لو يعلم الناس

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 29 أبريل 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/nas.mp3

   التنافس على الخير:

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ) رواه الجماعة إلا أبا داود وابن ماجه .

     جاء عند النووي في (شرح مسلم) :

     ( لَوْ يَعْلَم النَّاس مَا فِي النِّدَاء وَالصَّفّ الْأَوَّل ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ) :

     النِّدَاء هُوَ الْأَذَان وَالِاسْتِهَام الِاقْتِرَاع ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا فَضِيلَة الْأَذَان وَقَدْرهَا وَعَظِيم جَزَائِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا يُحَصِّلُونَهُ بِهِ لِضِيقِ الْوَقْت عَنْ أَذَان بَعْد أَذَان ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُؤَذِّن لِلْمَسْجِدِ إِلَّا وَاحِد لَاقْتَرَعُوا فِي تَحْصِيله ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفّ الْأَوَّل مِنْ الْفَضِيلَة نَحْو مَا سَبَقَ ، وَجَاءُوا إِلَيْهِ دَفْعَة وَاحِدَة وَضَاقَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ لَمْ يَسْمَح بَعْضهمْ لِبَعْضٍ بِهِ ، لَاقْتَرَعُوا عَلَيْهِ. وَفِيهِ إِثْبَات الْقُرْعَة فِي الْحُقُوق الَّتِي يَزْدَحِم عَلَيْهَا وَيَتَنَازَع فِيهَا.

     ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِير لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ) التَّهْجِير التَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة أَيّ صَلَاة كَانَتْ . قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره : وَخَصَّهُ الْخَلِيل بِالْجُمُعَةِ ، وَالصَّوَاب الْمَشْهُور الْأَوَّل .

     ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ) فِيهِ الْحَثّ الْعَظِيم عَلَى حُضُور جَمَاعَة هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ ، وَالْفَضْل الْكَثِير فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْمَشَقَّة عَلَى النَّفْس مِنْ تَنْغِيص أَوَّل نَوْمهَا وَآخِره ، وَلِهَذَا كَانَتَا أَثْقَل الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ .

     وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَسْمِيَة الْعِشَاء عَتَمَة ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْي عَنْهُ ، وَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَة بَيَان لِلْجَوَازِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ النَّهْي لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَر أَنَّ اِسْتِعْمَال الْعَتَمَة هُنَا لِمَصْلَحَةٍ وَنَفْي مَفْسَدَة لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَسْتَعْمِل لَفْظَة الْعِشَاء فِي الْمَغْرِب ، فَلَوْ قَالَ : لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعِشَاء وَالصُّبْح لَحَمَلُوهَا عَلَى الْمَغْرِب ، فَفَسَدَ الْمَعْنَى ، وَفَاتَ الْمَطْلُوب ، فَاسْتَعْمَلَ الْعَتَمَة الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَشُكُّونَ فِيهَا ، وَقَوَاعِد الشَّرْع مُتَظَاهِرَة عَلَى اِحْتِمَال أَخَفّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمهمَا . قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ حَبْوًا ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْبَاء وَإِنَّمَا ضَبَطْته لِأَنِّي رَأَيْت مِنْ الْكِبَار مِنْ صَحَّفَهُ .

     وقال النووي بخصوص الصف الأول :

     وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَزَال قَوْم يَتَأَخَّرُونَ أَيْ عَنْ الصُّفُوف الْأُوَل حَتَّى يُؤَخِّرهُمْ اللَّه تَعَالَى عَنْ رَحْمَته أَوْ عَظِيم فَضْله وَرَفْع الْمَنْزِلَة وَعَنْ الْعِلْم وَنَحْو ذَلِكَ ....

      وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّفّ الْأَوَّل الْمَمْدُوح الَّذِي قَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيث بِفَضْلِهِ وَالْحَثّ عَلَيْهِ هُوَ الصَّفّ الَّذِي يَلِي الْإِمَام ، سَوَاء جَاءَ صَاحِبه مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا ، وَسَوَاء تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَة وَنَحْوهَا أَمْ لَا ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي يَقْتَضِيه ظَوَاهِر الْأَحَادِيث وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ ، وَقَالَ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء  : الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْمُتَّصِل مِنْ طَرَف الْمَسْجِد إِلَى طَرَفه لَا يَتَخَلَّلهُ مَقْصُورَة وَنَحْوهَا ، فَإِنْ تَخَلَّلَ الَّذِي يَلِي الْإِمَام شَيْء فَلَيْسَ بِأَوَّلَ ، بَلْ الْأَوَّل مَا لَا يَتَخَلَّلهُ شَيْء وَإِنْ تَأَخَّرَ ، وَقِيلَ : الصَّفّ الْأَوَّل عِبَارَة عَنْ مَجِيء الْإِنْسَان إِلَى الْمَسْجِد أَوَّلًا وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّر ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ غَلَطٌ صَرِيح ، وَإِنَّمَا أَذْكُرهُ وَمِثْله لِأُنَبِّه عَلَى بُطْلَانه لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .

