قال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ
اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم
مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور .
أيهما أفضل الأذان أم الإمامة :
قال النووي في (شرح مسلم) :
فِقْه الْبَاب فَضِيلَة الْأَذَان
وَالْمُؤَذِّن ، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ
أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ
مُصَرِّحَة بِعِظَمِ فَضْله ، وَاخْتَلَفَ
أَصْحَابنَا هَلْ الْأَفْضَل لِلْإِنْسَانِ
أَنْ يَرْصُد نَفْسه لِلْأَذَانِ أَمْ
لِلْإِمَامَةِ عَلَى أَوْجُه أَصَحّهَا
الْأَذَان أَفْضَل ، وَهُوَ نَصَّ
الشَّافِعِيّ فِي (الْأُمّ ) وَقَوْل أَكْثَر
أَصْحَابنَا ، وَالثَّانِي الْإِمَامَة
أَفْضَل وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيّ أَيْضًا ،
وَالثَّالِث هُمَا سَوَاء ، وَالرَّابِع إِنْ
عَلِمَ مِنْ نَفْسه الْقِيَام بِحُقُوقِ
الْإِمَامَة وَجَمِيع خِصَالهَا فَهِيَ
أَفْضَل ، وَإِلَّا فَالْأَذَان ، قَالَهُ
أَبُو عَلِيّ الطَّبَرِيّ ، وَأَبُو الْقَاسِم
بْن كَجّ ، وَالْمَسْعُودِيّ ، وَالْقَاضِي
حُسَيْن مِنْ أَصْحَابنَا . ـ وهذا ما سوف
يظهر صوابه من خلال ما سيأتي ـ وَأَمَّا جَمْع
الرَّجُل بَيْن الْإِمَامَة وَالْأَذَان
فَإِنَّ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا قالوا
يُسْتَحَبّ أَلَّا يَفْعَلهُ . وَقَالَ
بَعْضهمْ : يُكْرَه ، وَقَالَ مُحَقِّقُوهُمْ
وَأَكْثَرهمْ : إنهُ لَا بَأْس بِهِ ، بَلْ
يُسْتَحَبّ ، وَهَذَا أَصَحّ . وَاَللَّه
أَعْلَم .
من فضائل الأذان:
1ـ
إحياء الذكر :
قال صلى الله عليه و سلم : (إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ
ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ)
رواه البخاري و مسلم .
و
قال صلى الله عليه و سلم : (لَوْ يَعْلَمُ
النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ
الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ
يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) رواه البخاري و مسلم .
والأذان شِعار الإسلام ..كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ،
وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ
أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ ،
فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَى
الْفِطْرَةِ) ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(خَرَجْتَ مِنْ النَّارِ) فَنَظَرُوا فَإِذَا
هُوَ رَاعِي مِعْزًى . رواه مسلم عن أنس .
2ـ تعليم الترتيب والانضباط :
وَرَأَى أيو هريرة رَجُلًا يَجْتَازُ
الْمَسْجِدَ خَارِجًا بَعْدَ الْأَذَانِ
فَقَالَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا
الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
. رواه مسلم .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من أدركه الأذان في
المسجد ثم خرج ، لم يخرج لحاجة ، وهو لا يريد
الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجه ، و قال
الألباني صحيح لغيره .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اجعل بين أذانك و
إقامتك نَفَسًا حتى يقضي المتوضئ حاجته في مهل
، و يفرغ الآكل من طعامه في مهل) . عم عن
أبَيّ ، أبو الشيخ في (الأذان) عن سلمان وعن
أبي هريرة ، و قال الألباني حسَن .
3ـ الدلالة على الخير و على أفضل الأعمال على
مدار اليوم :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يسمع مدى صوت المؤذن
جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم
القيامة) . رواه البخاري .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ ، فإنه من
صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم
سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا
تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون
أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه
الشفاعة) . رواه مسلم .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من قال حين يسمع النداء
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما
محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم
القيامة) . رواه البخاري .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يُرد الدعاء بين
الأذان والإقامة) . رواه أبو داود والترمذي ،
وقال الألباني صحيح .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (المؤذنون أطول الناس
أعناقاً يوم القيامة) . رواه مسلم .
