عائشة رضي الله عنها

محاضرة للنساء في إسطنبول بدعوة من هيئة علماء فلسطين بتاريخ 26 من ذي القعدة 1436هـ الموافق 10 سبتمبر 2015م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
هذه المحاضرة مستقاة
من البداية والنهاية لابن كثير ، ومن الإصابة لابن حجر ، و من كتاب أُمِّنا عائشة حبيبة نبينا صلى الله عليه وسلم لشحاتة صقر ، ومن إجلاء الحقيقة في سيرة عائشة الصديقة لياسين الخليفة ، ومن أُمِّنا عائشة مَلِكة الطُّهْر لنصْر الصنقري .
 

  هي زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَبُّ أَزْوَاجِهِ إِلَيْهِ، الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، َلَمْ يَتَزَوَّجْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا، وَلَمَّا تَكَلَّمَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ غَارَ اللَّهُ لَهَا، فَأَنْزَلَ لَهَا بَرَاءَتَهَا فِي عَشْرِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ تُتْلَى عَلَى تَعَاقُبِ الْأَزْمَانِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ بَرَاءَتِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي بَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ يَكْفُرُ مَنْ قَذَفَهُنَّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَكْفُرُ ، لِأَنَّ الْمَقْذُوفَةَ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ نسائه سَوَاءٌ.

   وَمِنْ خَصَائِصِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَ لَهَا فِي الْقَسْمِ يَوْمَانِ ، يَوْمُهَا وَيَوْمُ سَوْدَةَ وَأَنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمِهَا وَفِي بَيْتِهَا، وَبَيْنَ سَحْرِهَا وَنَحْرِهَا، وَجَمْعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِهِ وَرِيقِهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلِ سَاعَةٍ مِنَ الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا. وَقَدْ قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّي رَأَيْتُ بَيَاضَ كَفِّ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ ".» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَحَبَّةِ الْعَظِيمَةِ .

    وَمِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا أَعْلَمُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هِيَ أَعْلَمُ النِّسَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ; وَلَمْ تَرْوِ امْرَأَةٌ وَلَا رَجُلٌ، غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِما يزيد عن رِوَايَتِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

     ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِي النِّسَاءِ أَعْلَمُ مِنْ تِلْمِيذَاتِهَا ; عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، وكَانَ مَسْرُوقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ.

    وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«كَملَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ".» وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَفْضِيلِ عَائِشَةَ عَلَى خَدِيجَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ فِيهِ سَائِرُ النِّسَاءِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَاتِ وَغَيْرُهُنَّ.

   وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا الْحَدِيثُ  عَنْ عَائِشَةَ قَالَت: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَالَةَ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا؟ هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قال ابن كثير : فَأَمَّا مَا يُرْوَى فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: " مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا» ". فَلَيْسَ يَصِحُّ سَنَدُهَا. و ذَكَرْ في وَفَاةِ خَدِيجَةَ حُجَّةَ مَنْ يَرى تَفْضِيلِهَا عَلَى عَائِشَةَ .

    وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: «يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ ". فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى» .

     وَ في مسند أَحْمَد أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لها عند الموت: أَبْشِرِي. فَقَالَتْ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تَلْقَيْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَحِبَّةَ إِلَّا أَنَّ تَخْرُجَ الرُّوحُ مِنَ الْجَسَدِ، كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ إِلَّا طَيِّبًا، وَسَقَطَتْ قِلَادَتُكِ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي سَبَبِكِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الرُّخْصَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، جَاءَ بِهَا الرُّوحُ الْأَمِينُ، فَأَصْبَحَ لَيْسَ لِلَّهِ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ إِلَّا يُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.

     وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَأَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ لَيْلًا، وَكَانَ عُمْرُهَا سَبْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً ، وفي البخاري قالت: تزوّجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأنا بنت ست سنين، وبنَي بي وأنا بنت تسع، وقُبِض وأنا بنت ثمان عشرة سنة.