     وجاء عند ابن حجر في (الفتح) :

     ( وَالصَّفّ الْأَوَّل ) زَادَ أَبُو الشَّيْخ فِي رِوَايَة لَهُ مِنْ طَرِيق الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ( مِنْ الْخَيْر وَالْبَرَكَة ) ... وَقَدْ رَوى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَالِك بِلَفْظِ ( لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا ) أي الصف الأول والنداء .

      ( التَّهْجِير ) أَيْ التَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة ، قَالَ الْهَرَوِيُّ : وَحَمَلَهُ الْخَلِيل وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِره فَقَالُوا : الْمُرَاد الْإِتْيَان إِلَى صَلَاة الظُّهْر فِي أَوَّل الْوَقْت ، لِأَنَّ التَّهْجِير مُشْتَقٌّ مِنْ الْهَاجِرَة وَهِيَ شِدَّة الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَار وَهُوَ أَوَّلُ وَقْت الظُّهْر ، وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَشْرُوعِيَّة الْإِبْرَاد لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الرِّفْقَ ، وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ قَائِلَتَهُ وَقَصَدَ إِلَى الْمَسْجِد لِيَنْتَظِرَ الصَّلَاة فَلَا يَخْفَى مَا لَهُ مِنْ الْفَضْل .

      ( لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ) قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة الْمُرَاد بِالِاسْتِبَاقِ مَعْنًى لَا حِسًّا ، لِأَنَّ الْمُسَابَقَة عَلَى الْأَقْدَام حِسًّا تَقْتَضِي السُّرْعَة فِي الْمَشْيِ وَهُوَ مَمْنُوع مِنْهُ . انْتَهَى .

     التأخُّر عن الصف الأول :

     عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ ) . أخرجه أبو داود . و قال الألباني :صحيح .

    و قال ( في عون المعبود ) : يَعْنِي لَا يُخْرِجهُمْ مِنْ النَّار فِي الْأَوَّلِينَ ، أَوْ أَخَّرَهُمْ عَنْ الدَّاخِلِينَ فِي الْجَنَّة أَوَّلًا بِإِدْخَالِهِمْ النَّار وَحَبْسهمْ فِيهَا . كَذَا فِي ( فَتْح الْوَدُود ) .

     أولو الأحلام هم الذين يلون الإمام لأنهم بمثابة بطانة ولي الأمر :

     عند مسلم والأربعة : قال صلى الله عليه وسلم :( لِيَليَنِّي منكم أولوا الأحلام و النُّهَى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، و إياكم و هيشات الأسواق ) .

     عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ قَالَ :بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي وَقَامَ مَقَامِي فَوَ اللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي ، فَلَمَّا انْصَرَفَ فَإِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، فَقَالَ : يَا فَتَى لَا يَسُؤْكَ اللَّهُ إِنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ .  ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ هَلَكَ أَهْلُ الْعُقَدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِمْ آسَى وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا .  قُلْتُ : يَا أَبَا يَعْقُوبَ مَا يَعْنِي بِأَهْلِ الْعُقَدِ؟ قَالَ : الْأُمَرَاءُ . رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال على شرط البخاري وغيرهم وذكر الألباني أنه صحيح .

     الاستباق على الباقي لا الفاني :

     يميل الإنسان إلى الدنيا ومتاعها ومناصبها وهي فانية و لايلتفتون إلى الآخرة وهي الباقية ، قال تعالى:  (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) الأعلى . بل إن الاهتمام بالآخرة هو اهتمام يفوز صاحبه بالدنيا والآخرة  معاً، قال تعالى : ( مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) النساء .  وقال تعالى : (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) الشورى . 

    وقال تعالى : (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين . وقال تعالى : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©