مَن هُم التكْفِيْرِيُّون ؟

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 17 صفر 1435هـ الموافق 20 ديسمبر 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/tkfer.mp3

    عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ) . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الدِّينَ) . متفق عليه .

     جاء في الفتح لابن رجب :

     هذا الحديث نصٌّ في أن الدين يتفاضل؛ وقد استدل عليه بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) المائدة ، وأشار البخاري إلى ذلك في موضع آخر ، ويدل عليه أيضا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء: (ما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ أذْهبَ لِلُبِّ الرجُل الحازم من إحداكنّ) متفق عليه . وفسر نقصان دينها بترْكها الصوم والصلاة أيام حيضها؛ فدل على دخول الصوم والصلاة في اسم الدين. وقد صرح بدخول الأعمال في الدين طوائف من العلماء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم .

      فمن قال: الإسلام والإيمان واحد فالدين عنده مرادفٌ لهما، وهو اختيار البخاري ومحمد بن نصر المروزي كما في (تعظيم قدر الصلاة) وغيرهما من أهل الحديث.

    ومن فرق بينهما، فاختلفوا في ذلك؛ فمنهم من قال: إن الدين أعم منهما، فإنه يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، كما دل عليه حديث جبريل، وقد أشار البخاري إلى هذا فيما بعد .

    ومن قال: الإيمان التصديق ، والإسلام الأعمال ، فأكثرهم جعل الدين هو الإسلام وأدخل فيه الأعمال ، وإنما أخرج الأعمال من مسمى الدين بعض المرجئة.

    ومن قال: الإسلام الشهادتان، والإيمان العمل - كالزهري، وأحمد في رواية وهي التي نصرها القاضي أبو يعلي - جعل الدين هو الإيمان بعينه، وأجاب عن قوله تعالي (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ) آل عمران ، أن بعض الدين الإسلام وهذا بعيد .

     وأما من قال: إن كلًّا من الإسلام والإيمان إذا أطلق مُجردًا دخل الآخر فيه، وإنما يفرق بينهما عند الجمع بينهما، وهو الأظهر؛ فالدين هو مسمَّى كل واحد منهما عند إطلاقه، وأما عند اقترانه بالآخر فالدين أخصُّ باسم الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والانقياد وكذلك الدين يقال:: دانه يَدينه إذا قهره ، ودان له إذا استسلم له وخضع وانقاد؛ ولهذا سمى الله الإسلام دينا فقال: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ) آل عمران ، وقال: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) آل عمران ، وقال: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) المائدة .

    وإنما فسَّر القمُص في المنام: الدين؛ لأن الدين والإسلام والتقوى كل هذه توصف بأنها لباس، قال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) الأعراف ، وقال أبو الدرداء: الإيمان كالقميص يلبسه الإنسان تارة وينزِعه أخرى، وفي الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يُنزَع منه سربال الإيمان) وهو متفق عليه دون قوله: (ينزع منه سربال الإيمان) . وانظر (تعظيم قدر الصلاة) .

     وقال النابغة:    

      الحمد لله الذي لم يأتِنِي أجَلي  ***  حتى اكتسيتُ من الإسلامِ سِربالَا

     وقال أبو العتاهية: 

        إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا من التُّقَى ***  تقلَّب عُريانًا وإنْ كان كاسيا

     فهذه كلها كسوة الباطن وهو الروح وهو زينةٌ لها، كما في حديث عمار: (اللهم زيِّنا بزينة الإيمان) رواه أحمد والنسائي في " المجتبى " وفي التحقيق بإشراف التركي أنه صحيح . كما أن الرياش زينة للجسد وكسوة له، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) الأعراف . ومن هنا قال مجاهد والشعبي وقتادة والضحاك والنخعي والزهري وغيرهم في قوله تعالى (وثيابك فطهر) المدثر ، إن المعنى: طهِّرْ نفسك من الذنوب.