و في شرح مسلم للنووي :( الْمُؤَذِّنُونَ
أَطْوَل النَّاس أَعْنَاقًا ) هُوَ بِفَتْحِ
هَمْزَة أَعْنَاقًا جَمْع عُنُق ، وَاخْتَلَفَ
السَّلَف وَالْخَلَف فِي مَعْنَاهُ ، فَقِيلَ
: مَعْنَاهُ أَكْثَر النَّاس تَشَوُّفًا إِلَى
رَحْمَة اللَّه تَعَالَى ، لِأَنَّ
الْمُتَشَوِّف يُطِيل عُنُقه إِلَى مَا
يَتَطَلَّع إِلَيْهِ ، فَمَعْنَاهُ كَثْرَة
مَا يَرَوْنَهُ مِنْ الثَّوَاب . وَقَالَ
النَّضْر بْن شُمَيْلٍ : إِذَا أَلْجَمَ
النَّاسَ الْعَرَقُ يَوْم الْقِيَامَة طَالَتْ
أَعْنَاقهمْ لِئَلَّا يَنَالَهم ذَلِكَ
الْكَرْب وَالْعَرَق . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ
أَنَّهُمْ سَادَة وَرُؤَسَاء ، وَالْعَرَب
تَصِف السَّادَة بِطُولِ الْعُنُق . وَقِيلَ :
مَعْنَاهُ أَكْثَر أَتْبَاعًا . وَقَالَ ابْن
الْأَعْرَابِيّ : مَعْنَاهُ أَكْثَر النَّاس
أَعْمَالًا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره
: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ ( إِعْنَاقًا ) بِكَسْرِ
الْهَمْزَة أَيْ إِسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّة ،
وَهُوَ مِنْ سَيْر الْعَنَق .
4ـ التحرِّي بالإعلام بأوقات الصلاة :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الإمام ضامن والمؤذن
مؤتَمَن ، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)
. رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وقال
الألباني صحيح .
قال صاحب عون المعبود : ( وَالْمُؤَذِّن
مُؤْتَمَن ) : قَالَ ابْن الْأَثِير فِي
(النِّهَايَة) : مُؤْتَمَن الْقَوْم الَّذِي
يَثِقُونَ إِلَيْهِ وَيَتَّخِذُونَهُ أَمِينًا
حَافِظًا ... يَعْنِي أَنَّ الْمُؤَذِّن
أَمِين النَّاس عَلَى صَلَاتهمْ وَصِيَامهمْ .
انْتَهَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي (مرقاة
الصُّعُود) : وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث
ابْن عُمَر مَرْفُوعًا " خَصْلَتَانِ
مُعَلَّقَتَانِ فِي أَعْنَاق الْمُؤَذِّنِينَ
لِلْمُسْلِمِينَ صَلَاتهمْ وَصِيَامهمْ "
انْتَهَى . وَقَالَ الطِّيبِيُّ :
وَالْمُؤَذِّن أَمِين فِي الْأَوْقَات
يَعْتَمِد النَّاس عَلَى أَصْوَاتهمْ فِي
الصَّلَاة وَالصِّيَام وَسَائِر الْوَظَائِف
الْمُؤَقَّتَة . انْتَهَى . وَقَالَ اِبْن
الْمَلَك : وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاء
لِأَنَّ النَّاس يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمْ فِي
الصَّلَاة وَنَحْوهَا أَوْ لِأَنَّهُمْ
يَرْتَقُونَ فِي أَمْكِنَة عَالِيَة
فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرِفُوا عَلَى بُيُوت
النَّاس لِكَوْنِهِمْ أُمَنَاء .
( وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) : مَا
عَسَى يَكُون لَهُمْ من تَفْرِيط فِي
الْأَمَانَة الَّتِي حَمَلُوهَا مِنْ جِهَة
تَقْدِيمٍ عَلَى الْوَقْت أَوْ تَأْخِيرٍ
عَنْهُ سَهْوًا
. اهـ .
قال في (فيض القدير) : (والمؤذن
مؤتَمَن) أي أمين على صلاة الناس وصيامهم
وإفطارهم وسحورهم وعلى حرَم الناس لإشرافه على
دورهم ، فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة
(اللهم أرشد الأئمة) ليأتوا بالصلاة على أتم
الأحوال (واغفر للمؤذنين) تقصيرهم في مراعاة
الوقت بتقدُّمٍ عليه أو تأخُّرٍ عنه ، واستدل
بعضهم بهذا على تفضيل الأذان على الإمامة لأن
الأمين أفضل من الضمين .اهـ ,
و يجب تحرِّي الأوقات و لاسيما في هذه
الأيام التي ركَنَ فيها المؤذنون إلى التقليد
ونتج عن ذلك عدم التدقيق ، و لاسيما في رمضان
.
