التثبت

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 23 محرم 1431هـ الموافق 8 يناير 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/tathbt.mp3

   * قال تعالى : (يَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةًۭ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱحْكُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌۭ شَدِيدٌۢ بِمَا نَسُوا۟ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ ) ص.

    قال ابن كثير: توعَّد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسَى يوم الحساب بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد ، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد حدثنا مروان بن جناح حدثني إبراهيم أبو زرعة ـ كان قد قرأ الكتاب ـ أن الوليد بن عبد الملك قال له أيحاسَب الخليفة فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت ؟ فقلت يا أمير المؤمنين أقول ؟ قال : قل في أمان الله . قلت : يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أو داود عليه الصلاة والسلام؟ إن الله تعالى جمع له النبوة والخلافة ثم توعده في كتابه فقال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) الآية . وقال عكرمة (لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) هذا من المقدم والمؤخر ، لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا وقال السدي : لهم عذاب شديد بما تركوا أن يعملوا ليوم الحساب ، وهذا القول أمْشَى .

     قال سيد قطب : (واتباع الهوى فيما يختص بنبي هو السير مع الانفعال الأوّل وعدم التريُّث والثبُّت والتبيُّن . و من رعاية الله لعبده داود أنه نبَّهه من البداية ، وبيّن له النهاية ، وهذا فضل الله على المختارين من عباده . فهم ببشريتهم قد تعثر أقدامهم أقل عثرة فيقيلها الله ويأخذ بيدهم ويعلمهم ويوفقهم إلى الإنابة .اهـ.بتصرُّف .

     قال السعدي : (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) الذي صدر منه ، وأكرمه اللّه بأنواع الكرامات، فقال: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) أي: منزلة عالية، وقربة منا، وَحُسْنَ مَآبٍ) أي: مرجع .
     وهذا الذنب الذي صدر من داود عليه السلام، لم يذكره اللّه لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلُّف، وإنما الفائدة ما قصه اللّه علينا من لطفه به وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها .اهـ . 

     * وداود كما قال بعض المفسرين كان خطأه أنه حكم قبل السماع من الخصم الآخر . والخطأ يحدث نادراً من الأنبياء لإظهار بشريّتهم ، ولكن الوحي يصحِّحه لهم ، فهم معصومون بالوحي . وقال ابن حيان : بل حكَم داود لظهور الأمر ولم يحتجْ لسماع الآخر ، و لا نذكر نحن الذنب كما جاء في كلام السعدي . وقال الشيخ عمر أحمد سيف من علماء اليمن المتوفَّى قبل سنوات : إن القضية ليس فيها مظلمة لأن صاحب الغنم الكثيرة أراد الإحسان إلى الآخر بكفالة نعجته مع سائر النعاج لئلا يشتغل بها ، وكان واجب صاحب النعجة الشكر لا الشكوى ، فابتُلي داود واستعجل في الحكم ، ثم انتبه فسجد توبةً لله كما في الحديث ثم وعظه الله كما في الآية .

    *والموعظة لداود موعظة لكل الناس لكي يضبطوا تصرفاتهم وأحكامهم وألسنتهم بالذات .. والحساب دقيق والألسنة هي أكثر ما يُدخِل الناس النار ، ولا شك أن وسائل الإعلام اليوم التي لا تتَثَبَّت والتي تبلغ كلماتها الآفاق داخلةٌ بالأَولى .

     *وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال (سجدها داود توبةً ونسجدها شكراً) رواه النسائي والطبراني والخطيب وقال الألباني صحيح .

     وعن أبي سعيد الخدري أنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزَّنَ الناس ـ تهيئوا ـ للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تشزَّنتم للسجود )  فنزل فسجد وسجدوا . رواه أبو داود وابن حبان والحاكم و قال على شرطهما ووافقه الذهبي وقال الألباني والأرناؤوط صحيح .

     وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ص ليس من عزائم السجود وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم .

   وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : إني رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة ، فرأيت كأني قرأت سجدة فرأيت الشجرة كأنها تسجد لسجودي ، فسمعتها وهي ساجدة وهي تقول : (اللهم اكتب لي بها عندك أجرا ، واجعلها لي عندك ذُخراً وضَعْ عني بها وِزْراً ، واقبلها مني كما تقبَّلتَ من عبدك داود ) . قال ابن عباس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرجل عن كلام الشجرة . رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وفال الألباني حسن .

    * وهذه الموعظة لداود رغم قوله صلى الله عليه وسلم : (كان داود أعبد البشر) ت ك  عن أبي الدرداء قال الألباني حسن . وذلك لأنه كما جاء عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود  كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما) رواه الجماعة ، وفي رواية : (وكان لا يفرُّ إذا لاقى) . فالعابد مهما كانت عبادته يحتاج إلى التذكير بالعدل فكيف بغيره؟ .. ورغم أن داود نبي معصوم فكيف بغيره؟.. ورغم أنه كان قويا فلا غنى له عن العدل ، قال تعالى : (واذكر عبدنا داود ذا الأيْد) والأيْد القوة ، والملك القويُّ والدولة القوية لايحفظ قوتها إلا العدل . وحتى مع الظروف غير المعتادة كحالة الخوف لابد من التغلب على الارتباك وتحرِّي العدل , فداود عليه السلام عندما دخل عليه الخصمان فزع منهما ومع ذلك طُلِب منه مراعاة العدل.

    *والسماوات والأرض قامتا على الحق والعدل والميزان ، ولو حصل خلَلٌ يسير لاختلّ الكون ، قال تعالى : (والسماء رفعها ووضع الميزان) الرحمن ، وكما أن الله أقام العدل والتوازن في الكون ، فسوف يقيمه في البشر يوم القيامة ، ويجزي كل نفس بما كسبت ، قال تعالى: (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتُجْزَى كل نفس بما كسبتْ)الجاثية . وقال تعالى : (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفسٌ شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) الأنبياء .

     *وأمر سبحانه بالعدل في الدنيا، وبذلك أرسل الرسل، قال تعالى : (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد .  فلا بد من تحرّي العدل والتثَبُّت في القول والعمل (كونوا قوامين بالقسط) النساء . ولو مع الأعداء ، قال تعالى : (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا) المائدة . وعن عبدالله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين .. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا) رواه مسلم .    

     *و من العدل الدقة في الكلام قال تعالى: ( وإذا قلتم فاعدلوا )الأنعام ، فكل كلمة محفوظة ، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق . وتدخل وسائل الإعلام دخولاً أوليّاً ، فهي تصنع الرأي العام وكما قيل فإن الصحافة وحدها السلطة الرابعة ، ولا بد للإعلاميين أن يتقوا الله في كل ما ينقلون ، والله الموعد ، والفضيحة قد تكون عاجلة في الدنيا ، و مَن تغدَّى بكذْبة ما تعشَّى بها .. قال تعالى : ( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْما بِجَهَـٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ ) الحجرات.  قال السعدي : خبر الفاسق متوقَّف فيه كما ذكرنا إلى أن تدل الدلائل على صدقه ، وقدكان السلف يقبلون روايات الخوارج، المعروفين بالصدق  .اهـ .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©