وَأعِدُّوا !!

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16 شوال 1434هـ الموافق 23 أغسطس 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/waedo.mp3

     سؤالٌ من أحد الدعاة :

     سأل أحدهم : لماذا يدعو المسلمون ولا يُستجاب لهم في ظروف الفتن هذه الأيام ؟ ولماذا لا يتحقَّق لهم النصر ؟     والجواب أن لذلك سببين : 1- اتباع العدوّ في تبنِّي مزعوم الديمقراطية (فتنة الدهيماء) وهي منهج العدوّ ، و مزعوم الديمقراطية منكَرٌ يمنع استجابة الدعاء .   2- عدم التركيز على القوة لردْع المعتدين ، وهو تعطيلٌ لسنة الله ، ورحم الله البنَّا عندما جعل شعار الإخوان (وأعِدُّوا).

    تلبيس فرعون وتلبيس الدول الكبرى :

     لقد أراد فرعون التلبيس على دعوة موسى وحاول أن يفرِض منهجه ومنه السحر  ، قال تعالى : (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ، فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ....) طه .

     ولكن الله عصَم موسى وثبَّتَه ، فكسَب موسى الجولة وآمن السحَرَة ، ولم يُبالِ السحَرَة بعد معرفة الحق بتهديدات فرعون الفارغة .. قال تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ، وأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ، قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ، قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) طه .

     وكل طاغوت له منهج ، و كان من منهج فرعون تسويق السحر ، كما أن من منهج الطواغيت (الدول الكبرى) هذه الأيام تسويق مزعوم الديمقراطية ونقْلنا إلى مربَّعها ، والديمقراطية عندهم مثل أصنام  الجاهلية : مرَّةً تُعْبَد ومرَّةً تُؤْكَل ، و تتِمُّ مراوغتنا في تفسير الديمقراطية في كل يوم بتفسير حسب الأهواء التسلُّطية للطواغيت (الدول الكبرى) كما في قضايا مصر وسورية وفلسطين إلخ ..

    الديمقراطية منهجيةُ التخليط واستراتيجيةُ الضعف ، والشريعةُ والخلافةُ منهجيةُ الدين الخالص واستراتيجيةُ القوة :

     ونحن أمة كبرى لها رسالتها ومنهجها ودولتها الكبرى ، ولا يصلح أن نفكّر في كل بلد على حِدةٍ بمنهجية واستراتيجية الضعف : استراتيجية شعبٍ واحد وإقليمٍ واحد ودستورٍ محدود في ظل الاتفاقية التي فرَضَها علينا أعداؤنا : اتفاقية (سايكس بيكو) ، فهي اتفاقيةٌ لتقسيم لحْمنا ولِأكْلنا وليستْ لبنائنا وتقْويتنا  ، إنها اختزالٌ لنا في صورة دويلات مستقلة .. كما يفعل الجزار بقطعان الأنعام بالاستفراد بكلٍّ منها وذبحها على حِدَة ، مع دموع التماسيح .

     ولا بد لنا من التوبة من التخليط في المنهج والتخليط في الاستراتيجية ، و العمل على الانتقال من مربع سايكس بيكو في الدويلات المستقلة إلى مُربَّع الأمة الواسعة العملاقة المتماسكة كالجسد في إطار الشريعة والخلافة ، لمواجهة أعدائنا الذين يعملون ضدنا من مُربَّع العَمْلَقَة والهيمَنَة والتدخُّلات والتحالفات ، وما الأمم المتحدة إلا تحالفٌ من تحالفاتهم ، يحكموننا بها ويحكمون العالم !!..

    وفي الوقت نفسه يراوغوننا بالشعارات الديمقراطية الخادعة ! ومايزعمونه حق الشعب في اختيار حكامه وحق تقرير المصير .. مع عدم إعمال أيِّ شيءٍ من تلك الشعارات لا في مصر ولا في سورية ولا في فلسطين ولا في الجزائر ولا في أفغانستان ولا في الشيشان..

    لقد دخل المُتديِّنون في مصر الانتخابات النيابية وانتخابات الشورى ،وانتخابات الرئاسة ، والاستفتاء على الدستور .. وحقَّقوا نجاحات وأغلبيّات بمقاييس مزعوم الديمقراطية ، ووصلوا إلى قمة الهرَم ، وفجأة تحالف الأعداء بمن فيهم المنافقون وفجَّروا الهرَم بالانقلاب العسكري ففَقَد المتديِّنون كل شيء، وأصبحوا بالآلاف ضحايا ومعتَقلين ومعذَّبين!!.. ومثل ذلك ما حصل لجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر .

     وفي غزّة كاد أن يحصل للمتديِّنين مثل ذلك ، ولكن إعدادهم العسكري حَفِظ لهم بفضل الله وجودهم ، ولا زالوا رغم الحصار وصِغَر المساحة والظروف الصعبة نموذجًا للتصرُّف المناسب المتاح لتخفيف شرِّ أعداء الله ..  و رغم المآسي المهُولة في سورية إلا أن وجود فصائل الجهاد خفَّف المأساة و جعل العدوَّ يذوق بعض ما يُذوقه الأبرياء ، وانْفتَح باب الأمل للردْع والنصر إن شاء الله..