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يعجَب ربك من راعي
غنم في رأس شظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي ،
فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن
ويقيم الصلاة يخاف مني ، قد غفرت لعبدي
وأدخلته الجنة ) . رواه أبو داود والنسائي .
وقال الألباني صحيح .
فضل الإمامة :
1ـ الإشراف على أداء الناس أهم ركن بعد
الشهادتين و تعليمهم الانضباط:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ
يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ . رواه مسلم .
و عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه
وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال
الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ،
فأُقِرَّتْ في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك
. رواه ابن ماجه ، وقال الألباني صحيح .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ
قِيَامًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا
قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ
فَقَالَ لَنَا : (مَكَانَكُمْ ثُمَّ رَجَعَ
فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا
وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا
مَعَهُ) . متفق عليه .
و عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ
:كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضَتْ
فَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا
خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ .
رواه مسلم .
قال في (تحفة الأحوذي) : وَقَدْ أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا
: (إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا
تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي) .
و قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ
بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) متفق عليه .
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال :كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى
كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى
رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ
خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ
يُكَبِّرُ ، فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا
صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ : (عِبَادَ
اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ
لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)
رواه
مسلم وأصحاب السنن .
2ـ الضمان لصلاة الناس :
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ : (
الْإِمَام ضَامِن ) حم د ت : أَيْ مُتَكَفِّل
لِصَلَاةِ الْمُؤْتَمِّينَ بِالْإِتْمَامِ ،
فَالضَّمَان هُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى
الْغَرَامَة بَلْ يَرْجِع إِلَى الْحِفْظ
وَالرِّعَايَة .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَالَ أَهْل
اللُّغَة الضَّامِن فِي كَلَام الْعَرَب
مَعْنَاهُ الرَّاعِي ، وَالضَّمَان
الرِّعَايَة ، فَالْإِمَام ضَامِن بِمَعْنَى
أَنَّهُ يَحْفَظ الصَّلَاة وَعَدَد
الرَّكَعَات عَلَى الْقَوْم ، وَقِيلَ
مَعْنَاهُ ضَمَان الدُّعَاء يَعُمّهُمْ بِهِ
وَلَا يَخْتَصّ بِذَلِكَ دُونهمْ ، وَلَيْسَ
الضَّمَان الَّذِي يُوجِب الْغَرَامَة مِنْ
هَذَا بِشَيْءٍ .
وَقَدْ تَأَوَّلَهُ قَوْم عَلَى مَعْنَى
أَنَّهُ يَتَحَمَّل الْقِرَاءَة عَنْهُمْ فِي
بَعْض الْأَحْوَال ، وَكَذَلِكَ يَتَحَمَّل
الْقِيَام أَيْضًا إِذَا أَدْرَكَهُ
الْمَأْمُوم رَاكِعًا .
( اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّة ) :
وَالْمَعْنَى أَرْشِدْ الْأَئِمَّة لِلْعِلْمِ
بِمَا تَكَفَّلُوهُ وَالْقِيَام بِهِ
وَالْخُرُوج عَنْ عُهْدَته .
قال في (فيض القدير) :
(الإمام ضامن) أي متكفل بصحة صلاة المقتدين
لارتباط صلاتهم بصلاته لأنه يتحمل الفاتحة عن
المأموم إذا أدركه في الركوع .
3ـ الشروط في الإمام من أجل العناية بالمسجد
والصلاة والمصلين :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا كانوا ثلاثة
فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمام أقرؤهم) . رواه
مسلم .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يؤمُّ القوم أقرؤهم
لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء
فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء
فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء
فأقدمهم سنّاً ، ولا يؤمَّن الرجلُ الرجلَ في
سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تَكْرِمَتِه
إلا بإذنه) . رواه مسلم . وفي رواية له : (ولا
يؤمَّن الرجلُ الرجلَ في أهله) .
