنا في السابع و العشرين من ذي الحجة 1432هـ 23نوفمبر2011م عندما وقّع الرئيس السابق على التنازل عن صلاحياته و عندما اتفق أهل الحل والعقد على نائب الرئيس رئيساً توافُقِيا ، فقد صار بذلك نائب الرئيس  هو وليّ الأمر منذ ذلك التاريخ ، و انتقال السلطة في الشريعة مبنيٌّ على المبادرة و النّفاذ و الإسراع ، و ليس الانتظار و التأخير و التطويل .. و ذلك خشية الاختلال كما ذكر ذلك الفقهاء و منهم الجويني في الغياثي و غيره . و لكن لغرض بقاء المجال للتآمر مفتوحاً اشترط مَن اشترط إجراء الانتخابات لنائب الرئيس في 21فبراير  ليكون رئيسا بعد ثلاثة أشهر من الاتفاق على استلام النائب الصلاحيات ، و لا مبرِّر لذلك إلا إبقاء الرئاسة في حيّز التعليق في نية المشترِط من أجل إتاحة الفرصة للتآمر. 

      المؤامرة المختفية في منهجية الانتخابات :

      والحقيقة أن ما جرى في 30ربيع الآخر 1433هـ 21فبراير2012م إنما هو إظهارٌ للرضا العام بطريقة البيعة العامة التي لا تؤسِّس الولاية ، و إنما هي رضًا و إشهارٌ كما في وليمة الزواج ، و هنالك من كانوا حريصين على التأجيل إلى هذا التاريخ و على مصطلح و آليّة الانتخابات حتى تبقى قضية الولاية مفتوحة من أجل سهولة التآمر كما ذكرنا أثناء التأجيل بالعرقلة إن استطاعوا ، أو منْع ما أمكن من المحافظات من التصويت ، و اعتبار ذلك استفتاء على الوحدة ، و كذلك وضْع اعتبارٍ لرقم المُصَوِّتين ... إلخ ، من أجل الاصطياد في الماء العَكِر .

     مع أن كل ذلك لا اعتبار له شرعاً ، فأيّ عدد من المُبايِعين كافٍ في الرضا لأن أهل الحل والعقد يُمثِّلون الأمة كما هو ظاهرٌ ، و أما عامّة الناس فإنهم كإبلٍ مائة لا تكاد تجد فيها راحلة كما في حديث مسلم .

    و أهل الحل والعقد وحدهم  هم المرجعية كما قال تعالى : (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ،وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء .

     و العوامّ لا حجية لهم ، هكذا فحْوى السياسة الشرعية  في الإسلام كما أوضحها الفقهاء كالجويني و الماوردي و الفراء وغيرهم .. و هذا أيضا ما عليه واقع الناس ، و لذلك لا أثر للعوامّ المنسوبين للمؤسسات في اختيار إدارات تلك المؤسسات!! .. كما في المستشفيات و المعسكرات و الجامعات و الجمعيات و غيرها ، و لا كذلك في تقسيم هذه المؤسسات و هيكلتها ..فكيف يكون للعوامّ دورٌ في اختيار إدارة الدولة و هي مؤسسة المؤسسات ؟! أو في تقسيم أقاليمها أو هيكلتها ؟!

     إن أهل الحل و العقد قد أحسنوا عندما اعتمدوا أن يحكمنا إخوانٌ لنا من الجنوب ، لكي يقطعوا وساوس الشيطان عن الوحدة ، فالوحدة التي هي عندنا أخُوّة الإسلام و فريضته  و التي هي عندنا كالصلاة .. أعظم من أن تكون محلّ إشكال ، و لا يجوز أن تكون محل استفتاء العوامّ و انتخابهم قال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) يونس . و قال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) ص..

      و كم من الأموال أُنْفِقَتْ في الانتخابات؟ ملياراتٌ.. و مع هذا كله .. هل تمّ بعد الذي حصل إقناع المتعنّتين غير المعترفين بشرعية الولاية ولا بشرعية الوحدة ؟! قال تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ،لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ) الحجر .

     الفرْق بين الإسلام و بين الديمقراطية في موضوع المرجعية في الاختيار :

     إن العوامّ في النظام الديمقراطي هم المرجعية في الاختيار لأنهم الشعب ، وعندنا في الإسلام المرجعية هم أهل الحل و العقد و في مقدمتهم العلماء ، فالمسلمون جسدٌ رأسُه أهل الحل و العقد ،  و العوامّ اتْباع ، و في الديمقراطية على العكس : الأتباع هم الرأس فهم معكوسون منتكسون ، وعندنا في المثَل القَبَلي إذا غضِب الله على قومٍ عقَّلوا صغارهم .

      و لم أخطب بهذا الكلام قبل 21فبراير حتى لا يقال هذا مُخَذِّل للناس (فيما يظنه الناس أساسًا و عُمْدة) ، و قد ذهبتُ كالناس و لكن بنية البيعة الشرعية العامة و ليس الانتخابات ، و أنا أعتبر ذلك استعراضًا للقوة بحشْد الأتباع عند الحاجة و لا غبار على ذلك ، و لكن لا نسميه انتخابات حِرماناً لأعدائنا من ترويج مصطلحاتهم المنهجية ، فنحن أغنياء بمنهجنا نصدّر و لا نستورد ، و لن يهدينا الضالون ، ونحن متعبَّدّون بمخالفتهم في المنهج ، و لئن جاز لنا الاستيراد في السِّلع فلا يجوز لنا في المبادئ ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة .

     مواقفهم مما يجري في سورية و أفغانستان :

     وانظروا إلى مواقف اليهود والنصارى على ما يجري من مجازر في سورية و تبادلهم للأدوار ، فروسيا و الصين دورهما في الفيتو و الاعتراض على أيّ موقف دولي لإيقاف المجازر و دورهما كذلك في توريد السلاح للجزارين ، و كذلك رئيس وزراء اليهود أعلن أن بلده صوّت مع  النظام السوري في الأمم المتحدة ، لأن النظام السوري أفضل لليهود (مع أن هذا النظام يُعلن كذِبًا أنه من الدول المقاوِمة لليهود!!) .

    وبقية الدول التي تسمى نفسها كبرى مع ما تَبَقَّى من أتباعهم من الملوك الجبريين دورهم التقاعس و الطقطقة الكلامية والمواقف الشحيحة الإعلامية الموهومة المقدَّمة بالقطّارة ، التي لا تأتي بنتيجة ، و إنما تتيح الوقت و الفرصة لمزيد من المجازر لأن هذا النظام أفضل لليهود .

    ومثل ذلك مواقفهم من الإساءة إلى مصاحف القرآن في أفغانستان ، مع المراوغة و قتْل ما أمكن من المتظاهرين الغاضبين ممّا يحصل .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©