الحج والعَشْر وأوضاعنا

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 25 ذو القعدة 1430هـ الموافق 13 نوفمبر 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

    * التسويف في الحج قد يفضي إلى الفوات: ( من أراد الحج فليعجّل ، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة ) رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي ، وذكر الألباني أنه حسن و الأرناؤوط أنه صحيح. ومن ذلك ما استغلتْه بعض الدول و حتى بعض المفتين من مَنْع  الناس من الحج بحُجة انتشار  زكام الخنازير المبالَغ في التخويف منه ، مع أنه ليس أخطر من بقية أنواع الزكام الحادة كما يقول المختصون ، وبعضهم يمنع الحجاج الذين في سن الشيخوخة بهذه الحجة . و لو افترضنا أن زكام الخنازير تحوّل إلى وباء (طاعون) ، فإن الطاعون لا يدخل المدينة .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)خ م حم  . و في رواية عند حم إضافة (مكة) ، ولكن الأرناؤوط نقل عن ابن كثير في (النهاية) أن ذِكْر (مكة) ليس محفوظاً في الحديث .اهـ . ولكن  مكة أفضل من المدينة فلا يدخلها الطاعون إن شاء الله ، قياساً على عدم دخول الدجال فيها كما ثبت ذلك عند مسلم و غيره .

     * بعض الناس يغالي في الحرص على الحج إلى درجة أن يدخل الأراضي المقدسة عن طريق التهريب فيتعرض للإهانة وقد يتعرض للقتل في الحدود ، مع أنه يعتبر غير مستطيع .. وهذا لايجوز لأنه من جهة تمرُّدٌ على الترتيبات الرسمية التي قد تكون ضرورية لمنع التزاحم الذي قد يلحق الأضرار بالحجاج . و من جهة أخرى تعرُّضٌ للخطر والذل ، و الرسول عليه الصلاة و السلام يقول : (لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ) قالوا و كيف يذل نفسه؟) قال : (يتعرض للبلاء بما لا يطيق)حم ت هـ عن حذيفة ، قال الألباني : صحيح .

     * قد تتهيأ المرأة للحج وتدفع التكاليف ويموت زوجها وتدخل في عدة الوفاة ، وفي هذه الحالة قال شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق : ‏(نقل ابن هبيرة الحنبلي فى كتابه الإفصاح عن معانى الصحاح فى باب العدة أن الفقهاء اختلفوا فى المتوفى عنها زوجها وهى فى الحج فقال أبو حنيفة : تلزمها الإقامة على كل حال إن كانت فى بلد أو ما يقاربه، وقال مالك والشافعى وأحمد : إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه . 

     وإذا كان هذا حال المسئول عنها، وهو حال اضطرار واعتذار وسنوح فرصة قلما يتيسر الحصول عليها، كان ذلك بمثابة وفاة الزوج وهى فى الحج فعلاً يجرى عليه ما قال به ابن قدامة ... واحتج له بالحجة القوية المقبولة ... وما نقله ابن هبيرة عن الأئمة مالك والشافعى وأحمد من أنه إذا خافت فوات الحج إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضيُّ فيه ‏ ... لأن الحج آكد باعتباره أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظُم فوجب تقديمه ، لاسيما وقد دخلت فى مقدماته فى حياة الزوج وبإذنه ، وذلك تخريجًا على تلك النصوص من فقه الأئمة مالك والشافعى وأحمد والله أعلم) . و تلتزم المعتدة بسائر أحكام عدة الوفاة مثل عدم التزيُّن بعد التحلُّل من الإحرام ، وتستكمل مدة العدة في البيت بعد العودة .

     * تأشيرات المجاملة التي تُعطَى لذوي الوجاهة قد تباع في السوق السوداء ، وينبغي عــدم شرائها لأن شراءها تشجيعٌ للفساد وللرشوة الملعون فاعلها كما في الحديث عند  حم د ت هـ  عن ابن عمرو ، وقال الألباني و الأرناؤوط إنه صحيح  ..  وشراؤها توسلٌ أيضا بوسيلة غير مشروعة لأداء ركن من أركان الإسلام  ..  أما مع وجود ضرورة أو حاجة مُلِحَّة للسفر بهذه الطريقة ، ثم حصلتْ فرصة الحج في ذلك السفر فلا بأس .

