العمل الجماعي و ضوابطه

محاضرة في مسجد الدعوة في 13 رمضان 1430هـ الموافق 3 سبتمبر 2009م    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

   * العمل الجماعي ضرورة بشرية قال تعالى : (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سُخْرِيا) الزخرف . ولذلك وُجدت التكتلات السياسية كالدُّوَل والاتحادات والتحالفات ، والسلالية كالشعوب و القبائل والأُسَر ، والمالية كالشركات و المصانع و المزارع ، و العلمية كالمذاهب و المدارس و المعاهد و الجامعات ، و العسكرية كالجيوش و العصابات و التشكيلات ،  و العقَدِية الدعوية كالحركات و الجماعـات  و التنظيمات و النَّفْعيّة كالجمعيات و المؤسسات والمراكز ...إلخ .

    * و لذلك أمر الإسلام بالعمل الجماعي .. و قمة العمل الجماعي إقامة الخلافة الإسلامية ، و لكن وجـود التشكيلات الأخرى في كافة المجالات ، في طول العالم وعرضه حيث يوجد المسلمون  ، أمرٌ فطــري مشروع ما دامت التشكيلات تحت ضوابط الشرع   (إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة و يد الله على الجمــاعة) ت عن ابن عمر وقال الألباني : صحيح . (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأحمد وزاد البخاري في رواية  :وشبك بين أصابعه . ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) متفق عليه .

     * والعمل الجماعي فريضة ( هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين ، و ألَّف بين قلوبهم ) الأنفال . ( وتعاونوا على البر و التقوى ) المائدة . كالاجتماع على الصلوات وصوم رمضان  والحج و الجهاد ، و جمع الزكاة و توزيعها ، والتعاون على الدعوة وعلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و على نصرة المظلوم  و النصيحة .

      * و هو مندوب أحيانا كالتجمُّع للإحسان إلى المحتاج والتنفيس عن المكروب  وحضور حلقات الذكر (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ،و من يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا و الآخرة، و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة، و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، و من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل الله له طريقا إلى الجنة  ، و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكِينة ، و غشيتهم الرحمة ، و حفّتهم الملائكة ، و ذكَرهم الله فيمن عنده ، و من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)حم م د ت هـ عن أبي هريرة  . ( المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم ) حم خد ت هـ  عن ابن عمر .قال  الألباني :  صحيح.1

     *و من ضوابط العمل الجماعي :

     1ـ التأمير و الطاعة في غير معصية ، قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء . عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم) رواه أبو داود وغيره و قال الألباني: حسن صحيح .1

     2ـ اتقاء العصبية و الحزبية الداخلية بأنواعها السلالية و المذهبية و الحرَكية ...إلخ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات .    عن جابر قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعَّاب فكسع أنصاريا ، فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا ، وقال الأنصاري : يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين ! فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقـال:  ( ما بال دعوى أهل الجاهلية ؟ ثم قال ما شأنهم ) . فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري ، قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعوها فإنها خبيثة ) . وقال عبد الله بن أبي سلول : أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث ؟ لعبد الله .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم  :  ( لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه) متفق عليه .1

     3ـ الولاء العام للمسلمين و التعاون معهم ، والقيام بواجـــب الأُخوّة نحوهم ، مهما تنوّعتْ أوطانهم أوجماعاتهم أومذاهبهم مادامت في الجملة في إطار أهل السنة و الجماعة ، وهي المذاهــب الأربعة و المذهب الظاهري ، وهم الكثْرة الكاثرة في أمة المليار والنصف  ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران ، و يـكـون الـولاء على قدر الالتزام و التديُّن قال تعالى : (و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض ) التوبة . (المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) حم ق 3  عن ابن عمر .    وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويرُدّ عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم ، ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ) رواه أبو داود والنسائي و قال الألباني صحيح . وبنحوه عن ابن عمْرو عند أبي داود وابن ماجه .1  

     4ـ التحزُّب العام ضد الكافرين وأتباعهم من المنافقين و الفِرَق الضالة و البراء منهم ، و تكتيل الأمة كلها في مواجهتهم ، واعتبار العمل الجماعي في أي مجال مرحلة ووسيلة و جزءًا من مشروع التكتيل الشـــامل المتواصل (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) المائدة . (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة .1

    5ـ التحاكم إلى الشرع أو التصالح و تحَرِّي العدل عندما تحْــدث خـلافات داخلية في العمل الجماعي أو مع جماعات أخرى في الخارج (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء .  (و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى .  (فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا) الحجرات . (ياأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط ) النساء .1  

    6ـ كتمان السر عند الحاجة إلى ذلك ، كما في حال كتمان أموال الشركات ، أو خطط وأعمال الجهاد (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محســود) عق عد طب حل هب عن معاذ بن جبل ، و الخرائطي في اعتلال القلوب عن عمر ، و خط  عن ابن عباس والخلعي في فوائده  عن علي .قال الألباني : صحيح .1 

    7ـ النصيحة في إطار العمل الجماعي عند وجود اختلالات أومخالفات ، و النصيحة للجماعات الأخرى بتجرُّد و محبة ، والصدق في تقديم المشورة لمن في الجماعة ومَن هم خارجها قال عليه الصلاة والسلام : (إن الدين النصيحة لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم) حم م د ن  عن تميم الداري ،ت ن  عن أبي هريرة ، حم عن ابن عباس . وعن جرير بن عبد الله قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم . متفق عليه . (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) حم ق ت ن هـ  عن أنس .1

     8ـ عدم الخروج على ولي الأمر، و ذلك لأن أي تشكيل قد يغري بالتطاول على صاحب الولاية .. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .رواه البخاري ومسلم ، والأحاديث في ذلك كثيرة .1

     9ـ مراعاة حقوق المسلمين الآخرين في الأموال و الأعراض و الدماء ، لأن التعصـُّــب لأيِّ تشكيلٍ و الاعتداد به قد ينتج عنه التساهل في هذه الحقوق .. فلا يجوز سوء الظن بالجماعات والمسلمــين الآخرين ، و لا التجسس عليهم ولا غيبتهم و لا التآمر عليهم ،ولا أخذ أموالهم و لا أي نوع من أنواع الاعتـداء عليهم أو مضايقتهم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) متفق عليه .1

     

    

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©