العبادات الجماعيَّة جاهزيّة مستمِرَّة

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 5 من ربيع الآخر 1434هـ الموافق 15 فبراير 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/gmaah.mp3

    الفَرْق في الدرجات بين صلاة المُنفرِد و صلاة الجماعة :

      قال تعالى : (يا أيُّها الذين آمَنُوا استَعِينُوا بالصَّبرِ و الصَّلاةِ أنّ اللهَ مع الصابِرينَ) البقرة .

     و قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحْبه وَسَلَّمَ: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) متفق عليه  . و في الحديث الآخر المتفق عليه: (... بِسَبْعِ وَعِشْرِينَ) .. وَالجمعَ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَدِيثَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ ذُكِرَ فِيهِ الْفَرْق في الثواب الَّذِي بَيْنَ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَ صلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَحَدِيثُ السبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ ذُكِرَتْ فِيهِ صَلَاة الشخص المُنْفَرِد وَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ بالإضافة إلى درجات الجماعة ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ  كما قال ابن تيمية .

    الغايةُ من المَساجد الجماعيّة :

    قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ و َأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف . وَ قَالَ تَعَالَى : (إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة . وَ قَالَ تَعَالَى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) النور . وَ قَالَ تَعَالَى : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن , وَقَالَ تَعَالَى : (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) الحج .

     صلاة الجماعة في القرآن :

    قال تعالَى : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ، وَ لْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ، فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ، فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء .

     ذكَر ابن تيمية أن الله أَمَرَ في الآية بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْخَوْفِ وَسَوَّغَ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، كَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَ مُفَارَقَة الْإِمَامِ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَ التَّخَلُّف عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ كَمَا يَتَأَخَّرُ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بَعْدَ رُكُوعِهِ مَعَ الْإِمَامِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَمَامَهُمْ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَوْ فُعِلَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجَمَاعَةُ مطلوبة لَمَا كان السَّمَاح بذلك..      

     و قال تعالى : (وَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)  و الآية تدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الرُّكُوعِ هنا بالجماعة ، و خَصَّ الرُّكُوعَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الركوع تُدْرَكُ بِهِ الصَّلَاةُ مع الجماعة ، فَأَمَرَ بِمَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ و هو الركوع في صلاة الجماعة ، كَمَا قَالَ سبحانه لِمَرْيَمَ : (اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) آل عمران ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ : اقْنُتِي مَعَ الْقَانِتِينَ لَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ إدْرَاكِ الْقِيَامِ ، وَ لَوْ قِيلَ : اسْجُدِي لَمْ يَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : (وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ .

     صلاة الجماعة كما في الأحاديث حيثُ النِّداء في المساجد.. إلا المَعْذور:

     قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحْبه وَسَلَّمَ : (لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَهَمَّ بِتَحْرِيقِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الصَّلَاةَ ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ : (أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ، وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ...) الْحَدِيثَ كما سبق . وَفِي مُسْنَدِ أحمد وَغَيْرِهِ ( لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَأَمَرْت أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ ...) الْحَدِيثَ كما سبق .

     فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحْبه وَسَلَّمَ أَنَّهُ هَمَّ بِتَحْرِيقِ الْبُيُوتِ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الصَّلَاةَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ فِيهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ ، وَ لِأنّ في تَحْرِيقِ الْبُيُوتِ قَتْلَ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ، فقد توقَّف النبيُّ عليه الصلاة و السلام عن ذَلِكَ ، و هذا التوقُّف بِمَنْزِلَةِ التوقُّف عن إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْحُبْلَى الذي يؤخَّر حتى تضَع ، محافظةً على الجنين  .. وَ قَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما لم يُرَخِّص للمسلمين في دخول مكة عام الحديبية : (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ـ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ـ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الفتح .      

     و أَخْرَجَ ابْن خُزَيْمَةَ وَأَحْمَد وَالْحَاكِم عَنْ ابْن أُمّ مَكْتُوم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ النَّاس فِي صَلَاة الْعِشَاء فَقَالَ : (لَقَدْ هَمَمْت أَنِّي آتِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاة فَأُحَرِّق عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ) ، فَقَامَ ابْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه قَدْ عَلِمْتَ مَا بِي ؟ وَلَيْسَ لِي قَائِد - زَادَ أَحْمَد - : وَ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْن الْمَسْجِد شَجَرًا وَنَخْلًا ، وَلَا أَقْدِر عَلَى قَائِدٍ كُلّ سَاعَة .. قَالَ : (أَتَسْمَعُ الْإِقَامَة ؟) قَالَ : نَعَمْ . قَالَ: (فَاحْضُرْهَا) . وَلَمْ يُرَخِّص لَهُ . وَلابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ : (أَتَسْمَعُ الْأَذَان ؟) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا)  . وَقَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ ابْن أُمّ مَكْتُوم كَانَ لَا يَشُقّ عَلَيْهِ ِالْمَشْيُ وَحْده و ذلك مثْل كَثِيرٍ مِنْ الْعُمْيَان .

