الفتوحات

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 4 ذي القعدة 1430هـ الموافق 23 أكتوبر 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

    * يأتي الفتح بمعنى العلم و المعرفة والتذكُّر ، قال تعالى عن ضعف عقول اليهود  رغم ما عندهم من العلم : (وإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ ـ من العلم بصفة محمد صلى الله عليه و سلم ـ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) البقرة . و روى أبو داود وابن حبان والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة فقرأ فيها فلُبس عليه فلما انصرف قال لأُبَيٍّ : ( أصليت معنا ؟) قال : نـعم قال : ( فما منعك أن تفتَح عليّ؟ ) وذكر الألباني أنه صحيح و الأرناؤوط أن سنده قوي .

     * ويأتي بمعنى النصر ، قال تعالى :(وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ ـ يستنصرون بمبعث النبي صلى الله عليه و سلم ـ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ )البقرة . و قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ ـ نصرٌ على الكافرين و غنيمة ـ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) النساء .و قال سبحانه: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ـ النصر ـ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) المائدة .

     * ويأتي الفتح بمعنى النصر المركَّب العظيم وثماره المتتابعة  ( فيكون فتح الفتوح كمثل فتح مكة ، ومثل فتح حطين ، ومثل فتح عين جالوت ) ..

               فتْحُ الفتُوحِ تَسَامَى أنْ يُحِيطَ بِهِ *** نَظْمٌ من الشِّعْرِ أو نَثْرٌ من الخُطَبِ

     قال تعالى : (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ  ـ فتح مكة و ما ترتَّب عليه من نتائج ـ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد . (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ـ فتح مكة و ثمار النصر المتتابعة ـ ) النصر . وقال تعالى : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ـ بحصول ثمار النصرـ ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) الصف .

     * ويأتي الفتح بمعنى الحُكْم و القضاء للمُحِقّ و تأييده في الدنيا و الآخرة ، قال تعالى عن نوح : ( قال ربِّ إنَّ قومي كذَّبونِ ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً ـ احكم ـ وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء . و قال سبحانه  عن شعيب: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ـ احكم ـ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) الأعراف .  وقال تعالى عن الكافرين في بدر :(إِن تَسْتَفْتِحُواْ ـ إن تطلبوا التأييد و القضاء للمُحِقّ ـ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال . و قال سبحانه عقيب الكلام على المواقف بين الكافرين و الرسل :(وَاسْتَفْتَحُواْ ـ طلبوا التأييد و القضاء للمُحِقّ ـ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) إبراهيم .      وقال سبحانه : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ ـ الحكم و القضاء ـ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، قلْ يوم الفتْح ـ في الآخرة ـ لا ينفعُ الذين كفروا إيمانُهم ولا هم يُنظَرون ) السجدة . و قال تعالى : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ـ يحكم و يقضي للمُحِقّ ـ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) سبأ .

     * و يأتي الفتح بمعنى الصلح عندما يكون لصالح المسلمين ، قال تعالى : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ـ التوفيق بهدنة الحديبية التي بسببها تَضَاعَفَ كثيراً الدخولُ في الإسلام ) الفتح . وقال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ـ هُدْنة الحديبية ـ)الفتح .و قال تعالى :  (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ـ هُدْنة الحديبية ـ )الفتح .

     * و يأتي بمعنى الإنعام والإكرام بالخيرات ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ـ أبواب الخير من كل وجه ـ  وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الأعراف . و قال تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ـ يُنعِم ـ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) فاطر .

     * و المسلمون في ضوء هذه السُّنَن يسيرون من فتح إلى فتح ، فكم يكتسبون من المعارف و العلوم و العِبَر ، ومن الانتصارات والتأييد مثلا في هذه الأيام في غزة و أفغانستان و باكستان .. ومن القضاء الرباني وظهور قضيتهم على مستوى الرأي العام العالمي كما في تقرير غولدستون وقضية جوانتانامو و أبي غريب والأسرى في فلسطين ..1

     *و كم يفضح الله الأعداء والعملاء و المبتدعة و تظهر مؤمراتهم كما في بلدنا ، و تذوب في النهاية رغم المعاناة ، ويُجري الله ألطافه على المؤمنين  (فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا) الشرح . وينبثق الفرج من عمْق الأزمة ، قال عليه الصلاة و السلام : (و تجيء فتنٌ فيرقِّق بعضها بعضا ، و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مُهلكتي! ثم تنكشف .. و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه ، هذه!!  فمن أحب منكم أن يُزَحزَح عن النار و يدخل الجنة فلتأته منيته و هو يؤمن بالله و اليوم الآخر ، و ليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، و من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده و ثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)حم م ن هـ عن ابن عمرو . و لا بد من الاعتصام   بأسباب النجاة ومنها الصبر والذكر والدعاء و التواصي بالحق .1

     * ومن تأييد الله للمسلمين استدراج المجرمين و إنزال العقاب بهم فالفتح علينا نصرٌ وتأييدٌ ونِعَمٌ وخيراتٌ  ،وعلى المجرمين بلاءٌ ونقمٌ و وَيلاتٌ .. قال تعالى : (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ـ من الرزق و النعم استدراجاً ـ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) الأنعام . و قال تعالى :(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ـ عاقبناهم ـ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) المؤمنون .

     * فلا ينبغي للمؤمنين الوقوع في اليأس في أحـوال الابتلاء فعواقبها دائما خير لهم في الدارين .. قال تعالى : (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ،إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ، وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) الأنعام . و عند الاستعداد للحصار في الخندق يبشر الرسول صلى الله عليه و سلم أصحابه حين ضرب الصخرة ثلاث مرات بفتح مدائن كسرى و قيصر كما عند النسائي والحديث حسن كما ذكر الألباني .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©