     و في الإصابة : قال أبو الضّحى، عن مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم الأكابر يسألونها عن الفرائض. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة.

    وقال هشام بن عروة، عن أبيه: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة. وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه: ما أشكَل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما. وقال الزهري: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وأسند الزبير بن بكار عن أبي الزناد، قال: ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك! فقال: ما روايتي في رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.

   وأخرج ابن سعد من طريق أم درة، قالت: أتيتُ عائشة بمائة ألف ففرقتْها وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تُفطرين عليه؟ فقالت:لو كنت أذكرتِني لفعلت.

    اسمها ونسبها :

    هي أمُّ المؤمنين عَائِشَة، بنتُ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق، (عبدِ الله) بنِ أبي قحافة (عثمانَ) بنِ عامرِ بنِ عمروِ بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤي بن فهر بن مالك بن كنانة، أمُّ عبد الله، القرشيةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، المَدَنِيَّةُ ، زوجةُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .

     وأبوها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال، وأول الخلفاء الراشدين، ولد بمكة، ونشأ بها، وكان أحد أعاظم العرب، وسيداً من سادات قريش، ومن كبار أغْنِيائِهم، عالماً بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها، وكان موصوفاً بالحلم والرأفة، خطيباً لسِناً، وشجاعاً بطلاً.

    وكانت له مواقف كبيرة، فشهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال، ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم الغار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} التوبة ، وقد ووردت في فضل أبي بكر رضي الله عنه أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ» متفق عليه .

    بُويع رضي الله عنه بالخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، و خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف شهر، وتوفي سنة ثلاث عشرة للهجرة، وعمره ثلاثٌ وستون سنة.

    وأمُّ عائشة: هي أمُّ رُوْمان، - قيل: اسمها زينب، وقيل: دعْد - بنتُ عامرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عبدِ شمس ابن عَتَّابِ بن أُذَيْنَةَ بن سُبَيْعِ بن دُهْمَانَ بن حارث بن غَنْمِ بن مالك بن كِنَانَةَ (4)، وقد تزوجها أبو بكر في الجاهلية بعد أن توفى زوجها عبد الله بن الحارث الأَزْدِيّ، وكانت من أوائل المسلمات، وبايعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهاجرت مع أهل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وآل أبي بكر رضي الله عنه .

    ويلتقي نسب عَائِشَة رضي الله عنها مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من جهة الأب في الجد السابع، ومن جهة الأم في الجد العاشر  .

    وأسرة عَائِشَة رضي الله عنها تنحدر من قبيلة (تَيْم) الكريمة و عُهِدَ إلى أبي بكر فيها بتسوية الدم وأداء المغارم والديات .

    مولدها ونشأتها :

    وُلِدَتْ بمكة، بعد البعثة بأربع سنين أو خمس تقريبًا كما في الإصابة ، بين أبوين كريمين ، في بيت يدين بدين الإسلام، ابنة خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوَّل من أسلم من الرجال، وبإسلامه أسلمت أمها أم رومان وابنتاه أسماء وعَائِشَة رضي الله عنهن. و رجَّح سليمان الندوي في سيرتها أن ولادتها سنة تسع قبل الهجرة، في شوال، الموافق يوليو 614م، نهاية سنة خمسٍ من البعثة.

     وكان لأبويها علاقات حميمة، وصِلات وثيقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً» رواه البخاري .

    وقد أرضعتْها زوجةُ أبي القعيس ، قالت عائشة: « يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي ؟ عَمُّكِ! "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَقَالَ:"ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ"»متفق عليه.

