مَعادِنُ الناسِ

خطبة جمعة في مسجد الإيمان في 20ربيع الأول 1434هـ الموافق 1 فبراير 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/madn.mp3

    أكرَمُ الناس .. و معادنُهم :

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ ؟ قَالَ : (أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ) ، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ ، قَالَ : (فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ) قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ ، قَالَ : (فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟) قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : (فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا) متفق عليه .

     قال الحافظ في الفتح : الجواب الأول من جهة الشرف بالأعمال الصالحة ، والثاني من جهة الشرف بالنسب الصالح. قوله : (أفَعَن معادن العرب؟) أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها، وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعداد المُتَفاوِت ، أو شبَّهَهم بالمعادن لكونهم أوعيةَ الشرَف كما أن المعادن أوعية للجواهر.

     نموذجان من مَعادِن الجاهلية :

    قال النابغة في عِصَام بنُ شَهْبَرٍ الجَرْمِيّ حاجِب النُّعْمَانِ بن المنذر :

نَفْسُ عصامٍ سوّدَتْ عِصامَا     ***    و علَّمَتْهُ الكرَّ و الإقدَامَا

و صَيّرَتْهُ مَلِكاً هُمَامَا       ***     حتَّى عَلَا ، و جاوَزَ الأقْوامَا

و قال عنترة عن نفسه :

قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ    ***        واليَوْمَ أَحْمِي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُوا

لِلهِ دَرُّ بَني عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا         ***            منَ الأكارمِ ما قد تَنسِلُ العربُ

لئنْ يَعيبوا سوادي فهوَ لي نَسَبٌ      ***         يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَّسبُ

     من معادِن الصحابة في التَّفَقُّه و الأخْذ بالأسباب ، و منها الجهاد و القَسَم على الله بالدّعاء:

     جاء في الإصابة لابن حجر :  روى الترمذي من طريق ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:  (كم من أشعثٍ أغبرَ لا يُؤْبَهُ له لو أقسَم على اللهِ لأبرَّه ، منهم البراء بن مالك) . قال الترمذي حسنٌ غريب ، (قال الألباني صحيح) ..فلما كان يوم تُسْتَر من بلاد فارس انكشف الناس فقال المسلمون يابراء أَقسِم على ربك ، فقال أُقسم عليك يا رب لما منحْتَنا أكتافهم وأَلحقْتني بنبيك فحمل وحمل الناس معه فقَتل مرزبان الزارة من عظماء الفرس وأخذ سلَبه فانهزم الفرس وقُتِل البراء .. وفي المستدرك من طريق سلامة عن عقيل عن الزهري عن أنس نحوه .اهـ .

     و الذي في مستدرك الحاكم عن أنس بن مالك قال : قال رسـول الله صلى الله عليه     و سلم : كم من ضعيف مُتَضَعّفٍ ذي طِمْرين لو أقسم على الله لأبرَّ قسَمَه منهم البراء بن مالك ، فإن البراء لقي زحْفًا من المشركين و قد أوجع المشركون في المسلمين ، فقالوا : يا براء إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنك لو أقسمتَ على الله لأبرَّك فأَقسِم على ربِّك فقال : أقسمتُ عليك يا ربِّ لما منحْتنا أكتافهم ، ثم التقَوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين ، فقالوا له : يا براء أَقسِمْ على ربِّك فقال : أقسمتُ عليك يا ر بِّ لما منحْتنا أكتافهم و ألحقْتني بنبيك صلى الله عليه و سلم ، فمُنِحوا أكتافهم و قُتِل البراء شهيدا .. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، و قال الذهبي : صحيح , و قال الوادعي : سلامة ضعيف و قد قيل إنه لم يسمع من عقيل .

    من معادن التابعين في التّفَقُّهِ و الأخذ بالأسباب و منها مَدَد الجهاد و الاستغفار:

    و عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) .رواه مسلم .

     و عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ : (إِنَّ رَجُلاً يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ ، لاَ يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِر لكُمْ). رواه مسلم .

     و عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ ، فَقَالَ أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ نَعَمْ .

      قَالَ فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (يَأْتِى عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ). فَاسْتَغْفِرْ لِى. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ الْكُوفَةَ. قَالَ أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ أَكُونُ فِى غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَىَّ.

     قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ، قَالَ تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (فأعاد عليه الحديث).       

     فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ اسْتَغْفِرْ لِى ، قَالَ أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِى ، قَالَ اسْتَغْفِرْ لِى ، قَالَ أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِى.. قَالَ لَقِيتَ عُمَرَ قَالَ نَعَمْ . فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ .

     قَالَ أُسَيْرٌ وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ . رواه مسلم .

    و قال تعالى في الاستغفار : (...لولا تستَغْفِرونَ الله لعلّكم تُرْحمون) النمل . و قال سبحانه : (و ما كان الله مُعَذِّبَهم و هم يستغفرون) الأنفال .

     أَخْذ النبي صلى الله عليه و سلم بالأسباب و منها الجهاد و الإلحاح بالدعاء :

     عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) رواه البخاري .

     و قال الحافظ في (الفتح) : وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: "ما سمعنا مناشِدًا يَنشُد ضالةً أشدَّ مناشدةً من محمد لربِّه يوم بدر: (اللهم إني أنشُدك ما وعدتَني) قال السهيلي: سبب شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصَب في القتال ، والأنصار يخوضون غمار الموت ، والجهاد تارةً يكون بالسلاح وتارة بالدعاء، ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش لأنه لا يقاتل معهم ، فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء . اهـ...

    ثم قال الحافظ : ...و وقع عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضا يوم أحد . و روى النسائي والحاكم من حديث علي قال : "قاتلتُ يوم بدرٍ شيئا من قتال ، ثم جئتُ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: يا حي يا قيوم ، فرجعتُ فقاتلتُ ، ثم جئتُ فوجدتُه كذلك".

     قوله: "فأخذ أبو بكر بيده أي بيد النبي عليه الصلاة و السلام فقال: حسْبُك" زاد في رواية وهيب عن خالد كما سيأتي في التفسير (أيْ عند البخاري):" قد ألححْتَ على ربك" وكذا أخرجه الطبراني عن عثمان عن عبد الوهاب الثقفي عن أبيه .. ا هـ .

     و عند مسلم عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى ، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى ، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ) ، فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ . رواه مسلم .

    و ما أحْوَجنا هذه الأيام في أزْمِنة الفتَن إلى الأخْذ بالأسباب الشرعية و منها الجهاد و الدعاء و الاستغفار :

    و ما أحْوَجنا هذه الأيام في أزْمنة الفِتَن إلى الأخذ بالأسباب الشرعية فنحن في ابتلاء في بلدنا ، و ابتلاء في سورية ، و ابتلاء في فلسطين ، و ابتلاء في باكستان و ابتلاء في أفغانستان ، و ابتلاء في مالي ، و ابتلاء في العراق ، و ابتلاء في بورمة ، و ابتلاء في الصومال ، و ابتلاء في السودان ، و ابتلاء في الحبشة ...إلخ . لا يريد الأعداء أن يَحْكُم الإسلام و لا أن يتَوحَّد المسلمون .

     و في الختام يقول الله تعالى : (و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلَنا ، و إنّ الله لَمَع المُحسنين) العنكبوت .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©