التشديد في المَنْهِيَّات أكثرُ من الأَوامر

خطبة جمعة في مسجد جمعية أمة في إسطنبول في 24 من جمادى الثانية 1440هـ الموافق 1 مارس 2019م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/manhi.mp3

 

     كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» رواه مسلم.

       سبَق في الخطبة الماضية بيان أن من معاني الحديث الحسْم في المنهياتِ وعدَم الخيارات، مع عدَم سقُوط المنْهيات والأوامر إلّا عند الضرورة والإكراه المُلْجِئ، وأن بَعْض الْعُلَمَاءِ ومنهم الإمام أحمد قالوا: يُؤْخَذُ مِنْ الحديث أَنَّ النَّهْيَ أَشَدُّ مِنَ الْأَمْرِ.  وقال بَعْضُهِم ْ: أَعْمَالُ الْبِرِّ يَعْمَلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي، فَلَا يَتْرُكُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (اتَّقِ الْمَحَارِمَ، تَكُنْ أَعْبد الناس) أخرجه أحمد والترمذي والبخاري في المفرد وغيرهم وذكر الأرناؤوط في تحقيق المسند أنه جيِّد.

     ومن حسْم الصحابة في المنهيّات التزامهم بالامتناع عن الأسئلة كما في الحديث المذكور،

     وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ أنه في هذا الاتجاه نزَل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُم تَسُؤْكُم} المائدة .. ومن المنهِيَّات التي يلزم حسْمها تمامًا :

        1-موالاة الأعداء، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة.

      2- ومن الموالاة الأخْذ من مناهجهم وأساليبهم، قال تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)  الفاتحة. وهذا الأَخْذ وقَع فيه كثيرون في هذا العصر، فحاولوا من أجل اجتناب وخْز الضمير أسْلَمَة الباطل من المستوردات، بحجة أن الإسلام لا يخالِفها، وفي بعض الأحيان يقولون قد سبَق الإسلام إلى ذلك. والإسلام لا يقبل التعايُش مع الباطل، والشَّرُّ لا يأتي بالخير، والحرْص على إبقاء ما تيَسَّر من الإسلام لا يكون بالغِشّ ولا بالتنازلات، والدِّين محفوظٌ بحفْظ الله له، وليس بالتساهل في منهيَّاته، وليس حفظه موكولًا لِلبشر، فكيف بالمتساهلين؟، وعلى الناس الحفاظ على أنفسهم، بالحسْم باجتناب المنهيَّات لا التورُّط فيها.  

    3- ومن ذلك الأخْذ بمصطلحات الكافرين قال تعالى : (ياأيُّها الذين آمنوا لا تقولوا رَاعِنا وقُولوا انظُرْنا) البقرة، وعدَم تحرِّي السَّدَاد فيما يقوله المسلم، قال تعالى: (اتقوا اللهَ وقولوا قولًا سديدًا) الأحزاب. ويقول عليه الصلاة والسلام: (مَن تشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم) رواه أحمد وأبو داود والطبراني.     

     4-ومن أساسات الإسلام مخالفة الكافرين، فقد كان هدْيُه عليه الصلاة والسلام مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار والنهي عن مشابهتهم في أمور كثيرة كما في الصلاة في النعال وصيام تاسوعاء مع عاشوراء، وتعجيل الفِطر وتأخير السحور، وتغيير الشَّيب بغير السَّواد، وإعفاء الُّلحى، وتنظيف الأفْنِيَة، ومنْع اتخاذ قبور الأنبياء مساجد.

     5-وقد كثُر في زماننا التشبُّه بأعداء الإسلام في أمور كثيرة في كثير من بلاد المسلمين في طريقة التعليم وأولوياته والتضييق على العلم الشرعي، وتقليدهم حتى في العطلات الصيفية، بتضييع قدْر معتبرٍ من السنَة، وفي تبرُّج النساء وفتنتهن، وانتشار الربا في مجالات عديدة، وقيام الاقتصاد عليه، وفي نشْر الشبهات عن الإسلام، والاستيراد في السياسات والإعلام والاجتماع، وسائر شؤون الحياة.

      وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» متفق عليه. والحديث معجزة نبوية متحقِّقة أكثر ما يكون في أيامنا.

       وبسبب عدَم حسْم هذه المنهيات عوقب المسلمون بما هم فيه، فلا قام من الإسلام ما ظنُّوه، ولا سلِموا من الأعداء، فالمخالفات سبب للعقاب والفتنة في الدين، وتسليط الكافرين، قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتْ أيديكم ويَعْفُو عن كثير) الشورى. وقال تعالى: (فليحذَرِ الذين يُخالِفون عن أمرهِ أن تُصيبَهم فتْنَةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليم) النور. وقال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران. وذلك عندما حصل تفريطٌ في التزام الرُّماة بالنهْي عن مُفارقة الجبل.

      وفي الختام يقول ربُّنا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق.

     ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الأنفال.
 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©