حبُّ الملائكة للمؤمنين

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 24 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 5 أبريل 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/mlaekh.mp3

    قال تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) غافر .

     جاء في تفسير ابن كثير :

    يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حَمَلة العرش ومن حوله من الكَروبيين، بأنهم يُسبِّحون بحمد ربهم : يَقْرِنون بين التسبيح الدالّ على نفْي النقائص، والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدْح ، (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) أي: خاشعون له أذلاء بين يديه، (ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) من أهل الأرض ممن آمن بالغيب، فقيَّض الله سبحانه ملائكته المقرَّبين أن يَدْعُوا للمؤمنين بظهْر الغيب، ولَمَّا كان هذا من سجَايا الملائكة عليهم الصلاة والسلام، كانوا يُؤمِّنون على دعاء المؤمِن لأخيه بظهر الغيب، كما ثبت في صحيح مسلم: (إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملَك: آمين ولكَ بمِثْله) .

     ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) أي: إنّ رحمتك تَسَع ذنوبهم وخطاياهم ، وعِلْمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم ، (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) أي: فاصْفح عن المُسِيئين إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتَهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات، (وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) و هذا متفقٌ مع قوله تعالى : (و إنّي لغفّارٌ لِمَن تابَ و آمَنَ و عمِلَ صالحًا ثُمّ اهتَدَى) طه . و مع قوله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر .

     (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي: اجمع بينهم وبينهم، لِتَقَرَّ بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة ، كما قال تعالى : (جنّاتُ عدْنٍ يَدْخلونَها و من صلَحَ ِمِن آبائِهم و أزواجِهم و ذُرِّيَّاتهم ، و الملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب ...) الرعد .

    وكما قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الطور ، أي: ساوَينا بين الكلِّ في المنزلة، لِتَقَرَّ أعينهم، وما نقَصْنا العاليَ حتى يساوي الدانيَ، بل رفعنا الناقص في العمل  ، فساوَيناه بكثير العمل، تفضلًا منا ومِنّة.

     قال سعيد بن جبير: إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه، وأين هم؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل فيقول: إني إنما عملتُ لي ولهم، فَيُلحَقُونَ به في الدرجة، ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .

     وقال مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير: أنصحُ عبادِ الله للمؤمنين الملائكةُ ، ثم تلا هذه الآية: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) وأغشُّ عباد الله للمؤمنين الشياطينُ.

     (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) أي: فعلها أو وَبالها ممن وقعتْ منه، (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ) أي: يوم القيامة، (فَقَدْ رَحِمْتَهُ) أي: لطفت به ونجَّيته من العقوبة ، (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .اهـ .بتصرُّف .

     جاء في فتح القدير للشوكاني :

     (الذين يحملون العرش ومن حوله) والموصول مبتدأ وخبره يُسبِّحون بحمْد ربهم ، والجملة مستأنفة مَسُوقةٌ لتسلية رسول الله صلى الله عليه و سلم ببيان أن هذا الجنس من الملائكة الذين هم أعلى طبقاتهم ، يَضمُّون إلى تسبيحهم لله والإيمان به الاستغفار للذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا.   

     والمراد بمن حول العرش الملائكة الذين يطوفون به مهلِّلين مكبِّرين ، وهو في محل رفع عطفا على الذين يحملون العرش وهذا هو الظاهر ... ثم بيَّن سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين قائلين: (ربنا وسعتَ كل شيءٍ رحمةً وعلْمًا)  انتصاب رحمة وعلما على التمييز المحول عن الفاعل .

      (فاغفِرْ للذين تابُوا واتَّبعوا سبيلَك) أي أوقَعوا التوبة عن الذنوب واتبعوا سبيل الله وهو دين الإسلام ، فالتوبة لهؤلاء ، أما المبتدعة فقد حجَب الله عنهم التوبة حتى يُقْلِعوا عن البدعة كما في الحديث .

 (وقِهِم عذاب الجحيم) أي احفظهم منه  (ربنا وأدخلْهم جناتِ عدْنٍ التي وعدتَهم ومَن صلَح من آبائِهم وأزواجِهم وذريَّاتِهم) أي وأدخل من صلَح والمراد بالصلاح الإيمان بالله والعمل بما شرعه الله فمن فعَل ذلك فقد صلَح لدخول الجنة . وهذه هي المسؤولية الأُولى على ربِّ الأسرة في تربية أقاربه كما في النصوص.

      ويجوز عطف (ومَن صلَح) على الضمير في وعدتَهم : أي ووعدتَ من صلَح ، والأَولى عطفه على الضمير الأول في (وأدخلْهم) قال الفراء والزجاج : نصْبُه من مكانين إن شئت على الضمير في أدخلْهم وإن شئت على الضمير في وعدتَهم .

    (إنك أنت العزيز الحكيم ، وقِهِم السيئات) أي احفظهم من العقوبات أو من جزاء السيئات على تقدير مضاف محذوف قال قتادة : وقِهِم ما يسؤوهم من العذاب ، (ومن تَقِ السيئاتِ يومئذٍ) أي يوم القيامة (فقد رحمته) أي رحمته من عذابك وأدخلته جنتك ، والإشارة بقوله : (وذلك) إلى ما تقدم من إدخالهم الجنات ووقايتهم السيئات وهو مبتدأ وخبره (هو الفوز العظيم) أي الفوز الذي لا فوز مثله ، والنجاة التي لا تساويها نجاة . .اهـ .بتصرُّف .

    و السيئات هي عقوبات الآخرة مثل : التضَرُّر من اقتراب الشمس في موقف المحشَر ، و الغرَق في العرَق ، و البقاء خمسين ألف سنة في موقف المحشَر لِمَن لا يدفعون الزكاة ، و خمسائة عام للأغنياء الذين لا يُحسِنون التصرُّف بأموالهم ، والتعثُّر على الصراط ، و الخدوش ، والسقوط في النار ، و دخولها على قدْر الذنوب ، ثم لا يكون الخروج منها إلا بالشفاعة ، وهذا معناه أن بعض أهل الجنة يدخلون قبلها النار ، و المحظوظ هو مَن وقاهُ الله هذه السيئات . 

     و ممَّا يستُفاد من الآيات :

    1- محبّة الملائكة للمؤمنين منذ سجودهم لأبيهم آدم ، و حِقْد الشياطين على المؤمنين منذ ذلك الحين .

    2- لا بد من التوبة حتى تحصُل المغفرة ، إلا إذا قيّض الله سبَبًا للمغفرة من عنده . و التوبة إنما هي لِمَن اتبعوا السبيل و المنهج الصحيح في الجملة ، أما المبتدعة فقد حجب الله عنهم التوبة حتى يُقْلِعوا عن البدعة كما في الحديث .

    3- لا بدّ مِن الصلاح و من تربية الأهل والأولاد حتى يلحق القريب بقريبه من الأصول و من الفروع ، وهذه هي المسؤولية الأُولى على ربِّ الأسرة في تربية أقاربه كما في النصوص.

    4- أعظم الفوز إنما هو في الآخرة ، و قد يدخل العصاة النار أوّلًا ثم يَدْخلون الجنة .

    5- و اللهُ و ملائكتُه يُحِبّون المؤمنين قال تعالى : (هو الذي يُصَلِّي عليكم و ملائكتُهُ لِيُخْرِجَكم من الظُّلُمات إلى النُّورِ و كان بالمؤمنينَ رحيمًا) الأحزاب .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©