الأيام المعدودات

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 10 من ذي الحجة 1433هـ الموافق 26 أكتوبر 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/madod.mp3

     قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِيَ أَيّامٍ مّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوآ أَنّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة .

     جاء في تفسير ابن كثير :    

     قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق، والأيام المعلومات أيام العشر، علّقه البخاري و وصله عبد بن حميد ، و روى ابن أبي شيبةٍ من وجه آخر عن ابن عباس أن المعلومات يوم النحر و ثلاثة أيام بعده .(كما في فتح الباري) .

     وعن نبيشة الهُذَلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكْر الله) رواه مسلم و أحمد ، وتقدم حديث جبير بن مطعم : (عرفة كلها موقف ، وأيام التشريق كلُّها ذبْح) رواه أحمد ، و قال الأرناؤوط صحيح لغيره .

     و روى ابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيام التشريق أيام طُعْم وذكْر الله) ، كما روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في مِنىَ: (لا تصوموا هذه الأيام ، فإنها أيام أكْل وشُرْب وذِكْر الله عزّ وجلّ) ، كما روى عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة فنادى في أيام التشريق فقال: (إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله إلا من كان عليه صوم من هدْي) زيادة حسنة ولكنْ مرسلة ، وبه قال هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سحيم فنادى في أيام التشريق فقال: (إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله) .

   كما قال ابن جرير : و قال هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، قال: (و هي أيام أكْل وشُرْب وذكْر الله) ، وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكيم ، عن مسعود بن الحكم الزرقي، عن أمه قالت: لَكأنّي أنظر إلى عليٍّ على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء حتى وقف على شِعْب الأنصار وهو يقول: (يا أيها الناس، إنها ليستْ بأيام صيام، إنما هي أيام أكْل وشرْب وذكْر الله) . و قد ذكر الشيخ الوادعي أن هذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض .

     و قال مقسم عن ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق أربعة أيام: يوم النحر، و ثلاثة بعده ، و رُوِي عن ابن عمر و ابن الزبير وأبي موسى و عطاء و مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير و أبي مالك و إبراهيم النخعي و يحيى بن أبي كثير و الحسن و قتادة و السدي و الزهري و الربيع بن أنس و الضحاك و مقاتل بن حيان و عطاء الخراساني و مالك بن أنس و غيرهم مثل ذلك .

      و قال علي بن أبي طالب: هي ثلاثة: يوم النحر ويومان بعده اذبح في أيهن شئت ، وأفضلها أولها ، والقول الأول هو المشهور ، وعليه دلّ ظاهر الآية الكريمة حيث قال تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فدل على ثلاثة بعد النحر .

     و يتعلَّق بقوله: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) ذِكْر الله على الأضاحي وقد تقدم ، وأن الراجح في ذلك مذهب الشافعي رحمه الله وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر التشريق ،  ويتعلَّق به أيضا الذكْر المؤقت خلْف الصلوات , والمطلق في سائر الأحوال .

     و في وقت الذكْر أقوالٌ للعلماء أشهرها الذي عليه العمل أنه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، وهو يوم النفْر الآخِر، وقد جاءتْ ألفاظ الذكْر في حديث رواه الدارقطني ، لكن لا يصح مرفوعاً ، والله أعلم . و قال عكرمة (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) يعني التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر ، الله أكبر.

     و قد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يكبِّر في قُبَّته فيكبِّر أهل السوق بتكبيره حتى ترتج منىَ تكبيراً .

    و يتعلَّق بذلك أيضاً التكبير وذكْر الله عند رمْي الجمرات كل يوم من أيام التشريق وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ، و قال الوادعي إنه لا يَنْزِل عن درجة الحُسْن: (إنما جُعِل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمْي الجمار لإقامة ذكْر الله عز وجل)  .اهـ . بتصرُّف .