    وقال سعيد بن جبير: وقلبَك ونِيَّتك فطهِّرْ. وقريب منه: قول من قال: وعملَك فأصْلح . روي عن مجاهد وأبي روق والضحاك. وعن الحسن والقرظي قالا: خلُقك حسِّنْه ، فكنَى بالثياب عن الأعمال وهي الدين والتقوى والإيمان والإسلام، وتطهيره: إصلاحه وتخليصه من المفسدات له، وبذلك تحصل طهارة النفس والقلب والنية، وبه يحصل حسن الخلق؛ لأن الدين هو الطاعات التي تصير عادة وديدنا وخلقا، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم) القلم. وفسره ابن عباس بالدِّين أخرجه ابن جرير في " تفسيره " ، وابن المنذر وابن حاتم وابن مردويه. قاله السيوطي في " الدر المنثور . اهـ . بتصرُّف .

     جاء في الفتح لابن حجر :

    (رَأَيْتُ النَّاسَ) هُوَ مِنَ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ وَقَوْلُهُ (يُعْرَضُونَ) حَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرُّؤْيَة الْعِلْمِيَّةِ وَ(يُعْرَضُونَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ ، وَ (النَّاسَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ ، تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ بِلَفْظِ (يُعْرَضُونَ عَلَيَّ) وَفِي رِوَايَةِ عقيلٍ الْآتِيَةِ بَعْدُ (عُرِضُوا) .

     (مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ ثَدْيٍ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَمِيصَ قَصِيرٌ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنَ الْحَلْقِ إِلَى نَحْوِ السُّرَّةِ بَلْ فَوْقَهَا . (وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ دُونَهُ مِنْ جِهَةِ السُّفْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، فَيَكُونُ أَطْوَلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ دُونَهُ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ فَيَكُونَ أَقْصَرَ ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي رِوَايَةِ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ من طَرِيق أُخْرَى عَن ابن الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَمِيصُهُ إِلَى سُرَّتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَمِيصُهُ إِلَى رُكْبَتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَمِيصُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) .

     (وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَ (عُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) .. (قَمِيصٌ يَجُرُّهُ) ، فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ (يَجْتَرُّهُ).. (قَالُوا مَا أَوَّلْتَهُ؟) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ (أَوَّلْتَ) بِغَيْرِ ضَمِيرٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْكِتَابِ بِلَفْظِ (فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ؟) وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) .. (قَالَ الدِّينَ) بِالنَّصْبِ وَالتَّقْدِيرُ أَوَّلْتُ ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَكِيمِ الْمَذْكُورَةِ (قَالَ على الْإِيمَان) .

    (قَوْلُهُ بَابُ جَرِّ الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ) :

ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ مِنْ وَجه آخر عَن ابن شِهَابٍ ... قَالُوا وَجْهُ تَعْبِيرِ الْقَمِيصِ بِالدِّينِ أَنَّ الْقَمِيصَ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينُ يَسْتُرُهَا فِي الْآخِرَةِ وَيَحْجُبُهَا عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير) الْآيَةَ ، وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ الْفَضْلِ وَالْعَفَافِ بِالْقَمِيصِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ : (إِنَّ اللَّهَ سَيُلْبِسُكَ قَمِيصًا فَلَا تَخْلَعْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ و ابن ماجة وَصَححهُ ابن حِبَّانَ . وَاتَّفَقَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ يُعْبَرُ بِالدِّينِ وَأَنَّ طُولَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِ صَاحِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ .

     وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ يَتَفَاضَلُونَ فِي الدِّينِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَبِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ ، وَهَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا يُحْمَدُ فِي الْمَنَامِ وَيُذَمُّ فِي الْيَقَظَةِ شَرْعًا أَعْنِي جَرَّ الْقَمِيص لما ثَبت من الْوَعيد فِي تطويله وَمِثْلُهُ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَيْدِ وَعَكْسُ هَذَا مَا يُذَمُّ فِي الْمَنَامِ وَيُحْمَدُ فِي الْيَقَظَةِ . وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَسُؤَالِ الْعَالِمِ بِهَا عَنْ تَعْبِيرِهَا وَلَوْ كَانَ هُوَ الرَّائِي ، وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْفَاضِلِ بِمَا فِيهِ لِإِظْهَارِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ السَّامِعِينَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِالْمَدْحِ كَالْإِعْجَابِ،  وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِعُمَرَ . ومثل ذلك قَول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِي، فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ) فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (العِلْمَ) متفق عليه.

    وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ : إِنَّمَا أَوَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينِ ، لِأَنَّ الدِّينَ يَسْتُرُ عَوْرَةَ الْجَهْلِ كَمَا يَسْتُرُ الثَّوْبُ عَوْرَةَ الْبَدَنِ ، قَالَ وَأَمَّا غَيْرُ عُمَرَ فَالَّذِي كَانَ يَبْلُغُ الثُّدِيَّ هُوَ الَّذِي يَسْتُرُ قَلْبَهُ عَنِ الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ يَتَعَاطَى الْمَعَاصِيَ ، وَالَّذِي كَانَ يَبْلُغُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَفَرْجُهُ بَادٍ هُوَ الَّذِي لَمْ يَسْتُرْ رِجْلَيْهِ عَنِ الْمَشْيِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَالَّذِي يَسْتُرُ رِجْلَيْهِ هُوَ الَّذِي احْتَجَبَ بِالتَّقْوَى مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، وَالَّذِي يَجُرُّ قَمِيصَهُ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الصَّالح الْخَالِص .

    قَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ مَا مُلَخَّصُهُ : الْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُؤْمِنُونَ لِتَأْوِيلِهِ الْقَمِيصَ بِالدِّينِ، قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بَلْ بَعْضُهَا ، وَالْمُرَادَ بِالدِّينِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ ... وَكَانَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ الْعَالِي ، قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَا يُرَى فِي الْقَمِيصِ مِنْ حُسْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعْبَرُ بِدِينِ لَابِسِهِ ، قَالَ وَالنُّكْتَةُ فِي الْقَمِيصِ أَنَّ لَابِسَهُ إِذَا اخْتَارَ نَزْعَهُ وَإِذَا اخْتَارَ بَقَاءَهُ ، فَلَمَّا أَلْبَسَ اللَّهُ المومنين لِبَاسَ الْإِيمَانِ وَاتَّصَفُوا بِهِ كَانَ الْكَامِلُ فِي ذَلِكَ سَابِغَ الثَّوْبِ وَمَنْ لَا فَلَا ... فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ تَعْبِيرُهُ بِحَسَبِ هَيْئَتِهِ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ وَمِنْ حُسْنٍ وَضِدِّهِ فَمَهْمَا زَادَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ فَضْلِ لَابِسِهِ وَيُنْسَبُ لِكُلٍّ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ دِينٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ حِلْمٍ أَوْ تَقَدُّمٍ فِي فِئَةٍ وَضِدُّهُ لضده .لاسيما والثوب في الآخرة زينة محضةٌ بمعنى أنه ليس مذمومًا إسبالُه اهـ . بتصرُّف .

     يُؤخَذ من الحديث :

     1- الرُّؤَى الصالحة جزءٌ من النُّبُوَّة إلا رُؤَى الأنبياء فهي وحْيٌ بدون ترَدُّد ، وتقَع الرُّؤَى حسَب التأويل ولا يكون تعبيرها إلَّا عند صاحب مودَّة أو ناصح ، ويُسْتَأْنَس بها في الهداية ، ولذلك كان يحرص عليه الأنبياء والأولياء .