     وَ فِي لَفْظٍ فِي السُّنَنِ و عند أحمد : أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَإِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي ، فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ فَقَالَ : (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً) .

     و في صحيح مسلم : أتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى الْمَسْجِدِ .. فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّىَ فِى بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ؟) فَقَالَ نَعَمْ ، قَالَ : (فَأَجِبْ)، فَأَمَرَهُ بِالْإِجَابَةِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ .

     و ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُصَلِّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ سُنَنَ الْهُدَى ، وَإنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يُنَادَى بِهِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَإنَّكُمْ لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا صَلَّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) .

     وَ نقَل الحافظ في الفتْح عن كِتَاب الصِّيَام لِلْقاضي حسينِ الْمَرْوَزِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح  إلى الحَسَن البصْري فِي رَجُل يَصُوم تَطَوُّعًا فَتَأْمُرهُ أُمّه أَنْ يُفْطِر ، قَالَ : "فَلْيُفْطِرْ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ ، وَلَهُ أَجْرُ الصَّوْم وَأَجْرُ الْبِرّ " ، قِيلَ : فَتَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاء فِي جَمَاعَة ، قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا ، هَذِهِ فَرِيضَة  . 

     و فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحْبه وَسَلَّمَ : (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ، فلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ) .

    و أما الْمَعْذُورَ فأَجْرُهُ تَامٌّ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحْبه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ) . و بالله التوفيق .

     الجماعيّة في العبادات جاهزيَّة مستمرةٌ لِأيّ نشاط:

    شرَع الله صلاة الجماعة كل يوم خمس مراتٍ إضافةً إلى الجمعة ، إضافةً إلى أنواع صلاة الجماعة الأخرى كالاستسقاء و الخسوف و الكسوف والتراويح ... لكي يبقى المسلمون في كل محلَّةٍ و حارةٍ و قريةٍ في تواصلٍ دائم و جاهزية مستمرة وراء إمام واحد .

     و كذلك شَرَع سبحانه سائر العبادات جماعيَّة كالصوم و العيدين و الحج و الجهاد من أجل تيسير إقامة أيّ تعاونٍ أو نشاطٍ اجتماعي أو أمني أو عسكري أو تعليمي أو دعْوي أو نحو ذلك ، و هذا مالا يوجد في أيّ دين آخر ، و لا في أيّ أمّة .. مما يدلّ على حكمة الله التامّة في هذا الدين العظيم ، و على التميُّز الفريد لهذا الدّين .

     عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا فَعَسْكَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ ، فَقَامَ فِيهم فَقَالَ : (إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي الشِّعَابِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ) ، قَالَ : فَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا نَزَلُوا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى إِنَّكَ لَتَقُولُ لَوْ بَسَطْتُ عَلَيْهِمْ كِسَاءً لَعَمَّهُمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ . رواه أحمد و أبو داود و الحاكم و قال صحيح الإسناد ، و قال الذهبي صحيح ، و قال مثل ذلك الألباني و الأرناؤوط .

     حال المسلمين اليوم :

    و بسبب الخاصِّيّة الجماعية و الجسد الواحد عند المسلمين .. كان المسلمون دولةً واحدة مترابطة من الصين إلى الأندلس أعظم من ترابُط أيّ دولة كبرى في هذه الأيام .  أما المسلمون اليوم فقد تفرّقوا بسبب الذنوب و المؤمرات إلى أحزاب و دويلات و صار لكل دولة عَلَمها ونشيدها الوطني و برلمانها و تشريعاتها المُجافية للشريعة !! .. و استقلالها !! ..

     و صار المسلمون كما قال القائل عن بعض الدويلات في الماضي عندما كانت مُوضة المنحرفين لم تخرج بعْدُ عن الإسلام :

و تفَرَّقُوا شِيَعًا فكلُّ قبيلةٍ  ***   فيها أمير المؤمنين و مِنْبَرُ

    و أما اليوم فقد صارت مُوضة الدويلات في المصطلحات و التسميات ـ و من ذلك ألقاب الزعماء ـ تتناسَب مع العلمانية و الديمقراطية إلا من رحم الله ، و أصبحتْ أي دويلة لاتستطيع أن تواجه أحقر الأعداء كدويلة اليهود ، بل إن هذه الدويلات صارت مواقع لقواعد بعض الدول المُعادية .

     و في الختام يقول الله سبحانه : (إنّ اللهَ يُحِبُّ الذين يُقاتِلونَ في سبيلِهِ صَفًّا كأنَّهم بُنْيَانٌ مَرْصُوص) الصف .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©