    نشأت في ظل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وشهدت أشد ما لاقاه المسلمون من الأذى والاضطهاد. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رفيقه أبي بكر أرسل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من يُحضر أهله وأهل أبي بكر، وقد تعرضت الأسرتان لأخطار ، قالت عائشة: «قَدِمْنَا مُهَاجِرِينَ فَسَلَكْنَا فِي ثَنِيَّةٍ صَعْبَةٍ، فَنَفَرَ بِي جَمَلٌ كُنْتُ عَلَيْهِ ، قويًّا مُنْكَرًا ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى قَوْلَ أُمِّي: يَا عَرِيسَةُ، فَرَكِبْتُ فِي رَأْسِهِ، فَسَمِعْتُ قَائِلاً، يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَاهُ : ألْقِي خِطَامُهُ ، فَأَلْقَيْتُهُ، فَقَامَ يَسْتَدِيرُ، كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ قَائِمٌ تَحْتَهُ يُمْسِكُهُ» . أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ، والطبراني في الكبير ، وقال الهيثمي في المجمع "إسناده حسن".

     زواجها من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم :

    قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا في شهر شوّال ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة ، قالت: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتِّ سِنِينَ، وَبَنَي بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» متفق عليه .

    وقد رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة رضي الله عنها في المنام قبل زواجه بها، ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ (قطعة) مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» متفق عليه .

     ثم بعد هذه الرؤيا المباركة جاءت مرحلة الخطوبة، قالت رضي الله عنها: «لَمَّا تُوُفِّيَتْ خَدِيجَة، قَالَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الأَوْقَصِ - امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنهما وَذَلِكَ بِمَكَّةَ -: أَيْ رَسُولَ اللهِ، أَلا تَتَزَوَّجُ؟ قَالَ: "وَمَنْ؟ " قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَمَنِ الْبِكْرُ؟ " قَالَتْ: بِنْتُ أَحَبِّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْكَ عَائِشَة بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: "وَمَنِ الثَّيِّبُ؟ " قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ آمَنَتْ بِكَ، وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ: فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ قَالَتْ: فَجَاءَتْ فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَوَجَدَتْ أُمَّ رُومَانَ أُمَّ عَائِشَة قَالَتْ: أَيْ أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَة قَالَتْ: وَدِدْتُ ، انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَإِنَّهُ آتٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ؟ إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ، وَأَنَا أَخُوكَ وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي، فَأَتَتْ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ فَأَنْكَحَهُ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والطبري في تاريخه ، والطبراني في المعجم الكبير والبيهقيُّ في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة ، وقال الهيثمي في المجمع : "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث".  

     وتقصُّ عَائِشَة رضي الله عنها  وصول الخبر إليها و مراسم الزفاف، حيث قالت: «فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِى مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: هَهْ هَهْ ( تَحْكِي تَرَدُّد نَفَسِها)، حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي ، فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتًا، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ (على أسعَدِ حظ) ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي ، فَلَمْ يَرُعْنِي (يُفاجِئْنِي) إِلاَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ» رواه مسلم .

    وتروي عَائِشَة رضي الله عنها تجهيز أمها لها، فتقول: «كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي لِلسّمْنَةِ، تُرِيدُ أَنْ تُدْخِلَنِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْتُ الْقِثَّاءَ (الخِيَار) بِالرُّطَبِ فَسَمِنْتُ كَأَحْسَنِ سِمْنَةٍ» أخرجه أبو داود وابن ماجه وقال الألباني : إسناده صحيح .

     وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ . رواه أحمد و مسلم .

    وفي رواية عند الحاكم عنها ، قال أبو بكر: يا رسول الله ما يمنعك أن تبنِي بأهلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصداق . فأعطاه أبو بكر اثنتي عشرة أوقية ونشًّا فبعث بها رسول الله  صلى الله عليه وسلم إلينا .