     * وهنالك من يسافر ويحج بمنحة من جهة رسمية باسم أنه طبيب أو مُفْتٍ أو موظف في البعثة أو يقدِّم خدمة للحجاج ، فلا بأس بذلك إذا كانت الخدمة حقيقية ، و كانت حاجة الحجاج إليها واضحة .. أما إذا كانت المنحة مجرَّد مجاملة من الجهة الرسمية فإن ذلك لا يجوز إذا كان المال الممنوح للمذكور هو من الرسوم المفروضة على الحجاج لأنه لا يجوز أخذها منهم إلا لخدمتهم .

     * والأيام العشر من ذي الحجة قادمة وهي أفضل أيام الدنيا كما في الحديث عند البزا و هو صحيح كما قال الألباني . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام) يعني أيام العشر ، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : (ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه والطبراني في (الكبير) بإسناد جيد كما في صحيح (الترغيب والترهيب) ولفْظه : (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) .

     وفي رواية للبيهقي قال: (ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى) قيل ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) فقال: فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يُقدَر عليه .

     * وهذه الأفضلية بسبب أن هذه الأيام يمكن أن تجتمع فيها العبادات دون استثناء من صلاة  وصيام  وصدقة ودعوة  و جهاد و عمرة و حج ...إلخ . و مهما اجتمع من العبادات في غيرها من الأيام فلا يمكن أن يكون فيها الحج.. وبهذا تميّزتْ وكانت لها الأفضلية .

     * (إذا دخل العشر و أراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره و لا من بشره شيئا(كجلد وظفر وسنٍّ و دم)   م ن هـ  عن أم سلمة ، وقال الألباني صحيح .

     * في هذا الشهر الحرام صدر الحكم من محكمة شمال صنعاء بتبرئة المتهم الرئيس في قضية إهــانة المصحف التي حدثت في الحصبة بصنعاء ، وثار فيها الأهالي وهدموا منزل المتهم ، والملفت للنظر أنه رغم خطورة القضية فقد ذكر المتابعون أن المحاكمة جرت أمام قاض ، ثم تعيَّن قاضٍ آخر و استتابَ المتهم فقال بأنه تاب ، دون أن ينظر القاضي إلى سوابق المتهم و تداعيات القضية ،  ثم تعيَّن قاضٍ ثالث أخيراً ، و نطَق بالحكم ومضمونه أنه مع توبة المتهم يُكتَفَى بالمدة التي حُبِس فيها في الحجز تعْزيراً . وهي عقوبة يسيرة أمام الحدَث الخطير والسوابق و التداعيات التي أثارت الرأي العام ففعَل ما فعَل ولم يلتفت إليها الحكْم .

    و المفروض أن يصدر الحكم في هذه القضية الخطيرة القاضي الذي أجرى المحاكمة ، وليس قاضٍ غيره .

    و أمام هذا الذي حصل فإننا ننتظر التدارك من النيابة بأن تستأنف هذا الحكم لتصحيح وضْع القضية كما فعل محامي الادعاء .

     * إحدى الصحف التابعة للإعلام الحكومي التي لها سوابق في الإساءة إلى الدين تنشر مقالاً عن وجود أخطاء في القرآن وتدعو إلى تصحيح المصاحف ، وهذا تطاولٌ على كتاب الله ، وتجاهلٌ لحفظ الله له ، وقد تقدم مجموعة من الغيورين بالشكوى إلى المختصين وطلبوا محاكمة القائم على الصحيفة و الكاتب ، و نحن منتظرون ماسيتمّ ..

     وكان المفروض على السلطة في بلدنا في جو الفتن و الحرْب التي نعيشها أن تتجنّب وقــوع ذلك  و وقوع سائر المنكرات ، وتحرص على تصحيح الأوضاع و على التوبة ، استنزالًا لعفو الله ورحمته ، واجتناباً للمزيد من غضبه و عقوبته (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام .    

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©