العبادة في الهرْج كَهِجرةٍ إليّ

محاضرة في وقف دار السلام في حي الفاتح في إسطنبول بتاريخ 21 من محرم 1438هـ الموافق 22 أكتوبر 2016م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 لمشاهدة المحاضرة اضغط على الرابط التالي:

www.facebook.com/714885088523671/videos/vb.714885088523671/1258936647451843/?type=2&theater

   

    عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه في الفِتَن. قال النووي في شرحه : الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس . وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد .اهـ .

      والعبادة :

     ما شرعه الله من الأقوال والأفعال للتقرُّب إليه كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والذكر وقراءة القرآن والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان ومكارم الأخلاق... إلخ.

     والهجرة :

     الانتقال من دار الانحراف إلى دار الصلاح .

     والهرْج :

     اضطرابُ الفِتَن وكثْرة القتْل، أثناء عمُر الأمة بسبب كثْرة الذنوب، وفي ذلك تربية وتأديبٌ للأمة وكفارة، ولا يَسْتَأْصلها، وتعود بالتوبة إلى القوة من جديد، وهكذا، لأن الله تكفّل بحفظها وحفْظ دينه، فالأمَّة خير أمة أُخرجتْ للناس، كما يفعل المُربّي مع تلاميذه والأبُ مع أولاده، وكما قيل فالأمة تَمْرَض ولا تموت.    

     أسباب الفتَن والهرْج :

     قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى. وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) الأنعام. وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف.    

   وعن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنَّ أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ. إِنَّمَا عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْقَتْلُ والْبَلَابِلُ وَالزَّلَازِلُ)، قَالَ أَبُو النَّضْرِ (بِالزَّلَازِلِ وَالْقَتْلِ وَالْفِتَنِ) وهو صحيح "بطرقه" كما في صحيح الجامع الصغير اهـ . رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصحَّح إسناده، ووافَقَهُ الذهبي.  

     وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَرْحُومَةٌ، عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، دُفِعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُقَالُ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّار) رواه ابن ماجه، وفي صحيح الجامع الصغير أنه صحيح .

     كثرتها ولا سيما في آخر الزمان , ولا بدَّ منها :

     وعن أَبي مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا، يُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ) وَالهَرْجُ: القَتْلُ. متفق عليه.

     وعن سعد أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا) رواه مسلم .                     

 قال المُناوي: (العبادةُ في الهرْج) أي وقت الفتن واختلاط الأمور (كَهِجْرةٍ إليَّ) في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأوَّل كان قليلا ... فهكذا العابد في الهرْج قليل، قال ابن العربي : ... كان الناس يَفِرُّون من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفِتن تَعَيَّن على المرء أن يَفِرَّ بدينه من الفتنة إلى العبادة.اهـ.

     من فوائد العبادة في الفتن والهرج :

   ومن فوائد الإكثار من عبادات الصلاة وقيام الليل والدعاء، الخروجُ من الفتن، قال تعالى : (استَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاة) البقرة. وقال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُم رَبِّي لَوْلَا دُعاؤُكُم) الفرقان. وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا مَنْ دَعَا دُعَاءَ الْغَرَقِ) أخرجه الحاكم وقال: إِسْنَادهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، ووافَقَهُ الذهبي، وهذا في كتاب الملاحم ، وقد رفَعه حذيفة في كتاب الدعاء.      

     ومن العبادات الصدقة التي تُطْفِئ غضب الرَّبّ و تَقِي مصارع السوء ، و منها قراءة القرآن والصوم وأنواع الذِّكْر ... إلخ .

     ومن الذِّكْر الاستغفار ومن فوائده النجاة من الفِتَن والفوز بالعيش الحسَن، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الأنفال . وقال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هود .

    ومن الذِّكْر قول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فَبِها نجا إبراهيم من النار، ونجا الرسول وصحابته من الكافرين، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) رواه البخاري.

    والمسلم في ظروف الهرْج  يتحرَّر بتَعَلُّقِه بعبادة الله من هذه الظروف فكأنَّه يَنْساها، ومَن ذكَر الله فكأنّه ما نَسِيَ شيئًا، لأن الله يكفيه ما أهمَّه في كل شيء.. وقد ورَدَ في البداية والنهاية لابن كثير في أحداث سنة 94هـ في ترجمة عروة بن الزبير أنه عند الضرورة لِقطْع رِجْلِه..طلَب أن يكون ذلك في الصلاة!!.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©