     وأما في ليلة الزفاف نفسها فتولَّتْ تجهيزها أسماء بنت يزيد وصاحباتها، تقول أسماء رضي الله عنها: «إِنِّي قَيَّنْتُ (زَيَّنْتُ) عَائِشَة لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جِئْتُهُ، فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا ، فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا، فَأُتِيَ بِعُسِّ (بِقَدَحِ) لَبَنٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَتْ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا: خُذِي مِنْ يَدِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَأَخَذَتْ، فَشَرِبَتْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَعْطِي تِرْبَكِ" (مَن في سِنِّك) قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ خُذْهُ، فَاشْرَبْ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوِلْنِيهِ مِنْ يَدِكَ، فَأَخَذَهُ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَنِيهِ، قَالَتْ: فَجَلَسْتُ، ثُمَّ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتِي، ثُمَّ طَفِقْتُ أُدِيرُهُ، وَأَتْبَعُهُ بِشَفَتَيَّ لأصِيبَ مِنْهُ مَشْرَبَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم»  أخرجه أحمد ، والحميدي في مسنده ، والطبراني في الكبير ، وحسَّنه الألباني في آداب الزفاف .

      منزلتها عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم :

     كان لعَائِشَة رضي الله عنها مكانة خاصة في قلب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنها كانت ابنة صاحبه الأكبر، وكانت أحب زوجاته إليه.

    عن حبيب مولى عروة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إلى بيت أبي بكر ويقول: «يَا أُمَّ رُومَانَ، اسْتَوْصِي بِعَائِشَةَ خَيْرًا وَاحْفَظِينِي فِيهَا»  . أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ، والحاكم ، وهو حديث مرسل، إذ إن حبيبًا من التابعين .

     و كان صلى الله عليه وسلم يُظهر حُبَّه لعَائِشَة رضي الله عنها، ولا يخفيه، حتى إن عمرو بن العاص رضي الله عنه، سأله فقال: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَة"، قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا"» متفق عليه .    

     وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " «أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَاجْتَمَعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَقُلْنَ لَهَا: قُولِي لَهُ يَأْمُرُ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي. ثُمَّ قُلْنَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا، ثُمَّ لَمَّا دَارَ إِلَيْهَا قَالَتْ لَهُ، فَقَالَ: " يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا ". وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ بَعَثْنَ فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدُونَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ، أَلَّا تُحِبِّينَ مَنْ أُحِبُّ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: " فَأَحِبِّي هَذِهِ ". ثُمَّ بَعَثْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ فَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ، فَتَكَلَّمَتْ زَيْنَبُ، وَنَالَتْ مِنْ عَائِشَةَ، فَانْتَصَرَتْ عَائِشَةُ مِنْهَا، وَكَلَّمَتْهَا حَتَّى أَفْحَمَتْهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ، وَيَقُولُ: " إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ".

    وكان صلى الله عليه وسلم يفرح بلعبها ، فعنها رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، "فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ (يَخْتَفِين) مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ (يُرْسِلُهنّ) إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي"» متفق عليه.

    وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يدخل الفرح والبهجة على قلبها، فعنها قالت: «وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ» متفق عليه.

   وعنها رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ (سَمِنْتُ) سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ"» .  أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجه وأحمد وغيرهم ، وصححه العراقي في تخريج الإحياء وابن الملقن في البدر ، والألباني في الإرواء  .

    وقد وجِعتْ يومًا فقالت: "وارأْسَاهُ" فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ» رواه البخاري . قال بدر الدين الزركشي رحمه الله: "فيه إشارة للغاية في الموافقة حتى تألَّم بألمها .

 وكان صلى الله عليه وسلم متمسكًا بحبها حتى فارق الدنيا، ويدل على ذلك اختياره صلى الله عليه وسلم أن يُمَرَّض في بيتها، ووفاته بين سَحْرِها ونَحْرِها، ودفْنه في بيتها.

     ومن فضائلها كذلك رضي الله عنها :

      أنها كَانَتِ بَيْضَاءَ ، وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ ، ومن المعلوم أن حديث «خذوا شَطْرَ دينكم عن هذه الحميراء» حديث مكذوب علي النبي  صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الإمام الذهبي والمزي وابن كثير، وقال عنه الحافظ ابن حجر: «لا أعرف له سندًا»، وذكر الحافظ ابن كثير انه سأل الحافظَين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه.