    جاء في إرواء الغليل عن صيغة تكبير عرفة و النحر و التشريق :

    و قد ثبت تشفيع التكبير عن ابن مسعود رضى الله عنه  فكان يكبِّر أيام التشريق : (الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله اكبر ، ولله الحمد) . أخرجه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح ،   ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير ، وكذلك رواه البيهقي عن يحيى بن سعيد عن الحكَم ( وهو ابن فرّوخ أبو بكار ) عن عكرمة عن ابن عباس بتثليث التكبير ، وسنده صحيح أيضا ، لكن رواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ : (الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر وأجل ، الله أكبر ولله الحمد) . و رواه المحاملي في " صلاة العيدين " من طريق أخرى عن عكرمة به ، لكنه قال : (الله أكبر وأجل ، الله أكبر على ما هدانا) فأخَّر وزاد ، وسنده صحيح . و روى أثر ابن مسعود من الوجه المتقدم بتشفيع التكبير وهو المعروف عنه ، والله أعلم .   

    جاء في تفسير الشوكاني :

    قال القرطبي : لا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام مِنَى وهي أيام التشريق وهي أيام رمْي الجمار .   والمخاطَب بهذا الخطاب المذكور في قوله تعالى : (واذكروا الله في أيام معدودات) هو الحاجُّ و غيرُه كما ذهب إليه الجمهور .

     (فمن تعجّل في يومين) اليومان هما يوم ثاني النحر ويوم ثالثه ، وقال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والنخعي : من رمَى في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرَج ، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرَج ، فمعنى الآية كل ذلك مباح ، وعبَّر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا لأن من العرب من كان يذم التعجُّل ، ومنهم من كان يذم التأخُّر فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك .

     وقال علي وابن مسعود : من تعجّل فقد غُفر له ومن تأخّر فقد غُفر له ، والآية قد دلَّت على أن التعجُّل والتأخُّر مباحان .

     (لِمن اتقى) معناه أن التخيير ورفع الإثم ثابتٌ لِمن اتقى ، لأن صاحب التقْوى يتحرَّز عن كل ما يريبه فكان أحق بتخصيصه بهذا الحكم .

      و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يكبِّر تلك الأيام بمنى ويقول : التكبير واجب .. ويتأول هذه الآية (واذكروا الله في أيام معدودات) . و أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : (و اذكروا الله في أيام معدودات) ، قال : التكبير أيام التشريق يقول في دبُر كل صلاة : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر . و أخرج ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثا ثلاثا وراء الصلوات ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد و هو على كل شيء قدير .

     و أخرج مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر بمنى حين ارتفع النهار شيئا فكبّر وكبّر الناس بتكبيره ، ثم خرج الثانية في يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبّر وكبّر الناس بتكبيره ، حتى بلغ تكبيرهم البيت ، ثم خرج الثالثة من يومه ذلك حين زاغت الشمس فكبّر وكبّر الناس بتكبيره .

     و قد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرمي الجمار و يكبر مع كل حصاة .  و قد رُوي نحو ذلك من حديث عائشة عند الحاكم وصحّحه .

     و أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) قال : في تعجيله (و من تأخر فلا إثم عليه) قال : في تأخيره .

     و أخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : النفْر في يومين لِمن اتقى ، و أخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن أبي حاتم عنه قال : من غابت له الشمس في اليوم الذي قال الله فيه : (فمن تعجّل في يومين) وهو بمنى فلا يَنْفِرَنّ حتى يرمي الجمار من الغد . و أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأهل السنن والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو واقف بعرفة وأتاه الناس من أهل مكة فقالوا : يا رسول الله كيف الحج ؟ قال :  (الحج عرفات ، فمن أدرك ليلة جمْع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة أيام ، (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) قال : مغفورًا له ، (ومن تأخر فلا إثم عليه) قال : مغفورًا له) . وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : (لِمن اتقى) قال : لمن اتقى الله في حجه . اهـ . بتصرّف .   

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©