التعامل الشرعي مع زلّات العلماء :                                   

محاضرة في دورة جميع المتخرجين في الجامعة المتقدمين للتوظيف في الدولة في 2 رجب 1429هـ الموافق 5 يوليو 2008م

 

 لسماع المحاضرة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/mohadrat/zlat.mp3

  المنهج الشرعي في التعامل مع العلماء:

   ا * العلماء مرجعية : (العلماء ورثة الأنبياء)حم 4 حب ، قال الشيخ الألباني : (صحيح) . (ليس منا من لم يجلَّ كبيرنا، و يرحم صغيرنا، و يعرف لعالمنا حقه) حم ك عن عبادة بن الصامت . قال الشيخ الألباني : ( حسن). ( ...ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته) متفق عليه .

  ا  * العلماء بشر وليسوا أنبياء معصومين، وكل بني آدم خطّاء، (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطــأنا) البقرة ،  وكما قال الإمام مالك وغيره : (ما منا من أحد إلا ردَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر) كما ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) والألباني في (الإرواء) وغيرهما.

    * لا يقدح فيهم صدور الزلات منهم ،لقوله تعالى : ( وليس عليكم جناح فيما أخطاتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم) الأحزاب ، وللحديث (إذا اجتهد الحاكم ... فأخطأ...) متفق عليـــه . ويحصل الزلل بسبب الاجتهاد،الذي لايحرَم العالِم فيه من أجرٍ واحد . ويتمثل الزلل في مخالفة العالِم للجمهور بتأويـله الشاذّ لنص صحيح صريح يعتمد عليه الجمهور في الحكم  ، مثل قول عالم بتولية المرأة رغم ورود الحديث : (لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) خ ، أو مخالفتهم لعدم ثبوت النص لديه ، مع ثبوته عند الجمهور مثل : (لا نكاح إلا بولي) الخمسة إلا النسائي، أو وجود ما يعارض النص في نظره فيبيح مثلا  مالا يُسكر قليله من غيرالعنب محتجًّا بحديث ابن عباس (والمسكر من كل شراب) رواه سعيد ، مع أن عمر يقول في المتفق عليه بأنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أصناف ، وأنه ما خامر العقل ،وعند أبي داود (....فقليله حرام) ، (فملء الكف منه حرام) .  

      * العالم الذي تغتفر زلته هو من من توفرت فيه شروط العالم : التكليف والإسلام والعدالة ، عارفا بأدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وعارفا باللغة والأصول والناسخ والمنسوخ ، عارفا بالفقه وأمهات مسائله وتفاريعه المفروغ منها، وما اتفق فيه العلماء وما اختلفوا، و بشرط أن يجيزه عـالم أو أكثر .

      * ليس المفكرون علماء لأنهم لم تتوفر فيهم الشروط .. تمامًا كما في كل فن .      

     المنهج الشرعي في التعامل مع الزلّات :

     لا يجوز الأخذ بزلات العلماء ، وزلّة العالم هي ما ينكره عليه جمهور علماء السنة قديما وحديثا ، ويعتبرونه شذوذًا، أما مايرى الجمهور أن الخلاف فيه سائغ فليس من الزلّات.

     قال عليه الصلاة والسلام : (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه. فكيف بما هو أكبر من الشبهة؟ ممـَّا يكون دليله صحيحًا صريحا عند جمهور أهل السنة ، ويَزِلّ فيه عالم ، قال الألباني في(صفة الصلاة) وما أحسن قول سليمان التيمي رحمه الله تعالى :

     إن أخذت برخصة (الصواب: بزلّة) كل عالم اجتمع فيك الشر كله . رواه ابن عبد البر في الاستذكار ( 2 / 91 - 92 ) وقال : هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا  .   وقال ابن القيم في (الإغاثة) : ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرُّخَص (الصواب: بالزلات) من أقاويلهم تزندَق أو كاد .

   بعض ما أورده أبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم عن السلف في ذلك :

     قال أبو داود حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني عائذ الله أخبره أن يزيد بن عميرة وكان من أصحاب معاذ بن جبل أخبره قال كان لا يجلس مجلسا للذكر حين يجلس إلا قال: الله حكَمٌ قِسْطٌ ، هلَك المرتابون ،فقال معاذ بن جبل يوما  ... وأحذركم زَيْغَة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟ وأن المنافق قد يقول كلمة الحق ؟ قال بلى ، اجتنب من كلام الحكيم المشتهِرات التي يقال لها ما هذه؟ ولا يثنيك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع الحق فإن على الحق نورا . قال الشيخ الأ لباني : صحيح الإسناد موقوف .

