ليس الواصل بالمكافئ

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 8 جمادى الثانية 1431هـ الموافق 21 مايو 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/wasl.mp3

    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ـ قَالَ سُفْيَانُ لَمْ يَرْفَعْهُ الْأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ ـ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ ـ والأكثر قَطَعتْ بالفتح ـ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) وفي رواية قطَعتْه رحمه ، وفي رواية انقطعت رحمه ، رواه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد  .

     مِمّا ذكره الحافظ في (الفتح) :

     وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ جَمَاعَة مِنْ شُيُوخه عَنْ فِطْر مَرْفُوعًا وَزَادَ فِي أَوَّل الْحَدِيث : " إِنَّ الرَّحِم مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ ، وَلَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ " الْحَدِيث .

     قَوْله : ( لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ ) أَيْ الَّذِي يُعْطِي لِغَيْرِهِ نَظِير مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْغَيْر ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ عُمَر مَوْقُوفًا " لَيْسَ الْوَصْل أَنْ تَصِل مَنْ وَصَلَك ، ذَلِكَ الْقَصَاص ، وَلَكِنَّ الْوَصْل أَنْ تَصِل مَنْ قَطَعَك " .

     قَوْله : ( وَلَكِنْ ) قَالَ الطِّيبِيّ الرِّوَايَة فِيهِ بِالتَّشْدِيدِ وَيَجُوز التَّخْفِيف .

     قَوْله :( الْوَاصِل الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمه وَصَلَهَا ) أَيْ الَّذِي إِذَا مُنِعَ أَعْطَى ، وَ " قُطِعَتْ " ضُبِطَتْ فِي بَعْض الرِّوَايَات بِضَمِّ أَوَّله وَكَسْر ثَانِيه عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ ، وَفِي أَكْثَرهَا بِفَتْحَتَيْنِ ، قَالَ الطِّيبِيُّ : الْمَعْنَى لَيْسَتْ حَقِيقَة الْوَاصِل وَمَنْ يُعْتَدّ بِصِلَتِهِ مَنْ يُكَافِئ صَاحِبه بِمِثْلِ فِعْله ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَتَفَضَّل عَلَى صَاحِبه .

     وَقَالَ شَيْخنَا فِي " شَرْح التِّرْمِذِيّ " الْمُرَاد بِالْوَاصِلِ فِي هَذَا الْحَدِيث الْكَامِل ، فَإِنَّ فِي الْمُكَافَأَة نَوْع صِلَة ، بِخِلَافِ مَنْ إِذَا وَصَلَهُ قَرِيبه لَمْ يُكَافِئهُ فَإِنَّ فِيهِ قَطْعًا بِإِعْرَاضِهِ عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مِنْ قَبِيل " لَيْسَ الشَّدِيد بِالصُّرْعَةِ ، وَلَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَة الْعَرَض " اِنْتَهَى .

    الناس في صلة الرحم ثلاث درجات :

    وَأَقُول : لَا يَلْزَم مِنْ نَفْي الْوَصْل ثُبُوت الْقَطْع فَهُمْ ثَلَاث دَرَجَات : وَاصِل وَمُكَافِئ وَقَاطِع ، فَالْوَاصِل مَنْ يَتَفَضَّل وَلَا يُتَفَضَّل عَلَيْهِ ، وَالْمُكَافِئ الَّذِي لَا يَزِيد فِي الْإِعْطَاء عَلَى مَا يَأْخُذ ، وَالْقَاطِع الَّذِي يُتَفَضَّل عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّل . وَكَمَا تَقَع الْمُكَافَأَة بِالصِّلَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَلِكَ يَقَع بِالْمُقَاطَعَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، فَمَنْ بَدَأَ حِينَئِذٍ فَهُوَ الْوَاصِل ، فَإِنْ جُوزِيَ سُمِّيَ مَنْ جَازَاهُ مُكَافِئًا ، وَاَللَّه أَعْلَم .

     ادفع بالتي هي أحسن :

     صلة الرحم من الفروض لأن قطْع الرحم من الكبائر قال تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد . والمسلم  يتحرَّى دوماً الأفضل وهو أن لا يكتفي بالإحسان إلى من أحسن إليه فقط ، وإنما يبادر بالإحسان ابتداء بل يقابل الاساءة بالإحسان .       قال تعالى : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت .    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ،فَقَالَ : (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ـ تُطعمهم الرماد الحار ـ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) .   وقال عليه الصلاة والسلام : (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك) . ( تخ د ت ك ) عن أبي هريرة . ( قط الضياء ) عن أنس . ( طب ) عن أبي أمامة . ( د ) عن رجل من الصحابة  . ( قط ) عن أبي بن كعب . فال الألباني صحيح .

     والرحم أيضا بين الشعوب المسلمة ومع غير المسلمين :

    عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ، أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا ، فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا) قَالَ فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ مِنْهَا ، رواه مسلم .

     من شرح النووي : الْقِيرَاط جُزْء مِن الدِّينَار وَالدِّرْهَم . والذِّمَّة الْحُرْمَة وَالْحَقّ ، من الذِّمَام . وَأَمَّا الرَّحِم فَلِكَوْنِ هَاجَرَ أُمّ إِسْمَاعِيل مِنْهُمْ ، وَفِي الحديث مُعْجِزَات ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه ، وَأَمَّا الصِّهْرفَلِكَوْنِ مَارِيَة أُمّ إِبْرَاهِيم مِنْهُمْ .

    وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ : (نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ) رواه مسلم .

     والعلاقة بين الشعوب الإسلامية يجب أن يسودها الأُخوَّة وصلة الرحم  وولاء العقيدة والدين ، وذلك أعظم من الوحدة ..ومصر يجب أن تُراعي غزة ، وتوقِف حصارها ، وإلا فنخشى أن يكون الظهير من الله عليهم ما نسمعه من التآمر على النيل من دولٍ أفريقية ، و لا قوة إلا بالله . و كذلك نرجو من دول جزيرة العرب التي أنعم الله عليها بالثراء مراعاة اليمن  وسائر شعوب المسلمين ، وإلا فنخشى من تمادي ابتزاز الصليبيين لهم في المليارات تِلْو المليارات ، قال تعالى في نصح قوم قارون لقارون : (و َابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©