وعن أبي عطية العقيلي قال : كان مالك بن
الحويرث يأتينا إلى مصلانا يتحدث فحضرت الصلاة
يوماً قال أبو عطية : فقلنا له : تقدم
فَصَلِّهْ . قال لنا قدِّموا رجلا منكم يصلي
بكم وسأحدثكم لِمَ لا أصلي بكم ؟ سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من زار قوما
فلا يؤمَّهم وليؤمَّهم رجل منهم) . رواه أبو
داود والترمذي والنسائي إلا أنه اقتصر على لفظ
النبي صلى الله عليه وسلم ، و قال الألباني :
صحيح .
وعن أنس قال : استخلف رسول الله صلى
الله عليه وسلم ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو
أعمى . رواه أبو داود و قال الألباني صحيح .
وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم
آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت
وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون) .
رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب . وقال
الألباني حسن .
وعن ابن عمر قال : لما قدم المهاجرون
الأولون المدينة كان يؤمُّهم سالم مولى أبي
حذيفة وفيهم عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد .
رواه البخاري
وعن عمرو بن سلمة قال : ... لم يكن أحد
أكثر قرآناً مني لما كنت أتلقى من الركبان
فقدَّموني ـ يعني قومه ـ بين أيديهم وأنا ابن
ست أو سبع سنين ، وكانت عليّ بُردة كنت إذا
سجدت تقلَّصتْ عني ... فاشتروا فقطعوا لي
قميصا فما فرحتُ بشيء فرحِي بذلك القميص .
رواه البخاري .
4ـ الحرص على إتمام الصلاة مع مراعاة ظروف
الناس وعدم التنفير :
عن أنس قال : ما صليت وراء إمام قط أخف
صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه
وسلم ، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة
أن تُفتَن أمه
.
متفق عليه .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إني لأدخل في الصلاة
وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز
في صلاتي مما أعلم من شدة وجْد أمه من بكائه
). رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا صلى
أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف
والكبير . وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما
شاء) . متفق عليه .
وعن قيس بن أبي حازم قال : أخبرني أبو
مسعود أن رجلا قال : والله يا رسول الله إني
لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل
بنا ، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ثم قال : (إن
منكم منفرين ، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوَّز
، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة) . متفق
عليه .
5ـ انضباط المأمومين في المسجد وانضباط الإمام
يتبعه انضباط في شؤون الحياة :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يصلون لكم ـ يعني
الأئمّة ـ فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطأُوا فلكم
وعليهم) . رواه البخاري .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أيها الناس إني إمامكم
فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام
ولا بالانصراف : فإني أراكم أمامي ومن خلفي) .
رواه مسلم .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أما يخشى الذي يرفع
رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)
. متفق عليه .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من توضأ فأحسن وضوءه ثم
راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من
صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) .
رواه أبو داود والنسائي وقال الألباني صحيح .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ألا رجل يتصدَّق على
هذا فيصلي معه ؟ " فقام رجل فيصلى معه) رواه
الترمذي وأبو داود، وقال الألباني صحيح .
6ـ الحرص على فِقْه الإمام لأنه يقوم على
الصلاة ويشرف على وظائف المسجد الكثيرة :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (بادروا بالأعمال ستّاً
: إمارة السفهاء و كثرة الشُّرَط و بيع الحكْم
و استخفافاً بالدم و قطيعة الرحم و نَشْواً
يتخذون القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم
ليغنِّيَهم و إن كان أقلَّهم فقهاً) . طب عن
عابس الغفاري . وقال الألباني صحيح .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوما إذ
رأى نُخامة في قبلة المسجد فتغيَّظ على الناس
ثم حكَّها ، قال :وأحسبه قال فدعا بزعفران
فلطخه به ، وقال : (إن الله عز وجل قِبَل
َوجْهِ أحدكم إذا صلى ، فلا يبصُق بين يديه )
رواه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له .
ومن وظائف الإمام الإشراف على المسجد
وعلى نظافته وعلى وظائفه ، ومنها : إقامة
الحلقات والخطابة والمحاضرات ، و جمع الأموال
لمواساة المحتاجين ، واستقبال الوفود ومعالجة
المرضى ، وتَفقُّد سكاّن الحي ، وإقامة
الأنشطة الرياضية ، وتجهيز الرحلات والبعوث
.... إلخ ما وردت به النصوص الصحيحة . |