     2- الرُّؤَى تصويرٌ للأحداث يحفظه الذهن ، وههنا تصويرٌ للدِّين بالثوب ، للتناسُب من وجوهٍ عديدة ، قال تعالى: (ولباسُ التَّقْوَى ذلك خيرٌ) المائدة ، وطول الثوب هنا محمودٌ لأنه زينةٌ بمقياس الآخرة لا الدنيا ، ووقايةٌ كالِّلحاف .  و العلْم الشرعي تغذيةٌ وطاقةٌ في كما في الرُّؤيا الأخرى ، وعُمَر نموذجٌ في ذلك ، واللباسُ في الرؤيا الأولى حافظٌ للطاقة مُصَرِّفٌ لها التصريف الأمثل .

     3- قد يكون الدين قليلًا ، يحِلُّ في القلب ، يزيد وينقص ، ويدلُّ على ذلك وصول الثوب إلى الثَّدْيِ فقط ، والثَّدْيُ فوق القلب ، ويظلُّ بقيّة الجسد عاريًا ، أي يرتكِب الموبقات ، ومع ذلك لا يزال صاحبه صاحب قميصٍ (فيه دِين) وإن كان غير مُرْضٍ ولا مُرِيحٍ ،  و هو مُعَرَّضٌ لدخول النار ، لكنه لا يخلُد فيها .. لأن الإسلام و لو كان مثقال ذرَّة من التوحيد فلا بد أن ينفع صاحبه يومًا من الدَّهر.

     4- منهج أهل السنّة في منْع تكفير المسلم إلا بِكُفْرٍ بَوَاحٍ يدمَغُ المُبتدعة الذين أصبحوا تَبَعًا للمُخَطَّط العالَمي يَصِفُون أهل السُّنَّة بالتكفيريين ، مع أن الحقيقة أن المُبتدعة يُكَفِّرون المُخالِف لهم بأدنى مخالَفة ! فمَن هم التكفيريُّون إذَن؟ومَن هم أصحاب المعيار المضبِط و الصُّدور الرَّحبة؟   

      إن الإسلام في سبيل التشجيع على دخول الإسلام وعلى التوبة ، قبِل الإسلام من قاتِل حمزة ، وقبِل أن يَضرِب الكافر يدَ المجاهد ثم يقول أسلمتُ لله ويسلَم من العقاب ، كما قبِل توبة المحاربين إذا تابوا قبْل القُدرة عليهم .. إلا أن الولاءَ يكون على قدْر الدِّين ، قال تعالى : (و لا تأخذْكم بهما رأفةٌ في دين الله) النور .

     5- ليتَ أصحاب الهَبَّة في هذا اليوم في جنوب اليمن يتذكَّرون تخطيط الأعداء في توظيف هبَّتَهم للانفصال عن اليمن .. ليتَهم يتذكَّرون أن علاقتهم بإخوانهم في الدِّين علاقةٌ أبديّة ، وأن هبَّتهم كان يجب أن تكون على الأعداء ، وأن هبَّتهم الآن ربما تتبعها هبَّات في داخلهم فتنقلهم من زاويةٍ إلى زاوية حتى يصِيروا مِزَقًا وفِرَقًا وقِطَعًا صغيرة !! .   

    ونقول لأصحاب الهبَّة الموَجَّهة على إخوانهم : هل يجوز لمن سُرِقَ حذاؤه في المسجد أن يهجُر المسجد ؟ و يقول : جاءَ مُبَرِّر الهَجْر منك يا بيتَ الله؟!! وهل يجوز للشخص أن يَعُقَّ اُمَّه بحجّة أنها ولدتْ أخاهُ الذي يؤذِيه؟! وهل يَصِحُّ للذين يعيشون في أوساط بيوتِ من زجاج أن يَرْمُوا بالأحجار بحُجَّة طرْد الغِربان؟!

     لقد توقَّف النبي الحكيم عليه أزكى الصلاة  والتسليم عن معاقبة عبد الله بن أُبَيٍّ رغم إعلانه الكفر أكثر من مرّة ، لِأنه لا يريد أن يتحدّث الناس أن محمدًا يقتُل أصحابه كما في الحديث الصحيح .

    وفي الختام يقول سبحانه : (والمؤمنونَ والمؤمنات بعضُهم أولياء بعض) التوبة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©