الإخلاص والتجرُّد

محاضرة في جمعية الصداقة بإسطنبول بتاريخ 22 من رجب 1440هـ الموافق 29 مارس 2019م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


     
حقيقة الإخلاص النقَاء والنظافة من الشوائب ومنها الرياء:

      يُستفاد أن الخُلُوص الذي منه الإخلاص هو النقَاء والخلُوص من الشوائب، مِن مِثْل قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) النحل.

       والتجَرُّد قريبٌ من معنى الإخلاص، فالأجْرَد هو الذي جِلْدُهُ خالصٌ لا شعْر عليه، كما في الحديث عند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا، مُرْدًا، بِيضًا، جِعَادًا، مُكَحَّلِينَ، أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ " , حديث حسن بطرقه وشواهده دونَ قوله: "في عرض سبع أذرع"، فقد تفرد بها علي بن زيد وهو ابن جُدْعان-، وهو ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة ، وابن أبي داود في "البعث" . جُرداً مُرداً، قال السندي: الأول جمع أجْرَد: وهو من لا شَعْر على جسده، والثاني جمع أمرد: وهو من لا شعر على ذَقَنِه.

      وفي "المجمع": الجعْد في صفات الرجال يكون مدحاً وذماً، فالمدح أن يكون شديد الخَلْق، أو يكون جَعْد الشعر، وهو ضدُّ السَّبط، لأن السُّبوطة أكثرها في شعر العجم، والذمّ القصير المتردِّد الخَلْق، وقد يطلق على البخيل.

       قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص. وسُمِّيَتْ سورة الإخلاص كما قال العلماء، لِأنها خالصة في صفات الله، ولِأنَّ المؤمِن بالسورة دِيْنُه خالصٌ لِله من الشرْك وتوابعه. وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ...) الزمر. وقال تعالى: (واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) مريم. وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) الزمر. وقال تعالى: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ، فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) الزمر. وقال تعالى: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) الصافات. وقال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء. وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البيِّنة.

       الفرْق بين الإخلاص وبين النيَّة:

       والفرْق بين الإخلاص والنية أن النقاء مطلوبٌ في كل الأعمال دون تفريق، والنيَّة قريبة من ذلك فهي القصْد الخالص المتَّفِق مع الإخلاص، ولِلنيَّة مَعْنًى آخَر أيضًا وهو التَّفْرِيق بين العادات والعبادات فقد يغتسل الشخص للنظافة، وقد يغتسل للعبادة كغسل الجمعة، وكذلك التفريق بين أنواع العبادات.. بين الفرْض والسُّنَّة من نوع الصلاة مثلًا، فسنة الفجر ركعتان وفريضة الفجر ركعتان تُفرِّق بينهما النية، وبين أنواع الفروض  وأنواع السُّنَن، كالظهر والعصر وسُنَّة الظهر وسنة العصر، وصيام الفرض وصيام النفل، والزكاة المفروضة والصدقة النافلة بعضها عن بعض، قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّما الأَعمال بالنيات، وإنّما لِكلِّ امرِئٍ ما نوَى) متفق عليه، ولا مانع من تَعَدُّد النيَّاتِ ما دامتْ مُباحة، كنيَّة الصلاة لِلنافلة والسَّهَر لِلحراسة، كما فعل الصحابي في الصلاة وحِراسة الشِّعب، ثم أصيب بالسهام،كما في حديث أحمد وأبي داود الذي حسَّنه الألباني، وكالصيام للفريضة أو النافلة، مع رغبة تخفيف الوزن، وكعبادة الحج للفريضة أو النافلة مع منافع أخرى، قال تعالى في جواز التجارة في الحج: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج . بخلاف النيات المحرَّمة مثل نيَّةِ الرياء أو الفخْر، أو نحوذلك فإنها مُحبِطة لِلأجْر.

      ومن الشوائب القادحة في الإخلاص البِدَع وعدَم الاستقامة على الشرْع:

     وقال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) حم السجدة، وقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف. ولذلك ورَدَ في الحديث عند البخاري وعند مسلم: (مَن أحدثَ في أَمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ) ، وحديث مسلم في خُطبِ الرسول ص: (...وشرَّ الأُمور مُحدَثاتُها، وكلَّ مُحدَثَةٍ بِدْعَةٍ، وكلَّ بدْعةٍ ضلالة) . فكما أن شائبة الرياء تذهب بالإخلاص، فكذلك شائبة الهَوَى في البِدَع تذهب به، لِأن الله سبحانه لا يقبَل الرياء وهو الشِّرْك الأصغر، بسبب معنى التعظيم والتأليه لغير الله، فكذلك لا يقبل تأليهَ الهَوَى، فتأليه الهوَى شِرك، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) الجاثية. وقال عليه الصلاة والسلام: (مَن عمِلَ عمَلًا أشْرَكَ فيهِ مَعِي غيري تَرَكْتُه وشِرْكَه) رواه مسلم. ولذلك لا بدَّ من الإخلاص في النيَّة والمتابعة.

       والإخلاص صفة المؤمنين في عباداتهم وجميع سلوكهم:

       قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة.  وقال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج.    وقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتْح. وقال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحشر. وقال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الإسراء.

      ولا بدَّ من الإخلاص فيما يُرضي الله ولو كَرِهتِ النفس:

      قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ، وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء. وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) النساء.

        والإخلاص تخليص للمسلم من تسلُّط شياطين الإنس والجن بالوسوسة والمَسِّ والسحر والعين ونحو ذلك، والجنِّي أخطر لِأنه لا يُرَى:

        قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ص. وقال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل.

      وضعْف الإخلاص في النيَّة وفي المُتابَعة أو انعدامه سببٌ لدخول النار أو الخلود فيها:

      قال تعالى: (إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) الصافات، وعند ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب بكَسْر اللام.  ومثلها في بقية سورة الصافات وفي الحِجْر وفي يوسف.

      وفي صحيح مسلم ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ".

      من تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على الحديث: (ناتِلُ أهل الشام) وفي الرواية الأخرى فقال له ناتلٌ الشامي، وهو ناتلُ بن قيسٍ الحزامي الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي، وكان أبوه صحابيا وكان ناتلٌ كبير قومه. اهـ.

     وعن أبي أمامة عند النسائي في "المجتبَى" قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ رجلاً غزا يلتمس الأجر والذِّكْر ما له؟ قال: "لا شيءَ له"، فأعادها ثلاثاً، كلُّ ذلك يقول: "لا شيءَ له" ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتُغي به وجهه". وجَوَّدَ إسناده الحافظُ في "الفتح" .

      والإخلاص سببُ دخول الجنة:

      قال تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى) الأعلى. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار) الرعد.

     سؤال الصحفيِّ الغربي للشيخ البنَّا:

      وجَّه صحفيٌّ غربي سؤالًا للشيخ البَنَّا طالبًا منه أن يعرِّفه بنفسه فكان جوابه: أنا سائحٌ يطلب الحقيقة، وإنسانٌ يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس ومواطنٌ يَنْشُد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيِّبة في ظل الإسلام الحنيف.. أنا متجرِّدٌ أدْرَك سِرَّ وُجودِه فنادَى: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِن الْمُسْلِمِينَ.. هذا أنا .. فمن أنت؟

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©