    لكن ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ عائشة  رضي الله عنها  قالت: «دَخَلَ الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : «يَا حُمَيْرَاءُ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ؟»فَقُلْت: نَعَمْ».ثم قال الحافظ: «إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ أَرَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ ذِكْرَ الْحُمَيْرَاءِ إِلَّا فِي هَذَا».

     و مُسْنَدُ عَائِشَةَ رضي الله عنها  يَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمائَتَيْنِ وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى: مائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثًا. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ. وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّيْنَ.

     وعنها قَالَتْ: «لَقَدْ أُعْطِيْتُ تِسْعًا مَا أُعْطِيَتْهَا امْرَأَةٌ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ: لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي فِي رَاحَتِهِ حَتَّى أَمَرَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، وَلَقَدْ تَزَوَّجَنِي بِكْرًا، وَمَا تَزَوَّجَ بِكْرًا غَيْرِي، وَلَقَدْ قُبِضَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي، وَلَقَدْ قَبَرْتُهُ فِي بَيْتِي، وَلَقَدْ حَفَّتِ الملاَئكَةُ بِبَيْتِي، وَإِنْ كَانَ الوَحْيُ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَإِنِّي لَمَعَهُ فِي لِحَافِهِ، وَإِنِّي لابْنَةُ خَلِيْفَتِهِ وَصِدِّيْقِهِ، وَلَقَدْ نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ، وَلَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً وَرِزْقًا كَرِيْمًا».(قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وفي الصحيح وغيره بعضه، وفي إسناد أبي يعلى من لم أعرفهم». وقال الذهبي: «رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ»).

    وتزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوحْيٍ من السماء كما في الرؤيا المذكورة من قبل .. وهي من المبشَّرات بالجنة فهي زَوْجَة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: فعَنْها أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا فِى خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». رواه الترمذي وصححه الألباني.

    وَقَامَ عَمَّارٌ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وآله وسلم  فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رواه البخاري .

      وجوب محبَّتها على كل أحد:

     لقول النَّبِىِّ  صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فَاطِمَةَ رضي الله عنها : «أَىْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ». فَقَالَتْ: «بَلَى». قَالَ: «فَأَحِبِّى هَذِهِ». يعني عائشة  رضي الله عنها . رواه مسلم.

    ولاختياره  صلى الله عليه وآله وسلم  أن يُمرَّض في بيتها واجتماع ريقه صلى الله عليه وآله وسلم  وريقها في آخر أنفاسه، ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم بين سَحْرِها ونَحْرِها في يومها ودفْنه صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها:

    عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَيَتَعَذَّرُ فِى مَرَضِهِ: «أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا» اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِى قَبَضَهُ اللهُ بَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى، وَدُفِنَ فِى بَيْتِى». رواه البخاري ومسلم .

وكَانَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: «إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم تُوُفِّىَ فِى بَيْتِى وَفِى يَوْمِى، وَبَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِى وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ: «آخُذُهُ لَكَ» فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: «أُلَيِّنُهُ لَكَ»، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ. رواه البخاري.

    و عنها  أَنَّ رَسُولَ الله  صلى الله عليه وآله وسلم  كَانَ يَسْأَلُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ يَقُولَ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا»، يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِى الْيَوْمِ الَّذِى كَانَ يَدُورُ عَلَىَّ فِيهِ فِى بَيْتِى، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِى وَسَحْرِى، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: «دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وآله وسلم ، فَقُلْتُ لَهُ: «أَعْطِنِى هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ». فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِى». رواه البخاري ومسلم.   وَالسَّحْر: هُوَ الصَّدْر، وَهُوَ فِي الْأَصْل الرِّئَة. وَالنَّحْر: مَوْضِع النَّحْر. وَالْمُرَاد أَنَّهُ مَاتَ وَرَأْسه بَيْن حَنَكهَا وَصَدْرهَا صلى الله عليه وآله وسلم  وَ رضي الله عنها .

     قال ابن عقيل رحمه الله : «انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لاتكاد تخفى عن البهيم فضلًا عن الناطق».
 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©