     وروى نحوه عبد الرزاق والحاكم في المستدرك وقال على شرط مسلم وسكت الذهبي، وروى نحوه البيهقي في سننه ونقل قبله كلاما للشافعي فقال:  قال الشافعي رحمه الله : كل من تأوَّل فأتى شيئا مستحِلًّا ...لم تُرَدَّ شهادته بذلك ، ألا ترى أن مِمَّن حُمِل عنه الدين ...مَن قد استحل المتعة ؟ومنهم مَن يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد؟ ومنهم مَن قد تأول فاستحل سفك الدماء؟ ومنهم مَن تأول فشرب كل مسكر غير الخمر؟ ومنهم مَن أحل إتيان النساء في أدبارهن؟ ومنهم من أحل بيوعا محرمةً عند غيره؟ فإذا كان هؤلاء مع ما وصفت أهل ثقة في دينهم ،وقناعة عند من عرفهم، وقد تُرك عليهم ما تأولوا فأخطأوا فيه ....

     ثم قال البيهقي:  - وساق السند - قال سمعت الأوزاعي رحمه الله يقول : نجتنب أو نترك من قول أهل العراق خمسا ، ومن قول أهل الحجاز خمسا. من قول أهل العراق: شرب المسكر، والأكل في الفجر في رمضان ، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار، وتأخير صلاة العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثالـه ،والفرار يوم الزحف،  ومن قول أهل الحجاز: استماع الملاهي، والجمع بين الصلاتين من غير عذر، والمتعة بالنساء ،والدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يدا بيد ، وإتيان النساء في أدبارهن .

    بعض ما أورده ابن القيم في ذلك :

   قال ابن القيم في (إعلام الموقعين) : قال عبد الله المبارك :كنت بالكوفة فناظروني في النبيذ المختلف فيه ... فقلت للمحتج عنه في الرخصة :  عُدَّ أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسا فقال هو لك حلال ، وما وصفنا عن النبي ص وأصحابه في الشدة ، كان ينبغي لك أن تحذر وتخشى  . فقال قائل: ياأبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمَّى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟ فقلت لهم: دعوا عند المناظرة تسمية الرجال فرُبَّ رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا ، وعسى أن تكون منه زلّة ، أفيجوز لأحد أن يحتج بها؟ فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة ؟ قالوا كانوا خيارًا . قلت فمـا قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟ قالوا حرام . فقلت إن هؤلاء رأوه حلالا، أفماتوا وهم يأكلـون الحرام؟ فبُهِتوا وانقطعت حجتهم  .  قال ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال رآني أبي وأنا أنشد الشعر فقال: يا بني لا تنشد الشعر. فقلت يا أبت كان الحسن ينشد الشعر وكان ابن سيرين ينشد .فقال : أي بني إن أخذت بِشَرِّ ما في الحسن وبِشَرِّ ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله .

     قال شيخ الإسلام (ابن تيمية) وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء فإنه ما من أحد من أعيان الأئمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا وله أقوال وأفعال خفِي عليهم فيها السنة .

     قلت : وقد قال أبو عمر بن عبد البر في أول (استذكاره) :  قال مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم : ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ص  .  وقال سليمان التيمي إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله قال ابن عبد البر هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا ..

     وقال زياد بن حدير: قال عمر :ثلاث يهدمن الدين زلة عالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون.

     وقال الحسن : قال ابو الدرداء : إن مما أخشى عليكم زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن والقرآن حــق وعلى القرآن منار كأعلام الطريق ....

     وقال سلمان الفارسي كيف أنتم عند ثلاث : زلة عالم ...فأما زلة العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم وتقولون نصنع مثل ما يصنع فلان....

وعن ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العالم قيل كيف ذلك؟ قال يقول العالم شيئا برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله ص، فيترك قوله ، ثم يمضي الأَتْباع.  ذكر أبو عمر هذه الآثار كلها وغيرها .انتهى كلام ابن القيم .