     فهؤلاء المجاهدون إن دَعَوا الله بعد التزامهم بالخلوص و أخذهم بالسُّنَن مؤَهَّلون إن شاء الله لاستجابة الله لدعائهم .. تمامًا كالذي يريد إنتاج القمح بعد أن يأخذ بِسُنَن الحرْث والبذْر والسَّقْي .. أما الاعتماد على الدعاء وحده مع إهمال بقيّة السُّنَن فلا يكفي .

    نماذج من مواقف أعدائنا :

    إن مقصود أعدائنا هو خداعنا لنصدّقهم فنحرص على التخليط و على استقلالنا عن أمتنا ، وعن الابتعاد عن استراتيجية أُمّتنا وخلافتها ، و عن العِصْمة التي هي اعتصامنا بحبل الله وهي شريعتنا الجامعة لنا في أُمَّةٍ كبرى ودولة كبرى ، وبالمقابل هم يتكتَّلون ويتَعمْلَقون لكي يسهل عليهم بتكتُّلاتهم التسلُّط علينا..  

    يخدعوننا بما يُسَمّى بالشراكة والعلاقة ، وكلُّها هُراء كشراكة العصفور مع الديناصور التي تجعله عند اللزوم كالخادم مع المخدوم أو كاللقمة مع الآكل .    

     ومن منهج طواغيت العصر المُراوغين الاستخفاف بنا و التفرُّد بالقرارات والاعتراضات دون أدنى موضوعية أو ديمقراطية كما يزعمون ، كما كان فرعون فيما حكَى عنه القرآن : (قال فرعونُ ما أُريكم إلا ما أَرَى ، وما أَهدِيكم إلا سبيلَ الرَّشاد) الزمر . فهذه الدولة الروسية مثلًا تدعَم النظام المجرم في سورية و تستعمل الفيتو لِدعْم مذابحه ، و يتواطؤُ معها الغرب لِكسْب المزيد من الوقت للمزيد من الإبادة والدمار ، وآخر المذابح المذبحة الكيماوية التي راح ضحيتها في عملية واحدة نحو 1500 نفْسٍ من النساء والأطفال والمدنيين قبل يومين  ، و قد كانت مجازر مصر التي جرّبتْها الغابة الدولية دون نكيرٍ ، بمثابة التشجيع  .. فأين الديمقراطية المزعومة؟

     انظروا كيف يَسخَرون منا !! .. لقد أخذ طاغية مصر المدعوم من الغابة الدولية يحلِف الأيمان ويزعم أنه يخاف ربَّنا !! ويَتَشَبَّه بالواعظين ويداه ملطّختان بدماء الآلاف ، وسجونه مشحونة بآلافٍ آخَرين من لأبرياء .. يستغفِلون الناس ويستهتِرون ويكذِبون الكذِب البَواح ويَشْمَتون ..  يُدينون مع أسيادهم الفساد والإرهاب و يمارسون أسوأ أنواعه . فأين الديمقراطية المزعومة؟

     لقد كان فرعون يزعم الخوف على الدين والخوف من ظهور الفساد على يد موسى !!.. كما حكَى عنه القرآن : ( ... إني أخاف أن يُبَدِّل دينَكم أو أن يُظْهِر في الأرضِ الفساد) الزمر.. وهو يذبَح الأطفال الرُّضَّع بالجملة !!.. وهؤلاء في الحقيقة ماضُون على سُنّة فرعون .

      لماذا إذًا لايُستجاب دعاؤنا ،و لا يدوم النصر معنا ؟:

     إن ذلك كما سبَق بسبب مُنْكَر التخليط في منهجنا ، و بقائنا في مربِّع عدوّنا ، وعدم الاحتراز بإعداد القوّة للسعْي لإقامة دولة الخلافة التي هي مشروعنا ، قال تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران .

     وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ) أخرجه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ . اهـ.. و أخرجه أحمد بنحوه وقال الألباني والأرناؤوط أيضًا إن الحديث حسن .

قال الشاعر :     وما نيْلُ المطالِب بالتَّمَنِّي   ***    ولكنْ تُؤْخَذُ الدُّنيا غِلَابَا

    إن إجابة الدعاء والنصر إنما هو بتصحيح المسار، ورفْض التخليط ، إضافة إلى إعداد ما نستطيعه من قوّة ماديّة ، و إذا رضِيَ الله عن مسارنا أنزَل نصره علينا ، قال سبحانه : (إن تنصروا الله ينصركم) محمد . وقال تعالى : (وما النصرُ إلا من عندِ اللهِ العزيزِ الحكيم) آل عمران.وقال سبحانه : (إن ينصرْكم اللهُ فلا غالبَ لكم ، وإن يخذُلكم فمن ذا الذي ينصرُكم من بعده) آل عمران.

     إن الإصرار على خلوص المنهج والأخْذ بالأسباب ، يجْعلانِ العدُوّ مهزومًا يلْهَث ..

     قال تعالى : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ، فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ، وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) الأعراف .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©