استجيبُوا لِله ولِلرَّسول

خطبة جمعة في مسجد قونشلي بإسطنبول في 14 من جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 2 مارس  2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/dakm.mp3

 

      التركيز على طاعة الله بالقرآن وطاعة الرسول بالسُّنَّة، وعلى أن المنهج واحد :

       قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسولِ إذا دعاكُم لِمَا يُحْيِيكُم، واعلمُوا أن اللهَ يَحولُ بينَ المرْءِ وقلْبِهِ وأنه إليهِ تُحْشَرونَ) الأنفال.. تكرار لَام الجرِّ في لَفْظيِ (الله والرسول) للتأكيد على الالتزام بكلام الله وكلام رسوله، وأن كلًّا منهما أصل في التشريع، فالسُّنَّة مثل الكتاب، قال تعالى: (قل إن كنتم تُحبُّون اللهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكم الله)، والآيات كثيرة في الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله،  وإنكار أن السنة أصلٌ أصيل كُفْرٌ بالإسلام، لأنه كفرٌ بآيات القرآن الكثيرة التي تُحيل عليها، قال تعالى: (وما يَنْطِق عن الهوَى إن هُو إلَّا وحْيٌ يُوحَى)، وقال تعالى في تأكيد طاعة الله وطاعة الرسول، والتركيز على طاعة الرسول في سُنَّته: (قل أطيعوا اللهَ وأَطيعوا الرسولَ، فإن تولَّوا فإنما عليه ما حُمِّلَ وعليكم ما حُمِّلْتُم، وإن تُطيعُوهُ تَهْتَدُوا) النور، وقال: (مَن يُطِعِ الرسولَ فقدْ أطاعَ الله) النساء، وقد بيَّنتْ سُنَّتُه عليه الصلاة والسلام كثيرًا من أحكام الشريعة ، كتفاصيل أركان الإسلام وغيرها، وقال تعالى في معرِض الكلام على تعظيم الرسول ص وتعظيم أوامره: (فَلْيَحذَرِ الذين يُخالِفون عن أَمْرِهِ أن تُصيبَهم فِتْنَةٌ أو يصيبَهم عذابٌ أليم) النور، وكلٌّ من الفتنة والعذاب الأليم عظيم، والثاني نتيجةٌ لِلأوَّل.

      وفي لفظِ (دعَاكم) عودة ضمير الفاعل على الواحد، وهو الله تعالى، ولم يَقُل: (دَعَوَاكُم) لأن منهج الله ورسوله واحد، فأصَّل في الآية للأصلَين الكتاب والسُّنَّة، وأصَّل لِلمنهج الإلهي بأنه واحد وهذا المنهج يُحييهم الحياة الطيِّبة في الدنيا والآخرة، فال تعالى: (مَن عمِلَ صالحًا مِن ذَكَرٍ أو أنثى وهو مؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حياةً طيِّبَة، ولنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل.

       وجوب إجابة الرسول عليه الصلاة والسلام على كل حال :

       قال ابن كثير في تفسيره: قَالَ الْبُخَارِيُّ: (اسْتَجِيبُوا) أَجِيبُوا، (لِمَا يُحْيِيكُمْ) لِمَا يُصْلِحُكُمْ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ثُمَّ قَالَ: "لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ"، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ، فَذَكَرْتُ لَهُ - وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْب بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ، سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا -وَقَالَ: " (هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) السَّبْعُ الْمَثَانِي" . قال القَسطلَّاني في شرحه للبخاري: واستُدِلَّ به على أن إجابته عليه الصلاة والسلام واجبة (ولو في الصلاة) ويعصي المرء بتركها، وهل تبطل الصلاة؟ صرَّح جماعة من أصحابنا الشافعية وغيرهم بعدم البطلان، وأنه حكْمٌ مختص به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

      أهمية الثبات والتثبيت على الكتاب والسنة :

     وقوله: (واعلموا أن اللهَ يَحُولُ بينَ المرْءِ وقَلْبِه، وأنهُ إليهِ تُحْشَرون) الأنفال، تأكيدٌ على أن الإنسان رغم أنه مُخَيَّرٌ فهو بحاجة إلى عون الله في تثبيت قلبه، وإن اختار الإسلام. وذكَر الشوكاني في تفسيره وغيره أن ابن جرير اختار أن هذا من باب الإخبار من الله عز وجل بأنه أمْلَكُ لِقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئته عز وجل. وقال السَّعدي في تفسيره: فإياكم أن ترُدُّوا أمر الله أوَّل ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلِّب القلوب حيث شاء ويصرِّفها أنَّى شاء.

      وقد كان عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم يقول: (اللهم مُصَرِّفَ القلوب صرِّفْ قلوبنا على طاعتك)، وذكر ابن كثير في تفسيره ما رواه أَحْمَدُ في مسنده: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولُ: " يَا مُقَلِّب الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ:نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَلِّبُهَا"، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي القدَر في جَامِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ.   

      ولعل ذلك من أسرار التكرار في كلِّ ركعة: (اهدنا الصراط المستقيم) الفاتحة، للتثبيت وتأكيد أن المآل إليه سبحانه، الذي قهَر العباد بالموت وبالبعث وبالحشْر للحساب، ثم ساقهم إلى الجنة والنار.

      وفي الختام قال تعالى: (وقيل للذين اتَّقَوا ماذا أَنْزَل ربُّكم قالوا خيرًا ... الآيات) النحل.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©