       بعض ما أورده الألباني :

     وقال الألباني في تعليقه على (كشف الأستار) : ترانا هنا نرد على شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بفناء النار ولا نداريه مع عظمته في نفوسنا وجلالته في قلوبنا، فضلا عن أننا لا نقلده في ديننا خلافا لما عليه عامة المقلدة الذين يحملهم إجلالهم لإمامهم على تقليده ونبذ قول كل من خالف ، حتى ولو كان المخالَف هو النبي محمدا صلى الله عليه وسلم .... وإن مما يمنع توجيه الطعن في ابن تيمية لقوله بفناء النار عـلاوة على ما ذكرنا آنفا أن له قولًا آخر في المسألة وهو عدم فنائها كما سبق بيانه بالنقل عنه . وإذا كنا لا نعلم أي القولين هو المتأخر فمن البدهي أن الطاعن لا بد له من الجزم بأنه هو الأول ودون هذا خرط القتاد ، وأما نحن فإن حسن الظن الذي أمرنا به يقتضينا بأن نقول : لعله القول الآخر لأنه موافق للإجماع الذي نقله هو نفسه فضلا عن غيره كما تقدم، وقد يؤيده هذا أن ابن القيم نقله أيضـا كما في قصيدته ( الكافية الشافية ) فالظاهر أنه مات على ذلك ،لأنها قرئت عليه في آخر حياته، فقد ترجمـه الحافظ ابن رجب الحنبـلي في ( طبقاته ) وذكر في آخرها ما يشعرنا بذلك فقال :  2 / 448  ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة ، وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشيـــاء من تصانيفه غيرها .

     أقول فإذا صح ظننا هذا فالحمد لله، وإلا فأسوأ ما يمكن أن يقال : إنه خطأ مغفور لهما بإذن الله تعالى ،لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما، ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ كما جاء في الحديث الصحيح.

     ثم نقل الألباني كلاما لابن تيمية في موضوع زلات العلماء  من آخر رسالته في تحريم الشطرنج في ( الفتاوى) ( 32 / 239 ) ما نصه:

     وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء، كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل، فإن الله تعالى عفا عن المؤمنين عما أخطؤوا كما قال تعالى : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )البقرة ، قال الله : قد فعلت  . وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا ولا نتع من دونه أولياء، وأمرنا أن لا نطيع مخلوقا في معصية الخالق، ونستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فنقول : (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) الحشر.    

     من أمثلة زلات العلماء في عصرنا :

    القول بإباحة الربا في النقود الورقية ـ القول بإباحة شراء المنازل في أوروبا بالقرض الربوي للضرورة ثم تمديد ذلك إلى المغرب ـ القول بإباحة الغناء والتمثيل للنساء والتلفزة بشروط ـ القول بإباحة قتال المسلم مع دولة كافرة للضرورة ضد المسلمين ـ القول بإباحة القات والدخان ـ القول بإباحة حلق اللحية ـ القول باستمرار القَصر والفِطر ولو طالت المدة ـ القول بوجوب طاعة ولي الأمر في أنظمة الإقامة والجنسية  ـ القول بعدم الزكاة في عروض التجارة ـ القول بإخراج الزكاة كل شهر ـ القول بمصافحة الأجنبيات ـ الفتوى بتوسيع مَسْعَى الصفا والمروة عرْضًا ـ الفتوى باعتبار الداخلين على الحرم محاربين مع أنهم بغاة متأولون  ـ الفتوى بالضرورة في دخول القوات الأجنبية إلى جزيرة العرب لدفع خطر توسُّع معرَّة حرب الخليج الثانية ...

      من أمثلة انحرافات وتحريفات غير العلماء أو بعض العلماء غير العدول في عصرنا واغترار بعض الناس بها رغم ذلك:

     القول بإباحة الربا وأنه كان محرما مؤقتا حتى يتم الانتقال من المقايضة إلى العُمْلة ـ القول بعـدم مشروعية حد الردة ـ القول باجتهاد وإجماع العلماء والجهال والقول باعتماد الأغلبية فيهم ـ القول بولاية الكافر على المسلم ـ القول بأن تكون المرأة خطيبة ومقرئة وقاضية وأمينة عقود ـ القول بإباحة تداول السلطة بين المتدينين والعلمانيين  ـ المساواة الشاملة بين الرجال والنساء ـ ردّ كثير من الأحاديث ،وتحريف معاني الآيات ـ القول بأن الخلاف مع الروافض خلاف في الفروع ـ إباحة الدعوة إلى غير الإسلام في ديار المسلمين ـ القول بالمواطنة المتساوية بين المسلم والكافر ـ القول بضرورة منع الزواج قبل الثامنة عشرة  ـ التشكيك في عدالة الصحابة بالجملة أوبعض كبارهم ـ القول بأن رسم ذوات الروح وصناعة التماثيل فنّ  ـ القول بعدم مشروعية الرجم ـ القول بتحديد سن للحج  ـ منع التعدد في الزواج ...

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©