لسماع
الخطبة اضغط على الرابط التالي:
http://www.ssadek.com/jomaa/otba.mp3
*
عن خالد بن عمير العدوي قال : خطبنا عتبة بن
غزوان
فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد .. فإن
الدنيا قد آذنت بصُرْم وولَّتْ حذَّاءَ ، ولم
يبقَ منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء
يتصابُّها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى
دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ،
فإنه قد ذُكِر لنا أن الحجر يلقى من شفَة جهنم
فيهوي فيها سبعين عاما لا يُدرَكُ لها قعر ،
ووالله لتُملأَنّ !! أفعجبتم ؟ ولقد ذُكر لنا
أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرةُ
أربعين سنة ، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من
الزحام , ولقد رأيتُني سابع سبعة مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر
حتى تقرَّحت أشداقنا ، فالتقطت بُردة فشققتها
بيني وبين سعد بن مالك فاتَّزرتُ بنصفها واتزر
سعد بنصفها .. فما أصبح اليوم منا أحد إلا
أصبح أميرا على مصر من الأمصار ، وإني أعوذ
بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا
, وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون
آخر عاقبتها مُلْكا فستخْبُرون وتجرِّبون
الأمراء بعدنا . رواه مسلم و أحمد وغيرهما .
* المعاني : آذنتْ : بهمزة ممدودة وفتح
الذال أى أعلمتْ . الصُّرم بالضم : الانقطاع
والذهاب . حذَّاءَ : بحاء مهملة مفتوحة ثم
ذال معجمة مشددة وألف ممدودة أي مسرعة
الانقطاع . الصُّبابة : بضم الصاد البقية
اليسيرة من الشراب تبقى فى أسفل الإناء .
يتصابُّها : يشربُها . قعْر الشيء : أسفله .
والكظيظ : الممتلئ . : قَرِحت أشداقنا :
أى صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذى
نأكله وحــرارته . سعد بن مالك : هو سعـد بن
أبي وقاص رضى الله عنه .1
*
قال الذهبي : عتبة بن غزوان بدريٌّ جليل ،
أسلم بعد ستة رجال ، و كان من الرماة
المذكورين . و قال ابن حجر : عتبة بن غزوان
بفتح المعجمة وسكون الزاي بن جابر بن وهب
المازني حليف بني عبد شمس أو بني نوفل من
السابقين الأولين وهاجر إلى الحبشة ، ثم رجع
مهاجرا إلى المدينة رفيقا للمقداد ، وشهد
بدرا وما بعدها وولاه عمر في الفتوح فاختط
البصرة وفتح فتوحا وكان طويلا جميلا ، روى
له مسلم وأصحاب السنن ، وفي مسلم من حديثه
لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر ، قال
ابن سعد وغيره : قدم على عمر يستعفيه من
الإمرة فأبى ، فرجع في الطريق بمعدن بني سليم
سنة سبع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل قبل ذلك ،
وعاش سبعا وخمسين سنة ودعا الله فمات .1
* يستفاد من هذه الخطبة :
1ـ الكلام على قِصَر الدنيا، ولا سيما في
آخر الزمان ، وأنه لم يبق منها إلا القليل فقد
كان يعيش مَن كان قبلنا مئات السنين ، وأقاموا
حضارات عظيمة ، وعمروا الأرض أكثر منا ، و من
آثارهم الأهرام و نحوها ، و قال سبحانه في عاد
: (التي لم يخلق مثلها في البلاد) الفجر .1
2ـ عِظَم النار ، وعِظَم الجنة ، وخطورة
اللامبالاة ، وأهمية الاستعداد .
3ـ إعطاء صورة عن وضع الصحابة مع نبيهم
، و أنهم ابتلوا بالقلة في مبدأ الأمر ثم
وسَّع الله عليهم ، و هذه سنة الله في عباده
، قال تعالى : (و نبلوكم بالشر و الخير فتنة )
الأنبياء .1
4ـ الاستعاذة من الكبر والغرور و العجب
الذي كثيرا ما يصيب الناس .
5 ـ انتقاض الحكم بعد العصر الأول
النموذج ، من أجل ابتلاء الناس ، لأن الدنيا
لا يمكن أن تكون جنة ، ولا تعود الخلافة
الراشدة إلا في آخر الأمر أيام المهدي وعيسى ،
ولا يأتي زمان إلا و الذي بعده شر منه ، وقد
توجد تنفيسات كما في عهد عمر بن عبد العزيز ،
و مع ذلك فهذه خير أمة أخرجت للناس ، وهي أمة
الطائفة الظاهرة ، و هي الأمة التي لا تقهر .1
* و الأمة تعاني من فساد حكامها دائما
إلا ما شاء الله لكي يبتلي الله الناس فيظهر
من يأمر بالمعروف و من ينهى عن المنكر ، و
نحن في اليمن ابتلينا بفسادهم ، ولذلك نرى
الجفاف وأنواع العقاب ودعوات الانفصال في
الجنوب وفي شمال الشمال ، وما فتح الثغرات إلا
فساد الحكام ، ولو أنهم كانت لهم بطانة صالحة
للمشورة وتنفيذيون صالحون وقضاة عادلون ينطبق
عليهم في الجملة قوله تعالى : ( الذين عن
مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتو الزكاة و
أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر) لأغلقوا هذه
الثغرات . و قد أحرَج عمر بن عبد العزيز
الفئات المعارضة كلها و منهم الخوارج عندما
أصلح الأوضاع في خلال سنتين و بضعة أشهر .1
|