حبْس النفس على العبادة

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 22 رمضان 1433هـ الموافق 10 أغسطس 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/hbs.mp3

   قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اصبِروا وصابروا ورابِطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) آل عمران .

     جاء في الدر المنثور للسيوطي :

     أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخُطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط  فذلكم الرباط) .

     وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر : أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين وإن الله يقول في كتابه: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) آل عمران .

      وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في الشعب عن سهل بن سعد  أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) .

     وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي عن سلمان : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ)  زاد الطبراني : (وبُعث يوم القيامة شهيدا) .

     وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن فضالة بن عبيد : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول: (كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر) .

      وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال (رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطا في سبيل الله أمنه من الفزع الأكبر وغُدِيَ عليه برزقه ورِيْحَ من الجنة ، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز و جل) .

      وأخرج الطبراني بسند جيد عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه   وسلم : (كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة) .

      وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي الدرداء يرفع الحديث قال : (من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأتْ عنه رباط سنة) .

      وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (من مات مرابطا في سبيل الله أُجْرِيَ عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل ، و أُجْرِيَ عليه رزقه ، وأمِن من الفتّان ، وبعثه الله يوم القيامة آمِنًا من الفزع) ..  وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا مثله .

       جاء في تفسير الشوكاني (بتصرّف) :

       ختم بهذه الآية السورة لِمَا اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة فحض على الصبر على الطاعات والشهوات ، والصبر : الحبس وقد تقدم تحقيق معناه والمصابرة مصابرة الأعداء قاله الجمهور و معنى صابروا أي غالِبوهم في الصبر على الشدائد كالحرب ، وخص المصابرة بالذكر بعد أن ذكر الصبر لكونها أشد منه وأشق  ،وقيل : المعنى صابروا على الصلوات ، وقيل : صابروا الأنفس عن شهواتها وقيل : صابروا الوعد الذي وُعِدتم ولا تيأسوا ، والقول الأول هو المعنى العربي ومنه قول عنترة :

فلم أر حيًّا صابَروا مثل صبْرنا ... ولا كافحوا مثل الذين نكافح

      أي : صابروا العدو في الحرب ، قوله (ورابطوا) أي : أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها كما يربطها أعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين ، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوٌ يرابَط فيه ، وسيأتي ذِكْر من خرَّج عنه هذا ، والرباط اللغوي هو الأول ولا ينافيه تسميته صلى الله عليه و سلم لغيره رباطا كما سيأتي ، ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول وعلى انتظار الصلاة ، قال الخليل : الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة هكذا قال وهو من أئمة اللغة ، وحكى ابن فارس عن الشيباني أنه قال : يقال : ماء مترابط دائم لا يبرح ، وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور ، قوله (واتقوا الله) فلا تخالفوا ما شرعه لكم (لعلكم تفلحون) أي : تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب وهم المفلحون .

     وأخرج ابن مردويه عنه أي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن  عن أبي هريرة قال : أما إنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه و سلم غزوٌ يرابطون فيه ، ولكنها نزلت في قوم يعمُرون المساجد يصلون الصلوات في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها ، وقد ثبت في الصحيح وغيره من قول النبي صلى الله عليه و سلم : (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخُطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة  ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) .

      وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : اصبروا على دينكم ، وصابروا الوعد الذي وعدتُكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم .  وقد رُوي من تفاسير السلف غير هذا في الصبر على نوع من أنواع الطاعات والمصابرة على نوع آخر ، ولا تقوم بذلك حجة ، فالواجب الرجوع إلى المدلول اللغوي وقد قدمناه  ، وقد وردتْ أحاديث كثيرة في فضل الرباط وفيها التصريح بأنه الرباط في سبيل الله ، وهو يرُدُّ ما قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ندب إلى الرباط في سبيل الله وهو الجهاد ، فيحمل ما في الآية عليه ، وقد ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه سمّى حراسة جيش المسلمين رباطا ، فأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أجر المرابط فقال:(من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر مَن خلْفه ممن صام وصلى) .

    ما ذكره الشوكاني في تفسيره عن الاعتكاف و هو شبيهٌ بالرباط :

     الاعتكاف في اللغة : الملازمة يقال عكف على الشيء : إذا لازمه ومنه قول الشاعر :

وظل بناتُ الليل حولي عُكَّفًا ... عكوفَ البواكي حولهن صريعُ

      ولما كان المعتكف يلازم المسجد قيل له : عاكف في المسجد ومعتكِف فيه لأنه يحبس نفسه لهذه العبادة في المسجد ، والاعتكاف في الشرع : ملازمة طاعة مخصوصة على شرط مخصوص وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب ، وعلى أنه لا يكون إلا في مسجد ، وللاعتكاف أحكام مستوفاة في كتب الفقه وشروح الحديث .

       بعض ما ذكَره الألباني في (الإرواء) عن الاعتكاف (بتصرّف)  :

     حديث عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده ) متفق عليه ) . صحيح . أخرجه البخاري ومسلم وكذا أبو داود والبيهقي وأحمد من طرق عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عنها . وزاد البيهقي : ( والسُّنة في المعتكف ألّا يخرج إلا للحاجة التي لابد منها ، ولا يعود مريضا ، ولا يمسّ امرأة ولا يباشرها ، ولا اعتكاف الا في مسجد جماعة ، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم ) . قلت : وإسناده صحيح .    

     وأخرج أبو داود هذه الزيادة مفصولة عن الحديث من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري به . قلت : وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم . ثم رأيت الدارقطني أخرجها مع الحديث من طريق ابن جريج : أخبرني الزهري عن الاعتكاف وكيف سنته عن سعيد ... وعروة بن الزبير عن عائشة به . وأعلّ الزيادة بقوله : ( يقال : إن قوله : وإن السنة للمعتكف . . إلى آخره ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من كلام الزهري ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهِم والله أعلم ، وهشام بن سليمان لم يذكره  . قلت : كذا قال : ( ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم) ، ولعله سبْق قلم ، فان هذا النفي لا حاجة إليه لان أحدا من الرواة لم يذكر أنه من قوله صلى الله عليه وسلم ، لأن الحديث من أصله ليس من قوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من قول عائشة تحكي فعله صلى الله عليه وسلم ، فالظاهر أنه أراد أن يقول : ( ليس من قول عائشة ) فوهِم ، وقال أبو داود : ( غير عبد الرحمن لا يقول فيه : قالت : السنة ... قال أبو داود : جعلَه قول عائشة ) . قلت : رواية ابن جريج وعقيل عند البيهقي في معنى رواية عبد الرحمن كما لا يخفى ، ولذلك ادعى الدارقطني أنه من كلام الزهري واتفاق هؤلاء الثقات الثلاثة على جعله من الحديث يردُّ دعوى الإدراج . والله أعلم .

     حديث عائشة : ( وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان ) . متفق عليه ، صحيح . 

     قول عائشة : ( إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فلا أسأل عنه إلا وأنا مارَّة ) . متفق عليه  ، صحيح . ولم أرَهُ عند البخاري ، ورواه مسلم وابن ماجه بإسناد واحد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عنها . ثم رأيت البيهقي قد أخرجه أيضا ، ونص أن البخاري لم يروه بهذا اللفظ ويعني أنه إنما رواه باللفظ الذي قبله .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©