توظيف العدو لطاقاتنا في ضربنا

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 28 صفر 1431هـ الموافق 12 فبراير 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/twdef.mp3

     *من شدة مكر الأعداء أنهم لايكتفون يصرف جهودهم وطاقاتهم في محاربة المسلمين ، وإنما أصبحوا يستغلون طاقات المسلمين وأموالهم وجهودهم لتدمير المسلمين ،  فالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسائية والثقافية الدولية ووسائل الإعلام والدوائر العسكرية الغربية والدوائر الأمنية والاستخباراتية والدوائر السياسية تتخذ لها أيادي و فروعاً وأشباهاً وتوائم وأوعية تعاونية في بلاد المسلمين بأموال المسلمين ورجالهم تنفذ مخططاتهم ومؤامراتهم ، وتستثمر الأقليات كالباطنية والرافضة ومقدسي القبور والأضرحة والعلمانيين وأهل الابتداع عموماً لشعورهم بالتباعد عن جسم الأمة (لا يألونكم خبالا) آل عمران . (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب...) الحشر .

      *والأوعية والتوائم في بلاد المسلمين أشبه بالخلايا السرطانية التي هي جزءٌ من خلايا الجسم تتغذى بغذائه وتستفيد من خدماته وتحمل هويته ، ومع ذلك لا تألو في تدميره والإسراع به إلى نهايته . وكم هي الجناية في حقن الجسم بالمادة التي ينتُج عنها تلك الخلايا السرطانية .

     *إنها أكبر مكْر وأعظم هدْم  بأقل جهْد  على طريقة الآلات الحديثة التي توفر الوقت والجهد فيستمر المصنع أو القطار أو السفينة أو الطائرة أو الصاروخ في العمل الضخم  المتواصل ، والذي أدار الآلة أو ضغط الزر في هدوء وارتياح ، إلا أن هذا المثَل في جانب إيجابي .. أما المؤمرات الغربية فهي تدميرية ، إنها في الجانب المعاكس اللاأخلاقي واللاإنساني .. تبدأ  بالعمل اليسير .. كما في الانفجار المتسلسل .. بالقاذف الذرّي البسيط الذي يفجر الذرة الأولى ، ثم تتسلسل الانفجارات في الذرات ، ويحدث الانفجار المتسلسل الهائل في المادة كلها ، فتحوّل المنطقة كلها إلى جحيم . ويظل  الفاعل المجرم يرقُب من بعيد كما قال تعالى : (وإنْ كان مكرهم لتزول منه الجبال) إبراهيم .

     *لقد تولَّوا إنجاز الخطوة الأولى ، تركوا الخلايا السرطانية والانفجار المتسلسل يفعلان فعلهما في الاقتصاد والدماء والأخلاق والسياسة وغيرها ، وتركوا كل بلد يتصارع مع أزماته ، ويُدير تلك الأزمات أبناؤه الشواذ بكل حرص وتفانٍ  ، وتتزايد الفوضى الخلاّقة التي تخلق لهم  المزيد من الدوَّامات المدمّرة في المسلمين ، وهم يرقبون من قريب أو بعيد من قواعدهم وأقمارهم واستخباراتهم ، ويوزعون شهادات النجاح أو الفشل ، وإذا لزم الأمر أنابوا عنهم صواريخ كروز أو الطائرات المجردة التي يبخلون عليها حتى بالطيار أو المفخخات التي يديرونها بالريموت فيفجّرون ضد فئة لكي تتوهّم أن التفجير من الفئة الأخرى وهكذا حتى تشتعل النار بين الطوائف والفئات !!  أو يُنِيبون المدرّبين الذين يكتفون بالتدريب ويتركون  للمخدوعين التنفيذ ، وكم يكون الوقود كل المقدَّرات بما في ذلك البشر من الأطفال والنساء ..  إنهم حريصون على الحياة  وتنوب عنهم المؤامرات ، كما ينوب  عنهم المجاهدون في سبيلهم بأموالهم وأنفسهم  من المغرَّر بهم من أبناء المسلمين !!

     *إنها طريقتهم القديمة الجديدة ..  قال ابن جرير حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحق قال حدثني الثقة عن زيد بن أسلم قال : مر شأس بن قيس وكان شيخا قد عسا في الجاهلية ، عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم ، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قَيلة بهذه البلاد ! لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار ! فأمر فتى شابا من يهود وكان معه فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم وذكِّرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار - وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج – ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب : أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة ! وغضب الفريقان وقالوا : قد فعلنا ، السلاح السلاح ! موعدكم الظاهرة - والظاهرة : الحَرَّة - فخرجوا إليها وتحاوز الناس ، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم ، فقال : يا معشر المسلمين : (الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس وما صنع ، فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع : (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ، قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا ) آل عمران .. الآية وأنزل الله عز وجل في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية : (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) إلى قوله : (أولئك لهم عذاب عظيم ) .

    قال السيوطي في (الدر المنثور) : وقد أخرجه ـ أي هذا السبب في نزول الآيات ـ ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم  .  وقال الشوكاني  في (فتح القدير) : وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة من طرق . وقال الوادعي عن القصة إن إسنادها معضل . ولكنه يستأنس بها مع حصول التوافق بين معناها ومعاني الآيات والله أعلم .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©