الخلْق مُحتاجون و الصَّمَد لا يحتاج 

خطبة جمعة في مسجد الإيمان في 22 صفر 1434هـ الموافق 4 يناير 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/smd.mp3

    اللهُ لهُ الكمال المطْلق لايحتاج لِأحد :

     لِلَّهِ سبحانه الأسماء الحُسْنَى و الصّفات العُلَى ، و له الكمال المُطلَق في جميع الوجود و هو الصمد الذي يحتاج إليه الخلْق و لا يحتاج ، و سائر مَن في الوجود عبيدٌ مُحتاجون مُفْتَقِرون ، فيهم صفات النّقْص على تَفَاوُت . (الله الصّمَد ....) الإخلاص . و لا يضُرُّه سبحانه أحدٌ (و لا تضُرُّوهُ شيئًا) التوبة . و كما في حديث أبي ذرّ عند مسلم الآتي : (ياعبادي إنكم لن تبلُغوا نَفْعي فتنْفَعوني ، و لن تبلُغُوا ضُرِّي فتَضُرُّوني) .

    نماذج لِافتقار الملائكة رغْم عِصْمَتهم :

     فالملائكة و هم العباد المُكْرَمون الذين لا يأكلون و لا يشربون و لا ينامون و لا يفتُرون من التسبيح و الطاعة ، محتاجون مُفْتَقِرون ،  و لذلك قالوا كما حكَى الله : (لَا عِلْمَ لنا إلّا ما علَّمْتَنا) البقرة ، و مُعَرّضون للابتلاء كما حصل لِهَاروت و ماروت ، و التهديد واردٌ عليهم : (وَ مَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) الأنبياء . و قد يَخْتَصِمون ، قال تعالى عن النبي صلى الله عليه سلم : (مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ص .

     و في الحديث المتفق عليه : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ : هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ لَا ، فَقَتَلَهُ ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي ، وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ) .

     و قد يتضَرّرون : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ ، قَالَ : فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ ، قَالَ أَىْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ ، قَالَ فَالآنَ...) متفق عليه . 

     نماذج لِافتقار الأنبياء رغم عِصْمَتهم :

    و كذلك الأنبياء الذين اصطفاهم الله ، قال تعالى : (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) الحج . و قال تعالى : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) مريم .

    هم أيضًا محتاجون مُفْتَقِرون ،  و حصلتْ لهم مواقف و ابتلاءات ، فنوح  مثلًا سأل الله من أجل ولَدِه الكافر ، و إبراهيم وعدَهُ الله الإمامة  فقال إبراهيم : و (مِن ذُرِّيَّتي) فقال الله له : ( لا ينالُ عهْدِي الظالمين) البقرة . و أيوب مسّه الشيطان بنُصْبٍ و عذاب ، فدعا الله فكشَف عنه الضرّ ، و موسى أوجَس في نفسه خيفةً من السحر فثبّته الله ، و و قع فيما عتَب عليه ربُّه فهداهُ الله إلى الخضر ، و كان ذلك سببًا في قصة الخضر ، و تعِب و نَسِيَ و لم يتمكَّن من المواصلة ، و يونس خرج مغاضِبًا لِقومه بدون إذْنٍ فحُبِس في بطْن الحوت ، ثم نجَّاه الله ، و نبيُّنا محمد صلى الله عليه و سلّم سُحِر ، و أُصيب في أُحُدٍ و عُرِض عليه العذاب بسبب أخْذ الفِداء في أسْرى بدر ، و كذلك عندما دار في نفسه التفكير في بعض ما عرَض عليه كفار قريش ، و في كلّ مرّة كان الله معه .

     نماذج لِافتقار المسلمين :

     و المؤمنون محتاجون مُفْتَقِرون إلى هداية الله و رعايته دوْمًا قال تعالى : (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّه) الأعراف . و قال تعالى : (إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) يونس . و قال تعالى : (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) الأنفال .

     و في الحديث القدْسي الذي رواه مسلم عن أبي ذرّ عن النبيّ عليه الصلاة والسلام  : (يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ...) قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ . و قال الإمام النووي في (رياض الصالحين) : و روينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، قَالَ : لَيْسَ لأهل الشام حديثٌ أشرفُ من هَذَا الحديث .

     إن لجوء المؤمنين إلى الله هو الطريق إلى الفلاح ، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر .    

     و من ذلك العبادات و في مقدمتها الصلوات ، و في مقدمتها الفجر حتى يكون المسلم في ذمة الله ، و قراءة الورْد القرآني ، و قراءة الأذكار ، و استمرار الاستغفار و الدعاء و الاستخارة و طلب قضاء الحاجات كما في الحديث القُدْسي السابق ، و لا سيما في هذا الزمان الذي كثُرتْ فيه الفِتَن و الابتلاءات و الاعتداءات و المؤمرات في كل مكان . قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر .

     شدّة الخطورة في الكافرين ما داموا غافلين لا يعترفون بالافتقار لخالقهم :

     و إذا كانتْ هذه شدّة حاجة الصالحين إلى خالقهم .. فكيف حال الكافرين الذين نسُوا الله فغفَلوا عن الافتقار إليه بل جَحَدوه ؟ و حاربوا كلّ المُفْتَقِرين ..ثمّ بعد ذلك نَطْمَئِنُّ إليهم ، بل بعضنا يواليهم ؟!!.. هل ننتظر أن يأتينا منهم الفلاح و هم مغضوبٌ عليهم و ضالون ؟ قال تعالى : (إن الذين لا يؤمنون بآياتِ اللهِ لا يَهدِيهمُ الله ، و لهُم عذابٌ أليم) النحل .

و قال تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) الأنفال . لا علاقة لهم بالله ، و لا هداية منه ، و هم ألدُّ أعداء المسلمين .. قال تعالى : (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً) النساء.   ولذلك نتعامل معهم كما نتعامل مع شرّ الدواب ، كما نتعامل مع الثعابين مثلًا في شِدّة الحذر ، لأنهم شاذُّون في الكون .

    و قد جاء على سبيل المثال قبل يومين على لسان معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري في برنامج (بلا حدود) أنّه كان هنالك مخطَّطٌ لإشعال حرب إقليمية كبرى في الشام و تركيا والخليج بغرض تدمير هذه البلاد كلها ، و لاسيّما تركيةُ التي بدأتْ تنهض في كل المجالات و تَتَعافَى من العلمانية ، فيريدون لها الانتكاس ، و يريدون كذلك إجهاض التغيير في بلاد الشام ، و يريدون نزْف الثروات العظيمة في الخليج التي هي احتياطيٌّ لجيع المسلمين .. و لا زالتْ خطورة هذا المُخَطَّط قائمة . 

    و في الختام قال تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الذاريات .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©